تساءلت مجلة "فورين بوليسي" الاميركية عن المدى الذي يمكن أن تذهب إليه تركيا في دعم أوكرانيا في مواجهة روسيا، وأوردت كثيرا من المعلومات عن علاقات أنقرة بكل من طرفي الصراع.
نشرت المجلة ذلك في مقال للكاتبة إيرين أوبراين -الصحفية المستقلة المقيمة في إسطنبول- حيث أجملت إجابتها على التساؤل في الإشارة التي أدلى بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عندما قال إن أنقرة ستدعم كييف بقوة لكنها لن تضحي بعلاقة عمل قوية ومستقرة مع روسيا.
وقالت إنه من غير المرجح أن يذهب أردوغان إلى أبعد مما فعل في دعم أذربيجان بشكل مباشر في حربها الأخيرة مع أرمينيا.
ميزان القوى
وأضافت أن ميزان القوى بين تركيا وروسيا وتهديدات التدمير بينهما تضمن أنه في حالة غزو روسيا لأوكرانيا، فإن تركيا ستبذل قصارى جهدها لتجنب مواجهة موسكو وجها لوجه.
وأوردت الكاتبة أنه في الأسابيع الأخيرة، عندما نشرت روسيا أكثر من 130 ألف جندي على طول الحدود الروسية الأوكرانية، أكد الرئيس أردوغان دعمه لأوكرانيا، قائلة إن البلدين أصبحا شريكين تجاريين ودفاعيين مهمين خلال رئاسة أردوغان، إذ وقعا اتفاقيات تجارة حرة بمليارات الدولارات وصفقات إنتاج أسلحة مربحة، بالإضافة إلى سيطرة تركيا على الممر المائي الوحيد لأوكرانيا إلى البحر الأبيض المتوسط (مضيق البوسفور)، وهو أمر بالغ الأهمية لربط البلاد بالسوق العالمية.
كذلك أشارت إلى أن أردوغان عرض العمل وسيط سلام بين أوكرانيا وروسيا خلال لقائه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كييف أوائل الشهر الجاري، وأشار إلى تضامنه مع أوكرانيا في حالة نشوب صراع، حتى إنه باع طائرات من دون طيار لقوات الحكومة الأوكرانية التي تقاتل الانفصاليين المدعومين من روسيا في منطقة دونباس.
تعاون تنافسي
وعلقت الكاتبة بأن أنقرة لا تستطيع الذهاب إلى أكثر من تلك الإشارة الشفهية. فرغم وقوفها مع روسيا على طرفي نقيض في النزاعات حول العالم -في سوريا وليبيا والآن أوكرانيا-، فإن تركيا تعتمد بشدة على علاقتها مع روسيا، مضيفة أن البلدين يحافظان على "تعاون تنافسي" بينهما.
وأشارت أوبراين إلى ما قاله أردوغان عن أنه يأمل في أن لا تشن روسيا هجوما مسلحا أو تحتل أوكرانيا، واصفا مثل هذه الخطوة بالعمل غير الحكيم لروسيا أو المنطقة.
وقالت إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأردوغان رئيسان "عمليان" يمكنهما الحفاظ على تحالفات متداخلة وأحيانا متناقضة لأنهما يفكران في الدبلوماسية من حيث الدولة وما سيفيدها بشكل مباشر.
محطات مماثلة
واستشهدت بالمحطات العديدة التي مرت بها العلاقة بين البلدين خلال العقدين المنصرمين في الحرب الروسية الجورجية عام 2008، وفي غزو روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014، وهو عمل أدانته تركيا على نطاق واسع، إذ رفضت الامتثال للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي على موسكو. وحتى بعد أن أسقطت تركيا طائرة حربية روسية في عام 2015، تمكن البلدان من إحياء علاقة عمل بينهما لأن أردوغان أصدر اعتذارا، والعقوبات الوحيدة التي فرضتها روسيا والتي ظلت سارية كانت على الطماطم التركية.
وأشارت الكاتبة إلى اعتماد تركيا على الغاز الطبيعي الروسي بأكثر من 40% من إجمالي احتياجاتها من الغاز، وإلى علاقة تركيا المتفاقمة مع حلفائها الغربيين، لتؤكد ما ذهبت إليه من أنه من غير المرجح أن يهدد أردوغان تحالفا روسيا ضعيفا، حتى لحلفاء تركيا في حلف شمال الأطلسي "ناتو".
وسيط مقبول لدى الطرفين
ودعمت أوبراين استنتاجها بأن أردوغان قال الشهر الماضي إنه "مستعد لفعل كل ما هو ضروري" لتجنب الحرب، وعرض علانية التوسط في النزاع، وهو عرض أعرب زيلينسكي عن حماسته له، وقالت روسيا، بعد رفضها الأولي، إنها ستنظر فيه. وعلقت الكاتبة بأنه لا توجد دولة أخرى عضو في الناتو ستوافق عليها روسيا، نظريا، على أن تكون ذلك الوسيط.
وختمت الكاتبة مقالها بالقول إن السؤال هو ما إذا كان لا يزال هناك وقت للوساطة. فبعد رحلته إلى كييف، دعا أردوغان بوتين أيضا إلى تركيا، وفقا لوسائل الإعلام الحكومية التركية. ووافق الكرملين على المواعيد بعد أولمبياد بكين الشتوية، لكنه قال إنه سيتم الإعلان عنها، وهي النقطة نفسها التي يخشى فيها الكثيرون أن تختار روسيا غزو أوكرانيا إذا كانت مزاعمها الأخيرة بخفض التصعيد غير حقيقية.