نشرت صحيفة "تايمز اوف إسرائيل" الإسرائيلية مقالا للمحلل الصهيوني يارون فريدمان يقول فيه، سارعت الدول العربية في الاستجابة للأزمة في أوروبا، ويرجع ذلك أساسًا إلى ارتفاع أسعار المنتجات، وأسعار النفط، ممّا يؤثر على الدول الفقيرة. في المغرب، أعلنت الحكومة أنها ستكافح من أجل استقرار أسعار القمح، حيث تستورد معظم القمح من روسيا وأوكرانيا. في سوريا، حذرت الحكومة السورية من ارتفاع أسعار السلع الأساسية والنفط، خاصة في الشهرين المقبلين.
إن وقف استيراد المواد الغذائية إلى الشرق الأوسط من أوكرانيا بسبب الحرب، ومن روسيا بعد العقوبات، لن يضر فقط بالمغرب؛ ولكن أيضًا بقية الدول العربية الفقيرة التي تعتمد على هذا الإمداد، وعلى رأسها مصر ولبنان واليمن وليبيا وتونس والجزائر؛ هذه الدول تعتمد على القمح في المقام الأول لإنتاج الخبز، وهو المنتج الأساسي.
وتزود روسيا أوروبا بنحو 40% من احتياجاتها من الغاز، كما أنها ثالث أكبر منتج للنفط في العالم. الحرب الروسية والعقوبات الشديدة التي توشك الولايات المتحدة على فرضها ستتسبب بفجوة كبيرة في إمدادات الطاقة في أوروبا، وهذا الفراغ سيقود أوروبا إلى البحث عن أسواق جديدة، فهل هذا بالضبط فرصة ذهبية لدول الشرق الأوسط؟
تتابع وسائل الإعلام السعودية التطورات في أوروبا، ممّا أدى إلى ارتفاع سعر برميل النفط إلى أعلى مستوى في سبع سنوات (103 دولارات). أعلنت شركة النفط السعودية "أرامكو" هذا الأسبوع أنها ستساعد في استقرار الاقتصاد العالمي. ويعني البيان أنها تعتزم توريد النفط للدول التي ستعاني من نقص في مصادر الطاقة نتيجة توقف الإمداد المنتظم للغاز والنفط من روسيا.
هذه المساهمة في استقرار الاقتصاد العالمي ستكون فرصة للسعودية للاقتراب بشكل كبير من الولايات المتحدة، النقص المتوقع في الغاز والنفط في أوروبا يخلق فرصة اقتصادية لمزيد من الدول الغنية في الشرق الأوسط. عرضت قطر هذا الأسبوع إمداد ألمانيا بالنفط وعرضت الجزائر تزويد الاتحاد الأوروبي بالغاز.
هل سيسرع ذلك الاتفاق مع إيران؟
يُمكن أن يؤدي نقص مصادر الطاقة أيضًا إلى إحداث تأثير سلبي في المنطقة. من المؤكد أن الحاجة الملحة للنفط والغاز يُمكن أن تحفز الولايات المتحدة وأوروبا على تسريع الصفقة النووية مع إيران، وربما حتى الموافقة على تنازلات كبيرة، فقط لإزالة العقوبات عن إيران، حيث ستكون الأخيرة قادرة على توفير الغاز والنفط الرخيص في هذا الوقت من الضائقة العالمية.
لكن الاتفاق النووي مع إيران الذي سيسمح لها ببيع النفط سيفتح منافسة جديدة مع أسواق النفط في العراق والسعودية. وكان وزير النفط العراقي قد ألمح مؤخرًا أن هذا الاحتمال مقلق للغاية. يعتمد الاقتصاد العراقي بشكل كامل على النفط، وفي الواقع ليس لدى العراق خطة اقتصادية بديلة طويلة المدى مثل السعودية ودول الخليج. قد تؤدي المنافسة مع إيران (وهي قوة نفطية) إلى انهيار الاقتصاد العراقي المهتز أيضًا.
لم تجرؤ أي دولة في الشرق الأوسط على انتقاد روسيا، معظم دول المنطقة دعت مواطنيها إلى مغادرة أوكرانيا. يجب أن نتذكر أنه حتى الدول التي لديها علاقات جيدة مع الولايات المتحدة، مثل السعودية ومصر والإمارات، تجري معاملات واسعة النطاق مع كل من روسيا في مجالات الغذاء والأسلحة.
ليبيا كانت استثناءً، حيث أدانت بشدة الغزو الروسي، فقد عانت ليبيا من التدخل الروسي في الحرب الأهلية في السنوات الأخيرة. الآن، قد يؤدي التوتر في أوروبا إلى تخريب جهود المصالحة التي تحققت في ليبيا قبل نحو عام.
كانت إيران حريصة على عدم انتقاد روسيا، وهي حليف مهم في الحرب ضد النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط. كان التعاون الأكثر أهمية بين إيران وروسيا في السنوات الأخيرة في سوريا، حيث يتقاسم الطرفان الآن السيطرة على البلاد. هذا الواقع يجلب النفوذ الروسي إلى الحدود الإسرائيلية في هضبة الجولان.
روسيا: مرتفعات الجولان السورية
على الرغم من أن القوات الجوية الروسية والسورية قد نفذت في يناير مناورة تهديد مشتركة بالقرب من مرتفعات الجولان. قبل أيام، في ذروة الأزمة في أوكرانيا، زار وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو سوريا، ربما لإرسال رسالة إلى الغرب مفادها بأن الأزمة في أوروبا لا تنتقص من أهمية القواعد الروسية في الشرق الأوسط.
اختارت روسيا في هذا الوقت، بعد أن أعربت إسرائيل عن دعمها لأوكرانيا، أن تعلن في الأمم المتحدة أن الجولان جزءٌ لا يتجزأ من سوريا. وفي صباح الغزو، قصفت إسرائيل مرة أخرى أهدافًا إيرانية في دمشق.
لا شك أن الإعلام السوري سعيد بنقل البيان الروسي ضد إسرائيل. أعرب أنصار نظام الأسد عن أملهم في أن تضر حرب روسيا بالعلاقات مع تركيا، وعلاقاتها مع إسرائيل.
كيف ستؤثر العقوبات الشديدة والضغط الاقتصادي على روسيا؟ يبدو أن الحرب في أوروبا والعقوبات الاقتصادية ستؤدي في الواقع إلى تقليص التدخل الروسي في سوريا. من ناحية أخرى، فإن رفع العقوبات عن إيران في نفس الوقت سيعمق تدخل الحرس الثوري في سوريا.
ارتفاع أسعار المواد الغذائية - خطر
كما ذكرنا، فإن روسيا تزود دول المنطقة بالطعام وخاصة القمح. ومن بين أكبر أربعة مستوردين للغذاء من روسيا، مصر وتركيا والسعودية وإيران (هناك ثلاثة دول حليفة للولايات المتحدة) والمغرب.
يذكر أن ارتفاع أسعار السلع الأساسية كان أحد أسباب الصدمات التي شهدها الشرق الأوسط عام 2011، والتي أصبحت تعرف باسم "الربيع العربي"، وأدت إلى سقوط الأنظمة والحروب الأهلية.
كل الأنظار الآن على أوروبا الشرقية، لكن من المتوقع أن يكون للحرب في أوكرانيا عواقب بعيدة المدى على الشرق الأوسط، وقد تم تحديد بعضها بالفعل على المدى القصير.