بعد أن سُرّب قرار بايدن برفضه إخراج الحرس الثوري الإيراني من قائمة "منظمات الإرهاب" التي تعتمدها الإدارة الأمريكية؛ دخلت مفاوضات النووي الدولية مع إيران إلى حالة من الجمود أو التوقف، بعد أن كانت قد تجاوزت معظم العقبات ووصلت إلى كتابة مسودة الاتفاق النهائي، حيث طالبت إيران بإخراج الحرس الثوري الإيراني من قائمة العقوبات، وهو أمرٌ كان يميل إليه بايدن، لكن ضغوطًا إسرائيلية وأمريكية ونشر اتهامات للحرس الثوري بالوقوف خلف هجمات اعتبرت "إرهابية"؛ ثنت بايدن عن قراره في ظل أجواء التوجه للانتخابات الأمريكية التجديدية، في تشرين الثاني من العام الجاري. وسربت وكالات أنباء أمريكية، وكذلك بينت، قرار رفض بايدن للمطلب الإيراني، وهو قرار لم يعلنه بايدن ولا الناطقين باسم البيت الأبيض حتى الآن.
ورغم تبادل اقتراحات إيرانية وغربية أوروبية لاستكمال المفاوضات؛ إلا أنها لم تنجح في إعادة الفرقاء إلى طاولة المفاوضات، بل العكس، إن لغة التصعيد والتفاوض تحت التهديد هي السائدة اليوم، سواء من جانب طهران، حيث زيادة أجهزة الطرد وزيادة نسبة التخصيب وفصل الكاميرات الخاصة بالرقابة، أو من جانب الغرب، حيث تهدد أمريكا بالذهاب لمجلس الأمن لفرض المزيد من العقوبات وتوثيق التعاون الأمريكي الأمني والعسكري مع دول المنطقة ومساعدتها في التصدي لإيران. ومن جانبها، أصدرت وكالة الطاقة النووية بيانًا انتقدت فيه ما أسمته "تملص إيران من تقديم معلومات عن مواقع تشتبه الوكالة بأنها تستخدم ضمن مشروع إيران النووي"، ولم يكن صدفة أن صدر تصريح بهذا الشأن أثناء لقاء بينت مع مدير الوكالة.
في هذه الأثناء، نشرت في وسائل الإعلام الدولية وثائق سرية من الأرشيف النووي الإيراني، والتي كانت تعد حتى الآن سرية للغاية، ورئيس الوزراء بينت فتح ملفًا في غوغل درايف بعد يوميْن من ذلك وأودع فيه الوثائق، ودعا العالم لأن يراها. ليس هذا فحسب؛ بل إن وسائل إعلام دولية نشرت - بشكل شبه يومي تقريبًا - عن عمليات اغتيال وتفجير وحوادث غامضة ضد علماء وعسكريين إيرانيين، والتي كان يتم ربطها بـ "الموساد" بشكل مباشر ويتم نشرها في الإعلام الإسرائيلي بتلميح واضح لمن يقف خلفها، وقد نشر بينت ما يشير إلى أنه أكثر من مجرد تلميح عمّن يقف خلف عمليات الموت والاغتيال الغامضة، حيث أعلن أن حكومته غيّرت سياستها تجاه إيران، وأنها اليوم تستهدف قطع رأس الأخطبوط وعدم الاكتفاء بقطع أطرافه، وأن النشاط الإسرائيلي ضد إيران تم تصعيده إلى مستوى أعلى.
الأمر لم يتوقف على الاغتيال؛ بل شمل أيضًا هجمات سيبرانية، حيث تم تعطيل العمل بقسم الجوازات داخل مطار طهران، وهجوم آخر طال المواصلات، وثالث طال بنىً تحتية مدنية. هذا الكم الكبير من الهجمات المتتالية وتلميحات بينت الواضحة، جعلها محط بحث وانتقاد من قِبل الكثير من الكُتاب الإسرائيليين، فكتب رونين بيرغمان تحت عنوان الحرب العلنية: حملة الاغتيالات المنسوبة لإسرائيل في المنشورات العالمية تدور فوقها تساؤلات عديدة، وأضاف: القاسم المشترك لكل هذه الأهداف، من أشخاص، وثائق أو منشآت، إذا ما كانت التقارير صحيحة؛ يتعلق بقلب حرب الظلال التي بين إيران وإسرائيل (المشروع النووي، إنتاج وإطلاق الحوامات، تطوير الصواريخ المتطورة والشبكات العملياتية في أرجاء العالم).
لكن هذه المرة، بخلاف الماضي، ربما تميل أسرة الاستخبارات لتخفيف الغموض وإحراج إيران وفضح نشاطها للعالم، يوسي ميلمان كتب: هكذا لن نحرز أيّ هدف في مرمى إيران، لقد أصبح من الواضح أن رئيس الحكومة ورئيس "الموساد" لا يركزان على المشروع النووي الإيراني. فما هو إذًا هدف العمليات في إيران، عدا عن الاستفزاز والإهانة والثأر والإزعاج؟ عندما يكون من الواضح أن هجومًا إسرائيليًا أحادي الجانب ضد المنشآت النووية غير موجود على جدول الأعمال، فما هو هدف العمليات التي لا تركز على المشروع النووي، وفقط تستفز وتتسبب بالإهانة والانتقام والإزعاج؟ بدلًا من أحلام غير مجدية، يُفضل أن تبلور إسرائيل لنفسها استراتيجية واضحة أكثر، بحيث تحدد هدفًا مقلصًا، لكنه محدد، وأن تعمل بناءً عليه.
أما صحيفة "هآرتس" فوصفتها بالتصفيات العبثية، التي لن تستطيع أن توقف المشروع النووي، ولا أن تسقط النظام، ولا حتى أن تضغط على أمريكا لوقف المفاوضات، وأشارت الصحيفة إلى أن رجال الإدارة الأمريكية عبروا عن رفضهم لهذه التصفيات باعتبارها لا تخدم سياسة الضغط على إيران، وتساءلت الصحيفة عن هدف التصفيات التي فشلت في ردع إيران عن تمسكها ببرنامجها، والتي أيضًا لن تؤثر في قرار إيران بالاستمرار في المفاوضات وتوقيع الاتفاق، ولن تؤثر في موقف الإدارة الأمريكية.
هناك من لم يستبعد البعد السياساتي الداخلي الإسرائيلي في تلميح بينت، لرفع أسهمه داخل الشارع الإسرائيلي، وإظهاره بمظهر القوي والقادر وغير المتهاون.
المراسل العسكري طال ليف رام اعتبر أن النجاحات الإسرائيلية المبهرة في إيران لن تؤثر على المشهد العام، حيث اعتبرها مجرد نجاحات تكتيكية أثرت على التموضع الإيراني في سوريا، لكن بحسب الكاتب فإن لإيران استراتيجية خاصه بها وساعة رمل تسير وفقها، حيث برغم كل النشاطات الاسرائيلية المبهرة؛ فإن إيران لا زالت تتمسك باستراتيجيتها وتراكم إنجازات وتحرز تقدمًا. وأضاف: لا يُمكن تجاهل أن إيران مصممة على مواصلة العمل، وكلما مر الوقت أخذت قدراتها العسكرية في التراكم؛ هذا صراع عبثي من ناحية إسرائيل يجري على مدى السنين.