• اخر تحديث : 2024-11-15 12:27
news-details
تقدير موقف

آثار الهزيمة النسبية لروسيا على غرب آسيا


لا تزال الحرب الروسية في أوكرانيا مستمرة دون تحقيق مكاسب ملموسة لموسكو، وأصبح تحقيق المزيد من الإنجازات العسكرية مكلفًا جدًا. وتوقّف الحرب في هذه المرحلة سيعدّ بمثابة هزيمة لمشروع بوتين، ليس في أوكرانيا وحسب، بل المشروع الأوراسي ككل.

أكدت القيادة الروسية مراراً على استمرار العمليات العسكرية في أوكرانيا إلى حين تحقيق جملة مطالب، وهي: إعلان حياد أوكرانيا وضمان عدم دخولها حلف «الناتو»، وتعديل دستورها لتكريس الحياد وللاعتراف بجمهوريتي دونيتسك ولوهانسك الانفصاليتين كدولتين مستقلتين، والاعتراف بأن شبه جزيرة القرم أرض روسية.

 إذن، معيار "النصر الروسي" في الأزمة الأوكرانية هو تحقيق هذه المطالب في الوقت الذي استطاعت فيه روسيا تدمير سلاح الدفاع الجوي الاوكراني والقضاء على سلاح البحرية وضرب القوة العسكرية، وهي اليوم بصدد تحصين شرقي أوكرانيا بما فيها الدونباس الذي يضم جمهوريتي الدونيتسك ولوغانسك، وإن أي هزيمة ستعتبر نسبية لعدم تحقيقها جزء من أهداف المعركة.

أما فيما يتعلق بالجانب الأميركي، سيكون معيار "النصر" عزل روسيا دولياً وعن أوروبا تحديداً، وإضعاف كبير للاقتصاد الروسي، وتشجيع المقاطعة لروسيا حتى في المجالات الفنية والرياضية كما بدأ يحدث أخيراً، إضافة إلى الدعم المالي والعسكري الكبير لمن سيقاومون القوات الروسية في أوكرانيا.

وتراهن الإدارة الأميركية على إطالة الأزمة الأوكرانية وعلى استنزاف القوات الروسية فيها وعلى بقاء الأسباب الداعية لعزلة روسيا ومقاطعتها وإحداث حالة من الفوضى الداخلية. فإدارة بايدن استفادت وتستفيد من تداعيات الأزمة الأوكرانية في المجالين الخارجي والداخلي، حيث أعادت واشنطن الآن اللحمة بين ضفتي الأطلسي بعد التصدع الذي حصل في ظل إدارة دونالد ترامب، كما أعادت الاعتبار لدور "حلف الناتو" في أوروبا. وتريد واشنطن من هذه الأزمة توجيه رسائل عديدة للجانب الصيني في قضية "تايوان" والدول الحليفة للولايات المتحدة في شرق آسيا. داخلياً، فالرئيس بايدن يريد من خلال المواجهة السياسية والاقتصادية مع موسكو أن يُحسّن من مستوى شعبيته المتراجعة بين الأمريكيين وفرص فوزه وحزبه في الانتخابات النصفية المقبلة.

انعكاسات الهزيمة الروسية على دول المنطقة

تركيا

تعزيز التعاون التركي الإسرائيلي في مجال نقل الطاقة إلى أوروبا.

تعزيز التقارب مع الولايات المتحدة الأميركية والناتو وبلورة العلاقات من جديد.

يعمد التركي دائمًا إلى اعتماد سياسة الابتزاز في استثمار أوراقه لتحقيق أكبر قدر من المكاسب، وقد يعتمد هذه السياسة في البحر الأسود عبر إغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل أمام القطع العسكرية البحرية الروسية، من أجل إرضاء حلفائه في الناتو.

حفاظ تركيا على علاقة جيدة مع روسيا بسبب اعتمادها الرئيسي على الغاز الروسي أي الطاقة والعلاقات التجارية والسياحية بين الطرفين.

السعودية والإمارات

لجوء دول الخليج إلى ضخ المزيد من النفط، وتحقيق الاستقرار في الأسعار (وفق ما ستقدمه الولايات المتحدة الأميركية من مكاسب).

انخفاض مستوى العلاقات مع الجانب الروسي.

سوريا

دعم الولايات المتحدة الجماعات الإرهابية لاستنزاف التواجد الروسي في سوريا.

تعزيز النفوذ الروسي ربطًا بالحركة الأميركية في المنطقة (مثل: إذا وضع الأميركي أسطولًا بحريًا مقابل الشواطئ اللبنانية من المحتمل أن يلجأ الروسي إلى زيادة القاعدة البحرية قبالة الشواطئ السورية (غواصات/ سفن حربية/ حاملات طائرات...).

 إيران

تعزيز التقارب بين الروس والإيرانيين لتجاوز موضوع العقوبات عبر شراكة ثنائية بين الطرفين تعزز التعاون في مختلف المجالات.

لبنان

الهزيمة الروسية ستؤدي لإعادة الروح لوكلاء أميركا بعد سنين من الهزائم مما قد يدفعهم إلى زيادة حدة التوترات والصدامات الداخلية والدخول في جولة مخططات جديدة.

العراق

إمكانية ازدياد الهيمنة الأميركية على قطاع الطاقة في العراق، والتفرد به على حساب الاستثمارات الروسية، التي تبلغ 13 مليار دولار، نتيجة السعي الأميركي لتوفير بدائل الطاقة، فضلًا عن تهديد استقرار قطاع الطاقة في العراق، ما يجعله موضوعًا للتجاذب الداخلي.

تداعيات ما بعد المعركة: أزمة الأمن الغذائي

تشكل الدول العربية نحو 5% من سكان العالم، وتستورد 20% من كمية الحبوب المتاحة للتجارة الدولية، ولا تنتج سوى 2.5% من الإنتاج العالمي للحبوب، وتستورد نحو 60% من احتياجاتها من القمح من روسيا أوكرانيا وفرنسا ورومانيا. وروسيا وأوكرانيا لهما ثقل دولي في إنتاج الغذاء والحبوب الأساسية، وخاصة القمح والذرة والشعير وزيوت الطعام، ويمكن وصفهما بأنهما سلة غذاء العالم، حيث تتربع روسيا على مقعد أكبر مصدر للقمح في العالم، ورابع أكبر مصدر للذرة، أما أوكرانيا فهي رابع أكبر مصدر للقمح وللذرة الصفراء على مستوى العالم. وبالتالي شكل الغزو الروسي لأوكرانيا خطرًا على الإمدادات العالمية من الحبوب الغذائية، وألقت الحرب بظلالها على أسواق الحبوب العالمية، والتي رفعت أسعار الأغذية بشكل جنوني. وبالتالي سيكون للحرب تداعيات خطيرة على الأمن الغذائي العربي خاصة إذا انهزمت روسيا وقررت الولايات المتحدة الاستمرار في سياسة فرض عقوبات اقتصادية على روسيا لتأديبها، عندها صادرات القمح الروسي ستتوقف، ما يعني أن الحكومات العربية ستخسر واردات القمح، وستدفع تكاليف مالية أكبر، وربما سياسية أيضاً، باعتبار القمح سلعة استراتيجية.

الحملة الدعائية الأميركية بعد الانتصار النسبي في أوكرانيا

لطالما تحدث بايدن قبل وصوله إلى الرئاسة، أي أثناء حملته الانتخابية، وبعد فوزه أيضاً عن إعادة العلاقة مع الشركاء في العالم وعلى وجه الخصوص حلفائه في الحلف الأطلسي. وعليه فإن الطريق الأمثل لتحقيق هذا الهدف هي "الدبلوماسية"، وهي ما وسمت به إدارته كحل للمشاكل الواقعة فيها. لكن المعركة الروسية- الأوكرانية، حققت له هذا الهدف بوقت قياسي، مستغلاً الحرب عبر بذل كل الجهود لإعادة إظهار الولايات المتحدة مظهر المدافع الأقوى عن الغرب والديمقراطية، فمنذ اليوم الأول أعلن أن حلف الناتو خط أحمر لا يمكن تجاوزه وأن المعركة القائمة في أوكرانيا لن تتدخل بها إدارته إلا في حال عزم روسيا على تهديد أمن الناتو.

دبلوماسياً، ما تزال الشخصيات الأمريكية في زيارات مستمرة للدول الأوروبية بهدف طمأنتهم. هذه الورقة تناقش الانتصار النسبي المحتمل تحقيقه على الروس، وعليه فإن الإدارة الامريكية قد تسعى لإعادة إظهار نفسها على أنها القطب الغير قابل للهزيمة والوفي لشركائه وراعٍ لمصالحهم في كافة أنحاء العالم، ومن ناحية أخرى سيعمل الأمريكي على تظهير مدى قوة الولايات المتحدة الأمريكية من خلال التأكيد على أن الشراكة في القرارات بين دول الناتو وتوحيد الجهود والأهداف كان كافياً لهزم بوتين من دون أي تدخل عسكري. هذه الحملات الدعائية سيكون لها تأثير كبير على وكلاء الولايات المتحدة الأمريكية من ناحية إعادة الثقة بها وعودة الزخم في تحقيق سياساتها، إلا أن التأثير الأكبر قد يكون على شعوب المنطقة بشكل عام، من خوف أو تردد في خيارات مواجهة الغرب.