كتبت كارين عطية، الصحافية في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، مقالة في الصحيفة قالت فيها إن النظام في المملكة العربية السعودية يعتقد أن الناس يجب أن يكونوا أصماء وأغبياء وعميان عندما يتعلق الأمر بقتل الصحافي وكاتب العمود في "واشنطن بوست" جمال خاشقجي.
فأولاً، سارعت السعودية إلى إنكار الفوضى الوحشية التي أحدثها العملاء السعوديون بعد ظهر يوم 2 تشرين الأول / أكتوبر 2018 في اسطنبول، ثم قامت بالتستر عليها، مدركة ما حدث بالفعل فقط بعد أن رد العالم بالغضب والضغط.
هذا الأسبوع طرح السعوديون الفصل الختامي في عرضهم المهرج للعدالة، حيث أصدروا "الأحكام النهائية" في قضية مقتل جمال خاشقجي. حُكم على ثمانية متهمين لم يتم الكشف عن أسمائهم بالسجن لمدة تصل إلى 20 عاماً. في وقت سابق من هذا العام، أصدر أبناء جمال عفواً عن الرجال المجهولين، ومنعوا عنهم مواجهة عقوبة الإعدام.
وأضافت الكاتبة إنه لم يكن من الممكن تحقيق القليل من مسابقة الإفلات من العقاب التي استمرت عامين لولا دعم إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسعودية ومباركتها. ففي الأسبوع الماضي فقط، زار جاريد كوشنر الرياض للقاء ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الرجل الذي تعتقد وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أنه مسؤول عن جريمة القتل البشعة.
كانت تكتيكات محمد بن سلمان لتجاوز مقتل جمال متوقعة بقدر ما هي غير مفاجئة. لكن ما كان أكثر ضرراً وصدمة - حتى هذا العام ومع هذه الإدارة - هو أن الولايات المتحدة فقدت قدراً لا يُصدق من السلطة الأخلاقية على المسرح العالمي عندما يتعلق الأمر باحترام حياة الصحافيين وحريتهم.
وقالت الكاتبة: كان هناك سبب كافحنا أنا وكثيرون آخرون بشدة من أجل جمال. كانت قضيته بمثابة اختبار لمدى استعداد أميركا للذهاب ليس فقط لحماية حريات الصحافة ولكن في النهاية حياة الإنسان. لكن هذا العام رأينا صحافيين في شوارعنا يتعرضون للغاز المسيل للدموع أو يعتقلون أو حتى أعماهم الرصاص المطاطي القادم من قوات الشرطة. مات ما لا يقل عن 186 ألف أميركي بسبب فيروس كورونا، وهو ما رد عليه ترامب بلا مبالاة، "هذا ما هو عليه الأمر". يتساءل المتشائم بداخلي: إذا كان بإمكان أميركا أن تتسامح مع استهداف صحافيينا والموت الذي لا داعي له لشعبنا، فلماذا تنظر السعودية، أو أي دولة أخرى، إلى الولايات المتحدة كسلطة أخلاقية في مجال حقوق الإنسان وحرية الصحافة والاستجابة للوباء.
وأضافت: بالطبع، يمكنهم دائماً الاعتماد على الشركات الأميركية. فبعد مقتل جمال، حاولت "وول ستريت" و"سيليكون فالي" النأي بنفسيهما عن النظام السعودي. لكن هذا انتهى. شهدت نهاية عام 2019 سفر عشرات المشاهير والمؤثرين على إنستغرام إلى الرياض لحضور مهرجان موسيقي. في الربع الأول من عام 2020، اشترت السعودية ما قيمته مليارات الدولارات من الأسهم في الشركات الأميركية، بما في ذلك فيسبوك Facebook ووالت ديزني Walt Disney وكارنيفال Carnival ولايف نيشن Live Nation. في حزيران / يونيو، أطلقت أمازون موقعاً للتسوق في السعودية. (يمتلك جيف بيزوس، مؤسس شركة أمازون ورئيسها التنفيذي، صحيفة واشنطن بوست).
ورأت الكاتبة أن الابتعاد عن جريمة القتل على الطريقة السعودية يعني أن الصفقات التجارية أصبحت تحتدم، تماماً كما تحتدم قضية جمال. فالطريقة التي تعامل بها السعوديون مع القضية تبعث برسالة مخيفة للعديد من الإصلاحيين السعوديين الذين يقبعون - وفي بعض الحالات يموتون - في سجون المملكة.
ففي وقت سابق من هذا العام، توفي المنشق والمثقف عبد الله الحامد، وهو رجل سماه جمال خاشقجي بـ"نيلسون مانديلا السعودي" لالتزامه بالإصلاحات الديمقراطية والحريات، في سجن سعودي. كما توفي صالح الشحي، وهو كاتب عمود سعودي آخر وصديق جمال، هذا العام في ظروف غامضة بعد إطلاق سراحه من سجن سعودي. ولا تزال الناشطة في مجال حقوق المرأة لجين الهذلول في السجن السعودي بعد عامين من احتجازها. ولا يزال رجل الدين السعودي المؤثر سلمان العودة في عداد المحكوم عليهم بالإعدام بسبب انتقاده النظام الملكي. وكتب جمال دفاعاً عن كل هذه الشخصيات، ومن الضروري عدم نسيان قضاياهم وقضايا كثيرين آخرين.
وختمت الكاتبة أنه ربما لا يزال هناك أمل في محاسبة السعودية. وقال المرشح الديموقراطي للرئاسة جو بايدن خلال مناظرة العام الماضي إنه يعتقد أن خاشقجي قُتل بأمر من محمد بن سلمان، مضيفاً أنه "لا توجد قيمة اجتماعية تذكر في الحكومة الحالية". وأضاف بايدن أنه "سيجعل الأمر واضحاً أننا لن نبيع المزيد من الأسلحة لهم، وسنجعلهم يدفعون الثمن ونجعلهم، في الواقع، منبوذين كما هم". وقالت إن الأمر متروك للأميركيين وزملائهم الصحافيين لتذكير بايدن بهذا الوعد. قد تكون أفضل طريقة لمنع محمد بن سلمان من إغلاق الستار على مقتل جمال وإسكاته للعديد من المدافعين السعوديين عن حقوق الإنسان.