• اخر تحديث : 2024-05-15 19:58

لو كان قيل قبل اقل من سنة ان رئيس وزراء ليس نتنياهو سيدخل ويخرج من الكرملين بعد حديث لثلاث ساعات ونصف مع رئيس روسيا ومن هناك سيطير للقاء مع مستشار المانيا - ما كان لاحد أن يصدق. من، بينت؟ بينت خاصتنا؟ لا يمكن. ولو قيل انه بعد اسبوع من ذلك سيستقبل رئيس دولة اسرائيل، والذي هو ليس نتنياهو، بشرف الملوك في قصر اردوغان - لما كان هذا ليعقل. لقد اعتدنا على أن نفكر بان نتنياهو وحده هو القادر. وان كل السياسة الخارجية والعلاقات الدولية لدينا مع زعماء العالم متعلقة فقط بشخص واحد. وإذا لم يكن في الحكم، راحت علينا. وها هو يخيل أنه منذ ان تشكلت الحكومة الجديدة يدير رئيس الوزراء ووزير الخارجية سياسة متوازنة ومكبوحة دون ضجيج ورنين، وان الدولية ليس فقط تواصل الوجود بل ان علاقاتها في العالم آخذة في التحسن والارتفاع في المستوى.

ان رحلة هرتسوغ الى تركيا مباركة ومثير للانفعال ان نرى بأردوغان يقف منتصبا امام عزف نشيدنا القومي، ولكن ليس مجديا أن نطور توقعات كبرى. فهذه ليست بداية صداقة رائعة. البحر هو البحر ذاته واردوغان هو اردوغان ذاته. وهذا ليس اردوغان حين لم يكن الا رئيس وزراء سياسته كانت صفر اعداء. الرجل الذي آمن بان تركيا هي الدولة الوحيدة التي يمكنها ان تربط بين الشرق والغرب، بين روسيا وامريكا، اسرائيل والدول العربية. الرجل الذي حين حاول رئيس الوزراء الاسبق اهود اولمرت اقامة اتصالات بين اسرائيل وسوريا كان الاول في قائمة وسطائه.

مثير للشغب هو كان دوما، ولكنه يعتبر كمن يعرف كيف يحل المشاكل. غير أنه في غضون بضع سنوات تحول رجل صفر الاعداء الى من أصبح الجميع اعداءه. روسيا، الولايات المتحدة، الاوروبيين، دول عربية سُنية مثل مصر - واسرائيل، بالطبع. حصل لأردوغان ما يحصل للزعماء بعد سنوات طويلة جدا في الحكم: بعد أن ينجحوا في الشؤون الداخلية يتحولون من منتخبين الى سلاطين، من رؤساء الى قياصرة. وعندها يكفون عن ان يروا قيود قوتهم.

الدبلوماسية، كما هو معروف، هي ليست مسألة نوايا، بل مصالح. والتقرب من اسرائيل هو سياسة ولدت انطلاقا من مصلحة حاكم يشعر بانه ضعيف. ضعيف امام الامريكيين، ضعيف امام العالم، ضعيف حتى في داخل تركيا. لقد فهم أن عليه أن يعيد تقويم الوضع. بتعابير اخرى: كل شيء يتحرك حول شؤونه الداخلية وشخصيته. والامر الذي يقلقه حتى أكثر من علاقات اسرائيل والفلسطينيين هو علاقات اسرائيل مع قبرص واليونان حول موضوع الغاز.

كيف يقال؟ كل هذا هو الطاقة، يا غبي. من تكون يده على صنبور الغاز، يكون له النفوذ. وهو يرى أن اسرائيل تعمل على انبوب غاز عبر قبرص واليونان، ومن هناك الى اوروبا متجاوزا تركيا. وهو يخشى من حلف بين اسرائيل واليونان وقبرص، وهو في علاقات صعبة مع واشنطن ويؤمن بان لإسرائيل تأثير سحري على البيت الابيض - ومن هنا الاستقبال الملوكي للرئيس الاسرائيلي. ومن سيكون مريحا أكثر من بوجي هرتسوغ، اللطيف، الاديب، الرسمي، المحب للخانة التي اخلاها شمعون بيرس، كوزير خارجية أعلى.

ان اهمية لقاء المصالحة هذا هي في مجرد انعقاده. فإلى اين سيسير بعد ذلك لا يعرف الا الله. ثمة من يعتقد أن اردوغان أجرى التفافة حدوة حصان وسيخفض مستوى انتقاده على اسرائيل. وثمة من يقول انه سيفعل هذا حتى المواجهة التالية في غزة، الانتفاضة في المناطق أو كل حدث أمني آخر لنا مع الفلسطينيين. سيكون من الصعب على من وصف ذات مرة اسرائيل "بقاتلة الاطفال" ان يبقى معتدلا.

اسرائيل يمكنها ايضا ان تربح من هذه النهضة. ربما العودة الى ايام التصدير الامني المنتعش الى تركيا، ربما الى طمس استضافة رجالات حماس الرسميين لدى اردوغان وتقليص تواجد المنظمة في تركيا. ومع ذلك ليس مجديا التعويل على تحسن استراتيجي حقيقي مع تركيا. ففضلا عن حقيقة ان الحديث يدور عن محب لإشعال النيران، فان اردوغان هو اسلامي متزمت مع ايديولوجيا كراهية لإسرائيل. وحتى لو اراد ان يتصرف بمنطق، فليس مؤكدا ان هذا ما تقوله له بطنه.

في قضية اعمال وساطة اسرائيل بين روسيا واوكرانيا ايضا من المجدي تخفيض    التوقعات. فمع كل ما في الامر من أسى، لا بينت ولا نتنياهو هما مستوى آخر. فبينت لم يدعَ الى موسكو بسبب قدراته على التوسط. لقد دعي لان اسرائيل هي الجهة الغربية الوحيدة القادرة اليوم على الاتصال ببوتين، ويمكن القول دون اي تحفظ ان أكثر من بينت، الكين هو العامل الغربي الذي توجد له اطول ساعات قضاها مع بوتين. مئة ساعة جلوس معه كمترجم في حكومات سابقة، وثلاث ساعات ونصف من الحديث المكثف الان. ومن المجدي الا نقلل من قيمة المعركة، التجربة، العقلية والقدرات لدى الكين. فهو الوحيد الذي يفهم بوتين باللغة الاصلية، ومثلما تعلم الشطرنج يعرف ايضا كيف يقرأ لغة الجسد والمزاج لدى الحاكم الروسي. ان يعرف متى هو جدي ومتى هو يلعب. ونعم - فان على ما يكفي من الحدة والتركيز كي يفهم بان علينا أن نتواضع. فإسرائيل ليست في موضع الوساطة. ليس لديها الروافع اللازمة على الطرفين. يمكن لبينت ان يرفع الهاتف وان ينقل رسالة وان يدخل الى غرفة مع بوتين أو زلنسكي ولكنه لا يمكنه أن يوقف الحرب. الكين يعرف بان القناة الحقيقية الوحيدة اليوم بين روسيا واوكرانيا هي قناة المفاوضات المباشرة بينهم.

ومع ذلك لا يجدر بنا أن نستخف بمكانتنا كدولة، وبمكانة بينت كرئيس وزراء شاب وغير معروف في اوساط زعماء الغرب. مع كل التحفظات، فان بوتين يرى في بينت شخصا غير معادٍ، ربما الوحيد اليوم من ناحيته. وبالتالي فان بينت قام بالفعل الصحيح.

وحتى لو كان كل ما سيجلبه لنا هذا هو مساعدة من روسيا لليهود الذين يوجدون في المناطق تحت حكمها، نكون قد ربحنا.