توترات الأقصى، وما خلقته من تحديات أمنية وسياسية لحكومة بينت، تصاعدت بقوة إثر الهجوم الفدائي في مدينة العاد، لتقف الحكومة اليوم أمام تحدٍ أمني يفرض عليها الاستجابة وتقديم أو تبني خط أمني متشدد، لتوفير ما يسمى بالشعور الأمني لدى المجتمع الإسرائيلي، وهي تدرك اليوم أنها أمام مُطالبات السياسيين والإعلاميين وحملة التحريض الكبيرة التي تتهمها بالضعف وعدم الحيلة أمام تنامي وازدياد العمليات الفلسطينية، لابدّ لها من تقديم وتبني بعض ما تعتقد بأنها حلول يُمكن أن تهدئ روعهم، بدءًا بالمجال الأمني وانتهاءً بالمجال الإنساني والاقتصادي، وهو ما حاول أن يروج له بينت وغانتس من خلال بيانات مقتضبه عن منح الجيش كل الدعم والضوء الأخضر للقيام بما يلزم وجباية الثمن على العمليات وعلى التحريض.
إلا أن التحدي السياسي الذي تواجهه الحكومة لا يقل أهمية عن التحدي الأمني، وهنا يتداخل التحديان ويؤثران على بعضهما البعض، فبقاء الائتلاف الذي فقد أغلبيته المطلقة مرتبط باستمرار تأييد طرفيْن متصارعيْن داخل الائتلاف، ومتناقضين، ومطالب جمهورهما على طرفي نقيض، ففي حين أن كتلة منصور عباس التي جمدت نشاطها داخل الائتلاف منذ منتصف رمضان على خلفية الاقتحامات للمسجد الأقصى، وتهدد بعض قياداتها مثل مازن غنايم ووليد طه بالخروج من الائتلاف في حال استمرت الاقتحامات والاستفزازات، في محاولة للاستجابة لتطلعات جمهورهم الانتخابي، فإن ثلاثة أعضاء من كتلة "يمينا" شاكيد واورباخ وخلفون (الذي اقتحم الأقصى بطريقة استعراضية) يسعون بقوة للمزايدة من الجانب اليميني وابتزاز الحكومة كل يوم وفي كل مشروع والتهديد بالانشقاق؛ وبذلك فإن بينت ولبيد يجدان نفسيهما مضطران لإجراء مناورات سياسية يومية مكوكية، في سبيل احتواء التصدعات الداخلية، في محاولة لإيجاد ما يشبه القاسم المشترك، تسطيع كتلة "يمينا" وكتلة عباس التعايش معه. الأمر الذي يزداد صعوبة يوميًا، لا سيما مع الشعور بأن رياح الانتخابات تعصف بقوة، وكل منهم يبحث عن أيّ موقف أو خطوة قد تساعده سياسيًا في لحظة الانتخابات.
الكتلة الثلاثية (المتمردة داخل "يمينا") تسابق الزمن في معرفة متى قد تسقط الحكومة، ومن الذي سيسقطها؛ لأنه في حال أسقطها عباس فإن قيمتها السياسية الانتخابية ستكون متدنية، وقد لا يجدون لهم مكانًا داخل "الليكود"، فثلاثتهم يسعون لضمان مكان لهم داخل "الليكود"، لكن "الليكود" لن يقدم لهم ضمانات دون أن يكون لهم مساهمة بإسقاط الحكومة. وعليه، فإنهم يحاولون استنفاد وقتهم داخل الحكومة لابتزازها بالمزيد من الإنجازات حتى آخر نفس، وفي نفس الوقت يخشون بأن اسقاطهم للحكومة يعني منح رئاسة الحكومة للبيد طوال الفترة المؤقتة حتى تشكيل الحكومة القادمة، بينما لو سقطت الحكومة على يد عباس أو الجناح اليساري فيها؛ فإن بينت سيستمر في رئاسة الحكومة، وذلك بحسب شروط تم إدراجها في الاتفاق الائتلافي.
الحركة الإسلامية التي تشكل القائمة العربية برئاسة عباس ستعقد اجتماع مجلسها الشوريّ يوم غد الاثنين، لاتخاذ قرار بشأن الاستمرار في الائتلاف أو الخروج منه أو استمرار تجميد عضويتهم أو إنهاء التجميد، ومن الرائج في الإعلام أن ثمة معارضة قوية داخل المجلس الشوريّ للبقاء في الائتلاف على خلفية اقتحامات الأقصى وسياسات شاكيد الاستفزازية، وعلى خلفية المماطلة بتنفيذ بعض ما تم الاتفاق عليه مع القائمة. مازن غنايم، وهو أحد أعضاء الكنيست عن القائمة، سيقدم اقتراحًا بالخروج من الائتلاف، بينما منصور عباس لا زال يعتقد بأن بإمكان الحركة جني المزيد من الحقوق، ولا زال بإمكانها التأثير على الائتلاف من الداخل، ويعتقد بأن من الخطأ أن ينسب لحركة تهمه إسقاط الائتلاف، وهو يعتقد بأن بإمكانه إقناع المجلس بمنحه المزيد من الوقت.