• اخر تحديث : 2025-02-05 02:35
news-details
تقدير موقف

كيف سيعيد بيت هيجسيث تشكيل وزارة الدفاع الأمريكية؟


صادق مجلس الشيوخ الأمريكي على تعيين بيت هيجسيث وزيراً للدفاع في 25 يناير 2025، بعدما انقسم المشرعون (50 –50)؛ ما تطلب تدخل نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس للإدلاء بصوته لكسر هذا الجمود، وقد كان ترشيحه موضع جدل ومعارضة بين عديد من المشرعين الجمهوريين والديمقراطيين؛ بسبب ادعاءات متعددة ضده، منها اتهامات بسوء السلوك الجنسي، وسوء الإدارة المالية المتعلقة بمنظمات المحاربين القدامى التي قادها سابقاً. وعلى الرغم من هذه المخاوف، أيد ترامب هيجسيث علناً، مؤكداً أنه سيجلب "ثقافة المحارب" إلى البنتاجون. ومن المتوقع أن يكون لهيجسيث تأثير كبير على استراتيجية الدفاع الأمريكية؛ حيث يسعى ترامب من خلاله إلى إعادة تشكيل وزارة الدفاع الأمريكية لتكون أكثر توافقاً مع رؤيته السياسية.
 
أولويات هيجسيث
أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في أعقاب أدائه اليمين الدستورية في العشرين من يناير 2025، جملة من الأوامر التنفيذية التي هدفت أربعة منها أصدرها في السابع والعشرين من يناير إلى إعادة تشكيل وزارة الدفاع الأمريكية. وقد حدَّد بيت هيجسيث، في أعقاب تصديق مجلس الشيوخ على توليه منصب وزير الدفاع الأمريكي، عدداً من المهام الأساسية لقيادته البنتاجون. وتتمثل أولويات هيجسيث فيما يلي:
 
1– تقييد خدمة المتحولين جنسياً في الجيش الأمريكي: وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمراً تنفيذياً يوجه وزير الدفاع بيت هيجسيث، بمراجعة سياسة البنتاجون بشأن خدمة المتحولين جنسياً في الجيش؛ ما أدى إلى إحياء سياسة مثيرة للجدل منذ ولايته الأولى. ويشمل الحظر الجديد معايير عسكرية محدثة تمنع المتحولين جنسياً من الخدمة؛ بسبب متطلبات الجاهزية البدنية والعقلية. ويأتي القرار بعد أن ألغى الرئيس السابق جو بايدن الحظر السابق الذي فرضه ترامب في عام 2017. ويطلب الأمر التنفيذي من وزير الدفاع مراجعة المعايير الطبية للتجنيد.
 
وقد أثار هذا الأمر التنفيذي جدلاً واسعاً؛ حيث يعتبره البعض خطوة نحو تقييد حقوق المتحولين جنسيّاً، ويضر أيضاً بالاستعداد العسكري، بالنظر إلى أن الأفراد المتحولين جنسياً قد خدموا بكفاءة في القوات المسلحة لسنوات. ويتوقع الخبراء القانونيون طريقاً صعباً أمام الإدارة؛ حيث حكمت المحاكم سابقاً ضد حظر مماثل لأسباب دستورية، مؤكدةً أن هذه السياسات تشكل تمييزاً على أساس الهوية الجندرية. وتستعد منظمات داعمة لحقوق المثليين ومنظمات أخرى لرفع دعاوى قضائية، بحجة أن الأمر التنفيذي الجديد ينتهك السوابق القانونية الراسخة التي تؤكد حقوق الأفراد المتحولين جنسياً.
 
2– مراجعة شاملة لبرامج التنوع في المؤسسة العسكرية: وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمراً تنفيذياً يلغي جميع سياسات التنوع والإنصاف والشمول في الجيش الأمريكي، في خطوة تعكس توجه إدارته نحو إعادة تشكيل الثقافة العسكرية وفق معايير جديدة. وبموجب هذا الأمر، تم وضع الموظفين العاملين في مكاتب التنوع والشمول الفيدرالية في إجازة إدارية مدفوعة الأجر بأثر فوري، فيما كُلف وزير الدفاع الجديد بيت هيجسيث، بإجراء مراجعة شاملة لهذه السياسات داخل البنتاجون.
 
تأتي هذه الخطوة استجابةً لانتقادات الجمهوريين الذين يرون أن برامج سياسات التنوع والإنصاف والشمول تؤثر سلباً على الكفاءة القتالية والانضباط العسكري، بينما يعتبرها المدافعون عنها ضرورية لتعزيز التكافؤ داخل القوات العسكرية الأمريكية.
 
3– إعادة العسكريين المفصولين بسبب رفضهم لقاح كورونا: وجه ترامب بإعادة جميع أفراد الخدمة النشطين والاحتياطيين الذين تم فصلهم سابقاً بسبب رفضهم تلقي لقاح كوفيد–19، مع منحهم رواتبهم ومستحقاتهم بأثر رجعي. ويأتي هذا القرار رغم أن البنتاجون قد ألغى بالفعل تفويض التطعيم بموجب قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2023؛ ما سمح بعودة بعض الأفراد الذين تم فصلهم. وحتى الآن، لم يطلب سوى 113 جندياً من أصل أكثر من 8000 العودة إلى الخدمة بعد إلغاء التفويض.
 
4– إنشاء نظام القبة الحديدية الأمريكية: وقع الرئيس الأمريكي على أمر تنفيذي رابع لإنشاء نظام دفاع صاروخي متقدم يُعرف باسم "القبة الحديدية الأمريكية"، لحماية الولايات المتحدة من الهجمات الصاروخية البعيدة المدى، بما في ذلك الصواريخ الباليستية والمجنحة والأسلحة التي تفوق سرعة الصوت. ووفقاً لوثيقة صادرة عن البيت الأبيض، فإن التهديد المستمر لهذه الأسلحة يشكل خطراً كارثياً على الأمن القومي الأمريكي؛ ما يستدعي تطوير نظام دفاعي يشبه القبة الحديدية الإسرائيلية، ولكن بقدرات أوسع لحماية الأراضي الأمريكية الشاسعة.
 
فعلى الرغم من امتلاك الولايات المتحدة أنظمة دفاع صاروخي متعددة، مثل منظومة "ثاد"، وأنظمة إيجيس وبطاريات باتريوت، فإن البنتاجون واجه صعوبات في تطوير درع شاملة تغطي جميع أنحاء الأراضي الأمريكية. وقد أنفقت وكالة الدفاع الصاروخي منذ عام 2002 أكثر من 194 مليار دولار على تطوير أنظمة استشعار واعتراض للصواريخ، ولكن لا يزال هناك تحديات في التصدي لموجات هجوم صاروخي مكثف من قوى كبرى مثل الصين وروسيا.
 
5– تعزيز التصنيع العسكري المحلي: تسعى إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، منذ توليه منصبه في العشرين من يناير 2025، إلى تعزيز التصنيع العسكري المحلي كجزء من استراتيجيتها الاقتصادية والدفاعية. ويتضمن هذا التوجه زيادة الإنفاق على الصناعات الدفاعية؛ حيث يُتوقع أن يشهد القطاع زيادة كبيرة في الميزانيات المخصصة له؛ ما يساعد على إعادة إحياء التصنيع المحلي، ويعزز قدرة الولايات المتحدة على تلبية احتياجاتها الدفاعية بشكل مستقل، كما يهدف ترامب إلى تقليل الاعتماد على الموردين الأجانب؛ ما يعكس رغبة الإدارة الجمهورية في تعزيز الأمن القومي من خلال تطوير قدرات الإنتاج المحلية.
 
وفي إطار هذه الجهود، تم الإعلان عن خطط لتطوير أنظمة دفاعية متقدمة، مثل "القبة الحديدية الأمريكية"، التي يؤكد ترامب أنه يجب أن تكون مصنوعة بالكامل في الولايات المتحدة. وقد حصلت شركة لوكهيد مارتن مؤخراً على عقد بقيمة 17 مليار دولار لتحديث منظومة الاعتراض الصاروخي، في خطوة تهدف إلى تحسين قدرة الولايات المتحدة على مواجهة التهديدات المتزايدة في مجال الدفاع الصاروخي.
 
وتلك الجهود لا تقتصر على تعزيز القدرات العسكرية والأمن القومي الأمريكي فقط، بل تشمل أيضاً خلق فرص عمل جديدة في قطاع التصنيع العسكري؛ ما يسهم في دعم الاقتصاد الأمريكي. ومن المتوقع أن تؤدي هذه السياسات إلى تعزيز مكانة الولايات المتحدة كقوة عسكرية رائدة عالمياً، مع التركيز على الابتكار والتكنولوجيا المتقدمة في الصناعات الدفاعية.
 
6– ترويج هيجسيث لاستعادة وزارة الدفاع "روح المحارب": تعهد وزير الدفاع بإعادة ترسيخ "عقيدة المحارب" في البنتاجون والجيش الأمريكي، معتبراً أن استعادة هذه العقيدة أساسية لاستعادة ثقة الجنود بالمؤسسة العسكرية، وتعزيز معدلات التجنيد والاحتفاظ بالعناصر العسكرية، وأكد أن قوة الجيش تكمن في وحدته وتركيزه على المهمة القتالية، ويدعو إلى نظام قائم على الجدارة داخل الجيش؛ حيث تستند الترقيات والفرص إلى القدرة والأداء فقط، بدلاً من عوامل مثل الجنس أو العرق. ويهدف هذا النهج إلى تعزيز ثقافة التميز والمساءلة بين أفراد الخدمة العسكرية.
 
أعرب هيجسيث عن رغبته في ضمان أن يكون الجيش الأمريكي مستعداً دائماً للصراع، مشيراً إلى أنه في حين أن الهدف هو ردع الحروب، فإنه إذا نشأت صراعات يجب أن يكون الجيش مستعداً للرد بقوة ساحقة. ويعكس هذا التزامه بالحفاظ على معايير عالية من الاستعداد داخل وزارة الدفاع. وتتماشى رؤية وزير الدفاع لتنشيط روح المحارب مع الأهداف الأوسع لتعزيز الفاعلية العسكرية ومعالجة التحديات المعاصرة التي تواجهها القوات الأمريكية.
 
7– إعادة بناء الجيش الأمريكي: وذلك من خلال تعزيز القاعدة الصناعية الدفاعية التي أضحت حاسمة بصورة خاصة في ضوء المشهد الأمني العالمي المتطور، الذي أكدته الصراعات الأخيرة، مثل غزو روسيا لأوكرانيا. ويخطط هيجسيث إلى تبسيط إجراءات الشراء المعقدة للجيش لتسهيل الحصول على التقنيات والأسلحة الجديدة بشكل أسرع وأكثر كفاءة. ويهدف هذا التبسيط إلى ضمان قدرة الجيش الأمريكي على التكيف بسرعة مع التهديدات الناشئة والحفاظ على التفوق التكنولوجي.
 
وقد أعرب وزير الدفاع عن التزامه بإعطاء الأولوية للاستثمارات في التقنيات المتطورة، مثل الذكاء الاصطناعي والطائرات بدون طيار وأنظمة الطائرات بدون طيار المضادة. ويُعتقَد أن هذه التطورات ضرورية لتحديث الجيش وتعزيز قدراته التشغيلية. ويخطط – أيضاً – لتنفيذ عمليات تدقيق صارمة لتحديد الهدر وعدم الكفاءة في الإنفاق الدفاعي؛ فمن خلال زيادة التدقيق في عقود الدفاع، يأمل هيجسيث ضمان تخصيص الموارد بشكل فعال، ومساءلة المقاولين عن أدائهم. ويهدف هيجسيث إلى تعزيز الشراكات التي من شأنها تعزيز الابتكار والاستجابة، وضمان أن الجيش يمكنه الوصول إلى أفضل التقنيات الممكنة والدعم من قادة الصناعة.
 
8– ترميم قوة الردع الأمريكي: تتضمن مهمة هيجسيث إعادة الردع الأمريكي لحماية الولايات المتحدة من خلال التعاون مع الشركاء الدوليين، ولا سيما في منطقة الهندو–باسيفيك، لمواجهة التهديدات المتزايدة من الصين. ويعكس هذا التركيز الاستراتيجي التزاماً أمريكياً أوسع بالحفاظ على الاستعداد العسكري الأمريكي وفاعليته على نطاق عالمي، وقال إن الجيش سيدعم أيضاً أولوية الرئيس ترامب "لإنهاء الحروب بمسؤولية"، في إشارة، على الأرجح، إلى الحرب في أوكرانيا وكذلك الصراعات في الشرق الأوسط. وتؤكد رؤية هيجسيث لإعادة الردع موقفاً استباقياً في استراتيجية الدفاع الأمريكية، بهدف ضمان بقاء الولايات المتحدة مستعدةً لمواجهة وردع المعتدين المحتملين على الساحة العالمية.
 
9– تعزيز أمن الحدود والانتشار العسكري: يعتمد نهج الرئيس ترامب في معالجة الهجرة غير الشرعية بشكل كبير على وزارة الدفاع والقوات العسكرية؛ ما يعكس تحولاً كبيراً في استراتيجية إنفاذ قوانين الهجرة. ويتضح هذا الاعتماد من خلال العديد من الإجراءات والأوامر التنفيذية الأخيرة التي تهدف إلى تعزيز قدرة الإدارة الأمريكية على معالجة قضية الهجرة غير الشرعية؛ ففي 20 يناير 2025، وقَّع ترامب أوامر تنفيذية تضفي الطابع الرسمي على دور الجيش في إنفاذ قوانين الهجرة. وتوجه هذه الأوامر وزارة الدفاع إلى دعم وزارة الأمن الداخلي في تحقيق "السيطرة التشغيلية الكاملة" على الحدود الجنوبية. ويتضمن ذلك استخدام الموارد العسكرية لمعالجة ما وصفه ترامب بأنه "غزو" على الحدود، بما في ذلك قضايا مثل الهجرة والاتجار بالمخدرات.
 
يمثل إدماج الموارد العسكرية في إنفاذ قوانين الهجرة نهجاً مثيراً للجدل يمكن أن يؤدي إلى تحديات قانونية تتعلق بالاستخدام المناسب للقوات العسكرية في الشؤون الداخلية. ومن المرجح التدقيق في فاعلية هذه التدابير وشرعيتها عند تنفيذها.
 
10– اتخاذ إجراءات عقابية ضد عدد من كبار العسكريين: يخطط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ووزير الدفاع لاتخاذ تدابير عقابية ضد كبار المسؤولين العسكريين الذين عارضوا أو انتقدوا ترامب في الماضي. ومن أبرز تلك الإجراءات، إلغاء وزير الدفاع الأمريكي التصريح الأمني وفريق الحماية الشخصية للجنرال المتقاعد ورئيس هيئة الأركان المشتركة السابق مارك ميلي، وفتح تحقيق في سلوكه العسكري؛ لتحديد إذا ما كان من المناسب إعادة فتح تقييم درجته العسكرية (خفض رتبته). ويُعتبر ميلي أحد القادة العسكريين الذين واجهوا ترامب خلال فترة رئاسته الأولى. ويأتي الإعلان عن رفع الحماية الأمنية عن ميلي بعد أسبوع من إعلان الرئيس ترامب أنه أقال الجنرال ميلي من المجلس الاستشاري للإشراف على البنية التحتية الوطنية.
 
تحديات عديدة
يواجه وزير الدفاع الأمريكي الجديد بيت هيجسيث، تحديات في مسعاه لإعادة تشكيل وزارة الدفاع (البنتاجون)؛ حيث إن هناك مخاوف بشأن خبرته الإدارية؛ فعلى الرغم من خلفيته العسكرية كمقاتل سابق، فإنه لم يُدِر منظمة كبيرة من قبل؛ ما أثار تساؤلات حول قدرته على إدارة وزارة ضخمة تضم أكثر من 1.3 مليون جندي و750 ألف موظف مدني. وقد أعرب العديد من المسؤولين العسكريين عن قلقهم من أن تجربته كمذيع في قناة فوكس نيوز قد لا تكون كافية لتولي قيادة الوكالة الفيدرالية الكبرى في الولايات المتحدة والمسؤولة عن القوة العسكرية والانتشار العسكري الأمريكي حول العالم، في وقت تواجه فيه تحديات استراتيجية من خصومها، ومساعيهم لتقليل فجوة تفوق القوة العسكرية الأمريكية.
 
وتتطلب الأولويات الاستراتيجية التي حددها هيجسيث استجابة سريعة وفعالة للتحديات العالمية؛ فقد أعلن عن ضرورة تعزيز الدفاعات الأمريكية والتركيز على المخاطر الرئيسية، مثل التهديدات من الصين. وتحقيق هذه الأهداف يتطلب تنسيقاً مع الحلفاء وفهماً عميقاً للسياسات العسكرية العالمية، وهو ما قد يكون صعباً بالنظر إلى عدم خبرته السابقة في المناصب الحكومية.