أولاً: مقدمة واستهلال:
لأنها فلسطين؛ تجمع ولا تفرق، ولأنها القدس التي جمعت أنبياء الله ورسله مؤتمنين بخاتمهم وسيّدهم محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنها كذلك فهي تجمع ولا تفرق؛ فقد جمعت على منبرها قادة العمل المقاوم، دولاً وحركات، ولأول مرة في يوم واحد حدث ذو دلالات، أين منه دلالة إطلاق المقاومة الفلسطينية في غزة لأول مرة صواريخ سام 7 نحو “مقاتلة إسرائيلية” كانت تغير على القطاع؛ كيف لا وأن يتحدث مرشد الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة السيد علي الخامنئي حول هذه المناسبة، فينقل تلفزيون الأقصى التابع لحركة حماس كلمته كاملة!
ثم يلي ذلك خطاب السيّد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله! فتعود نفس المحطة لتنقل كامل الخطاب، ولا تغرب شمس ذلك اليوم؛ وإذ بنا وبمتابعي قناة الأقصى يتسمرون أمام مشهد لأول مرة تقوم به عن سابق إصرار وقرار بإجراء مقابلة تلفزيونية على مدار ساعة مع نائب الأمين لعام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم!
ويزداد الطين بلة على من لا يعجبه هذا الموقف حيث فاجأ الأخ إسماعيل هنية أبو العبد الكثيرين، أنا ممن تفاجأ، بكلمته في مسيرة أنصار الله الرئيسية بمناسبة يوم القدس العالمي في صنعاء، وقبل هذه الأحداث كلها ما أدلى به الشيخ صالح العاروري لقناة الميادين في 28 آذار الفائت من تصريحات صدّعت رؤوس من يجب أن تُصدّع رؤوسهم حيث قال في ردّه على أحد أسئلة محاورته: “نحن في حركات المقاومة بينها رؤية استراتيجية وبيننا تحالف استراتيجي”.
وهنا طبعاً لا يمكن أن نختم الحديث دون ذكر كلمة الأخ أبو طارق زياد النخالة حول القدس ويومها التي لم تخلُ من ذكر القدس ومحوره، ولا يمكن أن نتجاوز خطاب لقائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال حسن سلامي في حفل تكريم عوائل شهداء معركة سيف القدس التي حملت في طيّاتها ما حملته من معانٍ ومفردات.
لقد كانت هناك عبارة شكّلت قاسماً مشتركاً بين كل من تحدث وخطب؛ ألا وهي “حلف” ومشتقاتها، لذلك حُق لكثيرين أن يقلقوا وأن يستنفروا وأن (ينمغصوا)، كيف لا وهاهم الشركاء الرئيسيون، عرباً وعجماً، في القدس وقضيتها يرسلون أوضح الإشارات لمن يريد أن يقرأ أو أن يحلل ويستنتج أننا أمام تحوّلٍ نوعيٍ استراتيجيٍ طرأ على الموقف؛ ستجهد هذه المقالة في تحليل أبعاده وخلفياته وما ينبني عليه من إجراءات وما يمكن أن يوصى به من توصيات، حيث سنتطرق وبشكل سريع إلى تعريف الحلف ومقتضياته، ثم سنتحدث عن أركان هذا الحلف الذي يتحدث عنه وخلفيات مواقفهم، وهل هي مواقف طارئة مصلحية أم أنها مواقف أثبتت الأيام صدق أهلها وثبات موقفهم، مع تبدل الأيام والسنين، ثم سنعرج على بعض متطلبات النهوض بهذا الحلف وما يمكن أن يجعل منه (صداعاً نصفياّ أو شقيقة) للأعداء لا يبرؤون منه إلا برحيلهم عن أوطاننا وديارنا، أو فصل رؤوسهم عن أجسادهم، على أن نختم ببعض التوصيات المناسبة التي تزيد من منسوب الصداعات المزمنة لأصحاب الرؤوس الحامية.
ثانياً: تعريف التحالف ودوافع بنائه:
لا شك أن لكل عقد صداقة أو طلب علاقة؛ دافع ومحرك، وأن بناء التحالفات ليس أمراً اعتباطياً تقبل عليه الدول والحركات وهي لا تعي ما يمكن أن ينبني عليه هذا الحلف أو تلك الصداقة، ولن نخوض كثيراً في مجاهل التاريخ ولا أوراقه؛ ونكتفي بما كتبناه سابقاً تحت عنوان “في بناء التحالفات الثوابت والمتغيرات”، مضيفين له إضافة أخرى من وحي سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم عندما حالف أهل المدينة على أن يعصموه مما يعصمون به دماءهم وأموالهم ونساءهم، كما نشير بشكل سريع إلى أن قاعدة بناء التحالفات لا تعدو أمرين اثنين؛ تشارك في التهديدات أو شركة في المصالح والغايات، ونغلق العنوان ونكتفي بما ذكرنا وأشرنا.
ثالثا: أركان هذا التحالف:
قوى المقاومة الفلسطينية حماس والجهاد الإسلامي:
لكل حلفٍ نواة عقد، وقاعدة بناء، ونواة “حلف القدس” وقاعدة بنائه هي قوى المقاومة الفلسطينية، ممثلة بحركتي حماس والجهاد الإسلامي كأكبر فصيلين مقاومين على الساحة الفلسطينية، تركا أثرهما في كل مكان في فلسطين، دون إغفال دور باقي حركات المقاومة الفلسطينية الأخرى؛ صغر حجمها أو كبر، فقضيتنا بحاجة لكل جهد، وعدونا بحجة إلى كل مركب قوة لصدّ عدوانه وتدمير بنيانه، ولا يناقش أحد بدور هذه الفصائل وجدّية جهودها في مقاومة هذا العدو والتصدي له على كافة الصعد.
الجمهورية الإسلامية الإيرانية:
المركب الثاني لهذا التحالف؛ هي قاعدته الرسمية الممثلة في إيران، فقد أثبتت الأيام بل السنون صدق هذا المكوّن في دعمه لفلسطين وأهلها، منذ وطئت قدما أبو عمار أرض طهران بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وتسليم مفاتيح سفارة الكيان المؤقت لممثل الشعب الفلسطيني لتحويلها إلى سفارة فلسطينية، وما تبع ذلك من دعم مادي لم ينقطع حتى تاريخ كتابة هذه المقالة، وقد ضحّت إيران بخيرة قادتها الشهيد الفريق قاسم سليماني رحمه الله في هذا الطريق، وليس في طريق غيره.
الجمهورية العربية السورية:
قد يستغرب البعض من ذكر سوريا ودورها في هذا المحور، ونظرة بسيطة للخريطة كفيل بأن يجيب على سؤال السائلين واستغراب المستغربين، فلم تقصّر سوريا – شعباً وقيادة ـ وما قصّرت يوماً في دعم القضية الفلسطينية، ولم تشهد حركات المقاومة الفلسطينية المعاصرة عز عصرها إلا عندما كانت في سوريا، ولا ينكر هذا إلا جاحد مجافٍ للصواب، وما أصاب سوريا من مصائب إلا لدورها في دعم القضية الفلسطينية وأهلها ومقاومتها – هذا لا ينفي أهمية باقي العوامل الداخلية التي أدت إلى ما نراه في سوريا اليوم، لكن المقال ليس مخصصاً لهذا البحث – ولو اسلمت سوريا رأس المقاومة الفلسطينية لمبعوث الإدارة الأمريكية عام 2003 الجنرال “كولن باول” بعد احتلال العراق، وحيث لم تُطفأ بعد محركات دبابات الغزو الأمريكي في العراق وعلى حدود سوريا، لو أسلمت سوريا رأس المقاومة؛ لكنا ما زلنا نراها في لبنان، تذرع أرضه شرقاً وغرباً.
المقاومة الإسلامية (حزب الله) لبنان:
أما عن حزب الله؛ فهو شريكٌ في كل معركة خاضتها المقاومة الفلسطينية في غزة؛ شريكٌ بالخبرة، وشريكٌ بالأصول المراكمة من القدرة، عرف هذا من عرف، جهله من جهل، ولولا الله ثم دعم حزب الله وعونه للمقاومة الفلسطينية في غزة إبان معركة “سيف القدس” لارتفع ثمانُ مئة شاهد قبر على قبور ثمانِ مئة شهيد في عملية “مترو حماس” التي فشلت بفضل من الله ثم بعون من حزب الله، هذا في الحديث من الأيام، أما في “معركة الفرقان” فما خُفّف الضغط عن غزة إلا عندما فتح العدو نار غضبه على الجنوب اللبناني بعد عملية الأسر التي جزء من محرك فعلها؛ التخفيف عن غزة وأهلها، وهنا يُصمت عن الكلام المباح!
حركة أنصار الله (اليمن):
وعن أنصار الله شراكتهم في هذا الحلف، فهم يحوزون دوراً مهما ًبما يملكون من موقع جغرافيّ قادر على خنق العدو عبر البحر الأحمر، وما هو أهم من القدرة؛ امتلاك جرأة أخذ القرار، وهنا دعونا نستذكر أن حرب 67، ما كان لها أن تقع لولا تهديد الرئيس عبد الناصر بإغلاق الممر المائي في أعلى البحر الأحمر أمام الملاحة المعادية، فكيف لو أنه هدّد بإغلاق مضيق باب المندب؟ كما يحسب لهذا الفصيل أنه أبدى استعداده لمبادلة ما لديه من أسرى سعوديين وسودانيين بأسرى حماس في السعودية، دون طلب أن يُفرج عن أسرى له عند السعوديين، ثم كانت آخر رسالة مررتها قيادة هذا الفصيل عبر الطرق المناسبة أثناء معركة “سيف القدس” حول جاهزيتهم لخوض غمار هذه المعركة بالمناسب من القدرات، إن طلبت قيادة المقاومة في غزة منها ذلك.
الحشد الشعبي والحشد العشائري في العراق:
كما أن للحشد الشعبي والحشد العشائري في العراق، مهمة ودور، وأيضاً نظرة بسيطة غير اختصاصية على الخريطة تجيب على سؤال الدور لهذا المكون في هذا الحلف، وهم من حشدوا بعض قدراتهم على الحدود الأردنية العراقية انتظاراً لفتح الحدود لهم للدخول إلى الأردن للتظاهر تأييداً للمقاومة الفلسطينية في غزة في أقرب نقطة من فلسطين، حيث نهر الأردن. وهم سادة الأرض العراقية والمهيمنين عليها والتي زرعت بمختلف منصات الصواريخ الموجهة فوّهاتها باتجاه فلسطين المحتلة، تنتظر ساعة صفر معركة التحرير الكبرى، ولولا ذلك؛ لما أصبحت جزءاً من منطقة عمليات سلاح الجو الإسرائيلي، يستطلع أرضَها ويخترق سماءها!
هذه هي أهم مركبات هذا المحور التحالف التي تعلن عن نفسها كل يوم ـ قولاً وفعلاً ـ أنها مستعدة لخوض غمار معركة التحرير، وأنها تملك جرأة أخذ القرار وتنفيذه، وحتى يخرج هذا القول وتلك الشعارات من حيّز الأيدولوجي إلى الرحاب الإجرائي البرامجي، لا بد من تحديد المتطلبات والمقتضيات التي سنأتي على أهمها في العنوان الآتي.
رابعاً: متطلبات النهوض به:
القرار السياسي:
لا شك أن القرار السياسي هو المتطلب الرئيسي الأول لبناء مثل هذا التحالف وهذا المحور، ولكننا وبناء على ما ذكرنا في مقدمة هذه المقالة؛ لن نغرق في الحديث، كون ما شهدناه من حراك خطابي يؤازر بعضه بعضاً؛ لا يدع مجالاً للشك أن قراراً ما أخذ في مكان ما للبدء بالأعمال الإجرائية التي تتطلبها تلك المواكبة الخطابية.
تحديد الهدف الرئيسي والغاية الكلية:
وحتى ينجح هذا التحالف المحور في مسعاه؛ وحيث أن مكوناته المختلفة لديها جدول عمل وأولويات محلية وإقليمية ودولية مختلفة؛ كان لا بد من تحديد الهدف الرئيسي والغاية الكلية التي سيجتمعون عليها في هذا التحالف المحور، حتى يُبنى على الشيء مقتضاه.
تحديد الأعداء والخصوم:
وعلى شاكلة النقطة السابقة، وكلازمةٍ مهمة لبناء التحالفات والمحاور، فإن أهم شيء في بنائها تحديد العدو المشترك أو المصلحة المتقاطع عليها، وحيث أن الأعداء كثر والخصوم أكثر، فإن من مهام قادة هذا التحالف المحور أن يتفقوا على الأعداء المشتركين والخصوم المحتملين، وهنا لا يعفينا أن نقول نحن شركاء بالقطعة؛ فأعداؤنا يفكرون ويخططون ويوزعون المهام بشكل جمعيّ، ولا يمكن أن تتم مواجهتهم إلا بالتفكير والعمل والتفاهم الجمعيّ.
تحديد الأدوار:
كما يقتضي الحال تحديد الدور والمهمة لكل مكون من مكونات هذا التحالف المحور، بناءً على ما يملكه كل مكون من قدرات، وما تفصل بينه وبين أرض معركة المعاد من مسافات، وبناءً على تحديد المهمّات تخصص القدرات، وهذا محور يملك من القدرات والإمكانيات؛ ما لو وُزعت بناءً على المهمات؛ لفاضت وأثمرت وأنتجت.
التوافق على منظومة القيادة والسيطرة والمتابعة والإشراف:
وحتى لا يبقى الكلام مرسلاً، وحتى لا تضيع الجهود أو تتكرر، وحتى يثمر العمل وتتحقق الأهداف؛ لا بد من التفاهم على هذه المنظومة التي تحدد الأهداف وتسيطر وتشرف على مسارات الإجراءات وتضبط سيرها، في عمليةٍ منسّقةٍ مهندسةٍ، تقلل من هدر القدرات وتعطى أفضل النتائج بأقل الإمكانات.
هذه أيضاً بعض المقتضيات لبناء هذا التحالف المحور، ونختم بالتوصيات، لنقول أن توصيات مثل هذه الموضوعات لا يستقيم عرضها في مقالات، وإنما تترك عند الطلب لتعرض في الغرف المغلقة.