تتجه الأنظار إلى القمة المرتقبة بين الرئيسين: الأمريكي دونالد ترامب، والروسي فلاديمير بوتين، التي يُتوقع عقدها في الرياض، لكن موعدها لا يزال غير محسوم. فقد أعلن يوري أوشاكوف، مساعد الرئيس الروسي، أنه من المستبعد انعقادها الأسبوع المقبل، مشيراً إلى الحاجة إلى استكمال المزيد من التحضيرات بين وفدي البلدين قبل تحديد موعد نهائي. ومع ذلك، هناك إشارات إلى إمكانية عقد اللقاء قبل نهاية الشهر الجاري، كما ذكر الكرملين أن الاجتماع قد يتم في وقت قريب. وأشار ترامب أيضاً إلى أن اللقاء قد يكون قريباً جداً، لكنه لم يقدم تفاصيل دقيقة حول الموعد.
تأتي القمة المنتظرة في أعقاب محادثات رفيعة المستوى بين الولايات المتحدة وروسيا عُقدت في الرياض في 18 فبراير الجاري، واستمرت لأكثر من أربع ساعات. وقد ترأس الوفد الأمريكي وزير الخارجية، ماركو روبيو، فيما مثّل الجانب الروسي وزير الخارجية، سيرجي لافروف. وركزت المناقشات على تهدئة التوترات بين البلدين، وبحث سبل إنهاء الحرب في أوكرانيا، تمهيداً لعقد قمة محتملة بين بوتين وترامب.
من جانبه، أكد الكرملين أن بوتين جاد في التفاوض على تسوية سلمية، مشدداً على أهمية تحقيق الأهداف الروسية عبر الوسائل الدبلوماسية. وأسفرت المحادثات عن اتفاق الجانبين على تشكيل فريق رفيع المستوى لمتابعة المفاوضات بشأن السلام في أوكرانيا، وتعزيز التعاون الاقتصادي بين واشنطن وموسكو.
تداعيات متعددة
سيكون للقمة المرتقبة بين الرئيسين الأمريكي والروسي جملة من التداعيات على صعيد العلاقات الأمريكية-الروسية، وكذلك على الصعيد الدولي، ولا سيما الأوروبي، حيث تتمثل أبرز هذه التداعيات فيما يلي:
1- إعادة روسيا إلى الساحة الدولية بعد سنوات من العزلة: ستعزز القمة الأمريكية-الروسية المرتقبة بين الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، مساعي إعادة روسيا إلى الساحة الدولية بعد سنوات من العزلة الدبلوماسية التي أعقبت حربها على أوكرانيا المستمرة منذ 22 فبراير 2022. وعلى الرغم من الضغوط الغربية المتواصلة على موسكو، فإن هذا اللقاء سيمثل فرصة لإعادة فتح قنوات حوار مباشرة بين الكرملين والبيت الأبيض، وهو ما يراه مراقبون خطوة أولى نحو إعادة دمج موسكو في النظام الدولي. فالانخراط المباشر مع الولايات المتحدة في مفاوضات السلام يُعزز من موقف روسيا عالمياً، ويُعيدها كشريك رئيسي في القضايا الدولية.
2- تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا: تأمل موسكو في أن يؤدي اللقاء المرتقب بين الرئيسين الأمريكي والروسي إلى إحراز تقدم ملموس في تخفيف العقوبات الغربية المفروضة عليها منذ اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية. فمنذ عام 2022، فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون عقوبات مشددة استهدفت الاقتصاد الروسي، شملت تجميد احتياطيات النقد الأجنبي، وفرض قيود على البنوك، وتقليص صادرات النفط والغاز. ورغم أن موسكو تمكنت جزئياً من التكيف مع هذه العقوبات من خلال تعزيز تعاونها مع الصين ودول أخرى، فإن آثارها طويلة الأمد لا تزال تشكل تحدياً أمام النمو الاقتصادي الروسي.
وترى القيادة الروسية في التقارب مع واشنطن فرصة لإعادة فتح قنوات التعاون الاقتصادي وتقليل القيود المفروضة على شركاتها. ويراهن الكرملين على أن نهج ترامب القائم على "أمريكا أولاً" قد يدفعه إلى تقديم تنازلات في ملف العقوبات، خاصة إذا رأت واشنطن في تحسين العلاقات مع موسكو وسيلة لموازنة نفوذ الصين أو تحقيق مكاسب اقتصادية عبر الاستثمارات الأمريكية في روسيا، مثل مشاريع النفط في القطب الشمالي. ومع ذلك، تدرك موسكو أن رفع العقوبات لن يكون سهلاً، ولا سيما في ظل معارضة المؤسسات السياسية الأمريكية والأوروبية لأي تخفيف للضغط على روسيا دون تقديم تنازلات واضحة في أوكرانيا. ومع استمرار الاتحاد الأوروبي في فرض عقوبات جديدة، يبدو أن أي تغيير جوهري في السياسات الغربية تجاه موسكو سيعتمد على مدى استعداد ترامب لتجاوز التحفظات الداخلية والخارجية بشأن التعامل مع بوتين.
3- إعادة بناء العلاقات الأمريكية-الروسية: سيكون لقاء الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب، والروسي فلاديمير بوتين، الأول منذ غزو روسيا لأوكرانيا قبل نحو ثلاث سنوات، لحظة مفصلية في مسار العلاقات الأمريكية-الروسية، حيث يُشكّل تطوراً جوهرياً قد تكون له تأثيرات عميقة على العلاقات الثنائية بين البلدين. وبحسب خبراء في الشؤون الدولية، قد يمثل هذا اللقاء منعطفاً استراتيجياً في مساعي إعادة بناء العلاقات بعد سنوات من التوتر الناجم عن النزاع الأوكراني والسياسات الأمريكية تجاه موسكو، بما في ذلك ما يُعرف بـ"الحروب الهجينة"، مما قد يُسهم في تحقيق قدر من الاستقرار في النظام الدولي.
وخلال المناقشات التي قادها وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، ونظيره الروسي، سيرجي لافروف، في الرياض، أعرب الجانبان عن التزامهما بتحسين العلاقات الثنائية والشروع في مفاوضات تهدف إلى إيجاد حل للأزمة الأوكرانية. ويرى محللون أن هذه المحادثات قد تمهد الطريق لعقد قمة مباشرة بين ترامب وبوتين، وهو ما سيكون خطوة مهمة نحو تخفيف التوتر بين البلدين. وقد وُصفت الأجواء التي سادت المحادثات في السعودية بأنها "إيجابية" و"بناءة"، حيث أشار مسؤولون أمريكيون إلى توصل الجانبين إلى اتفاق لإعادة طواقم سفارتي البلدين في واشنطن وموسكو، وهي خطوة حاسمة نحو تطبيع العلاقات الدبلوماسية بعد سنوات من عمليات الطرد المتبادل للدبلوماسيين.
4- مخاوف من التوصل إلى صفقة على حساب أوكرانيا: تثير المفاوضات الأمريكية-الروسية مخاوف أوكرانية وأوروبية من استبعاد أوكرانيا كطرف مباشر في محادثات إنهاء الحرب، حيث تخشى كييف وحلفاؤها الأوروبيون من أن تؤدي أي اتفاقات إلى تقويض سيادتها ومصالحها. وقد عبّر الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، عن استيائه من تهميش بلاده، مؤكداً أن أي اتفاق سلام يتم التوصل إليه دون مشاركة أوكرانيا سيكون غير مقبول. وقد يؤدي هذا الاستبعاد إلى تسوية لا تعكس المصالح الأوكرانية، مما قد يهدد سيادتها وسلامتها الإقليمية.
5- تحركات أوروبية لزيادة الدعم العسكري لأوكرانيا: أثار استبعاد أوكرانيا والدول الأوروبية من المباحثات بين مسؤولي إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والروس في الرياض، وتهميشهم في القرارات الحاسمة المتعلقة بالقارة، قلق العواصم الأوروبية، خاصة بعد استثماراتها الكبيرة في دعم أوكرانيا عبر العقوبات ضد موسكو والمساعدات العسكرية والاقتصادية لكييف. كما يواجه القادة الأوروبيون ضغوطاً داخلية لتعزيز دورهم في أي تسوية محتملة للصراع.
وتتركز المناقشات الأوروبية الأخيرة على طبيعة الدور الذي يمكن أن تلعبه القوات الأوروبية في أوكرانيا. فقد اقترح بعض المسؤولين الأمريكيين نشر هذه القوات على الحدود كإشارة إلى التزام أوروبا بأمن أوكرانيا؛ إلا أن بعض المسؤولين الأوروبيين رأوا أن هذا الخيار ينطوي على مخاطر كبيرة، مما دفعهم إلى اقتراح أدوار بديلة مثل تدريب القوات الأوكرانية.
وتواجه أوروبا تحدياً في توفير التمويل اللازم لدعم أوكرانيا عسكرياً، في ظل مطالب ترامب بزيادة الإنفاق الدفاعي الأوروبي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي. وحتى الآن، لم تعلن سوى بريطانيا وفرنسا والسويد استعدادها لإرسال قوات إلى أوكرانيا. كما زاد تراجع الدعم الشعبي للحكومات في فرنسا وألمانيا من تعقيد اتخاذ قرارات حاسمة بشأن الحرب الروسية-الأوكرانية.
6- تصاعد توتر العلاقات الأمريكية-الأوكرانية: يتوقع أن يكون للقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، تأثيرات كبيرة على العلاقات الأمريكية-الأوكرانية، ولا سيما مع إعراب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، عن قلقه من أن لقاء ترامب ببوتين قبل أي مشاورات مع كييف قد يؤدي إلى تهميشها في أي مفاوضات مستقبلية، معتبراً أن غياب الضمانات الأمريكية بشأن مشاركة بلاده يعكس تغيراً في التوجه الأمريكي تجاه النزاع.
وتتزايد هذه المخاوف في ظل تصريحات ترامب التي ألقى فيها باللوم على القيادة الأوكرانية في استمرار الحرب، مشيراً إلى أن عدم استعدادها لتقديم تنازلات هو العائق الأساسي أمام إنهاء النزاع. كما شكك ترامب في شرعية الرئيس الأوكراني، ووصفه بأنه "طاغية" بسبب عدم عقد انتخابات رئاسية في أوكرانيا، داعياً إياه إلى التعجيل بعقد الانتخابات.
ويعكس هذا الطرح ميلاً نحو إعادة تقييم الدعم الأمريكي التقليدي لأوكرانيا، وهو ما قد يفضي إلى تراجع الالتزام الأمريكي بتقديم المساعدات العسكرية والسياسية لكييف، الأمر الذي قد يعزز موقف روسيا في أي تسوية مستقبلية.
7- البحث الأوروبي عن استقلالية دفاعية عن الولايات المتحدة: دفعت القمة المرتقبة بين الرئيسين الأمريكي والروسي، وسط تصاعد التوترات في أوكرانيا، القادة الأوروبيين إلى الاجتماع بشكل عاجل في باريس لمناقشة استقلالهم الأمني عن الولايات المتحدة، حيث يدرك القادة الأوروبيون أن نهج ترامب قد يعيد تشكيل التحالف الأطلسي الذي طالما اعتمد على القيادة الأمريكية في الشؤون الأمنية. ويعكس اجتماعهم الطارئ رغبة في تقديم موقف موحد وتعزيز سيطرتهم على استراتيجيات الدفاع، خاصة في ظل الضغوط الأمريكية على أوروبا لزيادة مساهمتها في الإنفاق العسكري.
ويبحث القادة الأوروبيون في استراتيجيات عسكرية متعددة لتعزيز قدراتهم الدفاعية، لا سيما بعد تصاعد التهديدات الروسية. ومن بين المبادرات المطروحة، صياغة مشروعات دفاعية مشتركة لتعزيز القدرات العسكرية وزيادة الإنفاق الدفاعي. كما تلتزم الدول الأوروبية بزيادة ميزانياتها الدفاعية، مع التركيز على الحروب عالية الكثافة والاستثمار في التقنيات العسكرية المتطورة، إضافة إلى اتخاذ إجراءات ملموسة لنشر القوات بسرعة، بما في ذلك تشكيل قوة انتشار سريع قوامها 5000 جندي، وتعزيز القاعدة الصناعية الدفاعية الأوروبية لضمان إنتاج كافٍ من المعدات العسكرية لمواجهة التهديدات المحتملة.
تغيرات كبرى
لن تقتصر تداعيات القمة المرتقبة بين الرئيس الأمريكي ونظيره الروسي على العلاقات الأمريكية-الروسية فحسب، بل ستعكس أيضاً ديناميكيات جيوسياسية أوسع. ويُظهر استعداد دونالد ترامب للتواصل مع فلاديمير بوتين تبايناً واضحاً مع استراتيجيات الإدارات الأمريكية السابقة، التي ركزت على فرض العقوبات والعزل الدبلوماسي لروسيا. في المقابل، فإن رغبة الكرملين في إعادة بناء العلاقات مع إدارة ترامب تشير إلى تحول استراتيجي من جانبه أيضاً، حيث يسعى إلى استعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع واشنطن.
ومع استعداد كلا الزعيمين لعقد قمة مباشرة، يراقب المجتمع الدولي التطورات عن كثب، إدراكاً لأن نتائج هذه المباحثات قد تعيد تشكيل ليس فقط العلاقات بين واشنطن وموسكو، بل قد تؤثر أيضاً على الاستقرار والأمن العالميين في ظل المشهد الجيوسياسي المتغير بسرعة. ونجاح هذه القمة سيكون عاملاً حاسماً في إعادة رسم التوازنات في المشهد الدولي، خاصة في ظل المتغيرات الجيوسياسية المتسارعة.