حذر مقال بصحيفة "الغارديان" البريطانية من أن الفشل في وقف الحرب الروسية على أوكرانيا ومعاقبة النظام في موسكو ستكون له تداعيات باهظة الثمن على الصعيد العالمي بخاصة على الدول الأوروبية.
وقال سيمون تيسدال، معلق الشؤون الدولية بالغارديان في مقاله بالصحيفة، إن انتصار روسيا في حربها على أوكرانيا سينذر بعصر جديد يسوده عدم الاستقرار والتصدع الاقتصادي والمجاعات والاضطرابات الاجتماعية.
وأبرز الكاتب أن هناك تباينا مقلقا في مواقف بعض الدول الغربية والأمم المتحدة بشأن الحرب يشي بضعف التنسيق بين تلك الدول والهيئات الأممية في هذا الإطار.
مواقف متناقضة
وقال إن هناك تناقضا مذهلا بين موقف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وموقف رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون؛ إذ أطلق غوتيريش مبادرة لوقف الحرب في أوكرانيا على نحو عاجل، وأعلن المتحدث باسمه عزمه على مناقشة خطوات عاجلة لإحلال السلام، وإجراء مباحثات شخصية فورية مع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين في موسكو والأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كييف.
أما رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون فقد صرح في الوقت نفسه الذي أعلن فيه غوتيريش مبادرته بأن بوتين غير جدير بالثقة، وتساءل: "أنا لا أدري حقًّا كيف يمكن للأوكرانيين الجلوس (إلى طاولة المفاوضات) بسهولة والتوصل إلى اتفاق ما… كيف يمكنك أن تتفاوض مع تمساح عندما تكون ساقك بين فكيه؟".
وأوضح الكاتب أن هذا التباين الصارخ في المواقف يشي بضعف التنسيق حول أنجع السبل للتعاطي مع الحرب، كما يسلط الضوء على مشكلة أوسع هي تباين بل تعارض المقاربات التي ينتهجها القادة الغربيون تجاه الأزمة والتي تحكمها أحيانا المصالح الذاتية، رغم تأكيدهم لوحدة هدفهم.
وقال إن غضب الدول الغربية الذي أشعله غزو بوتين لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط الماضي بدأ يتلاشى، شأنه شأن موجة التفاؤل التي أعقبت نجاح أوكرانيا في صدّ التقدم الروسي نحو كييف.
ومع حملة موسكو العسكرية الضخمة والبطيئة في شرقي أوكرانيا، يتنامى الآن القلق من أن الصراع سيكون طويل الأمد وأن الأضرار الاقتصادية والبشرية الهائلة المترتبة عليه قد تكون دائمة وذات بعد عالمي.
غياب التخطيط
وأشار الكاتب إلى أن جونسون في تعاطيه مع الأزمة لا ينظر إلى ما هو أبعد من اللحظة الراهنة، حيث صرح بأن المملكة المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) سيواصلان إستراتيجية فرض العقوبات على روسيا وتزويد كييف بالأسلحة. وعلى الرغم من أن جونسون يدعم حرية أوكرانيا واستقلالها، فإنه مثل غيره من قادة الحلف يفتقر إلى خطة مدروسة وطويلة الأمد لتحقيق ذلك.
وتساءل الكاتب: ماذا سيحدث لو بدأت القوات الأوكرانية تخسر الحرب؟ ماذا لو انقسمت أوكرانيا أو شارفت على الانهيار؟ مشيرا إلى أن فاتورة الفشل وانتصار بوتين في الحرب ستكون باهظة جدا.
وقال إن الأسبوع الماضي يعطي لمحة عن المستقبل القاتم الذي ينتظر البشرية إذا تمكن بوتين من مواصلة حربه من دون رادع، واستمر في ارتكاب الفظائع والتهديد باستخدام الأسلحة النووية والكيميائية مقوّضا بذلك ميثاق الأمم المتحدة. فقد بدأت تداعيات الحرب تتكشف، إذ خفض صندوق النقد الدولي بشكل كبير توقعاته للنمو بسبب الصراع، وتوقع تصدع الاقتصاد العالمي وزيادة الديون وحدوث اضطرابات اجتماعية.
تداعيات خطيرة
وتطرق الكاتب إلى جوانب من تداعيات الحرب الكارثية على أصعدة عدة، منها فرار 5 ملايين أوكراني من بلادهم منذ بداية الحرب، على نحو يفاقم أزمة اللاجئين في العالم.
ونقل عن رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس قوله إن كارثة إنسانية تلوح في الأفق نتيجة للزيادة غير المسبوقة في أسعار المواد الغذائية التي تقدّر بنحو 37%، نظرا لانقطاع الإمدادات بسبب الحرب، مشيرا إلى أن تلك الزيادة ألقت بملايين من الناس في براثن الفقر، وتسبّبت في ارتفاع أعداد من يعانون من سوء التغذية، وفي خفض التمويل المخصص للتعليم والرعاية الصحية للشعوب الأقل ثراء.
وختم الكاتب بالقول "لنكن واقعيين؛ أوكرانيا قد تخسر هذه الحرب على الرغم من بطولات شعبها وتضحياته، وبوتين قد ينتصر. إذا تخلى الغرب عن مبادئه وقيمه وسمح بحدوث ذلك، فإن الثمن الطويل الأمد الذي ينتظر الجميع سيكون عالمًا جديدًا من الألم".