• اخر تحديث : 2024-07-03 03:33
news-details
مقالات مترجمة

مناورات روسية – بيلاروسية حيث تقرع واشنطن طبول الحرب


انطلقت في الـ 10 من شباط/فبراير، في بيلاروسيا، بالقرب من الحدود مع أوكرانيا، مناورات عسكرية روسية – بيلاروسية، حملت اسم "عزيمة الحلفاء 2022"، تُستخدم فيها القوات البرية والمدفعية وأنظمة الطيران والدفاع الجوي، بحيث نُقل جزء كبير من القوات من المنطقة العسكرية الشرقية للاتحاد الروسي. على خلفية الأزمة المتعلقة بأوكرانيا، ترى الولايات المتحدة وحلفاؤها أن التدريبات دليل على نيات روسيا العدوانية، وتعدّها تهديداً مباشراً بغزو أوكرانيا من الشمال. ومع ذلك، لا يتفق الخبراء مع هذا الرأي، فلا يوجد في القسم البيلاروسي من الحدود مع أوكرانيا ولا في القسم الروسي، قواتٌ، من حيث العدد والتكوين، يمكن أن تتحوّل إلى قوات غزو.

كان قرار المناورات الروسية البيلاروسية المشتركة، "عزم الحلفاء -2022"، اتُّخذ في كانون الأول/ديسمبر الماضي من جانب رئيسَي البلدين، فلاديمير بوتين وألكسندر لوكاشينكو. هدفها، كما أوضح نائب وزير الدفاع في الاتحاد الروسي، ألكسندر فومين، في إيجاز للملحقين العسكريين الأجانب، في الـ 18 من كانون الثاني/يناير، هو إجراء فحص قدرات غير مجدول للقوات، والعمل على خيارات متعددة لاتخاذ إجراءات مشتركة من أجل تحييد التهديدات، واستقرار الوضع عند حدود الدولتين الحليفتين. وقال إن "من المخطط إعداد القطع العسكرية والقوات للقيام بأعمال، ليس فقط ضمن حدود مسؤوليتها، وإنما أيضاً لإنجاز المهمات الناشئة فجأة، والمتمثلة بنشوب أزمات مهدّدة في أي منطقة". فلو لم تمثّل الجهة الجنوبية (الحدود مع أوكرانيا) "تهديداً لأمن البلاد في السابق، فهي اليوم كذلك، بناءً على تقييم للوضع، عسكرياً وسياسياً واستراتيجياً. ونحن مضطرون إلى النظر جنوباً، أولاً وقبل كل شيء، من أجل حماية حدودنا الجنوبية"، وفق ألكسندر فولفوفيتش، سكرتير الدولة في مجلس الأمن البيلاروسي في بيلاروسيا.

يتعلق جزء مهم من المناورات بتقييم قدرات البنية التحتية للنقل، من أجل ضمان نقل الوحدات العسكرية الروسية إلى أراضي بيلاروسيا، كما صرح ألكسندر فومين، بالقول "قد ينشأ موقف ما ولا تكون قوى الحشد الإقليمي ووسائله كافية لضمان أمن الدولة، ويجب أن نكون مستعدين لتقويتها". في هذا الصدد، تشارك القوى العسكرية الروسية، إلى جانب وحدات من المنطقة العسكرية الشرقية (الشرق الأقصى وشرقي سيبيريا)، في هذه المناورات. وللمرة الأولى، نشهد نقلاً فعلياً لوحدات عسكرية، تمثّل جميع قوات المنطقة العسكرية الشرقية، إلى الغرب، لمسافة تزيد على 10 آلاف كيلومتر.

وعلّق ميخائيل بارابانوف، خبير مركز تحليل الاستراتيجيات والتقنيات، لصحيفة "كوميرسانت"، بالقول إن "حجم القوات مثير للاهتمام حقاً". ورأى الخبير العسكري المستقل في الشأن البيلاروسي، ألكسندر أليسين، أنَّ "من الواضح أن هذه هي الفكرة الرئيسة للتدريبات؛ أي تنفيذ عملية نقل بعيدة المسافة للقوات الروسية إلى أراضي بيلاروسيا، وتطوير مسرح جديد للعمليات العسكرية من جانب هذه القوات".

في إطار هذه المناورات، تشارك 12 طائرة حربية من طراز "سو 35"، وطائرات من طراز "سو 25 أس أم" (لم يتمّ تحديد عددها الدقيق)، وفِرقتان من أنظمة الدفاع الجوي "أس 400"، ومنظومات إطلاق الصواريخ المضادة للطائرات، من طراز "بانسير أس"، والتي نُقلت إلى أراضي بيلاروسيا، وفق تصريحات وزارة الدفاع الروسية.

ولم تعلن روسيا ولا بيلاروسيا عددَ جنود الفِرَق العسكرية، الذين سيشاركون في المناورات. وبحسب وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، فإن "عدد المشاركين في المناورات وأنظمة الأسلحة الرئيسة لا يتجاوز المعايير التي حدَّدتها وثيقة فيينا لعام 2011". وفي هذا الصدد، لم يُطلب من روسيا وبيلاروسيا إخطار الشركاء الأجانب بشأن المناورات.

وشدّدت وزارة الدفاع الروسية على أن جميع المعلومات، التي نشرها ألكسندر فومين، للملحق العسكري الأجنبي، قدمتها الإدارة العسكرية الروسية "في إطار الشفافية الطوعية". ووفقاً لوثيقة فيينا، الصادرة عام 2011، بشأن تدابير بناء الثقة والأمن، المعتمدة في إطار منظمة الأمن والتعاون الأوروبية، تخضع الأنشطة العسكرية للإخطار المسبّق إذا شملت ما لا يقل عن تسعة آلاف شخص، بما في ذلك القوات الداعمة، و250 دبابة مقاتلة، أو 500 مركبة عسكرية مصفحة، أو 250 قطعة مدفعية ذاتية الدفع، ومدافع هاون وأنظمة إطلاق صواريخ متعددة (من عيار مئة ملم وما فوق).

لكنّ هناك في بروكسل رأياً آخر، ففي مؤتمر صحافي للأمين العام لحلف الناتو، يانس ستولتنبرغ، رأى أن الأيام الأخيرة شهدت إعادة انتشار كبيرة للقوات العسكرية الروسية في بيلاروسيا. وهذا هو أكبر وجود روسي هناك منذ الحرب الباردة. ونتيجة لذلك، فإننا نتحدث عن ثلاثين ألف عنصر من القوات الخاصة والمقاتلة والجاهزة للقتال، تُضاف إليها مقاتلات "سو 35"، وأنظمة صواريخ "إسكندر"، وأنظمة الدفاع الجوي "أس 400".

في روسيا، تعلموا فعلاً كيفية التلاعب بحدود وثيقة فيينا، عبر تقسيم التدريب الواحد إلى عدة تدريبات أصغر، أو عبر فصل القوات المشاركة إقليمياً. ويرى ميخائيل بارابانوف أن كل هذه الأمور شكلية. ليس علينا البحث بعيداً عن مثال، فلقد شارك في المناورات الاستراتيجية الروسية البيلاروسية "غرب 2021"، والتي جرت في أراضي البلدين، في أيلول/سبتمبر، نحو مئتي ألف عسكري، بحسب معطيات عسكرية رسمية. ومع ذلك، في الوقت نفسه، كما هو مذكور في الموقع الإلكتروني لوزارة الدفاع في الاتحاد الروسي، فإن "الحد الأقصى لعدد أفراد الوحدات العسكرية المشاركة في التدريبات، تحت قيادة عمليات واحدة، يتماشى مع وثيقة فيينا، ولم يتجاوز ستة آلاف وأربعمئة شخص".

ويبرز هنا خبر في قناة "مجتمع عمال السكك الحديدية في بيلاروسيا"، عبر موقع "تيليغرام"، يفيد بإرسال 200 قطار إلى بيلاروسيا من روسيا، يتراوح عدد عرباتها بين ثلاثين وخمسين. لكن ألكسندر أليسين يعتقد أن العدد ليس كبيراً، وهذه القطارات لم تقلّ الجنود في الأساس، وإنما أقلّت معدات وتقنيات عسكرية. ويمكن الوثوق بالجنرالات الروس حين يقولون إن لا أحد سيخرج من حدود فيينا.

هل هدف المناورات إثارة الرعب؟

بالتزامن مع "عزيمة الحلفاء 2022"، حددت روسيا أكثر من 10 مناورات واختبارات جهوزية أخرى، داخل أراضيها وخارجها، خلال أشهر الشتاء. على وجه الخصوص، في كانون الأول/ديسمبر، نُظمت مناورات ميدانية في المنطقة العسكرية الجنوبية في مناطق أستراخان وفولغوغراد وروستوف، وفي مقاطعات القرم وستافروبول وكراسنودار وجمهوريات شمالي القوقاز، وفي حقول التدريب التابعة للقواعد العسكرية الروسية في أبخازيا وأرمينيا وأوسيتيا الجنوبية. وشارك في هذه التدريبات ما مجموعه عشرة آلاف عسكري.

وفي كانون الثاني/يناير، استُخدم أكثر من ستة آلاف عنصر في المنطقة العسكرية الجنوبية للتحقق من الاستعداد القتالي للقوات، مع إعادة انتشار الوحدات في مناطق التدريب، وأكثر من ألف عنصر في المنطقة العسكرية الغربية.

وفي شباط/فبراير الجاري، تستمر التدريبات في هذه المقاطعات. بالإضافة إلى ذلك، في الـ 20 من كانون الثاني/يناير، أعلنت وزارة الدفاع سلسلة من المناورات البحرية، شارك فيها أكثر من 140 سفينة حربية وزورقاً، بالإضافة إلى أكثر من عشرة آلاف عسكري، في البحار المجاورة للأراضي الروسية والمناطق ذات الأهمية الاستراتيجية في المحيطات. وجرى التخطيط لتدريبات منفصلة في مياه البحر الأبيض المتوسط​​، والبحر الشمالي، وبحر أوخوتسك، وفي الجزء الشمالي الشرقي من المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ أيضاً.

تجري التدريبات الشتوية على خلفية تصعيد المواجهة بين روسيا والغرب. في منتصف كانون الأول/ ديسمبر، أرسلت موسكو إلى الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي مسوَّدات معاهدة الضمانات الأمنية، واتفاقية تدابير ضمان أمن الاتحاد الروسي والدول الأعضاء في الناتو.

وتَمثَّلَ أحد مطالب موسكو الرئيسة بالتأكيد القانوني لرفض قبول "الدول التي كانت في السابق جزءاً من اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية" في الناتو. ولا يخفى أن الحديث هنا يتركز على أوكرانيا وجورجيا. في الوقت نفسه، بدأت في الغرب موجة أخرى من الاتهامات لروسيا بالإعداد لغزو أوكرانيا.

ووفقاً للجيش الأوكراني، يوجد حالياً نحو 130 ألف جندي روسي عند الحدود مع أوكرانيا. ووفقاً لوكالة الاستخبارات الأميركية، وضع الكرملين خطة لعملية عسكرية يشارك فيها ما يصل إلى 175 ألف جندي، ويمكن أن تبدأ في الأسابيع المقبلة، في حين أن من غير الواضح ما إذا كان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قرّر شن هجوم. وصرّحت موسكو، مراراً وتكراراً، في الأسابيع الأخيرة، بأنه ليس لديها خطط من أجل القيام بذلك.

لم يجد وزير الدفاع الأوكراني، أوليكسي ريزنيكوف، "أي أسباب للذعر"، ففي بعض الأحيان، "يُبالغ بعض وسائل الإعلام الغربية في درجة التهديد، ويشوش الأرقام... من أجل إعطاء صورة موضوعية للمجتمع، نقول إنه يوجد اليوم 140 ألف عسكري (روسي وبيلاروسي) بالقرب من حدود أوكرانيا... قد يشكلون قوة ضاربة إذا ما أتيحت لهم الفرصة في مهاجمة أوكرانيا".

لطالما تسبّبت التدريبات الروسية البيلاروسية برد فعل عصبي تتزايد درجته في كل مرة. لا أحد يستمع إلى الحجج القائلة إنّ لا طبيعة التضاريس في جنوبي بيلاروسيا، والمكوّنة من الغابات والمستنقعات وسهول الأنهار الفيضية، ولا حجم الحشد، يسمحان بهجوم واسع النطاق ضد أوكرانيا، وفق ألكسندر أليسين. وأوكرانيا، في المقابل، لديها حشد قوامه 120 ألف جندي في الشرق. فإن كان مقدَّراً له أن يتلقى صدمة هجومية فيجب أن يتضاعف عديد جنوده ثلاث مرات، أو حتى أكثر. فبحسب مصادر روسية متعددة، يبلغ عدد القوات البرية الروسية قرابة 281 ألفاً. وكذلك، من أجل تحقيق التفوق، تحتاج روسيا إلى نقل جميع قواتها إلى الحدود الأوكرانية، وهذا مستحيل. فالتدريبات الروسية البيلاروسية، وكلّ المناورات الروسية الأخرى بالقرب من الحدود الأوكرانية، هي ذات طبيعة استعراضية. وهذا عنصر من عناصر الحرب. في بعض الأحيان، يكون توقع الضربة أسوأ من الضربة نفسها. هذا يرهق أعصاب الجيش الأوكراني، ويستنزف الموارد، ولا يساهم أيضاً في مناخ الاستثمار.

ليس من قبيل المصادفة أن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، أعرب عن قلقه بشأن رحيل الدبلوماسيين الغربيين من كييف. قررت الولايات المتحدة (قامت، أيضاً، بإجلاء عائلات الدبلوماسيين من مينسك) وبريطانيا العظمى وأستراليا وألمانيا وكندا تقليص عدد أعضاء السلك الدبلوماسي. وفقا للسيد زيلينسكي، أوكرانيا "ليست تيتانيك" لتغادروا. وقال، في تصريح لوسائل إعلام أجنبية، إنه لا يعتبر مستوى التصعيد عند الحدود الأوكرانية، من جانب القوات الروسية، أعلى مما كان عليه في بداية عام 2021، لكنه طرح على الفور سؤالين استنكاريَّين: لماذا تجري المناورات في كثير من الأحيان؟ هل هي للتخويف؟

المقالة "عزيمة الحلفاء" (عن مخاوف الغرب من المناورات العسكرية الروسية – البيلاروسية عند الحدود الأوكرانية)، ماريانا بيلينكايا، جريدة "كوميرسانت".