أولاً: المقدمة:
الأعمار بيد الله! ولكن كثر الحديث عن محمود عباس وصحته وما يعتريه من أمراض وما تعترضه من مشاكل صحيّة، حتى وصلت الأمور للزعم أنه قد توفي – أطال الله في عمره ـ وأن صلاحياته قد أسندت إلى بعض مساعديه، وأن حسين الشيخ المعيّن -دون استشارة أحد- أميناً لسرّ منظمة التحرير الفلسطينية، قد بدأ يزاول بعض مهامّه، ولمن أراد المتابعة والتتبع حول هذا الموضوع سيجد أن أكثر الجهات المعنية بعباس وصحته ومن يخلفه من بعده؛ هو “العدو الإسرائيلي”!
فصحفه ومواقعه تزخر بالمقالات والتحليلات التي تتناول هذا الموضوع، وما هي مآلات الأمور بعد غيابه – قصراً أو طوعاً؟ وما هي المخاطر والتهديدات التي ستنبني على هذا الغياب؟ وكيف يمكن أن تدار المرحلة التي ستليه؟ وما هي معالمها؟ ومن هم الورثاء والخلفاء؟ وأيّهم أفضل له – للعدوـ
وكيف يمكن تصوّر العلاقة مع هياكل السلطة وفتح والمنظمة بعد غياب أبي مازن؟ هذا طبعاً مفهوم ومتفهّم ومتوقّع، ولكن غير المفهوم وغير المتفهَّم أنه عندما يطرح هذا الأمر على بعض فصائل العمل الوطنيّ الفلسطينيّ – المقاوم منها والسياسي – تواجه بجواب من نوع: هذا أمرٌ داخليّ عند حركة التحرّر الفلسطيني (فتح) ولا يعنينا، وليس مناسباً الحديث عنه أو تداوله، وكأننا نناقش مصير رئيس بوركينا فاسو أو مملكة ليسوتو – مع احترامنا للدولتين وشعوبهما – في وسط جمهوريّة جنوب أفريقيا!! وكأن وفاة هذا الشخص لن تؤثر علينا وعلى قضيّتنا، كما أثرت علينا حياته ومسؤولياته وخياراته وقراراته!! وعندما نتحدث عن فلسطين وقضيتها (بتقوم القيامة) على أبو مازن وسلطته وحاشيته وما تركوه من آثار كارثية على مجمل مسار العمل الوطنيّ الفلسطيني، منذ أوسلو وحتى الآن.
الأمر الذي دفعنا إلى كتابة هذه الورقة التي ستتطرق كأرضية “تقدير موقف” للفرص والتهديدات الممكن تصوّرها بعد غياب هذا الرجل عن المشهد الفلسطينيّ، بصرف النّظر عن سبب الغياب أو التغييب، فكلّ طرق غيابه تؤدي إلى فرص كما (تخلق) تهديدات يجب البحث فيها وتحليلها من الآن، حتى لا نفاجأ حيث لا (يفيد العليق عند الغارة).
ولكننا سنتطرق قبل الخوض في تلك الفرص أو التهديدات إلى مجموعة الأسماء المطروحة لملء الفراغ الذي سيتركه أبو مازن، دون الخوض في تاريخ هذه الأسماء، وأيّها أفضل من الآخر؟ ومن يجب أن نؤيد ومن يجب أن نخاصم؟ على اعتبار أن كاتب هذه السطور يعتقد ـ ولا يلزم أحداً برأيه – أن مجمل الأسماء المطروحة؛ لا يمكن أن يشكّل عنصر قوة، أو جهة يمكن المراهنة عليها في مسار حربنا مع هذا المحتل! الأمر ـ عدم وجود بديل مناسب – يحمّل كامل فصائل العمل الفلسطينيّ المسؤولية عن الحال التي أوصلتنا إلى هذا الموقف المأزق!!
ثانياً: الخلفاء المفترضين:
1. روحي فتّوح: رئيس المجلس الوطني الفلسطيني المسؤول السابق الذي كان يستغل (حصانته) السياسيّة لتهريب الهواتف الخلوية!!
2. حسين الشيخ: أمين سرّ منظمة التحرير الفلسطينية، مسؤول التنسيق الأمنيّ والمدنيّ مع الاحتلال!!
3. (الفريق) جبريل الرجوب: أمين سرّ اللجنة المركزية لفتح مدير الأمن الوقائي الفلسطينيّ سابقاً وهو الجهاز الذي صنع على عين دايتون!!
4. محمود العالول: نائب رئيس حركة فتح، الفتحاوي العتيق، ابن الكتيبة الطلابية أو كتيبة الجرمق التي قاتلت ببسالة عن قلعة الشقيف وفي محاور عاليه حمانا أيام عزّ فتح، إنه الرجل الضعيف الذي أجمع عليه (كبار) فتح كنائب لعباس، لعدم قبول أيّ منهم بالآخر، فتوافقوا على الضعيف منهم.
5. ماجد فرج: رئيس المخابرات الفلسطينية مسؤول التنسيق الأمنيّ مع الجهات الأمنية الدوليّة، بدءاً من الأمريكية وليس انتهاءً بالصومالية، وما بينها من أجهزة ومديريّات تبحث عن مقاولين وأرباب خدمات!!
6. محمّد دحلان: رئيس التيار (الإصلاحيّ) في فتح.
هذه هي مجموعة الأسماء الممكن تصوّر أن لها دخل وحظ في خلافة أبي مازن؛ حتى ولو مرحلياً وفق (الأنظمة) الداخلية للمنظمة وفتح والسّلطة؛
- فالأول؛ يفترض به أن يتولى زمام المسؤوليّة الرسميّة المرحليّة إلى حين انتخاب بديل عن الغائب الراحل.
- الثاني؛ هو مرشح قويّ بما يملك من وضع قانونيّ – أمين سر اللجنة التنفيذية – وما يملكه من ملفاتٍ وعلاقاتٍ مع العدوّ الصهيونيّ وما قدمه ويقدّمه له من خدمات.
- الثالث؛ فهو مرشح طبيعيّ في هذا النادي؛ كيف لا وهو أمين سرّ اللجنة المركزية لفتح، صاحبة الطلقة الأولى والعمليّة الأولى، كما أن له عند الدخلاء في هذه اللأواء أيادٍ بيضاء.
- الرابع؛ نائب رئيس حركة فتح (أم) و (أب) الجميع وقد يرسو عليه (العطاء) إذا ما تعذر اللقاء على أحد هذه الأسماء، فضعفه يبقي كلَّ (ملك) على كرسيّه، وكلّ (ناطور) على (مزرعته).
- الخامس؛ فقد قدّم من الأسبات (جمع سبت) للجميع، ما يجعله يتوقع منهم أن يقدّموا له في الآحاد (جمع أحد) وأعطى باليمين لكلّ الراغبين، ما ينتظر عوضَه بالشّمال.
- السادس؛ فحدّث ولا حرج وهو الذي يشبه في تاريخه وال- (CV) الخاصة به وبما يملكه من خبرات وعلاقات ومنذ البداية وحتى الخروج؛ ما يملكه ماجد وجبريل!! هذه هي القائمة، وهذا هو ال (menu)، فهل فيه من فاتح للشهية؟ فتناقش مكوناته الداخلية!!
وعليه دعونا ندخل في أصل الموضوع ولبّ النقاش حول التهديدات والفرص المتوقعة والمتصورة في حال غياب الرّجل، دون أن نسهب في شرح هذه الفرص وتلك التهديدات، فلا طائل من شرح المشروحات ولا تبيين الواضحات، ثم سنتحدث عن التوصيات الممكن أن يوصى بها في مثل هذه المواقف.
رابعاً: التهديدات:
1. إعادة احتلال مناطق الضفة الغربية بشكل كامل.
2. زيادة وتيرة عمليات التنسيق الأمنيّ الرسميّ مع الكيان.
3. زيادة نشاط حركة العملاء والمصادر الأمنيّة السريّة المعادية في المناطق.
4. تحييد القيادات السياسية والنشطاء الميدانيين المؤثرين من كوادر ومنتسبي حركات المقاومة في الداخل.
5. تحييد القيادات العسكرية المؤثرة في العمل المقاوم ونشطائه الميدانيين.
6. النزاعات العشائريّة والعائليّة في مختلف المدن والقرى الفلسطينيّة على خلفيّات تأييد المرشحين والشخصيّات الاعتبارية.
خامساً: الفرص:
1. سيطرة المقاومة على قدرات عسكريّة من مختلف المصادر الداخليّة، الرسميّة منها وغير الرسميّة.
2. تحييد كبار العملاء الأمنيين للعدوّ الإسرائيليّ في مختلف مدن وقرى الضفة.
3. تحييد عملاء (رسميين) من المرتبطين بالعدو، مصلحيّاً أو وظيفيّاً.
4. فرض واقع أمنيّ مناسب لأمن وسلامة وعمل نشطاء المقاومة العسكرية في بعض الجغرافيات الفلسطينية.
5. فرض واقع سياسيّ مناسب تبرز فيه المقاومة كشريكٍ حقيقيّ في القرار الوطنيّ الفلسطينيّ في الضفّة الغربيّة وسائر فلسطين التاريخيّة.
6. خفض وتيرة التنسيق الأمنيّ ورفع أكلافه الوطنيّة، بما يريح ويساعد في وضع مسار لبناء قدرات المقاومة العسكريّة في مختلف المدن والقرى الفلسطينيّة.
7. رفع أكلاف الحركة (الاستيطانية) في مناطق الضفّة الغربيّة وتقطيع أوصالها ودفعها نحو الخروج نحو مناطق الثمانية والأربعين لإراحة المقاومة وحاضنتها الشعبية.
إنّ هذه الفرص والتهديدات؛ حتى تتحول إلى مجموعة من الخطط والإجراءات؛ بحاجة إلى قرار سياسيّ، وتحديد للأهداف والغايات، وغرف مغلقة، ورؤوس باردة، ونقاش جديّ، وتعارض وجهات نظر، ومشاركة في النقاش مع الحلفاء والأصدقاء، ووزنٍ وتقييمٍ على (قبان) الجدوى والأكلاف، ليُبنى على الشيء مقتضاه.
سادساً: التوصيات:
أما عن التوصيات؛ فجزء منها جاء في السطور المتقدمات، وباقيها من النوع الذي لا يتحدث عنه عبر المقالات والمنصّات. والعاقل من اتعظ بغيره واحتاط لمستقبله، وتوكّل بعد أن عَقَل.
*عبد الله أمين - خبير أمني واستراتيجي