• اخر تحديث : 2024-05-03 14:30
news-details
دراسات

منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية.. الفرص والتحديات


منذ تسعينيات القرن العشرين، أخذت بلدان القارة الأفريقية مجتمعة تكتسي بُعداً استراتيجياً متزايداً، نتيجة لما تمتلكه من موارد وإمكانات طبيعية هائلة، لم تُستغل بالشكل الاقتصادي المطلوب؛ كما أضحت مكاناً للتنافس بين كبريات الدول والشركات والمؤسسات الدولية النشاط. وبالنظر إلى هشاشة معظم الاقتصادات الأفريقية وعدم استقراراها عبر فترات متعاقبة، أصبحت بلدان القارة أكثر الدول حاجة إلى تشكيل تكتلات اقتصادية، تأسياً بتجارب العديد من النماذج القائمة. وفي هذا السياق، تشير الإحصائيات الدولية والإقليمية المتوافرة أن الدول الأفريقية ككتلة اقتصادية تحتل مراتب متدنية في التصنيف العالمي من حيث التبادل والتعاون البيني، وهو ما يجعل تفعيل التكامل الاقتصادي الأفريقي-الأفريقي الفعال والمجدي من أكثر البدائل المتاحة لبلدان القارة السمراء وأنجعها، لغرض تحقيق الأهداف الإنمائية، فضلاً عن تقليص الفجوة بينها وبين الدول المتقدمة.

وفي ضوء ما سبق، يتبلور السؤال الرئيسي التالي: في ظل العلاقات الاقتصادية الدولية الراهنة، إلى أي مدى يمكن لمنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية المساهمة في تحقيق النمو والتنمية الاقتصادية لبلدان القارة؟

وللإجابة عن هذا التساؤل، تناولت الدراسة المحاور الأساسية التالية:

- مناطق التجارة الحرة: الجوانب النظرية والنماذج الميدانية.

- طبيعة العلاقات الاقتصادية الأفريقية وامتدادها ضمن العلاقات الاقتصادية الدولية.

- منطقة التجارة الحرة الأفريقية: مقاربة تحليلية.

- رؤية استشرافية لتعزيز التعاون الاقتصادي الأفريقي-الأفريقي في ظل منطقة التجارة الحرة الأفريقية.

أولاً: مناطق التجارة الحرة: الجذور النظرية، والنماذج الميدانية: 

بشكل مختصر، نتناول في هذا المحور الجذور النظرية للتكامل الاقتصادي، من خلال التطرق إلى مفهوم التكامل الاقتصادي، وشروط نجاحه، فضلاً عن درجاته أو مراحله. ثم نستعرض بعض النماذج الميدانية للتكامل الاقتصادي الإقليمي في العالم.

الجوانب النظرية للتكامل الاقتصادي:

هناك تعريفات متعددة للتكامل الاقتصادي؛ إذ يعرّف بيلا بلاسا B.Balassaالتكامل على أنه “عملية”، وفي الوقت نفسه، هو “حالة”، إذ يوصف بأنه “عملية” لكونه يتضمن التدابير التي يراد منها إلغاء التمييز بين الوحدات الاقتصادية المنتمية إلى دول مختلفة، ويوصف بأنه “حالة” لأنه يتمثل في انتفاء مختلف صور التفرقة بين الاقتصاديات القومية (الوطنية). ويجب التفرقة بين التكامل والتعاون، إذ إن التعاون الاقتصادي يتضمن الأفعال الهادفة إلى التقليل من التمييز، ومثال ذلك أن الاتفاقيات الدولية بخصوص السياسات التجارية تدخل في نطاق التعاون الاقتصادي دولياً، أما بالنسبة إلى التكامل الاقتصادي فإنه ينطوي على التدابير الفاعلة في القضاء على قدر من التمييز، ومثال ذلك إزالة الحواجز القائمة في وجه التجارة على المستوى الدولي، الذي يعد عملاً من أعمال التكامل الاقتصادي.

أما جونار ميردال Myrdal G. فيعرّف الاقتصادي بأنه عبارة عن العملية الاجتماعية والاقتصادية التي بموجبها تُزال جميع الحواجز بين الوحدات المختلفة، وتؤدي إلى تحقيق تكافؤ الفرص أمام جميع عناصر الإنتاج، ليس على المستوى الوطني بل على المستوى الإقليمي أيضاً. وفي هذا الشأن، يرى أن التكامل لابد أن يشتمل العمل به على زيادة الكفاءة الإنتاجية، ضمن الكتلة الاقتصادية المشكّلة، وذلك مع إعطاء الفرص الاقتصادية المتساوية الأعضاء في هذا التكتل، بغض النظر عن سياستهم.

أما تنبرجن Tinbergen J. فيعرّف التكامل على أساس احتوائه على جانبين سلبي وإيجابي، حيث يشير التكامل في جانبه السلبي إلى إلغاء أدوات معينة واستبعادها في السياسة الاقتصادية الدولية، أما الناحية الإيجابية منه فتشير إلى الإجراءات التدعيمية التي يراد بها إلغاء عدم الاتساق في الضرائب والرسوم بين الدول الرامية إلى التكامل، وبرامج إعادة التنظيم اللازمة لعلاج مشكلات التحول والانتقال.

وغالباً ما يمر التكامل الاقتصادي بأربع مراحل هي:

- المرحلة الأولىإقامة منطقة تجارة حرة: وتتضمن الإزالة التدريجية للرسوم الجمركية والرسوم الداخلية ذات التأثير المماثل والقيود الإدارية والكمية والنقدية على التجارة البينية.

- المرحلة الثانيةالاتحاد الجمركي: ويعني الإقامة التدريجية لجدار جمركي موحد للدول الأعضاء تجاه الدول غير الأعضاء.

- المرحلة الثالثةمرحلة السوق المشتركة: وتعني إطلاق حرية انتقال الأشخاص ورؤوس الأموال بين الدول الأعضاء. كما تتضمن هذه المرحلة إجراء تنسيق في السياسات الاقتصادية للدول الأعضاء.

- المرحلة الرابعةمرحلة الوحدة الاقتصادية: وتتضمن إنشاء عملة واحدة كوسيلة للتداول بين الدول الأعضاء، وتوحيد السياسات والتشريعات الاقتصادية والاجتماعية في هذه الدول.

كما تتميز التكتلات الاقتصادية بخصائص عدة؛ فهي تتميز بالحجوم الضخمة من حيث مواردها وإنتاجها، واتساع أسواقها الاستهلاكية والإنتاجية، وتنوع هياكلها الاقتصادية ومواردها وكثافة حجم سكانها. مع وجود حرية تنقل السلع والخدمات والأشخاص ورؤوس الأموال بين الدول المتكتلة. وتوجد حالة من المنافسة الحرة بين الدول المتكتلة في المنطقة التكاملية، كما أن لها سياسة تجارية موحدة تجاه الدول الأخرى خارج نطاق التكتل، مع ارتفاع نسبة التجارة البينية من مجمل تجارتها الخارجية، وهذا ما يجعلها تخفض من التبعية الاقتصادية، أو تكون لها درجة عالية من الاستقلالية الاقتصادية بالنسبة إلى الدول الخارجة عن المنطقة التكاملية، وهذا ما يؤدي إلى الارتباط بين الدول المتكتلة من خلال تشابك اقتصادياتها وأسواقها، وتتميز بارتفاع قدرتها التفاوضية على المستوى الدولي أيضاً.

ومن خصائص التكتلات الاقتصادية أنها تحقق مزايا ومكاسب تعجز الدولة منفردة عن تحقيقها، مع الاستفادة من رؤوس الأموال والأيدي العاملة الماهرة والاستغلال الأمثل للموارد المتاحة في المنطقة التكاملية. ثم إنها تضمن تحقيق نمو اقتصادي مستمر نتيجةً للآثار الديناميكية المتعلقة بحجم السوق وتحسين مناخ الاستثمار وزيادة المنافسة الناتجة عن فتح الأسواق.

وبالنظر في شروط نجاح التكتلات الاقتصادية الإقليمية، فهناك مجموعة من العوامل الأساسية لبلوغها الأهداف المرجوة، ومن بينها نجد مستوى التطور الاقتصادي لكل دولة في بنيتها الإنتاجية، وخاصة في جانبها الصناعي، بالإضافة إلى مدى التوافر الحقيقي لعناصر الإنتاج والموارد الطبيعية، فهي عوامل تساعد على تدعيم وتكثيف الامتيازات والفوائد التي يمكن أن تجنيها الدول الأعضاء. كما أن توافر البنى الأساسية الملائمة يعد من العوامل الأساسية أو القاعدية الملائمة لكي تحقق التكتلات الاقتصادية أهدافها. والحال نفسه بالنسبة إلى تنسيق السياسات الاقتصادية التجارية والمالية والنقدية بين الأطراف المعنية، فهي تعتبر أحد الشروط الأساسية في زيادة المبادلات داخل المنطقة التكاملية. وبالمثل، فإن النظام التعويضي والتوزيع العادل لمكاسب التكتل.

- نماذج للتجارب الدولية في التكامل الاقتصادي:

تعد تجربة الاتحاد الأوروبي هي التكتل الاقتصادي الأبرز في العالم على الإطلاق، والأكثر اكتمالاً من حيث البنى والهياكل التكاملية، بعد وصوله إلى المرحلة الأخيرة من مراحل التكامل الاقتصادي المتمثل في الاتحاد النقدي (عملة نقدية موحدة لغالبية أعضاء التكتل)، فضلاً عن دخوله في اتفاقات شراكة مع بلدان الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط (بلدان شمال أفريقيا). ويتكون حالياً تكتل الاتحاد الأوروبي من 27 دولة، وتمثل تعاملاته التجارية ثلث التجارة العالمية، ويحصل أعضاء الاتحاد الأوروبي مجتمعين على أعلى دخل قومي في العالم، وسوق داخلية تتجاوز 380 مليون نسمة، ومتوسط دخل الفرد مرتفع نسبياً. كما يوجد في تكتل الاتحاد الأوروبي فرص تكاملية كبيرة، نظراً إلى تنوع اقتصاديات البلدان الأعضاء.

أما منطقة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية North American Free Trade Agreement فقد تأسست عام 1992، وبدأ سريان مفعول الاتفاقية عام 1999، وتتكون هذه المنطقة من ثلاثة بلدان (الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، والمكسيك)، ويعد هذا التكتل الاقتصادي من التكتلات الاقتصادية الثلاثة الأكبر في العالم، وقد تضمن تحريراً تجارياً تصاعدياً، وفتح مجالاً أوسع للاستثمار منذ أن بدأ سريان مفعوله اتفاقيته عام 1999. وعلى الرغم من كون هذا التكتل يضم ثلاث دول فقط فإنه يتعلق بناتج قومي يتجاوز 20 تريليون دولار، وبسوق استهلاكية في حدود 470 مليون نسمة.

وفي منطقة مجموعة دول النمور الآسيوية بالإضافة إلى اليابان والصين تضم ثاني وثالث أكبر اقتصاد في العالم (الاقتصاد الصيني، والاقتصاد الياباني)، بالإضافة إلى دول النمور الآسيوية (تايوان، وسنغافورة، وهونغ كونغ، وكوريا الجنوبية) التي تمكنت من تحقيق معدل نمو اقتصادي ضخم، وسرعة عالية في التصنيع خلال الفترة الزمنية المحصورة بين ستينيات القرن الماضي وتسعينياته، وسوق استهلاكية تتجاوز مليار ونصف المليار نسمة.

أما رابطة جنوب شرق آسيا The Association of Southeast Asian Nations فقد تأسست (آسيان) عام 1967 من خمس دول، وأصبحت حالياً تضم عشر دول آسيوية؛ وهي: إندونيسيا، وماليزيا، والفليبين، وسنغافورة، وتايلند، وبروناي، وفيتنام، ولاوس، وبورما، وكمبوديا، وتهدف هذه المنطقة إلى تسريع النمو الاقتصادي وتحقيق التقدم الاجتماعي والتنمية الثقافية في جنوب شرق آسيا من خلال عمل مشترك بين بلدن الرابطة. وتحوي هذه المنطقة سوقاً استهلاكية تتجاوز 550 مليون نسمة، وتتجاوز حالياً صادراتها 5% من الصادرات العالمية.

ويعد مجلس التعاون لدول الخليج العربية المتكون من 6 بلدان خليجية من أنجح التكتلات الاقتصادية الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وقد أنشئ المجلس عام 1981 بهدف تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين دولهم في الميادين جميعها وصولاً إلى وحدتها الشاملة (الاتحاد النقدي)، وبهدف التوسع تم عام 2011 دعوة المملكة الأردنية الهاشمية والمملكة المغربية للانضمام لمجلس التعاون.

ثانياً: طبيعة العلاقات الاقتصادية الأفريقية وامتدادها ضمن العلاقات الاقتصادية الدولية:

نتناول ضمن هذا المحور طبيعة العلاقات الاقتصادية الأفريقية، من خلال التطرق إلى بنية الاقتصاديات الأفريقية وخصائصها، فضلاً عن مستوى التجارة البينية، وحصة البلدان الأفريقية من الاستثمارات الأجنبية والترتيبات ذات الصلة، ثم نقدم في نهاية هذا المحور نظرة تقييمية للعلاقات الاقتصادية الأفريقية البينية.

- بنية الاقتصادات الأفريقية وخصائصها:

منذ ستينيات القرن الماضي، وعلى الرغم من تحرر معظم الدول الأفريقية من هيمنة الدول الاستعمارية، فإنها واجهت العديد من الصعوبات والتحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الناتجة عن الممارسات الكيدية للاستعمار؛ الأمر الذي خلّف حالات الفقر، والتهميش، وعدم الإنصاف؛ وقد تسبب ذلك كله في وصول بنية الاقتصاديات الأفريقية للخصائص العامة التالية:

- يبلغ حجم السوق الأفريقية أكثر من مليار و300 مليون نسمة، وتتكون من 54 دولة، وتسعة أقاليم، وتتعدد فيها المناخات والتضاريس، كما أن هذه السوق قابلة للنمو والتوسع في المستقبل، وجذابة لرؤوس الأموال الأجنبية والمبادلات التجارية. ويمثل الشباب قوة هائلة للاقتصادات الأفريقية، حيث تتجاوز نسبة الشباب 75% من عدد السكان في المتوسط. لكن في المقابل، فإن متوسط دخل الفرد منخفض ولا يتجاوز 2000 دولار في العام.

- وحول الثروات الطبيعية، فتمتلك بلدان قارة أفريقيا مجتمعة ثروات هائلة تتوزع ما بين 60% من الأراضي الصالحة للزراعة؛ فجمهورية الكونغو وحدها يمكنها إطعام أفريقيا كلها نظراً إلى ما يتوافر بها من أراضٍ صالحة للزراعة وموارد مائية، فهي تعد خزاناً مائياً استراتيجياً خاصة في منطقة البحيرات الكبرى، بالإضافة إلى المخزونات الباطنية، والأنهار الكبرى (نهر النيل، ونهر الكونغو…). كما أن بها 90% من احتياطيات المواد الخام، و50% من احتياطي إنتاج الذهب، و40% من إنتاج الألماس، و12% من احتياطي الغاز في العالم في كل من الجزائر ومصر ونيجيريا، و12% من احتياطي النفط في العالم في كل مناطق أفريقيا، و90% من إنتاج البلاتين. كما تمتلك أفريقيا ثروة سمكية هائلة، حيث تحتوي على شريط ساحلي كبير يحيط بالقارة كلها، فأغنى شواطئ صيد في العالم موجودة في أفريقيا (ناميبيا).

- وتمتلك قارة أفريقيا أيضاً نحو 25% من غابات العالم، إذ تغطي نحو 650 مليون هكتار. وتزخر بالعديد من المعالم السياحية ذات السمعة العالمية، إذ تضم كل دولة من دولها عدداً هائلاً من الأماكن السياحية الطبيعية المميزة، يمكن أن تجذب السياح ومصدراً من مصادر العملة الأجنبية في حالة توفير الخدمات المرافقة. وبأفريقيا اقتصاد زراعي تشكّل فيه الأراضي الزراعية نحو 35% من مساحة القارة، منها نحو 7% فقط مستغلة زراعياً، والباقي عبارة عن مروج ومراع، وتحتوي أفريقيا على ثروة حيوانية هائلة، حيث تستحوذ على ثلثي الإبل في العالم، وثلث الماشية.

- وبالنظر في خصائص الاقتصادات الأفريقية، سنجدها تتسم بالتبعية للخارج بخصوص الغذاء والدواء وقطع الغيار، كما أنها تشكل في معظمها اقتصاداً ريعياً يعتمد على إنتاج وتصدير مورد واحد من دون تصنيع سواء للموارد الزراعية أو المعدنية؛ ما يقلل من أسعارها في السوق العالمية. وتعتمد على أنظمة زراعية تقليدية وقديمة؛ ما يؤثر في نوعية المحاصيل المنتجة وكميتها، والتي لا تسايرها الأنظمة الحديثة ذات الإنتاج العالمي والجودة. كما أن لديها كذلك بنية تحتية ضعيفة وأحياناً منعدمة، فيما يتعلق بالموانئ والمطارات، والطرق.

- تشكل الديون عبئاً ثقيلاً على اقتصاديات الدول الأفريقية، حيث وصلت في دول أفريقيا جنوب الصحراء 100% من ناتجها القومي. وتفتقر إلى المعرفة التكنولوجية الحديثة الخاصة بوسائل الزراعة أو التصنيع أو الإنتاج بصفة عامة؛ ما جعلها تعتمد في كثير من نشاطاتها على اليد العاملة، بدل التكنولوجيا أو رأس المال. وتفتقر الدول الأفريقية أيضاً إلى الكوادر العلمية المدربة، وتعوزها رؤوس الأموال اللازمة لإقامة مشروعات صناعية وزراعية تستوعب الأيدي العاملة وتنهض بالاقتصاد الأفريقي.

- التجارة البينية الأفريقية والترتيبات ذات الصلة:

يمكن تتبع واقع التجارة البينية الأفريقية خلال الفترة ما بين الأعوام من (2010 و2019) عبر استعراض نسبة التجارة البينية للبلدان الأفريقية مقارنة بالتجارة الأفريقية مع العالم، وأهم المنتجات المصدَّرة والمستوردَة، إضافة إلى التوزيع الجغرافي.

وفيما يخص التجارة البينية للبلدان الأفريقية، يوضح الجدول (1) واقع هذه التجارة خلال الفترة (2010-2019):

الجدول (1) تطور التجارة البينية للبلدان الأفريقية خلال الفترة (2010-2019)

وبالاعتماد على بيانات الجدول (1) السابق يمكن الانتهاء إلى:

- يقدر إجمالي صادرات البلدان الأفريقية مجتمعة نحو العالم خلال الفترة ما بين الأعوام (2010 و2019)، بأكثر من 4800 مليار دولار، بما يعني في المتوسط 480 مليار دولار.

- يقدر إجمالي الصادرات البينية للبلدان الأفريقية مجتمعة (54 دولة) خلال الفترة ما بين الأعوام (2010 و2019) بأكثر من 680 مليار دولار، حيث لم يتجاوز المعدل السنوي للفترة نفسها 70 مليار دولار.

- شهدت نسبة الصادرات البينية للبلدان الأفريقية مرحلتين: المرحلة الأولى تراوحت فيها نسبة الصادرات البينية ما بين 10% و12% خلال السنوات (2010-2013). أما المرحلة الثانية فتراوحت نسبة الصادرات البينية ما بين 15% و17% خلال السنوات (2014-2019).

- إن إجمالي الصادرات السلعية الأفريقية خلال الفترة (2010 -2019) قد بلغ 4800 مليار دولار، في حين أن الواردات السلعية الأفريقية بلغت 5500 مليار دولار؛ وهو ما يعني أن أفريقيا سجلت ميزاناً تجارياً سلبياً (عجزاً).

وبالنظر في التوزيع الجغرافي للمبادلات السلعية البينية الأفريقية، فتتجه الصادرات الرئيسية للبلدان الأفريقية مجتمعة نحو شركائها التجاريين التقليديين، وعلى الأخص الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأمريكية، اللذين يستأثران على حصة من الصادرات الأفريقية تصل في المتوسط 57%. بيد أن الصين بوجه خاص وآسيا بوجه عام في طريقهما لأن يصبحا ضمن الأسواق المهمة التي تقصدها الصادرات الأفريقية. والأمر نفسه يمكن أن يقال على الواردات الرئيسية للبلدان الأفريقية؛ فهي تتوزع بشكل أساسي كذلك بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية والصين.

أما الصادرات السلعية البينية الأفريقية خلال الفترة (2010 -2019)، فتتوزع بين عدد من المجموعات الإقليمية الأفريقية كما يوضحه الشكل (1)، حيث تستحوذ بلدان جنوب أفريقيا (SADC) على المرتبة الأولى بـ 34%، ثم بلدان الكوميسا (COMESA)، وبلدان جنوب الصحراء الكبرى (CEN-SAD) بـ 19%، و18% على التوالي، في حين جاءت بلدان غرب أفريقيا (ECOWAS) في المرتبة الرابعة بــ11%، أما المرتبة الخامسة فتوزعت فيها الصادرات السلعية البينية بين كل من بلدان وسط أفريقيا وشرقها (ECCAS) (EAC) بـ 6% و5% على التوالي، في حين كانت المرتبة الأخيرة من نصيب بعض بلدان القرن الأفريقي وبلدان اتحاد المغرب العربي (AMU) بـ 5% و 3% على التوالي.

 وبالنسبة إلى الواردات السلعية البينية الأفريقية خلال الفترة (2010-2019) فتتوزع كذلك بين عدد من المجموعات الإقليمية الأفريقية، حيث تستحوذ بلدان جنوب أفريقيا (SADC) على المرتبة الأولى بـ 35%، ثم بلدان جنوب الصحراء الكبرى (CEN-SAD) بــ 20%، تليها بلدان الكوميسا (COMESA) بـ 14%، وبلدان غرب أفريقيا (ECOWAS) بـ 12%، وبلدان اتحاد المغرب العربي (AMU) بـ 6% وبلدان وسط أفريقيا وشرقها وبلدان أفريقيا أخرى بـ 5%، و4%، و4% على التوالي.

وتحتل جنوب أفريقيا المركز الأول على مستوى الصادرات البينية الأفريقية بنسبة 34% من إجمالي الصادرات البينية الأفريقية خلال الفترة (2015 -2017) في ثلاثة قطاعات رئيسية (الآلات ومعدات النقل بنسبة 60.2%، والسلع الغذائية بـ 28.2%، والمعادن بـ 25.2%)، كما تقود نيجيريا الصادرات البينية للوقود بنسبة 30.7%، وتسيطر 19 دولة أفريقية على ثلاثة أرباع الواردات البينية في القارة الأفريقية خلال الفترة ما بين الأعوام (2015 و2017)، تأتي في مقدمتها جنوب أفريقيا بنسبة 12.9% من إجمالي الواردات البينية الأفريقية.

الشكل (1)

التوزيع الإقليمي للصادرات السلعية البينية الأفريقية خلال الفترة (2010-2019)

ولقد أسست البلدان الأفريقية الاتحاد الأفريقي وأنشأت العديد من التكتلات الإقليمية (اتحاد المغرب العربي، الجماعة الاقتصادية لدول شرق أفريقيا، الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، الجماعة الإنمائية لأفريقيا الجنوبية، تجمع دول الساحل والصحراء، السوق المشتركة لشرق أفريقيا وجنوبها) بغرض تعزيز التبادل التجاري البيني الأفريقي من خلال التجارة الحرة وإنشاء الاتحادات الجمركية والسوق المشتركة من جهة، ومن جهة أخرى تمهيداً لإنشاء السوق الأفريقية المشتركة والجماعة الاقتصادية الأفريقية، والارتقاء بالتجارة الأفريقية البينية من مستوياتها الحالية المتدنية التي تتراوح ما بين 10% و13% لتصبح 25% أو أكثر خلال العقد المقبل، بما يجعل التجارة الأفريقية البينية المحرك الدافع للتنمية والتكامل الإقليمي في أفريقيا، على غرار ما هو قائم في مناطق أخرى من العالم، مثل الاتحاد الأوروبي وآسيا وأمريكا. فالتكامل الاقتصادي الإقليمي يساعد على إنشاء أسواق أوسع وتعزيز القدرة التنافسية، كما يسهم في تحسين السياسات في العديد من مجالات أجندة التنمية [21].

وعلى الرغم من هذه التكتلات الإقليمية وما تحويه من اتفاقيات، فإن أداء التجارة الإقليمية في أفريقيا لايزال ضعيفاً. ولعل من أسباب هذا الضعف هو ذلك النهج المتبع إزاء التكامل الإقليمي في القارة؛ فقد ركز هذا النهج حتى الآن على إزالة الحواجز التجارية أكثر من تركيزه على تنمية القدرات الإنتاجية الضرورية للتجارة. ولا شك أن إزالة الحواجز التجارية أمر ذو أهمية، غير أن ذلك ليس كافياً لإحداث الأثر المرغوب، ما لم تواكبه أو ترافقه إجراءات سياسية تهدف إلى تعزيز قدرات التوريد داخل القارة الأفريقية.

الاستثمارات الأجنبية المباشرة الأفريقية والترتيبات ذات الصلة:

يوضح الجدول (2) تطور الاستثمارات الأجنبية المباشرة نحو أفريقيا والعالم خلال الفترة (2010-2019):

الجدول (2) تطور الاستثمارات الأجنبية المباشرة نحو البلدان الأفريقية والعالم خلال الفترة (2010-2019)

وبالاعتماد على الجدول (2) السابق، يمكن استخلاص ما يلي:

- لم تتعدَّ نسبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة الداخلة إلى القارة الأفريقية خلال الفترة ما بين الأعوام (2010 و2019) 3% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في العالم، وهي نسبة ضئيلة جداً، ولا تحقق أهداف الاستثمارات الأجنبية المباشرة في القارة الأفريقية.

- يبلغ متوسط نصيب الفرد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة نحو البلدان الأفريقية خلال الفترة محل الدراسة 45 دولاراً أمريكياً.

وفيما يخص التوزيع الإقليمي للاستثمارات الأجنبية المباشرة الداخلة إلى بلدان القارة الأفريقية خلال الفترة (2010-2019) كما يوضحه الشكل (2)، فتستحوذ بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى على المرتبة الأولى بـ 40%، ثم بلدان شمال أفريقيا وشرقها بـ 16% لكل منهما، في حين جاءت بلدان غرب أفريقيا في المرتبة الرابعة بــ15%، أما المرتبة الأخيرة فتوزعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة الداخلة إلى بلدان القارة الأفريقية بين كل من بلدان وسط أفريقيا وجنوبها بــ 6% لكل منهما.

الشكل (2)

التوزيع الإقليمي للاستثمارات الأجنبية المباشرة الداخلة إلى بلدان القارة الأفريقية للفترة (2010-2019)

وحول تهيئة المناخ الاستثماري في أفريقيا، وعلى الرغم من إنشاء عدد من التكتلات الاقتصادية الإقليمية في أفريقيا والاتفاقيات الثنائية التي تربط البلدان الأفريقية بعضها ببعض، فإن الدول الأفريقية قد اهتمت بتهيئة بيئاتها الاستثمارية، وخاصة دول جنوب الصحراء التي ظلت تعاني أوضاعاً سياسية غير مستقرة، إضافة إلى ضعف أسس النمو، وعدم ملاءمة كثير من السياسات الاقتصادية المطبقة فيها، لذلك سارعت الحكومات الأفريقية من خلال أجهزتها المعنية إلى إيجاد بيئات استثمارية مناسبة، فقامت بمراجعة سياستها الاقتصادية، ونظمها الاستثمارية، وسنت العديد من التشريعات والقوانين والأنظمة واللوائح الجديدة التي تشجع الاستثمار وتدعمه، واستحداث الهيئات والمؤسسات التي تخطط له وتنظمه، ووضعت امتيازات كثيرة، مثل تيسير شروط الاستثمار وتخفيف القيود على تدفقاته. مع التحوط لما يمكن أن تتعرض له الاستثمارات من مخاطر، والعمل على تقليلها، والشفافية في توفير المعلومات الضرورية للمستثمر وكسب ثقته، وتبسيط الإجراءات، وتقديم ضمانات بحرّية نسبة المساهمات ونقل الأموال إلى الخارج.

نظرة تقييمية للعلاقات الاقتصادية الأفريقية البينية:

فيما يلي عناصر تقييمية للعلاقات الاقتصادية الأفريقية البينية:

- أنشئت بالقارة الأفريقية منذ حصولها على الاستقلال السياسي في ستينيات القرن الماضي أكثر من ستة تكتلات اقتصادية إقليمية ترتبط باتفاقيات تجارة حرة واتحادات جمركية، فعلى الرغم من هذا العدد من التكتلات مازال أداء التجارة البينية الإقليمية في أفريقيا ضعيفاً؛ لذا من الأهمية تعزيز هذه التجارة ليس بإزالة الحواجز التجارية فقط وإنما بوجوب تنمية القدرات الإنتاجية الوطنية الضرورية للتجارة.

- اعتماد البلدان الأفريقية على الاستيراد من خارج القارة لتحقيق أمنها الغذائي، حيث لا تتجاوز الواردات البينية للبلدان الأفريقية خلال الفترة ما بين الأعوام (2010 و2019) نسبة 12%.

- وجود فرص مُهدَرة في مجال التجارة بن البلدان الأفريقية في فئات عديدة من المنتجات، وبخاصة المنتجات الغذائية والزراعية، فأفريقيا تستأثر بنحو 27% من الأراضي الصالحة للزراعة التي يمكن استغلالها لتوسيع الإنتاج الزراعي، ومع ذلك تستورد العديد من البلدان الأفريقية المنتجات الغذائية والزراعية من بلدان تقع خارج القارة الأفريقية.

- على الرغم من حاجة البلدان الأفريقية إلى الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فإن نصيب دول القارة منها لا يتناسب مطلقاً مع احتياجاتها، ولا مع عدد السكان بها، ولا مع ما يتوافر بها من موارد طبيعية وبشرية يمكن استغلالها في إقامة أكبر عدد من المشروعات تحتاجها التنمية في مختلف المجالات، والأنشطة، وخصوصاً في ظل تفاقم المديونية على غالبية الاقتصاديات الأفريقية، حيث تجاوزت في بعض الدول 100% من الناتج المحلي الخام، وهو ما يرهن اقتصادها للخارج على حساب دعم التنمية الوطنية.

ثالثاً: منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية.. مقاربة تحليلية

نقوم في هذا المحور بدراسة منطقة التجارة الحرة الأفريقية من خلال التطرق للخلفيات التاريخية والاجتماعية والاقتصادية لنشأتها، كما نقوم بتقديم تحليل اقتصادي لبنود اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، فضلاً عن فرص ومعوقات نجاح اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، وذلك على النحو الآتي:

- الخلفيات التاريخية والاجتماعية والاقتصادية:

سعت بلدان القارة الأفريقية منذ حصولها على استقلالها السياسي إلى إنشاء علاقات اندماج وتكامل فيما بينها عبر فترات زمنية مختلفة. فالعمل الوحدوي الأفريقي مر بمحطات عدة، لعل من أبرزها:

- إنشاء منظمة الوحدة الأفريقية: في 25 مايو عام 1963 في أديس أبابا بإثيوبيا، حيث اجتمع قادة الدول الأفريقية الـ 32 الذين وافقوا على قيام منظمة الوحدة الأفريقية، وانضمت تدريجياً 21 دولة أخرى ليصل المجموع إلى 53 دولة، ومع إنشاء الاتحاد الأفريقي في عام 2002. لم تولِ منظمة الوحدة الأفريقية اهتماماً كبيراً للجانب الاقتصادي في مواثيقها، وكانت كل جهودها منصبة في معالجة قضايا التحرر السياسي للدول الأفريقية؛ لذا، ومنذ نهاية الفترة الاستعمارية في ستينيات القرن الماضي، كانت فكرة إنشاء مجمعات اقتصادية جهوية جزءاً مهماً من استراتيجيات العمل في أفريقيا؛ ما أدى إلى التوسع السريع في مساعي التكامل الإقليمي؛ كما شهدت القارة قيام العديد من التكتلات الإقليمية.

- خطة لاغوس في نيجيريا: في إبريل 1985 تم اعتماد خطة عمل اقتصادية، سميت فيما بعد باسم “خطة لاغوس”، التي تعد أول مؤتمر اقتصادي أفريقي، وهذا كرد فعل على تدهور الوضع الاقتصادي الذي أصاب القارة الأفريقية، حيث تم اقتراح استراتيجية ترمي إلى تحقيق نمو اقتصادي قوي ومستدام، وإرساء أسس التحول الهيكلي الاقتصادي والاجتماعي، وإنشاء قاعدة موارد مستدامة. وتم اعتبار التكامل الإقليمي وشبه الإقليمي على أنه الآلية الرئيسية لإعادة هيكلة القارة الأفريقية المجزأة، وتحويلها إلى كيانات اقتصادية إقليمية، متناسقة وأكثر قوة، فكان الهدف الأساسي من خطة عمل لاغوس هو تحقيق تكامل إقليمي فعال بالاعتماد على القدرات الوطنية الذاتية، على الصعيدين الوطني والجماعي، والعمل على تحقيق النمو والتحول الاقتصادي لأفريقيا.

- معاهدة أبوجا: بمناسبة مؤتمر القمة الأفريقية الذي انعقد في أبوجا بنيجيريا في 3 يوليو 1991، وقع قادة الدول الأفريقية على معاهدة إنشاء الجماعة الاقتصادية الأفريقية بغية الإسراع للوصول بالقارة الأفريقية لأعلى درجات التكامل الاقتصادي والوحدة النقدية بحلول عام 2028. وحددت معاهدة أبوجا التي دخلت حيز التنفيذ في 12 مايو 1994، ست مراحل لتحقيق أهداف الجماعة الاقتصادية الأفريقية وهي:

- المرحلة الأولى (نهاية عام 1999): إنشاء تكتل اقتصادي في المناطق التي لم تدخل في أي تكتل.

- المرحلة الثانية (نهاية عام 2007): تقوية التكامل بين الدول الأعضاء وتثبيت التعريفات الجمركية وغير الجمركية.

- المرحلة الثالثة (نهاية عام 2017): إنشاء منطقة تجارة حرة واتحاد جمركي بين التكتلات القائمة.

- المرحلة الرابعة (نهاية عام 2019): إنشاء اتحاد جمركي على مستوى القارة، وبالتالي منطقة تجارية حرة شاملة.

- المرحلة الخامسة (نهاية عام 2023): إنشاء سوق مشتركة أفريقية على مستوى القارة.

- المرحلة السادسة (نهاية عام 2028): إنشاء اتحاد اقتصادي ومالي موحّد على مستوى القارة الأفريقية وعملة موحدة وبرلمان موحد.

- التحول إلى الاتحاد الأفريقي: انعقدت قمة استثنائية لمنظمة الوحدة الأفريقية في 9 سبتمبر 1999 بمدينة سرت الليبية، حيث دعا قادة الدول الأفريقية في هذه القمة إلى إنشاء الاتحاد الأفريقي عوضاً عن منظمة الوحدة الأفريقية مسايرة للتحولات الإقليمية والدولية، وتم التوقيع على القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي في 11 يوليو 2000 في لومي عاصمة توغو. وكان الغرض من إنشاء الاتحاد الأفريقي تحقيق جملة من الأهداف، من بينها:

- تحقيق وحدة وتضامن أكبر فيما بين البلدان والشعوب الأفريقية.

- التعجيل بتكامل القارة السياسي والاجتماعي والاقتصادي.

- تعزيز التنمية المستدامة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكذلك تكامل الاقتصاديات الأفريقية.

- تعزيز التعاون في جميع ميادين النشاط البشري لرفع مستوى معيشة الشعوب الأفريقية.

- تنسيق السياسات ومواءمتها بين المجموعات الاقتصادية الإقليمية القائمة والمستقبلية من أجل التحقيق التدريجي لأهداف الاتحاد.

- الشراكة الجديدة من أجل تنمية أفريقيا (NEPAD): ظهرت هذه الشراكة كمبادرة اتخذها رؤساء كل من الجزائر وجنوب أفريقيا ونيجيريا في نهاية عام 2000 وبداية عام 2001، وانضم إليها، في وقت لاحق، الرئيسان المصري والسنغالي، ليشكلوا جميعهم مجموعة رؤساء الدول المروجين لهذه المبادرة التي تستهدف، أساساً، تمكين القارة من توفير الظروف لاستدامة السلم والتنمية فيها. لقد كانت الشراكة من أجل التنمية في أفريقيا نتاج انصهار اقتراحين (رؤية رئيس جنوب أفريقيا بعنوان: برنامج شراكة الألفية لإنعاش أفريقيا، ورؤية الرئيس السنغالي التي أطلق عليها خطة أوميجا) في مبادرة واحدة تتقدم بها أفريقيا إلى شركائها الدوليين، وتعبر عن موقف أفريقي موحّد وواضح تجاه قضايا القارة الملحّة، وكان ذلك خلال الدورة الـ 37 لمؤتمر القمة الأفريقية بلوساكا بزامبيا في يوليو 2001. وتمت المصادقة على مبادرة الشراكة الجديدة من أجل تنمية أفريقيا (نيباد) في مؤتمر القمة الأفريقي في ديربان في جنوب أفريقيا في 10 يوليو 2002. وتم دمج مبادرة الـ “نيباد” (الشراكة من أجل تنمية أفريقيا) في هياكل وعمليات الاتحاد الأفريقي في الدورة العادية الرابعة عشرة لمؤتمر الاتحاد الأفريقي المنعقد في أديس أبابا بإثيوبيا في 2 فبراير عام 2010، حيث تمت الموافقة على الدمج الكلي لهذه المبادرة داخل الاتحاد الأفريقي بوصفها أحد أجهزته، وإنشاء وكالة التخطيط والتنسيق للنيباد كهيئة فنية للاتحاد الأفريقي محل أمانة النيباد. ولتحقيق هذه الأهداف تستهدي النيباد بالمبادئ التالية:

- الحكم الراشد كمطلب أساسي للأمن والتطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي.

- مسارعة التكامل الإقليمي والقاري، وبناء قدرات وميزات تنافسية للقارة.

- قيام الشراكة مع بقية دول العالم على أسس عادلة.

- تعزيز التجارة الأفريقية البينية: بمناسبة الدورة العادية الـ 18 لمؤتمر قمة الاتحاد الأفريقي التي انعقدت في يناير 2012 بأديس أبابا حول موضوع “تعزيز التجارة البينية الأفريقية”، اعتمد مؤتمر القمة خطة عمل تتضمن الإسراع في إنشاء منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية لتوفير وضمان تحقيق الإمكانات والفوائد الكاملة من مناطق التجارة الحرة والاتحادات الجمركية المراد إنشاؤها، وتشمل الخطة سبعة مجالات ذات أولوية، هي: التجارة، والتسهيلات التجارية، والقدرة الإنتاجية، والبنية التحتية المتعلقة بالتجارة، والتمويل التجاري، والمعلومات التجارية، وتكامل عوامل السوق.

- أجندة 2063: اعتمد الاتحاد الأفريقي في يناير 2015 أجندة 2063، التي اعتبرت أساساً للتحول الاقتصادي والاجتماعي والتكاملي طويل الأجل للقارة الأفريقية، وقد كُلفت مفوضية الاتحاد الأفريقي بإعداد خطة التنفيذ للأعوام الخمسة المقبلة التي يجب أن تلتزم الدول الأفريقية والتجمعات الأفريقية بتنفيذ أهدافها، وتعتمد أجندة 2063 على أفضل الممارسات الوطنية والإقليمية والقارية في تحقيق التنمية.

- تحليل اقتصادي لبنود اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AFCFTA):

دخلت منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (Africain Continental Free Trade Area) المعروفة باختصار (AFCFTA) حيز التنفيذ في 30 مايو 2019، بعد مصادقة 22 دولة أفريقية عند إطلاقها في كينغالي (رواندا)، ثم توالت بعد ذلك باقي الدول الأفريقية في المصادقة على الاتفاقية. وقد تضمنت اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية 31 مادة، و9 ملاحق شملت أهدافاً عامة، وخاصة ومبادئ، بالإضافة إلى مجالات التجارة في السلع والخدمات والاستثمار وحقوق الملكية الفكرية وسياسة المنافسة.

وبالنسبة إلى الأهداف العامة للاتفاقية، فتمثلت فيما يلي:

- إنشاء سوق موحدة للسلع والخدمات، من خلال تسهيل حركة الأشخاص والسلع، من أجل تعميق التكامل الاقتصادي للقارة الأفريقية، ووفقاً لرؤية عموم أفريقيا “متكاملة ومزدهرة وسلمية “على النحو المنصوص عليه في أجندة 2063.

- إنشاء سوق حرة للسلع والخدمات، من خلال جولات متتالية من المفاوضات.

- المساهمة في حركة رأس المال والأشخاص، وتسهيل الاستثمارات، من خلال الاعتماد على المبادرات والتطورات في دول التكتلات الاقتصادية الإقليمية في أفريقيا.

- تعزيز القدرة التنافسية لاقتصادات الدول الأطراف في المستويات القارية والعالمية، وتعزيز التنمية الصناعية، من خلال التنويع وتطوير سلاسل القيمة الإقليمية والتنمية الزراعية والأمن الغذائي.

- وضع الأسس لإنشاء اتحاد جمركي قاري في مرحلة لاحقة، مع إيجاد حل لتداخل الانتماء إلى التكتلات الاقتصادية الإقليمية، وتسريع عمليات التكامل الإقليمي والقاري.

أما عن مبادئ اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، فإن مناطق التجارة الحرة للمجموعات الاقتصادية الإقليمية داخل القارة الأفريقية تعد من ركائز منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية؛ والمرونة والمعاملة الخاصة والتفضيلية؛ والشفافية ونشر المعلومات، مع الحفاظ على الإنجازات المحققة على المستوى الثنائي والمتعددة الأطراف؛ ومعاملة الدولة الأَولى بالرعاية، والمعاملة الوطنية؛ والمعاملة بالمثل. علماً بأن غالبية هذه المبادئ مستنبطة ومستوحاة من مبادئ منظمة التجارة العالمية (WTO).

وبالنسبة إلى الإطار المؤسسي لمنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية فهو يتمثل في مؤتمر الاتفاقية؛ ومجلس الوزراء من البلدان الأعضاء؛ ولجنة عليا للمسؤولين التجاريين (تتألف من أمناء دائمين أو مسؤولين آخرين تعينهم الدول الأعضاء)؛ وأمانة الاتفاقية. أما بالنسبة إلى نفاذ الاتفاقية، فإن البروتوكولات الموجودة في التجارة في السلع والتجارة في الخدمات والقواعد والإجراءات المتعلقة بتسوية المنازعات، تعد سارية المفعول بالنسبة إلى تلك الدولة في تاريخ إيداع صك العضوية. وتتكون بروتوكولات منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية من ستة بروتوكولات، ويتعلق الأمر بالآتي:

- بروتوكول التجارة في السلع: لإزالة الحواجز غير الجمركية والرسوم والقيود الكمية على الواردات، كما يشجع البروتوكول تيسير التجارة والعبور من خلال التنسيق بين سلطات الجمارك الوطنية، إلى جانب التعاون بشأن معايير ولوائح المنتجات.

- بروتوكول التجارة في الخدمات: للتحرير التدريجي لقطاعات الخدمات وشفافية لوائح الخدمة، كما يحتوي بروتوكول التجارة في الخدمات عدداً من المرفقات التي تشرح بالتفصيل التخصصات الموضوعية لكل قسم ومرحلة.

- بروتوكول تسوية المنازعات: بشأن القواعد والإجراءات الخاصة بتسوية المنازعات، على غرار تفاهم تسوية المنازعات في منظمة التجارة العالمية، مع التركيز على أنظمة تسوية المنازعات القضائية لضمان تنفيذ بروتوكولاتها المختلفة.

- بروتوكول الاستثمار: اشتهر قانون الاستثمار لعموم أفريقيا على نطاق واسع بابتكاراته ومناهجه الجديدة في موضوعات ضمن اتفاقيات الاستثمار الدولية، كما ركز هذا القانون على التزامات المستثمر المتعلقة بحقوق الإنسان وعمالة الأطفال وحماية البيئة واحترام القوانين المحلية والفساد والمسؤولية الاجتماعية للشركات وغيرها من القضايا ذات الصلة.

- بروتوكول حقوق الملكية: يؤدي الابتكار الذي تقوده الاتجاهات التكنولوجية الجديدة دوراً رئيسياً في الزيادة السريعة بإنتاجية القوى العاملة نطاق الابتكارات التكنولوجية في مجال المعلومات وحجمه، وتكنولوجيا الاتصالات (ICT)، والطاقة المتجددة، وغيرها.

- بروتوكول المنافسة: تؤثر السياسات في الإمكانات طويلة المدى على الناتج عن طريق التأثير في حوافز الأشخاص للعمل والادخار والاستثمار وتغيير معدلات الإنتاجية، كما ستعزز الشركات الصغيرة والمتوسطة، التي تمثل أربعة أخماس الشركات في أفريقيا، هذه الأخيرة التي يمكن أن تستفيد مما تتيحه منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية من مزايا وفرص لاختراق الأسواق الدولية.

- الفرص الاقتصادية الممكنة لمنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية:

يكاد يجمع المهتمون والباحثون بأن لمنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية الكثير من الفرص والمزايا، ومن بينها:

- الإسهام في تطوير البنية التحتية لدول القارة الأفريقية، فضلاً عن تحقيق التنمية الصناعية بين دولها، ومنها الصناعة المنخفضة التكاليف، وهو ما سوف يضمن تنويعاً أكثر للتجارة، بحيث يمكن أن تستخدم الأسواق الإقليمية كنقطة انطلاق للعديد من الصناعات داخل بلدان القارة الأفريقية.

- الإسهام في تسهيل حرية حركة الأشخاص، ونقل الخبرات الفنية، والخدمات الأخرى المتصلة بالتجارة بين دول القارة وخارجها.

- المساهمة في تطوير خدمات الطاقة وتكنولوجيا المعلومات بين دول القارة.

- زيادة متوقعة في حجم التبادل التجاري بين الدول الأفريقية بنسبة تتجاوز 50% مع نهاية عام 2022.

- ارتفاع متوقع في متوسط النمو الاقتصادي للاقتصاديات الأفريقية مجتمعة بشكل رئيسي على قطاع الصناعة؛ ما يؤثر في الهيكل الاقتصادي لدول القارة من جهة، ويزيد من الرفاهية الاقتصادية بمقدار 16.1 مليار دولار عند التطبيق الكامل لاتفاقيات منطقة التجارة الحرة الأفريقية.

- تعزيز مكانة أفريقيا في التجارة العالمية في ظل الإصلاحات الأحدث لقواعد التجارة الدولية، بموجب اتفاقيات تفضيلية تم التفاوض عليها على المستويات الثنائية أو الإقليمية (القارية) ومنها أفريقيا، وبالتالي قد يكون تعزيز التجارة الإقليمية أمراً حاسماً من جهة تطوير قوة تفاوضية كافية مقابل الشركاء التجاريين لأفريقيا.

- يتوقع في حالة التحرير الكامل للسلع في إطار منطقة التجارة الحرة الأفريقية، أن تتزايد معدلات التشغيل بنسبة 1.17 %؛ أما في حالة التحرير الجزئي والمعاملة الخاصة لبعض السلع، فمن المحتمل تناقص هذا المعدل ليصل إلى 0.82%.

- تسهيل الاستثمارات المبنية على المبادرات والتطورات بين بلدان القارة الأفريقية.

- سيكون لتطبيق اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية آثار ملموسة على الحياة اليومية للسكان التي ستتضاعف من 1.3 مليار نسمة في عام 2020 إلى 2.75 مليار نسمة في حدود عام 2060.

- تحقيق الاندماج داخل المناطق الاقتصادية الإقليمية من خلال إنشاء اتحاد جمركي، واتحاد اقتصادي ونقدي (برنامج ALISA الذي يربط جمارك 15 بلداً لــ CEDEAO).

المعوقات والتحديات التي تواجه تطبيق اتفاقية منطقة التجارة الحرة الأفريقية:

رغم المزايا والفرص التي يمكن أن تقدمها منطقة التجارة الحرة الأفريقية للبلدان الأفريقية الأعضاء، فإن هناك العديد من المعوقات والتحديات التي تواجه تطبيق بنود واتفاقيات منطقة التجارة الحرة الأفريقية؛ وعليه، يتطلب الأمر عملاً دؤوباً لإزالتها، من أجل تحقيق النتائج المنشودة. وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى أهم تلك المعوقات والتحديات على النحو التالي:

- أنشأت البلدان الأفريقية العديد من التكتلات الاقتصادية الإقليمية منذ ستينيات القرن الماضي، وما يمكن ملاحظته على هذه التكتلات هو تأخرها عن بلوغها الأهداف المخططة، كما أدت العضويات المتداخلة للبلدان الأفريقية في هذه التكتلات إلى إعاقة عملية تنسيق السياسات والأطر المؤسسية، وهو ما أدى إلى عرقلة الجهود الرامية إلى تحقيق التكامل الاقتصادي.

- تأخر توقيع بعض الدول الأفريقية على اتفاقية إنشاء منطقة التجارة الحرة الأفريقية بحجج مختلفة؛ فنيجيريا – وهي تملك أحد أقوى اقتصادات القارة الأفريقية – عللت عدم التوقيع بعدم الانتهاء من التشاورات مع النقابات الوطنية المعنية، وطلبت المزيد من الوقت للتشاور، بينما اكتفت دول أخرى، مثل ناميبيا وبينين وبورندي وسيراليون، بعدم التوقيع دون إبداء الأسباب.

- تنسيق الاقتصادات غير المتجانسة وغير المتناغمة في أفريقيا بموجب اتفاقية واحدة في التنوع الكبير الموجود في مستويات تنميتها؛ ما يعني تفاوت مستويات التنمية ودخول الأفراد بين البلدان الأفريقية من جهة، وتشابه هياكل الإنتاج من جهة أخرى، جعل فرص التكامل الاقتصادي الأفريقي تعرف نِسَباً منخفضة.

- تعد البنى التحتية أو الهياكل القاعدية (وسائل النقل البحري، الموانئ، والنقل الجوي والبري،… إلخ) من الركائز الأساسية للاقتصاديات المعاصرة، حيث إن معظم الطرق المتوافرة وشبكات السكة الحديد، والموانئ المستخدمة حالياً في البلدان الأفريقية بنيت منذ عهد الاحتلال الأجنبي لأفريقيا، وهو ما يعد عائقاً كبيراً أمام الاقتصاديات الأفريقية، ما لم يتم تدارك ذلك.

- عدم وضع البلدان الأفريقية استراتيجيات طويلة المدى فيما يتعلق بالتعاون الاقتصادي البيني، حيث تتعطل العلاقات التكاملية بمجرد تغير الحكومات أو الأنظمة السياسية في هذه الدول.

- ضعف التجارة البينية للبلدان الأفريقية بالمقارنة مع التجارة البينية لباقي القارات، برغم الإجراءات والتحفيزات التي تقدمها الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف التي تربط بين البلدان الأفريقية.

- وجود ضغط تنافسي، فالعديد من الأسواق الأفريقية الناشئة هي اقتصادات تقليدية تعتمد على الزراعة العائلية والأنشطة البدائية، وهذا ما يجعلها غير قادرة على منافسة الشركات الزراعية الكبرى ذات الدخل المرتفع العاملة في أفريقيا، ونتيجة لذلك قد يفقد أصحاب المزارع مزارعهم؛ ما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة.

- تلاشي الشركات الصغيرة والمتوسطة الأفريقية، فغالباً يفضل المستهلكون المنتجات الرخيصة ذات الجودة المقبولة، وقد يؤدي تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية إلى خسارة المنتجين المحليين مبيعات ضخمة للموردين الأجانب لأنهم يمكن أن يخفضوا تكلفة منتجاتهم من خلال الاستفادة من الإعفاء الجمركي، وتخفيض القيود المفروضة على السلع المستوردة.

- فقدان بعض الوظائف، قد يضطر عمال الدول الأقل دخلاً إلى العمل لساعات طويلة والعيش في منازل من دون مرافق أساسية، مثل مياه الشرب النقية والكهرباء، وذلك من أجل إعالة أسرهم أو إرسال الأموال إليهم بشكل دوري، وقد يضطر بعض العمال إلى قبول أجور أقل مما يستحقون ويرفضون الانضمام إلى النقابات العمالية حفاظاً على وظائفهم (رفض مؤتمر العمل النيجيري المصادقة على اتفاقية منطقة التجارة الحرة الأفريقية، ووصفها بأنها أخطر مبادرة سياسة ليبرالية فاشية متجددة).

- استنزاف البيئة، فقد تقود المنافسة الشديدة بعض الشركات إلى تجاهل الحفاظ على البيئة، عندما يتعلق الأمر بصنع المنتجات والتخلص من النفايات حتى يتمكنوا من الحفاظ على صناعتهم بشكل جيد.

- ضياع براءات الاختراع وحقوق الملكية الفكرية، فالعديد من الدول الأفريقية ليس لديها قوانين حماية براءات الاختراع والابتكارات الجديدة، كما أن القوانين المطبقة لا تنفَّذ غالباً بشكل صارم. وعليه، فغالباً ما تتم سرقة أفكار الشركات.

- اعتماد الدول الأفريقية على تصدير المحاصيل والمواد الأولية فيما بينهم؛ ما يسهم في تضييق نطاق العلاقات التجارية، سواء فيما بين دول أفريقيا أو بينها وبين دول العالم الخارجي.

- بقيام منطقة التجارة الحرة الأفريقية تفقد البلدان الأفريقية مورداً مهماً من موارد موازنتها العامة والمتمثل في الإيرادات الجمركية عند الإلغاء الكامل أو الجزئي للتعريفات الجمركية بين الدول الأفريقية.

- تشكل قواعد المنشأة مشكلة أساسية تعوق التجارة البينية في أفريقيا، وتتعلق هذه العوائق بكيفية تحديد المعاملة التفضيلية والمسائل المرتبطة باللغة ومدى فاعلية إصدار شهادات المنشأ.

رابعاً: رؤية استشرافية لتعزيز التعاون الاقتصادي الأفريقي-الأفريقي في ظل منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية.

تعد اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية أحد المشروعات الرائدة في أجندة 2063 للاتحاد الأفريقي، فضلاً عن أنها أحد مشروعات الرؤية الطويلة المدى للاتحاد الأفريقي الهادفة إلى جعل القارة الأفريقية متكاملة ومزدهرة وآمنة، ويراهن من خلالها على تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين الدول الأفريقية. ولتعزيز التعاون الاقتصادي الأفريقي-الأفريقي في ظل منظمة التجارة الحرة القارية الأفريقية، يمكن لنا استشراف ما يلي:

- تعتبر منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، من أهم الإنجازات على مستوى العمل الأفريقي المشترك؛ نظراً لما تتضمنه من مشروعات تكاملية رائدة.

- تلزم حكومات الدول الأعضاء في اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية اتخاذ المزيد من إجراءات التكامل الاقتصادي، حيث تبدأ الدول الموقعة عملية على سنوات عدة لإزالة الحواجز التجارية، بما في ذلك الرسوم الجمركية على 90% من السلع المتبادلة.

- تتيح منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية تعزيز التجارة الإقليمية، والتنويع الاقتصادي، من خلال بناء القدرة التصنيعية، من أجل اجتذاب استثمارات أفريقية وأجنبية.

- من الأهمية دخول الدول الأعضاء في منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية في مشروعات مشتركة، والتنسيق بين خطط التنمية، بحيث يتم توزيع المشروعات والصناعات فيما بينها، على النحو الذي يكفل لكل دولة منها، الحصول على نصيب عادل من مزايا التعاون الاقتصادي الأفريقي.

- من الضروري على دول القارة الأفريقية الدخول ككتلة عندما يتعلق الأمر بشراكات خارجية (خارج أفريقيا)، مثل ما هو عليه الشأن في الشراكة بين أفريقيا والصين، التي حققت حتى الآن إنجازات هائلة خاصة بعد تأسيس منتدى التعاون الأفريقي – الصيني، سواء في تعزيز المبادلات التجارية، أو زيادة تدفقات الاستثمارات المباشرة، وتنويع وزيادة التمويل؛ وعليه أصبحت الصين أكبر شريك تجاري، ومن كبار المستثمرين والممولين في أفريقيا.

- بهدف التحقق من مدى تحقيق التكتلات الإقليمية الأفريقية لغاياتها، تم استحداث مؤشر التكامل الإقليمي في أفريقيا (IIRA) عام 2016، ويتمثل دوره في تتبع التقدم الذي أحرزته البلدان بخصوص التزاماتها المتبادلة في التكامل الإقليمي، الذي يعد مكملاً لمنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية.

- العمل على تطوير البنى التحتية الأفريقية؛ لأن عدم تطويرها يعد أكبر عائق للمبادلات البينية، وذلك في إطار شراكات بين أفريقية أو بدعم أطراف أخرى (كالبنك الأفريقي للتنمية، البنك الإسلامي للتنمية مثلاً).

- وضع خريطة طريق صناعية لبناء أرضية تعاون بين القطاع العام والقطاع الخاص، بطريقة تحدد موقع الشركات من القطاعين في النشاطات القبلية والنشاطات البعدية لكل قطاع، وذلك من أجل تحديد الحلقات الناقصة أو الضعيفة في كل سلسلة، والعمل على تعزيزها في إطار سياسات متكاملة وطنياً وأفريقياً.

- ترقية شبكة خدماتية قارية (البنوك، الوسطاء التجاريون، شركات النقل والتأمين، الموانئ البحرية والبرية والمطارات…) قادرة على المرافقة الآمنة للسلع والأموال بين الدول الأفريقية.

- يتوقع أن تسهم منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، تماشياً مع الأهداف الاستراتيجية لمبادرة أجندة 2063، في القضاء على الفقر، وأن تؤثر تأثيراً إيجابياً على حياة الموطنين، ومن ثم تحقق رفاهية المجتمع.

- على الدول الأعضاء في منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية بذل المزيد من الجهود لتعزيز التجارة البينية الأفريقية، سواء على مستوى الأنظمة والقوانين الوطنية، أو على مستوى الهياكل والبنى التحتية.

- ستسمح منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية بدخول أسواق جديدة على مستوى القارة وغيرها من دول العالم، وهذا بدوره سيوسع قاعدة عملائها ويؤدي إلى خلق أو ابتكار منتجات وخدمات جديدة؛ ما يجعل الاستثمار في المجالات الإبداعية والمشروعات الابتكارية أمراً ممكناً.

- يمثل قطاع الصناعات في البلدان الأفريقية مجتمعة نحو 10% فقط من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للقارة الأفريقية في المتوسط، وهذا أقل بكثير من نسبة مساهمة القطاعات الصناعية في المناطق الأخرى النامية، فنجاح منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية من شأنه تدعيم هذا القطاع، وتقليل الفجوة بين الشركات الكبيرة والصغيرة، حيث يقود قطاع الصناعات التحويلية الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى خلق وظائف أكثر.

- بدخول منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية حيز التنفيذ، وعند استيراد المواد الخام من البلدان الأفريقية، يتوقع انخفاض تكاليف المواد الخام، وبالتالي انخفاض تكاليف الإنتاج.

خاتمة:

يتضح مما تقدم عرضه أن لقيام منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية فرصاً اقتصادية واعدة لبلدان القارة الأفريقية مجتمعة في شتى المجالات، في ظل الإمكانات التي تمتلكها. وتبقى العقبة الوحيدة من وجهة نظرنا، أمام تحقيق طموحات القارة الأفريقية، متمثلة في تجاوز الذهنية التقليدية المسيطرة على إدارة اقتصاداتها، وينبغي تجسيد المواثيق والمعاهدات والاتفاقيات الداعمة للتكامل الاقتصادي الأفريقي-الأفريقي بإرادة أفريقية خالصة ووضعها موضع التنفيذ.