• اخر تحديث : 2024-11-15 12:27
news-details
إصدارات الأعضاء

الفجوة التسويقية والاسعار وعضّ الاصابع الاقتصادية؟!


تعرف الفجوة التسويقية بأنها الفارق بين كمية الطلب والعرض الكلي على السلع والخدمات، ومع حجم الفجوة تتغير وتتذبذب الاسعار بل منظومة الاسعار وبما يتناسب مع الفجوة التسويقية، وهنا نجد ثلاث /3/ حالات اساسية وهي [إذا كان الطلب اكبر من العرض فترتفع الاسعار، وإذا كان الطلب أقل من العرض فتنخفض الاسعار، وإذا كان الطلب يساوي العرض فعندها يتحقق السعر التوازني وهو الهدف المنشود لكل السياسات الاقتصادية لكل دول العالم]، وبالتالي فان الاسعار هي ميزان حرارة الاسواق أي ترمومتر المجتمع الاقتصادية، ومن هنا نتفهم موقف الكثير من الدول الاوربية من القرارات الروسية الاخيرة  المتعلقة بالعرض من السلع وخاصة الاساسية من النفط والغاز والمواد الغذائية مما قد يسبب ازمة غذائية عالمية قادمة بدأنا نتلمس معالمها من خلال الفجوة الغذائية العالمية ولا سيما ان روسيا واوكرانيا يصدران نسبة /29%/ من الصادرات العالمية من القمح.

كما اتخذت روسيا إجراءات اقتصادية ردا على الارهاب الاقتصادي ضدها مثل زيادة سعر الفائدة إلى /20%/ وإلغاء ضريبة القيمة المضافة والتصدير بالروبل الروسي للدول المعادية وربط الروبل بالذهب لتقليل التعامل مع الدولار واليورو ..الخ، فهل يمهد هذا لظهور نظام نقدي مالي عالمي وسيظهر (الروبل الذهبي) بدلا من (الدولار الذهبي) والعودة للتعامل مع نظام نقدي كان سائدا في القرن التاسع عشر هو نظام (القاعدة الذهبية) والذي استمر من سنة /1821/ وحتى /1971/ وبالتالي يشهد العالم تحررا مما يدعى (دولرة العالم) المفروض بحكم القوة العسكرية الامريكية للسيطرة على العالم بالعملة الامريكية، ومن المقومات الروسية لترسيخ نظام نقدي عالمي جديد نذكر على سبيل المثال وليس الحصر [تمتلك  روسيا أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي بالعالم وبحوالي /50/ تريليون م3، وبلغت صادراتها لسنة /2020 / أكثر من  /200/ مليار م3، وأغلبها على القارة الاوربية (ألمانيا بحدود (%16) وإيطاليا (%12) وبيلاروسيا (%8) وفرنسا (%8) وتركيا (%6) إضافة إلى دول أخرى، وهذه الكمية يمكن ان تستوردها (الصين والهند) والدول الحليفة لروسيا وهذه الدول بأمس الحاجة للغاز الروسي مثل (إندونيسيا وماليزيا وجمهوريات اسيا الوسطى وبلدان جنوب شرق اسيا وايران والدول الافريقية وامريكا اللاتينية وغيرها)، وهذا يعوض عن العلاقة مع القارة الاوربية.

وفي هذه الحالة  ستجد الدول الاوربية نفسها في أزمة كبيرة مع مواطنيها من خلال الفجوة التسويقية في اسواقها، وهذا ينطبق على النفط  حيث أن الصين المتحالفة مع روسيا ضد الاملاءات الامريكية هي اكبر دولة مستوردة ومستهلكة للنفط والغاز في العالم، بسبب أنها أكبر دولة في العالم من ناحية عدد السكان وتحقق أعلى معدلات النمو في العالم، وتحولت مؤخرا وكأنها (المعمل الشعبي للعالم) وهي أكبر شريك تجاري لروسيا ويبلغ حجم التبادل التجاري بينهما سنويا بحدود /100/ مليار دولار، وسيزداد التعامل مستقبلا حيث تستهلك الصين وسطيا بحدود  /10/ مليون برميل نفط يوميا، ومصلحتها الاستيراد من روسيا بسبب قربها الجغرافي (ديكتاتورية الجغرافيا) وهذا سيساهم في تخفيض التكلفة الانتاجية للسلع الصينية ويقوي من موقعها التنافسي على الساحة العالمية وستسجل انتصارات جديدة لها في حربها الاقتصادية مع أمريكا.

 فماذا لو حولت روسيا صادراتها نحو القارة الاسيوية مثل (الهند وإندونيسيا وماليزيا وجمهوريات اسيا الوسطى وبلدان جنوب شرق اسيا وايران)  وايضا نحو أفريقيا  فعندها ستعوض عن صادراتها التي كانت مخصصة لأوروبا، وعندها ستشهد القارة الاوربية تململ اجتماعي كبير من جراء ارتفاع الاسعار، وخاصة ان روسيا تؤمن  /60%/ من الاحتياجات ألأوروبية، وخاصة بعد ان أعلنت الدول الاساسية المنتجة للغاز أنها عاجزة عن تأمين احتياجات القارة الاوربية من الغاز وخاصة (الجزائر وقطر والنرويج)، ومن جهة اخرى فإن هذه الاجراءات الروسية ستخلق  طلبا على الروبل في أسواق الصرف وهذا يعزز مكانة الروبل في الاسواق العالمية، وكمثال عملي على ذلك فإن  (ألمانيا) وهي قاطرة الاقتصاد الاوروبي لا يمكن ان تشتري الغاز من (أمريكا او قطر) لأنها  لا تملك البنية التحتية وخاصة محطات التحويل المناسبة وبناء محطات جديدة سيكلفها الكثير على حساب المواطن الالماني وهو شديد الحساسية أمام ارتفاع الاسعار، كما تستطيع روسيا توجيه صادراتها نحو الكثير من دول العالم، وسينتصر أخيرا من يصمد ويصبر وهذه الحالة تشبه (عضّ الاصابع  الاقتصادية) فمن يتحمل اكثر سينتصر، والدلائل تشير إلى أن روسيا هي المنتصرة فهي مكتفية ذاتيا واقتصادها وإنتاجها متنوع وحلفاؤها كثر ويعانون من الغطرسة الغربية، فهل بدأ سطوع نجم الروبل الذهبي وأفول الدولار الذهبي، والايام القادمة ستحكم على ذلك؟!