• اخر تحديث : 2024-05-15 19:58
news-details
تقدير موقف

ماذا يجري في المفاوضات البحرية بين لبنان والكيان المؤقت؟


أثار إستقدام الكيان المؤقت باخرة "Energy power" للعمل في حقل كاريش، جدلا واسعا في الساحة اللبنانية، في ظل ارتباك وتخبط الدولة اللبنانية في قرارتها، وإلتزام المقاومة موقفًا واضحًا بأنها تعمل على حماية الثروة في الحدود التي تحددها الدولة.
 
ولأهمية القضية، أعد عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين د. أمين حطيط، تقدير وضع يسلط الضوء على القضية منذ الدخول في المفاوضات غير المباشرة في الناقورة الى أن آل امرها في نهاية المطاف الى الوسيط أموس هوشستين وما عرضه على الجانب اللبناني، وصولا الى إستقدام الكيان المؤقت باخرة "Energy power" للعمل في حقل كاريش. ومما جاء في تقدير الوضع:
 

كان الموقف اللبناني سليمًا حتى الدخول في المفاوضات غير المباشرة في الناقورة، في تلك المفاوضات عرض الوفد اللبناني لموقفه متمسكًا بالحدود الجنوبية التي تحدد بالخط 29، هذا الخط الذي رسمه لبنان، وتلاقى أيضًا مع المركز الهيدروغرافي البريطاني الذي يعتمد قانون البحار، ويعتمد خط الهدنة وخطّ بولينيو كامب، وينطلق من البر وهو الوحيد الذي يمكن ان يدافع عنه في مسألة الحدود البحرية، أما الخطوط الأخرى سواء الخط الرقم 1 الذي رسم بالاتفاقية مع قبرص التي لم تبرم او الخط 23 الذي اعتمد في المرسوم 6433 فإنها خطوط أشبه بخطوط وهمية لا تستند الى علم، ولا تتصل بيابسة، ولا يمكن الدفاع عنها، بخلاف الخط 29 الذي هو الخط الوحيد الذي يستند الى العلم والقانون، ويمكن الدفاع عنه، ولذلك طرحه لبنان في مفاوضات الناقورة.

عندما اصطدم الوفد الإسرائيلي بالحجة اللبنانية قاطع المفاوضات، وامتنع عن السير بها، وواكبه بذلك الاميركيون، وهم يريدون ان يتنازل لبنان عن خط يمكن ان يدافع عنه ليطرح خطًا لا يمكن الدفاع عنه وعند ذلك يسلخون من لبنان الثروة بالحجم الذي يريدون وكما يطمحون.

توقفت المفاوضات لأشهر عديدة الى أن آل امرها في نهاية المطاف الى الوسيط أموس هوشستين وهو الحامل الجنسية المزدوجة الإسرائيلية والأميركية الذي خدم في الجيش الإسرائيلي لمدة ثلاث سنوات ما بين العام 1992 و1995، ويدافع عن إسرائيل كإسرائيلي؛ وبالتالي كان تعيينه في هذا المنصب تعيينًا خبيثًا لا يمكن أن يحقق أي مصلحة.

دخل أموس هوشستين المفاوضات مع لبنان وأول عمل قام به هو طي صفحة مفاوضات الناقورة التي اتفق عليها في اتفاق الإطار الذي رعاه رئيس مجلس النواب نبيه بري، واستعاض عنها بمفاوضات مكوكية بين لبنان وإسرائيل تكاد تكون غير مباشرة أيضًا، لكنها لا تتم مع الوفود التقنية والوفود القانونية، ومع لبنان كان المفاوض في بعبدا ومع الإسرائيلي كانت المفاوضات تتم مع وزيرة الطاقة الإسرائيلية، أو الى حد ما رئيس الحكومة الإسرائيلية.

في عروضه التي تقدم بها كان العرض الأخير الذي عرضه شفهيًا بأن يتنازل لبنان عن الخط 29 مقابل أن تتنازل إسرائيل عن الخط 1، وأن يُعتمد الخط 23 أساسا للترسيم، وأن يقدم هو على اخراج صيغة مبتكرة لهذا الخط لا تطابق رسمه المستقيم، بل ينظر الى الميدان والى واقعية والى ما اسماه العملية في التقسيم.

لم يقتنع لبنان بطروحاته الشفهية، وطلب منه مقترحًا خطيًا للحل الذي يطرحه الاميركيون، فغاب هوشستين لمدة أسبوعين، وأرسل بعد ذلك عرضًا للبنان يعتمد الخط 23 أساسًا للترسيم، وبدل أن يكون الخط خطًا مستقيمًا وفقًا لما يكون عليه الحال وفقًا للقانون، فإنه رسم خطًا متعرجًا أشبه بحرف "S" باللغة الأجنبية بشكل يتكسر، أو ينحسر عن خط كاريش، ويخرجه برمته من منطقة النزاع، ويجعل حقل قانا في جزء تقريبًا 25 الى 30 بالمئة داخل ضمن المنطقة الإسرائيلية.

طبعًا الخط الذي اقترحه هوشستين لا يستند الى منطق والى قانون، بل يستند الى المصالح الإسرائيلية فقط؛ لذلك لم يستطع لبنان أن يقبل بهذا الخط؛ ولكنه لم يملك الجرأة الكافية لتنظيم رد خطي على الخط برفضه، ولذلك اعتمد سياسة الغموض بأنه غير موافق، لكنه لم يكتب جوابًا خطياً بعدم الموافقة، وتوقفت الأمور عند هذا الحد.

أثناء المفاوضات وبتاريخ 28 كانون الثاني 2022 أرسل لبنان رسالة الى الأمم المتحدة يعلمها فيها بأن المنطقة ما بين الخط 23 والخط 29 منطقة متنازع عليها، وطلب من الأمم المتحدة ابلاغ الأطراف المعنية بعدم جواز العمل بها حتى يُفض النزاع حولها.

عطل هوشستين بعمله مفاعيل الرسالة اللبنانية، ولبنان بعدم اجابته الخطية رفضًا او إيجابًا أنشأ نوعا من الضبابية استفادت منها إسرائيل واستقدمت الان باخرة "Energy power" للعمل في حقل كاريش، صحيح أن الباخرة حتى هذا الحديث لم تدخل المنطقة شمال الخط 29 لكنها دخلت الى حقل كاريش، وعندما تدخل الى الحقل من زاويته الجنوبية الغربية تستطيع أن تستخرج محتويات الحقل في كامل المساحة، بما في ذلك المساحة الواقعة داخل المنطقة المتنازع عليها، وبالتالي فإن فعل إسرائيل اليوم باستقدام هذه الباخرة هو عدوان موصوف وانتهاك لحقوق لبنان وعمل في منطقة متنازع عليها لا يجوز العمل بها قبل الفصل.

يبدو أن الدولة اللبنانية مربكة ومضطربة وتتخبط في قرارتها، ولذلك لم تقدم على تعديل المرسوم الرقم 6433 خشية أن تُغضب الأميركي، ولم تستطع أن تستحصل من الأميركي على موقف حازم يمنع إسرائيل من العمل بالمنطقة المتنازع عليها، ولم تستطع حتى الآن أن تتخذ أي تدبير دبلوماسي أو سياسي أو عسكري يمنع إسرائيل من العمل في المنطقة المتنازع عليها.

أما المقاومة فإنها التزمت موقفًا واضحًا بأنها تعمل على حماية الثروة في الحدود التي تحددها الدولة، وطالما أن الدولة لم تعدل المرسوم الرقم 6433، وطالما أن الدولة لم تعلن موقفًا صريحًا وواضحًا من التصرف الإسرائيلي، فإنني لا انتظر أن تقدم المقاومة على العمل العسكري متجاوزة الدولة في هذا الموضوع، وبالتالي الأمور الآن معقدة على الشكل التالي:

- تستفيد إسرائيل من الضبابية وتعمل في المنطقة المتنازع عليها.

تتخبط - الدولة وتخشى الأميركي وتستغيث به، وقد علمت أن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة توافقا على الطلب الى المبعوث الأميركي أن يأتي الى لبنان لاستئناف المفاوضات، وطبعًا هذا سيشعر الأميركي بأننا نجري ونلهث وراءه وهو في غنىً عنا.

- المقاومة تنتظر موقف الدولة اللبنانية النهائي لتبني على الشيء مقتضاه.

وبالتالي في رسم اجمالي للموقف، فالدولة اللبنانية عاجزة وتتخبط، وإسرائيل تبادر وتفرض الامر الواقع، وهذا يعني أن ثروة لبنان النفطية تضيع بشكل واقعي وموضوعي، وتفرض إسرائيل الآمر الواقع، إذا فرضت امرًا واقعًا فإنها تستفيد من الثروة التي تحصلها، وتحتمي بالقانون الدولي.