تحت هذا العنوان استطلع "ملتقى حوار وعطاء بلا حدود" قراءة وزير الخارجية السابق د. عدنان منصور لبيان وزارة الخارجية اللبنانية حول الحرب، والتداعيات السياسية وما سيكون تأثيرها على صراع الأقطاب وتداعياتها على أزمة الشرق الأوسط وعلى التحالفات العالمية، وما هو موقع ودور اوكرانيا بالنسبة للأمن القومي الروسي!؟
فيما يلي نص المداخلة:
ما يحصل اليوم في أوكرانيا هو نتيجة تراكمات على مدى عدة سنوات نتيجة للسياسات التي اتبعتها الحكومة الأوكرانية تجاه روسيا، وأيضا هي توجهات كانت مدعومة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، هذه السياسات شكلت تهديدا للأمن القومي الروسي وهو الامن الذي لا يمكن لموسكو ان تفرط به من قريب او بعيد.
نحن نعلم انه بعد الحرب العالمية الثانية وفي 4 نيسان 1949 أنشئ الحلف الأطلسي من قبل الولايات المتحدة من اجل التصدي للأنظمة الشيوعية وبالذات الاتحاد السوفياتي وحلفائه، وفي عام 1955 أنشئ حلف وارسو من قبل موسكو ردا على الحلف الأطلسي، وشهد الحلفان (وارسو والاطلسي) الحرب الباردة المعروفة.
ولكن عند انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الشيوعية وجدنا كيف ان اميركا بدلا من ان تنظر الى المتغيرات التي حصلت بصورة إيجابية وتساعد على تحقيق السلام في العالم، وجدنا ان الولايات المتحدة لم تتوقف عند حد الحلف الأطلسي بل ارادت ان توسع هذا الحلف باتجاه الشرق، ومعروف ان هذا التوسع على حساب روسيا، ووجدنا انه عام 1991 كان عدد دول الحلف الأطلسي 12 دولة (كندا والولايات المتحدة في القارة الأميركية و10 دول أوروبية)، اما اليوم فعدد الدول للحلف الشمالي الأطلسي يبلغ 28 دولة.
إذا هذا الحلف نستطيع ان نقول بانه موجه ضد روسيا ومن ضد امنها القومي ومن اجل تطويق روسيا والحد من مكانتها وهيبتها السياسية والعسكرية في العالم، وهذا الامر يشكل شيئا خطيرا بالنسبة لروسيا ولا يمكن ان تتقبل ذلك، وتقدم الناتو باتجاه أوكرانيا او باتجاه جورجيا وجدنا الرد عام 2008 كان صارما من قبل موسكو على أساس ان جورجيا هي خاصرة روسيا ولا يمكن ان تقبل باي صورة من الصور ان يكون هناك تهديد للأمن القومي الروسي وللمجال الحيوي الروسي.
ومنذ عام 2014 وجدنا كيف ان المنحى الذي اخذته السياسة الأوكرانية والأوروبية والأميركية تجاه روسيا امر خطير باعتبار ان موسكو كانت تنظر الى هذا الامر بخشية وريبة من دخول أوكرانيا الى الاتحاد الأوروبي وأيضا لدخول الحلف الأطلسي وهذا امر غير مقبول، لذلك بعد ان استنفذت موسكو كل الوسائل الدبلوماسية لم يكن امامها من خيار الا اللجوء الى العمليات العسكرية حفاظا على امنها القومي واستقرارها ووحدة شعبها.
اليوم العمليات العسكرية بدأت وهذه العمليات تأخذ طابع اوكراني روسي في الشكل ولكن ما يريده الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من تقديم مساعدات عسكرية الى روسيا قد يدفع بالأمور بتوسع العمليات وهذا امر يشكل خطرا على الأطراف كلها، وفي حال حصول مواجهة ما بين روسيا وما بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بشكل مباشر، هذا يعني ان العمليات العسكرية ستشهد تطورا نوعيا ومواجهة مباشرة وهذا امر خطير على اعتبار ان لا روسيا ولا الولايات المتحدة ستقبل بهزيمة باي شكل من الاشكال، إذا الحرب بالواسطة التي تجري بين روسيا وأوكرانيا، وهناك مساعدات لا أتصور انها ستغير من المعادلات على الأرض لان الرئيس بوتين لا يستطيع ان يتراجع بعد الان ولا يستطيع ان يقبل باي شكل بوجود عسكري او وجود حلف الأطلسي في أوكرانيا يهدد الامن القومي.
التداعيات التي ممكن ان تحصل بالنسبة للعالم، لا شك اليوم ان الرئيس بوتين إذا توصل الى النتائج التي يريدها ونتائج مرضية هذا يعني ان تغييرا سيحصل في العالم على مستوى الزعامة العالمية، وفي أوكرانيا بعد هذه الحرب لم تعد الولايات المتحدة القطب الأحادي وهي تراجعت كثيرا في السنوات الأخيرة على ان تثبت بانها قادرة على الإمساك بزمام الأمور، ونحن نعلم ان الرئيس الأميركي الأسبق كلينتون في كتابه "انتهزوا الفرصة" يقول: "ها هي الفرصة التي تجعل الولايات المتحدة ان تمسك الزعامة العالمية وهذه الزعامة لا يمكن ان يزيحها احد الا اذا هي ارتضت ان تتخلى عنها"، ولكن اليوم نجد ان المتغيرات في العالم والتطورات التي تحصل في الصين كدولة صاعدة وأيضا تنامي روسيا بعد الانهيار للاقتصاد عقب انهيار الاتحاد السوفياتي وجدنا ان الرئيس بوتين نهض مجددا في روسيا عسكريا واقتصاديا وسياسيا، اذا هناك اقطاب ستظهر ما بعد هذه الحرب، واتصور ان روسيا مع حلفائها في العالم تستطيع ان تخلق التوازنات وستتمكن من إيجاد التوازنات على الصعيد العالمي، على ان لا تستفرد واشنطن بالقرار وبدول العالم.
اما بالنسبة للشرق الأوسط، نحن نتأثر بكل تأكيد، ونتائج الحرب في أوكرانيا ستعطي انعكاساتها على أكثر من مستوى، ونعلم ان في الشرق الأوسط من يقف الى جانب روسيا وهناك من يقف الى جانب الولايات المتحدة، وهذا الموقف لا بد من ان يعبر عنه بشكل او باخر من خلال الممارسات السياسية لهذه الدول، ولكن نتائج الحرب دائما تكون نتائج صعبة مالية واقتصادية وتجارية وتؤثر على دول عديدة، خاصة وان أوكرانيا كدولة مصدرة للمواد الغذائية وهناك دول في المنطقة تعتمد على أوكرانيا، لا بد ان يكون هناك ازمة وقتية من اجل الحصول على هذه المواد الغذائية وغيرها من المعدات.
إذا مرحلة جديدة ننتظرها بعد أوكرانيا، هذه المرحلة ستسطر تاريخا جديدا في العلاقات السياسية الدولية لاسيما بين روسيا والاتحاد الأوروبي وروسيا والولايات المتحدة وروسيا ودول العالم اجمع، وهذه الحرب ستترك ذيولها وليس من السهل ان تستعيد روسيا العلاقات المتينة الطبيعية مع دول الاتحاد الأوروبي، لان الخطوات التي اتخذها الحلف الأطلسي والتي اتخذها الاتحاد الأوروبي يشكلوا فعلا موقفا معاديا كليا لروسيا وكأن روسيا اليوم تواجه أوروبا كلها بمفردها، ولكن هذه المواجهة كانت حتمية وضرورية لروسيا لأنها لا تستطيع بأي شكل من الاشكال ان تفرط بأمنها القومي الذي هو الأساس في وحدة شعبها واستقرارها وقوتها وهيبتها في العالم.
في ما يتعلق بالبيان الصادر عن وزارة الخارجية اللبنانية والذي يدين العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا ومطالبة لبنان بالانسحاب الفوري للقوات الروسي، فعلا هذا امر وسابقة لم نتوقعها وخاصة ان لبنان يرتبط بروسيا بعلاقات جيدة، ولبنان في هذه الحال كان عليه ان يبقى على مسافة من الصراع الدائر الان في أوكرانيا.
حملت المسؤولية لوزارة الخارجية، ولكن في الحقيقة هذا البيان يصدر عن وزارة الخارجية ويعبر عن رأي الحكومة اللبنانية، وليس عن رأي وزير الخارجية اللبنانية، خصوصا انه وجدنا هناك حملة شنت على وزير الخارجية في الأيام الأخيرة، وهذا البيان لم يصدر الا بناء على طلب من رئيس الحكومة الذي اعطى توجيهاته في هذا الشأن.
إذا كان من المفروض منذ البداية ان يتحلى لبنان بالصبر قليلا قبل ان يصدر هكذا بيانا متهور، فالحقيقة اننا وضعنا أنفسنا بجانب طرف ضد طرف اخر، وهذا ما يخرج عن سياسة النأي بالنفس التي دائما يذكرنا بها الرئيس ميقاتي ودائما يبدي حرصه على هذا النأي، فهل هذا البيان الذي صدر عن الحكومة اللبنانية يعبر فعلا عن سياسة الناي بالنفس؟، لا اظن ذلك، لذلك كان بيانا متهورا متسرعا ترك سلبيات على صعيد العلاقات اللبنانية الروسية، وأيضا هذا البيان لم يكن ليعبر عن راي او عن وحدة الشعب اللبناني ككل، فصحيح هناك انقسامات في الداخل اللبناني ولكن البيان كان عليه ان يأخذ بالاعتبار الحساسيات الداخلية والمواقف المتباينة، لذلك لم يكن هناك من داع لإصدار هكذا بيان يدعم طرفا على حساب اخر، او يدين طرفا على حساب اخر.