لا ينبغي أن يفاجأ أحد بما تم الكشف عنه مؤخرًا، عن وجود قاعدة سرية لإسرائيل في أربيل، عاصمة المنطقة الكردية في العراق. ظهرت الأنباء بعد أن أطلقت إيران صواريخ باليستية على القاعدة، نهاية الأسبوع الماضي، رداً على هجوم إسرائيلي على مخزن إيراني للطائرات المسيرة في "كرمانشاه".
في حين فاجأت أنباء القاعدة الإسرائيلية في أربيل بعض المراقبين، إلا أنها في الواقع تأتي من علاقة طويلة الأمد بين إسرائيل وأكراد العراق. بعد تأسيس إسرائيل في عام 1948 بدأ العديد من اليهود الأكراد في الهجرة إليها، ويبلغ عدد سكانهم اليوم حوالي 300000. في منتصف الستينيات، أرسلت إسرائيل العميد تسوري ساغي إلى إيران لشن حملة ضد العراق، تضمنت مهمته أيضًا تعزيز القتال من أجل كردستان مستقلة في العراق، حيث ساعد في بناء وتدريب الجيش الكردي.
مع استمرار الأكراد في القتال من أجل الاستقلال عن العراق، زودتهم إسرائيل بكميات كبيرة من الأسلحة. قال ساغي ذات مرة إنه تعامل عن قرب مع الأكراد لدرجة أنه "أصبح كرديًا وطنيًا".
عمليات سرية
بعد الثورة الإيرانية عام 1979، ازدادت الأهمية الاستراتيجية للأكراد بالنسبة لإسرائيل، حيث مثلوا قوة إقليمية يُمكن أن تزعزع استقرار الحكم الجديد في طهران، وقد أدى هذا بدوره إلى تأجيج العداء بين القادة الإيرانيين، الذين كانوا يخشون أن يمنح الأكراد الإسرائيليين موطئ قدم محلي أعمق.
حافظ "الموساد" على شبكة من الجواسيس في المنطقة الكردية بالعراق، إلى جانب أذربيجان ومواقع أخرى على الحدود مع إيران. في عام 2005، ذكرت صحيفة "يديعوت احرونوت" أن القوات الخاصة الإسرائيلية السابقة كانت تدرب القوات الكردية على تقنيات "مكافحة الإرهاب".
قدم سيمور هيرش تقريرًا عن مثل هذه العمليات في صحيفة "نيويوركر" في عام 2004 قال فيه "يعمل عملاء المخابرات والجيش الإسرائيليين الآن بهدوء في كردستان، ويقدمون التدريب لوحدات الكوماندوز الكردية، والأهم من وجهة نظر إسرائيل أنهم يديرون عمليات سرية داخل المناطق الكردية في إيران وسوريا". ووفقًا لما قاله أحد مسؤولي المخابرات الامريكية، فإن "الوجود الإسرائيلي كان معروفًا على نطاق واسع في مجتمع الاستخبارات الأمريكية".
في الوقت نفسه، يُزعم بأن مهمات استخباراتية وهجمات على أهداف إيرانية خُطط لها ونُفذت من القواعد الإسرائيلية، مثل تلك الموجودة في أربيل. جنرال إيراني أخبر مؤخرًا إحدى وسائل الإعلام اليمنية أن هناك قاعدتين على الأقل من هذا القبيل في العراق.
احتمالية التصعيد
الأخبار حول القاعدة الإسرائيلية في العراق تذكرنا بعلاقة إسرائيل الوثيقة مع الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، وفقًا للتقارير فإن إسرائيل تمكّنت من خلالها من الوصول إلى القواعد الجوية الأذربيجانية على الحدود الشمالية لإيران. ونُشرت تقارير تفيد بأن طائرات F-35 الإسرائيلية تتمركز الآن هناك. كما زودت إسرائيل أذربيجان بطائرات مسيرة خلال حرب عام 2020 مع أرمينيا.
ومع ذلك، على الرغم من التبجح الذي اتسمت به عملية أربيل وكرمنشاه، فإن مثل هذه الهجمات ليس لها تأثير طويل الأمد؛ قد يستنفدون قدرات الطائرات المسيرة الإيرانية، ولكن ليس لإيران قواعد أخرى للطائرات المسيرة فحسب؛ بل إنها تحتفظ أيضًا بالمعرفة لتجديد المخزون المدمر.
إذا كان الهجوم الإسرائيلي بمثابة تحذير، فمن المؤكد أن إيران لن تستمع لذلك، وستواصل مساعيها لاختراق دفاعات إسرائيل، سواء بالطائرات المسيرة أو بوسائل أخرى. قد يؤدي الهجوم الأخير إلى تصعيد الأعمال العدائية بشكل أكبر، ممّا قد يؤدي إلى حرب واسعة النطاق.
في الواقع، قد يؤدي سوء التقدير، من أيّ من الجانبين، إلى دخول إسرائيل وإيران في صراع مباشر، حيث قد لا تكون هناك حدود للدمار الذي يحدثه كلاهما.