• اخر تحديث : 2024-07-03 03:33
news-details
تقدير موقف

تصدّع الصورة العالمية للكيان المؤقت


على الرغم من الجهود السياسية والديبلوماسية في الضغط على كافة مرافق صناعة القرار في العالم، لدعم السرديات الكبرى التي تروّج لها الصهيونية للحفاظ على الكيان، تشهد ميزة "إسرائيل" تراجعًا ملحوظًا في معارك وجهات النظر، تتراكم بشكل مطرّد خاصة بعد معركة سيف القدس، إذ ثمّة تحولات في وجهات النظر العالمية سواء تلك الديبلوماسية أو على مستوى الرأي العام الفني أو الثقافي، وقد كان لافتًا تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي ظهر ناقدًا للهولوكوست ولعلاقة اليهود بالنازية، علمًا أن المسّ بالهولوكوست هو قانون تحاسب عليه أغلب الدول الأوروبية. كما شهد العالم كما لم يشهد من قبل شبه إجماع على إدانة اغتيال مراسلة قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة، إذ كانت معظم هذه الدول سابقًا تقف موقف الذي لم يعاين أي شيء. إلى ذلك ثمة تحوّل واضح في الموقف الصيني تجاه القضية الفلسطينية بعدما استمرّ محايدًا لعقود.

أولًا: سيف القدس وتراجع ميزة الكيان في معركة وجهات النظر واكتساب الجمهور العالمي

عادة ما يكافح الفلسطينيون وحلفاؤهم من محور المقاومة والممانعة من أجل اختراق روايتهم على الإنترنت، لكن ليس بعد الآن، لا ريب أن لدى "إسرائيل" ميزة عسكرية في صراعها المستمر مع المقاومة الفلسطينية، لكن في الكفاح للسيطرة على الرواية العامة للصراع، يبدو أن ميزة إسرائيل تتراجع.

في جولات الصراع السابقة، كانت الحكومة الإسرائيلية في كثير من الأحيان قادرة على الاستفادة من قنوات التواصل الاجتماعي الرسمية المتبعة على نطاق واسع، وكذلك على تصريحات القادة، للمساعدة في تشكيل السرد لصالحها، وتصوير نفسها على أنها أمة تتعرض للهجوم ظلما مع الدولة الوحيدة، هدف الدفاع عن نفسها.

لكن هذه المرة، حقق الفلسطينيون الذين تحدثوا علنًا ضد الاحتلال الإسرائيلي وقصفه العسكري الساحق لغزة نجاحًا أكبر بكثير في سرد جانبهم من القصة على وسائل التواصل الاجتماعي - مما أدى إلى تآكل ميزة إسرائيل في معركة وجهات النظر واكتساب جمهور متحمس على المستوى العالمي.

انتفاضة تيك توك

من إنشاء مقاطع فيديو تضامنية على TikTok إلى استخدام Twitter لتنظيم احتجاجات دولية إلى نشر مقاطع فيديو على Instagram تظهر الضربات الجوية الإسرائيلية على غزة، جعل الفلسطينيون والمتعاطفون من جميع أنحاء العالم من وسائل التواصل الاجتماعي سلاحًا مركزيًا في الحرب السردية ضد إسرائيل. يتم نشر هذه الأسلحة على عدة جبهات: باستخدام منصات مختلفة لاستهداف جماهير متعددة - في المنطقة وحول العالم - مع استخدام التطبيقات بحسب رواجها في كل دولة.

قال مايكل برونينغ، المدير التنفيذي لمكتب فريدريش إيبرت ستيفتونغ الألماني في نيويورك، "إنها مثل انتفاضة تيك توك"، مستخدما المصطلح العربي المستخدم لوصف الانتفاضات الفلسطينية السابقة أي “Tik Tok Intifada”.

 لقد سمحت الاتصالية الجديدة للأصوات الفلسطينية وقصصهم بالظهور خلال الأزمة بينما أضعفت الاحتكار المعتاد الذي تتمتع به الحكومة الإسرائيلية للرسائل. إنها رصيد لا يريد الفلسطينيون خسارته.

شخصيات مشهورة عالمية

في الماضي، كان من النادر لأي شخصية بارزة - في مجال الترفيه، أو الرياضة، أو الأعمال - التعبير عن دعمها للفلسطينيين. غالبًا ما يكون القيام بذلك مكلفًا للغاية فيما يتعلق بالآفاق الوظيفية أو الإدراج على القائمة السوداء على مواقع الويب مثل Canary Mission التي تحتفظ بملفات مفصلة ومضللة لمؤيدي القضية الفلسطينية. إلا أن هذه المرة كانت مختلفة جدًا.

جيجي وبيلا حديد، عارضتا الأزياء من أصل فلسطيني. جيجي لها أكثر من 66 مليون متابع على Instagram نشرت على حسابها أنه "لا يمكنك اختيار من تكون حقوقه الإنسانية أكثر أهمية". في إشارة إلى التمييز القائم بحق الفلسطينيين.

ونشر حساب الموضة الأمريكي على إنستغرام Diet_Prad رسما كاريكاتوريًا يطلب من متابعيه البالغ عددهم 3 ملايين "الوقوف مع المظلومين" - واصفا الإسرائيليين بـ "الظالمين".

ثم هناك غال غادوت، الممثلة الإسرائيلية المشهورة بفيلم Wonder Woman، غردت قائلة: "تستحق إسرائيل أن تعيش كدولة حرة وآمنة، وجيراننا يستحقون نفس الشيء". كان هذا التصريح لافتًا من غادوت، وقد عطلت التعليقات على التغريدة بسبب الانتقادات اللاذعة التي تلقتها، خاصة أنها جندية سابقة في الجيش الإسرائيلي والأولى أن تنشر "دعاية" لبلدها.

وفي مجال الترفيه، كرّس المضيف جون أوليفر مؤخرًا جزءًا كبيرًا من برنامجه HBO للأحداث، موضحًا عدم التناسق في الصراع الذي أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 232 فلسطينيًا من بينهم 65 طفلاً، وفي 12 شخصًا بينهم طفلان من الطرف الإسرائيلي. كلا الجانبين يطلقان صواريخ، لكن أحد الجانبين لديه واحد من أكثر الجيوش تقدما في العالم. كلا الجانبين يعانيان من خسائر مفجعة، لكن أحد الجانبين يعاني منهم بشكل كبير "، قال أوليفر.

أصبح النضال الفلسطيني أيضًا قضية مؤثرة لأشخاص مثل الموسيقيين زين مالك و The Weeknd وكذلك الممثلين فيولا ديفيس وسوزان ساراندون ومارك روفالو، المشهور بنشاطه التقدمي ودوره في امتياز Marvel's Avengers. يقول عامر زهر، ناشط فلسطيني أمريكي ورئيس منظمة الجيل الجديد من أجل فلسطين ومقرها الولايات المتحدة: "عندما يخرج شخص مثل مارك روفالو ويقول إن فلسطين حرة، يكون الناس أقل تحفظًا ... وهذا يرفع معنويات النشطاء".

حقوقيون

علاوة على ذلك، يتحدث الناس من مذيعي الأخبار إلى المؤثرين والمشاهير على وسائل التواصل الاجتماعي الآن عن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية بطريقة مختلفة. هذا العام، قررت كل من منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الأمريكية ومجموعة بتسيلم الحقوقية الإسرائيلية أن المسؤولين الإسرائيليين مذنبون بارتكاب جريمة الفصل العنصري، وأصبحت المصطلحات التي كانت تستخدم في السابق إلى حد كبير فقط من قبل النشطاء المؤيدين للفلسطينيين، أكثر انتشارًا في الخطاب السائد.

رؤساء دول

من بين أولئك الذين استخدموا مصطلح الفصل العنصري لوصف السياسة الإسرائيلية، رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا، ورجل الدين الجنوب أفريقي ديزموند توتو، وأنجيلا ديفيس، وعلى فيلشي من MSNBC وأعضاء ديمقراطيين تقدميين في الكونجرس مثل النائبين إلهان عمر ورشيدة طليب. "إن انتقاد إسرائيل بمثل هذه العبارات القاسية التي لها ما يبررها، مثل استخدام كلمات مثل" الفصل العنصري "أو" التطهير العرقي" لم تعد مواقف هامشية راديكالية لا يمكن قولها بعد الآن كما يقول إتش إيه هيليير، خبير الشرق الأوسط وباحث في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي.

ثانيًا: التحول في وجهات النظر العالمية

تصريحات لافروف وكسر حرمة انتقاد الهولوكوست

منذ الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم، تعتبر مسألة إنكار حدوث المحرقة اليهودية "الهولوكوست" جريمة، إذ أصدرت الكثير من الدول الأوروبية قوانين ضد إنكار حدوث المحرقة. وتعتبر معاداة السامية تهمة تلحق العار والعقوبات بكل شخص يحاول التشكيك بالسرديات الصهيونية الكبرى. حتى أن جورج مارشال نفسه، صاحب خطة مارشال التي أعادت إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، والذي كان بالنسبة للرئيس الأمريكي ترومان "أعظم أميركي على قيد الحياة"، اتهم بمعاداة السامية بسبب معارضته لإنشاء الدولة اليهودية بسبب مجموعة من الهواجس والمخاوف العسكرية والأمنية التي من شأنها أن تستنزف الولايات المتحدة لاحقًا، ليعود لاحقًا ويخضع للأمر الواقع، ويساهم في تسهيل أمور الكيان.

اللافت أن الأمم المتحدة لا تنفك بين الحين والآخر تصدر قرارات وبنود لمكافحة إنكار الهولوكوست، وآخرها كان في 20 كانون الثاني 2022، إذ تبنّت الجمعية العامة بالتوافق قرارًا يقضي بتعزيز إحياء ذكرى الهولوكوست ومكافحة إنكارها عبر تطوير برامج تعليمية من خلال الأمم المتحدة. وتم تبني القرار برعاية مشتركة من 114 دولة عضو. أكدت فيه أن إنكار محرقة اليهود بأشكاله المتنوعة هو تعبير عن معاداة السامية. ويحث القرار الدول الأعضاء على وضع برامج توعية لترسيخ العبر المستخلصة من محرقة اليهود في أذهان الأجيال المقبلة للحيلولة دون وقوع أعمال إبادة جماعية أخرى في المستقبل.

وفي خطوة بدت مفاجئة، خرجت تصريحات من قبل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يؤكد فيها على أن لأدولف هتلر "دم يهودي"، وأن "الشعب اليهودي الحكيم يقول إن أكثر المعادين للسامية حماسة هم عادة اليهود".

جاء هذا التصريح في سياق العملية العسكرية التي تشنها روسيا على النازيين الجدد في أوكرانيا، عندما عمد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للرد بالقول "كيف يمكن للنازية أن تكون موجودة (في أوكرانيا) إذا كان هو نفسه يهوديًا". فكان الرد من لافروف "يمكن أن أكون مخطئا لكن هتلر نفسه كان دم يهودي يسري في عروقه".

سارعت العديد من الدول لشجب هذه التصريحات، وكتب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في تغريدة على تويتر "يجب على العالم أجمع الاعتراض علنًا على هذا الخطاب الدنيء والخطير، ودعم شركائنا الأوكرانيين في مواجهة الهجوم الشنيع للكرملين".

الواقع أن الحظر لا يطال فقط مسألة التشكيك بالهولوكوست، بل إنه يحظر أيضًا حتى البحث العلمي في صحة أرقام اليهود في الهولوكوست تاريخيًا وعلميًا، مع العلم أن الحقائق التاريخية تتحدث عما يسمى اتفاقية العام 1933، وهي الاتفاقية التي مكّنت عشرات الآلاف من اليهود الألمان من الهجرة إلى فلسطين مع ثرواتهم. تم إبرام الاتفاقية، المعروفة أيضاً باسم "هافارا" (بالعبرية تعني "الترحيل" أو "النقل")، في آب 1933 بعد محادثات بين مسؤولي الحكومة الألمانية وحاييم أرلوسوروف، رئيس الدائرة السياسية في الوكالة اليهودية في فلسطين، والذي كان المفاوض الرئيسي من الجانب الصهيوني. من خلال هذا الترتيب غير العادي، يقوم كل يهودي متجه إلى فلسطين بإيداع أموال في حساب خاص في ألمانيا. ثم تستخدم الأموال المتجمعة في الحساب لشراء سلع ألمانية الصنع (مثل الأدوات الزراعية ومواد البناء والمضخات والأسمدة وما إلى ذلك) يتم تصديرها إلى فلسطين وبيعها هناك من قبل شركة مملوكة لليهود في تل أبيب تسمّى "هافارا ليميتد". ويتم دفع الأموال من بيع البضائع الألمانية إلى المهاجر اليهودي عند وصوله إلى فلسطين بمبلغ يعادل وديعته في ألمانيا. وبهذه الطريقة تدفقت البضائع الألمانية على فلسطين من خلال الصفقة الصهيونية - النازية. وهكذا خدمت الاتفاقية الهدف الصهيوني لجلب المستوطنين اليهود ورأس المال التنموي إلى فلسطين، بينما في الوقت نفسه خدمت الهدف الألماني المتمثل في تخليص البلاد من مجموعة بشر غير مرغوب فيهم.

بقيت الاتفاقية سارية المفعول حتى 3 أيلول 1939 (أي حتى إعلان الحرب على ألمانيا من قبل بريطانيا العظمى). ونتيجة لاتفاقية "هافارا" هاجر 55 ألف يهودي واستقروا في فلسطين في الفترة 1933-1939. وبحسب ما أوضح أرتور باتيك، كان المنطق الصهيوني من وراء الاتفاقية هو: "علينا أن نعطي إجابة صهيونية للكارثة التي تواجه يهود ألمانيا! علينا تحويل هذه الكارثة إلى فرصة لتطوير بلدنا".

كانت هناك معارضة للصفقة من داخل جهات معينة في الحركة الصهيونية، ولا سيما من القيادة الأميركية للمؤتمر الصهيوني العالمي والكونغرس اليهودي الأميركي الذين كانوا وراء حملة مقاطعة اقتصادية فعالة مناهضة للنازية وللبضائع الألمانية في عام 1933. وهؤلاء بدأوا يرون تقويض جهودهم بسبب الاتفاق الصهيوني - الألماني. لكنهم فشلوا في إقناع المؤتمر الصهيوني في التاسع عشر في آب 1935 بالتصويت ضد الاتفاقية.

هذه الوقائع يتم تجاهلها ومحاولة طمسها والتعامل معها بحرص قبل أن يخرج لافروف – ولأول مرة على لسان شخصية دولية وديبلوماسية عضو فيما يسمى المجتمع الدولي، لتسلّط الضوء على هذه الحقائق وتعيدها إلى الأذهان، لتكسر هالة الهولوكوست ومعاداة السامية.

موقف الصين من القضية الفلسطينية

في السنوات الأخيرة، برزت دبلوماسية الوساطة كإحدى الركائز الأساسية لأهداف وممارسات السياسة الخارجية الصينية، مع تعمد بكين وضع نفسها كصانعة سلام في منطقة الشرق الأوسط. وهذا يساعد الصين على ترسيخ الصورة المحلية والدولية المهتمة بإحلال السلام والاستقرار في المنطقة. وقد استمر هذا الاهتمام منذ منتصف القرن الماضي وإلى الآن بصورة أو بأخرى، ليصل إلى الوضع الحالي للعلاقات والقائم على موازنة حذرة بين مصالحها العالمية مع القوى الكبرى ودورها على الساحة العالمية في مجالات السياسة والاقتصاد والعسكر، ومصالحها الإقليمية واهتمامها بإقامة علاقات اقتصادية وعلمية وتكنولوجية مع الكيان الصهيوني.  وتعود رغبة الصين في لعب دور ما في الشرق الأوسط لاعتقادها أن مصالحها الكبيرة في المنطقة تتطلب منها تحركاً ما للحفاظ على الاستقرار وعدم الانحياز إلى أي طرف من أطراف الصراع العربي-الإسرائيلي، والقيام بدور ما في العثور على تسوية تخمد النزاعات في المنطقة

وتتناقض هذه السياسة مع سياسة الولايات المتحدة، المبنية على الهيمنة والتدخلات الخارجية في شؤون الدول ذات السيادة. وقد شرعت الصين في رسم صورة عالمية لها باعتبارها دولة "حيادية" و "مسؤولة" منفتحة على جميع الأطراف لا تتدخل في الصراعات الإقليمية والشؤون الداخلية، وتكتفي بمراقبتها بحذر. وأصبحت تتبنى هذه الاستراتيجية بشكل مباشر منذ مشاركتها في مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، وذلك بسبب هيمنة الولايات المتحدة على النظام العالمي، وحصولها على تفويض من جانب قواه الكبرى بالعمل على حل الصراع العربي – الإسرائيلي. فباتت السياسة الصينية تجاه الصراعات الإقليمية، ومن ضمنها الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، أكثر انسجاما مع سياسة المجتمع الدولي، ومنذ تولي الرئيس شي شينبينغ السلطة عام 2013، اصبحت الصين تلعب دورا فاعلا وملفتا في اقتراح خططٍ لإحلال السلام ودعم حق الفلسطينيين بتقرير المصير ودعم حل الدولتين. وعلى الرغم من السياسة التي دعمت فلسطين تاريخياً منذ "الحقبة الماوية"، حدّت العلاقات الاقتصادية بين الصين والكيان الصهيوني، الى حد كبير، الدعم الصيني المباشر للقضية الفلسطينية في السنوات الأخيرة، وخصوصا بعد 1991. فاتجهت السياسة الصينية حيال فلسطين والكيان الصهيوني لتكون أكثر توازنا، وهو التوازن الذي تزايد منذ وصول الرئيس شي جين بينغ السلطة في 2013.  وذلك بموجب أن الاقتصاد هو من أولويات الإستراتيجية الصينية لأهميته على الصعود الصيني المتزايد. فبرز تناقض بين تنامي الشراكات الاقتصادية مع الكيان المؤقت، ودعم حق الفلسطينيين.

بشكل عام، بدأت الصين مند منتصف الثمانينيات تتراجع عن مواقفها المؤيدة علناً للدول العربية في صراعها مع الكيان الصهيوني، وذلك بالتحديد في عام 1985 عندما ألقى رئيس مجلس الدولة الصيني محاضرة في المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) في بريطانيا، حيث اكتفى بالتصريح عن "تأييد الشعوب العربية ضد سياسة التوسع الإسرائيلي". وأتى ذلك في إطار بداية تراجع الصين عن مواقفها المؤيدة علناً للدول العربية في صراعها مع الكيان. ودعم هذا التوجه وزير الخارجية الصيني آنذاك عندما صرح بقوله: "إننا نؤيد المفاوضات السلمية التي تخدم الحل العادل والشامل لمشكلة الشرق الأوسط." هذا التطور في موقف الصين أصبح يمثل نهجاً مختلفاً عن النهج السابق، وأدى فيما بعد إلى إجراء اتصالات دبلوماسية بين الصين وإسرائيل، وصولاً إلى تبادل الاعتراف الدبلوماسي وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة في يناير 1992.

وعلى ضوء المقاربة الصينية للقضية الفلسطينية، كان قد تجدد الموقف الصيني إبان معركة "سيف القدس" (10-21 مايو/أيار 2021) ليصبح مجددا أكثر علانية، وتُعد هذه المرحلة من أبرز المحطات التي يبرز فيها الموقف الصيني من القضية الفلسطينية. إلا انه افتقر للتنديد المباشر للعدوان الإسرائيلي واكتفى بمواجهة الموقف الأميركي بمساراته المتعددة وعرقلته لمسار فض النزاع خلال فترة المعركة بين الطرفين.

يتحدد الموقف الصيني في إطارات عدة. منها العلاقة التنافسية مع واشنطن، وتحركات الولايات المتحدة وحلفائها في ربوع آسيا، والتعاون الصيني-الإسرائيلي. بالإضافة الى التأويلات المتعلقة بتطور الموقف الصيني من القضية الفلسطينية؛ والتي بلغ بعضها حد تقديم قراءة في نوايا الصين بتسليح السلطة الفلسطينية عوضا عن حركة "حماس"، ما يؤهلها لتكون لاعباً فعلياً في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.  وعليه، يمكن القول إن إعادة طرح الموقف الصيني من القضية الفلسطينية كان من أهم النتائج الاستراتيجية والدولية التي أسفرت عنها معركة "سيف القدس".

شبه الإجماع العالمي لأول مرة على إدانة الكيان: قضية اغتيال شيرين أيو عاقلة

لطالما تجاهل المجتمع الدولي حقوق الإنسان والجرائم والانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين. لكن كما لم يحصل من قبل، منذ اللحظات الأولى لخبر مقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة صباح الأربعاء 11 أيار 2022، سارعت دول غربية بعدد ملفت وبشكل ملحوظ إلى إدانة مقتل مراسلة قناة الجزيرة بعبارات اتخذت طابع "الصدمة" من جريمة القتل، وأخرى كانت متحفظة على الجهة التي قتلت لكنها على الأقل طالبت بتحقيق دولي "شامل ودقيق" للكشف عن الحقيقة، إذ ادّعت سلطات الاحتلال أن مصدر النيران كان فلسطينيًا.

والجدير ذكره أنّ 50 مشرّعًا أمريكيًا من الحزب الديموقراطي دعا مكتب التحقيق الفيدرالي FBI إلى التحقيق في قضية الاغتيال، خاصة وأنها مواطنة أمريكية. إذ بعثت مجموعة من 57 مشرعًا برسالة إلى مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كريستوفر راي ووزير الخارجية أنطوني بلينكين، جاء فيها: "نظرًا للوضع الهش في المنطقة والتقارير المتضاربة التي أحاطت بوفاة السيدة أبو عاقله، نطلب من وزارة الخارجية ومكتب المباحث الفيدرالي أن يفتح تحقيقا في وفاة السيدة ابو عاقلة".

وانتقد بلينكين الشرطة الإسرائيلية لاستخدامها القوة خلال الجنازة، فيما كرر المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس، "دعوة الإدارة لإجراء تحقيق شامل وشفاف لتحديد ملابسات مقتلها".

تطور حالة اليهود العلمانيين المعادين للصهيونية

راكمت الحركة الصهيونية الكثير من الانتقادات والمواقف المعارضة من داخل الصف اليهودي نفسه، الأصولي منه قبل اليساري أو العلماني، وانطلق النقد العلماني من ضرورة اندماج الأقليات اليهودية مع مجتمعاتها، واعتبار الصهيونية ردة حضارية لا تعالج مشكلة الغيتوهات اليهودية وإنما تزيدها بخلق غيتو كبير باسم دولة.

إلى اليوم تتزايد أعداد الشخصيات اليهودية التي تعادي الصهيونية على الرغم من القيود الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يمكن أن تطال هؤلاء. كما تنشط جمعيات يهودية أيضًا في أعداد متزايدة لدى كل استحقاق من شأنه التصويب على الصهيونية وكل ما يتعلّق بالكيان.

مجموعة من كبار المثقفين على رأسهم الفيلسوف الأمريكي نعوم تشومسكي وهو مفكّر مناهض ليس فقط للصهيونية، وإنما للسياسة الأمريكية أيضًا. بالإضافة إلى أساتذة جامعيين وأطباء ومحامين ورؤساء تحرير ودور نشر وحتى صحفيين وإعلاميين ومراسلين ومدونين ومؤثرين على مواقع التواصل. ومن أبرز هذه الشخصيات نذكر عددًا قليلًا منهم:

- أيال سيفان Eyal sivan: بريطاني/ فرنسي في العقد السابع، ولد عام 1964 في حيفا ونشأ في القدس. مقيم بين باريس ولندن، أستاذ جامعي إخراج سينمائي في جامعات لندن، أخرج عدداً من الأفلام الوثائقية ومنها "عقبة جبر" عن غزة وفيلم مشترك مع مخرج فلسطيني يدعى ميشال خليّْفة وهو "الطريق 181" عن الخط الأخضر الفاصل بين مناطق اليهود والفلسطينيين وفق تقسيم الأمم المتحدة عام 1947 .

- إريك هازان Irik Hazan: فرنسي يهودي، في العقد التاسع مقيم في فرنسا ولا يتردد إلى الكيان. طبيب جراح ولديه في باريس دار نشر يدعى lafabrik. وهو صديق مقرب من أيال سيفانكان عليه في إسرائيل عدة دعاوى على خلفية مواقفه من الصهيونية، مع القضية الفلسطينية وترجم عدداً من الكتب الفلسطينية إلى اللغة الفرنسية انخرط سياسياً مع الحزب الشيوعي الفرنسي ودعم جبهة التحرير الوطني خلال الحرب الجزائرية، حيث ذهب كطبيب.

- جويل ماريللي Joelle Marelli: مغربية/ فرنسية، في العقد السادس تقيم في باريس، ونادراً ما تتردد إلى إسرائيل أستاذة جامعية، كانت رئيسة تحرير دار نشر lafabrik يملكه طليقها  Irik Hazan / أستاذة فلسفة في الجامعة في فرنسا/مترجمة كتب عبرية وإنجليزية إلى الفرنسية دائرة علاقاتها: لديها شبكات من العلاقات في داخل الكيان المؤقت. صديقة ل أيال سيفان، ولديها علاقات واسعة جداً خاصة مع اليهود الشرقيين وشاركت في العديد من الفعاليات والأنشطة ضد الكيان ودعماً للقضية الفلسطينية ومعادية للصهيونية.

-  يائيل ليرير  :Yael lererفرنسية ربما ليس لديها جواز سفر إسرائيلي، في العقد السادس، عزباء مقيمة في باريس مديرة دار الأندلس للنشر في القدس لترجمة الأدب العربي إلى اللغة العبرية ولديها عدد من الموظفين في الدار في القدس. كانت مديرة مكتب عزمي بشارة في الكنيست داعمة للقضية الفلسطينية، ومعادية للصهيونية والدولة الإسرائيلية وشاركت في العديد من الفعاليات والأنشطة ضد الدولة الإسرائيلية مستعدة للمشاركة في تحرير فلسطين شرط أن يتم ضمان بقاء اليهود المتعاونين في التحرير داخل فلسطين ولا يتم ترحيلهم.

- نورمان فينكلستاينNorman Finkilstein :  أمريكي، ,أكاديمي أستاذ جامعي وكاتب وناشط سياسي إعلامي على وسائل التواصل. من مواليد 8 ديسمبر 1953 في بروكلين، وهو عالم سياسي أمريكي. كان على التوالي مدرسًا في كلية بروكلين، كلية هانتر، جامعة نيويورك ثم جامعة ديبول حتى سبتمبر 2007. أهم منشوراته:

1. صورة وواقع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، طبعات فيرسو، لندن ونيويورك، 1995

2. أساطير وحقائق الصراع الإسرائيلي الفلسطيني (ترجمة الطبعة الإنجليزية الثانية بقلم باتريك جيلارد وسيرج ديرويت، مع مقدمة بقلم دومينيك فيدال)، طبعة عدن، بروكسل، 2007.

3. صعود وسقوط فلسطين: تقرير شخصي عن سنوات الانتفاضة، مطبعة جامعة مينيسوتا، مينيابوليس، 1996.

خاتمة

منذ احتلال فلسطين ولأكثر من 7 عقود، استمر ما يسمى بالمجتمع الدولي بغضّ النظر عن الأعمال العدائية الإسرائيلية، وترجيح الرواية الصهيونية وتقديسها، واستمرّت واشنطن بمنع مجلس الأمن الدولي من محاسبة الإسرائيليين. إلا أن هؤلاء فقدوا القدرة على التغاضي بسبب العديد من المتغيرات العالمية، أبرزها تراجع قوة الولايات المتحدة وتعاظم إرادة الشعب الفلسطيني ومن خلفه قوى الممانعة. وتعتبر تصدّع صورة إسرائيل عالميًا من العلامات الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للكيان المؤقت