• اخر تحديث : 2024-07-01 12:23
news-details
مقالات مترجمة

حرب أوكرانيا تشي بنهاية الأحادية الأميركية


يكتب مايك ويتني، وهو كاتب سياسي ومالي يعيش في واشنطن، في موقع eurasiareview عن الدولار الأميركي، وكيف أصبح العملة المسيطرة في العالم، ويصل إلى المرحلة الحالية والتي بدأ فيها نفوذ الدولار يتراجع، وخصوصاً بعد الحرب الأوكرانية، ويوحي من خلال مقاله أن الأحادية الأميركية بدأت مرحلة التلاشي.. فيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية:

كل دولار أميركي عبارة عن شيك مكتوب على حساب دائن بمقدار 30 تريليون دولار. هذه حقيقة قيمة الدولار خارج الأسطورة المتداولة. وهو إلى حد كبير لا يساوي الورق المطبوع عليه؛ وعبارة عن سند في محيط من الحبر. الشيء الوحيد الذي يمنع الدولار الأميركي من التلاشي في الأثير، هو ثقة الأشخاص السذج الذين يواصلون قبوله كعملة قانونية.

لكن لماذا يواصل الناس استعمال الدولار بينما عيوبه معروفة للجميع؟ وليس سراً أن الدين القومي الأميركي بلغ 30 تريليون دولار، مع 9 تريليونات دولار تراكمت في الميزانية العمومية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي. هذا دين خفي لا يدركه معظم الأميركيون مع أنهم يدفعون ثمن كل ذلك.

بالنظر في كيفية عمل النظام الداعم للدولار من قبل العديد من المؤسسات التي تم إنشاؤها بعد الحرب العالمية الثانية. التي توفر بيئة لإجراء أطول عملية احتيال وأكثرها فظاعة في التاريخ، تبرر تبادل السلع المصنعة بتكلفة عالية، عبر التحكم بموارد المادة الخام، وأسواق العمل الشاق مقابل قسائم الأوراق الخضراء، وسط إقبال متزايد على الوهم. ولا يسع المرء إلا أن يتعجب من عبقرية النخب التي اختلقت هذه الحيلة، المفروضة بالجملة على الجماهير دون أدنى صوت احتجاجي.

بالطبع، النظام الاحتيالي هذا، مصحوباً بآليات تنفيذ متنوعة تعمل على إزاحة أي شخص يحاول التحرر من الدولار بعون الأرض أو السماء، في محاولة إنشاء نظام بديل تماماً.

يتبادر إلى الذهن صدام حسين، ومعمر القذافي، وتجربتهما كـ "خصمين" في مواجهة الدولار، حيث لقيا الإبادة القاسية، من عملة مدفونة تحت جبل من الديون، لقيمتها الحقيقية تكاد تكون غير معروفة.

لم يكن الأمر هكذا دائماً. كان هناك وقت كان فيه الدولار هو أقوى عملة في العالم واستحق مكانه في القمة. وبعد الحرب العالمية الأولى، كانت الولايات المتحدة "مالكة غالبية ذهب العالم"، ولهذا السبب تقرر دولياً أن عملات العالم لن تكون مرتبطة بالذهب، ولكن يمكن ربطها بالدولار الأميركي، لأن الدولار كان نفسه مرتبط بالذهب.

حين كان الطلب على الذهب كبيراً لدرجة أن الرئيس ريتشارد نيكسون، اضطر للتدخل وفك ارتباط الدولار بالذهب نهاية ستينات القرن المنصرم. مما أدى إلى أسعار الصرف العائمة الموجودة منذ ذلك التاريخ إلى اليوم. وعلى الرغم من وجود فترات من التضخم المصحوب بالركود ومعدل بطالة مرتفع، ظل الدولار الأميركي هو العملة الاحتياطية العالمية. مع أن الذهب الأميركي ذهب الآن، وما تبقى هو كومة من الديون المتراكمة.

إذاً، كيف تمكن الدولار بحق من الحفاظ على مكانته كعملة بارزة في العالم؟

سيقول أنصار نظام الدولار إن ذلك يعود إلى حجم وقوة الاقتصاد الأميركي المهيمن على الأسواق المالية. لكن هذا هراء. فالحقيقة هي أن وضع العملة الاحتياطية لا علاقة له بـ "حجم وقوة اقتصاد أميركا ما بعد الصناعي، والموجه نحو الخدمات بالفقاعات نحو العالم الثالث". كما أنه ليس له علاقة بالسلامة المزعومة لسندات الخزانة الأميركية التي تشكل بجانب الدولار أكبر خدعة في كل العصور، لتسيد الدولار عالمياً عبر حماية كارتلات البنوك المركزية، التي تدير الاحتكارات ملتزمة بتعليمات عصابة صغيرة، ينسقون ويتواطئون في السياسة النقدية من أجل الحفاظ على قبضتهم المهووسة على الأسواق المالية والاقتصاد العالمي.

إنها مافيا نقدية، عملها التلاعب الدؤوب في أسعار الفائدة كي يبقى الدولار في موقعه الرفيع غير المستحق.

لكن كل هذا على وشك التغيير بسبب سياسة بايدن الخارجية المتهورة، التي تجبر اللاعبين الأساسيين في الاقتصاد العالمي، على إنشاء نظام منافس خاص بهم. هذه مأساة حقيقية للغرب الذي تمتع بقرن من استخراج الثروات بلا توقف من العالم النامي. والآن، وبسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا، يظهر نظام جديد بالكامل، يتيح استبدال الدولار بالعملات الوطنية من خلال نظام تسوية مالية مستقل، في الصفقات التجارية الثنائية والمتعددة.

وفي وقت لاحق من هذا العام ستطلق روسيا بورصة العملات المدعومة بالسلع المتداولة والتي سيتم استخدامها من قبل الشركاء التجاريين في آسيا وأفريقيا.

أدت سرقة واشنطن لاحتياطيات روسيا من العملات الأجنبية في نيسان/أبريل إلى دفع العملية الحالية التي تسارعت بشكل أكبر بعد حظر دخول روسيا عن الأسواق الخارجية. باختصار، أدت العقوبات والمقاطعات الاقتصادية الأميركية إلى توسيع المنطقة غير الدولارية وفرضت إنشاء نظام نقدي جديد.

لعقود من الزمن استمرت الولايات المتحدة القيام بعملية احتيال تستبدل، من خلالها، عملتها بأشياء ذات قيمة حقيقية. مثل النفط والمواد الخام الاخرى، والآن قامت "فرقة بايدن" بإلغاء هذا النظام بالكامل وقسمت العالم إلى معسكرات متحاربة.

لقد بدأت الحرب على روسيا وبدأت النتائج الصادمة الأولية تتدفق بالفعل. فالروبل الروسي هو العملة الأفضل أداءً في العالم هذا العام، وقفزت 40 بالمئة مقابل الدولار منذ كانون الثاني/يناير هذا العام.

ويتوقع المحللون أن يصل الفائض التجاري لروسيا إلى مستويات قياسية في الأشهر المقبلة. يعتقد معهد التمويل الدولي أنه في عام 2022، يمكن أن يصل فائض الحساب الجاري، والذي يشمل التجارة وبعض التدفقات المالية، إلى 250 مليار دولار (15% من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي)، أي أكثر من ضعف الـ 120 مليار دولار المسجلة في عام 2021. كل ذلك "معززاً" بالعقوبات الغربية على روسيا.

الاتحاد الأوروبي يغرق في الركود، وخطوط الإمداد تعطلت بشدة، ونقص الغذاء آخذ في الظهور باضطراد، وأسعار الغاز والنفط في ذروتها. والعقوبات لم تفشل فحسب، بل أدت إلى نتائج عكسية بشكل مذهل.

وإذا ما استمرت واشنطن في التصعيد، إلى الدرجة التي تجعل روسيا تتمكن تحويل "العملية العسكرية الخاصة" فجأة إلى حرب، حينها ستطفأ الأنوار في جميع أنحاء أوروبا، وستبدأ المنازل في التجمد، وستظل المصانع صامتة، وستنزلق القارة إلى كساد طويل الأمد ومؤلِم.

هل يفكر أي شخص في واشنطن في هذه الأشياء أم أنهم جميعاً ثملون جداً لدرجة أنهم فقدوا الاتصال بالواقع تماماً؟