• اخر تحديث : 2024-05-03 14:30
news-details
أبحاث

استراتيجية حركة النهضة بعد 25 يوليو 2021.. الخلفيات والرهانات


مقدمة

مثَّل حدث 25 يوليو منعطفاً في تاريخ تونس المعاصر في مرحلة ما بعد الربيع العربي، فقد وضع حداً لعشرية كاملة قادت فيها حركة النهضة منظومة الحكم وتحكمت في أهم مؤسساتها. وقد تتالت منذ ذلك التاريخ القرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية قيس سعيّد، وهي تصب في تقديرنا في اتجاه تفكيك تلك المنظومة، ولعل آخرها إعلان حل مجلس نواب الشعب في 30 مارس 2022 عقب انعقاد جلسة برلمانية صادق خلالها 116 نائباً على مشروع قانون يلغي التدابير الاستثنائية المتخذة منذ 25 يوليو 2021، وقد مثلت تلك الجلسة تهديداً لا لسلطة رئيس الجمهورية وإنما لوحدة الدولة واستقرار مؤسساتها، إذ إنها تفتح الباب لتصارع الشرعيات في البلاد.

ويبدو أن رئيس الجمهورية قيس سعيد في سياق هذه التطورات هو الفاعل السياسي الأهم، ويتحكم إلى الآن في زمام المبادرة بحكم إمساكه بأهم مفاصل السلطة من جهة، وارتفاع أسهم شعبيته من جهة ثانية. ولئن بدت معالم المسار السياسي تتضح، خصوصاً بعد إعلان خريطة الطريق في 13 ديسمبر 2021، فإن تدهور الأوضاع الاقتصادية والمالية ينذر بدخول البلاد في أزمة خانقةقد تلقي بظلالها الكثيفة على استقرار الأحوال الاجتماعية، وقد تسهم في تعثر المسار السياسي.

لقد شكلت هذه الظروف بالنسبة إلى حركة النهضة سياقاً مليئاً بالضغوط والإكراهات، بحكم عزلتها السياسية والاجتماعية وانتقالها من موقع الفعل إلى موقع رد الفعل؛ ما يضيّق من هامش تحركاتها ويقلص من قدرتها على التأثير في سيرورة الأحداث. ولقد أدركت هذه الحركة أنها تواجه تحديات سياسية وقضائية واجتماعية تضعها أمام رهانات ثلاثة:

الأول رهان وجودي يتمثل في المحافظة على شرعية وجودها من الناحية القانونية المهدَّدة من خلال فتح ملفات قضائية ذات علاقة بقضايا الجهاز السري والتسفير إلى بؤر التوتر والاغتيالات والتمويلات الأجنبية، وهي الملفات التي أثارتها بالخصوص لجنة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي. والثاني رهان استعادة موقعها في الساحة السياسية من خلال استئناف علاقاتها مع مختلف الأطراف الحزبية والمدنية. والثالث رهان استعادة شعبية مفقودة تراجعت تراجعاً لافتاً؛ بفعل الفشل في تجربة الحكم وانكشاف وهم شعاراتها الأيديولوجية.

وفي ظل هذه الظرفية انتهجت الحركة الإسلاموية استراتيجية مستمدة من رصيد خبرتها في التعامل مع مثل هذه الوضعيات تاريخياً من جهة، إضافة إلى تحيُّنها الفرصة في كل مرة للاستفادة من عامل الزمن ومن استمرار تدهور الوضعين الاقتصادي والاجتماعي من جهة أخرى. وقد قامت تلك الاستراتيجية على جملة من الثنائيات، وترصد العناصر التالية أبرزها:

ثنائية الاعتراف والإنكار

 تأرجحت خطابات حركة النهضة تفاعلاً مع الاحتجاجات الشعبية التي رافقت حدث 25 يوليو والأسباب الكامنة وراءها بين الاعتراف بشرعية تلك الاحتجاجات نتيجة تراكم فشل الحكومات المتعاقبة منذ عام 2011 في الاستجابة للمطالب الاقتصادية والتنموية لمختلف الفئات الاجتماعية ولاسيما الشبابية منها، وبين إنكار مسؤوليتها عما آل إليه وضع الدولة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً بسبب منظومة حكم تحكَّمت الحركة في أهم مفاصلها.

وبين الاعتراف والإنكار اشتغل الخطاب النهضاوي على التهوين من مسؤولية الحركة السياسية من خلال توزيع المسؤولية على بقية من شاركوها الحكم في العشرية الماضية، وهي فكرة وإن كانت سليمة في الظاهر فإنها تخفي في الباطن سعياً إلى التنصل من حقيقة أن حركة النهضة هي التي وضعت نظاماً سياسياً يمكِّنها من التحكم في السلطة دون أن تكون وحدها في الحكم. والنتيجة من كل ذلك أنها اعتبرت أنه لم يكن هناك موجِب للإجراءات التي اتخذها رئيس الجمهورية في 25 يوليو 2021، وأن تلك الإجراءات لا تمثل الحل للاستجابة لمطالب المحتجين.

ويكشف الخطاب النهضاوي في مراوحته بين الاعتراف والإنكار عن خاصية من خصائص الأيديولوجية الإسلاموية، وهي عدم الإقرار بالفشل لا تهرباً من المسؤولية فقط، وإنما لأن الإسلاموي يعتبر أنه يَصدُر عن حقيقة دينية متعالية ومطلقة، وأنه بصدد أداء مهمة خلاصية، وهو ما يجعله في حالة إنكار دائمة لفشل المشروع؛ ولذلك نزعت حركة النهضة إما إلى تقاسم المسؤولية مع من تشاركوا معها في الحكم، أو إلى الإلقاء باللائمة على الظروف وعلى الآخرين الذين وضعوا العراقيل أمامها. وهي في كل الأحوال تتهرب من تحمل المسؤولية منفردة؛ خوفاً من أن ينجرّ عن ذلك الدعوة إلى الإقرار بفشل المشروع ذاته، وما قد يقتضيه ذلك من مراجعات عميقة له قد تفضي إلى الخروج من الإسلاموية ذاتها، ويبدو أن القيادة الحالية لحركة النهضة غير مستعدة، أو ربما غير قادرة على أن تخلص إلى هذا الحل.

ثنائية الكُمُون والظهور

 منذ 25 يوليو وطيلة الأشهر الثمانية المنقضية التزمت ردة الفعل النهضاوية خطاباً وحركة يتسمان بالمراوحة بين الكمون حيناً والظهور حيناً آخر، إذ تعمد حركة النهضة في بعض الفترات إلى التخفي، فتقل تصريحات قياداتها وتتراجع وتيرة تحركاتها الميدانية وتغيب لفترة عن إصدار أيِّ بيان أو القيام بأي تحرك، فتبدو كأنها في لحظة انزواء، كمن يختلي بنفسه لمراجعة حساباته، ولكنها في الحقيقة ليست سوى لحظة للتأمل في مجريات الأحداث ومراقبة تطوراتها وتحَيُّن ما قد يطرأ من أخطاء في حلّ الأزمة الاقتصادية والمالية، وهي بذلك تترصد الفرصة المناسبة للظهور.

 تعمل حركة النهضة، من خلال ثنائية الكمون والظهور، على اللعب على الذاكرة الجماعية للمجتمع من منطلق أنها تتصور أنه كلما ابتعدنا في الزمن ومع تفاقم الأزمة وانشغال الناس بهمومهم العاجلة يطوي النسيان مسؤوليتها فيما آلت إليه الأوضاع من تردٍّ بعد تجربتها في الحكم، وهي لا تكتفي بالتملص من ذلك بل تحاول من خلال قدرتها على الدعاية بناء سردية تلقي بالأزمة على كاهل السلطة الجديدة وتقدم صك براءتها متوهمة أن ذاكرة المجتمع قصيرة، ومُعوِّلة على الاستفادة من تعثر الحكومة في مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية ومن بطء مسار الإصلاحات السياسية والدستورية، بل هي تذهب إلى حد التصعيد أحياناً على غرار تصريح راشد الغنوشي بأن “البرلمان سيعود.. أحبَّ مَن أحبَّ وكره مَن كره” كما تقوم ببعض المناورات على غرار عقد جلسات للبرلمان افتراضية، بواسطة التطبيقات الإلكترونية، بهدف تسليط الضغط على رئاسة الجمهورية وتصوير الأمر للقوى الخارجية على أنه تنازع شرعيات في البلاد. وتعدّ ثنائية الكمون والظهور لعبة الحركة الإسلاموية المفضلة؛ لتستنجد بها في كل مرة لاقتناص الفرص الملائمة لتحقيق منافع سياسية. ولعل أبرز مثال على ذلك ما حدث في 2011، إذ اختفت حركة النهضة طيلة فترة الاحتجاجات الشعبية على نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، ولم تشارك قواعدها وقياداتها في أحداثها، ولم تظهر في الصورة إلا بعد سقوط النظام في 14 يناير 2011، لتقدّم نفسها بديلاً له.

ثنائية المظلومية والقوة

يمثل اللجوء إلى مفهوم المظلومية أو الابتلاء ثابتاً من ثوابت الجماعات الإسلاموية الإخوانية، ومن العلامات البارزة في خطاباتها عبر تاريخها، وهو مرتبط بتصورها لمفهوم التمكين “القوة”؛ فالابتلاء أمر لا مناص منه من أجل تمحيص المؤمنين الصابرين، وهو الطريق لكي يصلب عود الجماعة وتقوى شكيمتها من أجل أن تحمل الأمانة وتؤتمن على الدعوة وتنهض بتكاليفها؛ ففي كل مرة تمر الجماعة بأزمة يكون لعب دور الضحية من أهم وسائلها في مواجهة تلك الأزمة.

ولم تشذ حركة النهضة عن هذه القاعدة الإخوانية الراسخة، فروجت بداية إلى أن ما حدث يوم 25 يوليو هو “انقلاب على الديمقراطية وعلى الشرعية الدستورية” وأن قرارات الرئيس وإجراءاته تمهد الطريق “للاستبداد والتسلط”؛ أي أنها حصرت المشهد في صراع قوتين سياسيتين آلت نتيجته لصالح الرئيس متغافلة عن دور الاحتجاجات الاجتماعية ضدها، في عملية إنكار لتراجع مكانتها في المجتمع وفقدان شعبيتها، فصورت نفسها بذلك في صورة الضحية التي سُلب منها الحكم ظلماً وعدواناً. ولاحقاً وعلى أثر القرار الذي اتخذه وزير الداخلية في 30 ديسمبر 2021 بإيقاف نور الدين البحيري رهن الإقامة الجبرية والظروف التي أحاطت بهذا الأمر، وخصوصاً بعد دخول البحيري في إضراب جوع داخل المستشفى في مقابل التأخر في إحالة ملفه إلى القضاء للبت في إجراءات محاسبته، لم تفوِّت حركة النهضة الفرصة فاستغلت هذا الوضع لتسويق خطاب يحقق صورة الضحية الضعيفة التي لا حول لها ولا قوة في مواجهة ظلم قوة غاشمة تنتهك حقوقها وتعتدي عليها دون وجه حق قانوني، وهو ما يؤكد حسب روايتها ميل السلطة الجديدة إلى ممارسة الاستبداد والتسلط، واكتمل مشهد خطاب الضحية بقرار رفع الإقامة الجبرية عن البحيري في 7 مارس 2022 فاعتبرته شهادة تثبت براءتها من كل التهم التي تلاحقها.

وتعتقد الحركة الإسلاموية أن خطاب المظلومية والضحية يحقق لها عدة فوائد، ولاسيما من جهة تمتين الوحدة الداخلية للتنظيم ورص الصفوف لمواجهة الأزمة/ الابتلاء، فضلاً عن أن لعب دور الضحية يجعلها في موقع الضعيف الذي يحتاج إلى العون والإغاثة، وهو ما يمثل وسيلة من وسائل الضغط لاستمالة الآخرين، سواء من الأطراف الداخلية التي تتجنب منذ 25 يوليو التعامل معها، أو من الأطراف الخارجية لتحريضها على التدخل في الشأن الداخلي التونسي على الأقل تحت غطاء المطلب الحقوقي والإنساني.

وفي مقابل الاستنجاد بخطاب المظلومية، تسعى حركة النهضة إلى أن تروج لصورتها المتماسكة داخلياً والمحافظة على مكانتها ووزنها سياسياً واجتماعياً، وخصوصاً بعد موجة الاستقالات في سبتمبر 2021 على خلفية الخلافات الداخلية في مسألة تأجيل المؤتمر الحادي عشر للحركة والصراع على خلافة راشد الغنوشي في الرئاسة. فمنذ ذلك التاريخ لم تعد هذه المسائل مطروحة في النقاشات العلنية بين قيادات الحركة وخفّت حدة الانتقادات الموجهة إلى الغنوشي، وانصبت الجهود على ترتيب أوضاع الجبهة الداخلية في مواجهة تحديات الأزمة الحالية.

ثنائية الخارج والداخل

 تبرز هذه الثنائية باعتبارها تحدد وجهة الخطاب النهضاوي وتضبط اتجاه التحركات التي يقوم بها قادة الحركة. فمن الناحية الداخلية عملت حركة النهضة على أن تتدارك حالة العزلة السياسية والاجتماعية التي وجدت نفسها فيها بعد 25 يوليو، فقد انقطع التواصل بينها وبين أبرز مكونات الساحة السياسية، سواء من الأحزاب أو من المنظمات الوطنية مثل الاتحاد العام التونسي للشغل، رغم دعواتها المتكررة ومحاولاتها التقرب منها عبر الدعوة إلى الحوار والعمل التشاركي، ولم تعد قادرة على حشد الجمهور في تجمعات عامة، فالتجأت إلى أن تتوارى وراء ستار بعض التحركات التي تقودها عناصر غير نهضاوية مناوئة لسياسة رئيس الجمهورية على غرار “حراك مواطنون ضد الانقلاب”، وهو تشكيل يتبنى خطابها في مواجهة تدابير رئيس الجمهورية الاستثنائية؛ مثل مقولة الانقلاب، ومقولة عودة الاستبداد… إلخ، وقد اندس بعض العناصر النهضاوية في مثل هذه التشكيلات، وهو ما مكنهم من التحرك في الشارع تحت غطائها، ومن اختراق بعض مكونات الساحة السياسية، وإن على نحو هامشي، في الوقت الذي ما تزال فيه أهم الأحزاب والمنظمات رافضة التواصل معهم.

أما الوجهة الخارجية فقد احتلت الحيز الأكبر من تحركات الحركة الإسلاموية، وقد اتجهت بالأساس صوب القوى الغربية عموماً والولايات المتحدة الأمريكية خصوصاً، ولعلها تستند في ذلك، إضافة إلى ما نسجته من شبكة علاقات بمراكز النفوذ والضغط داخل هذه الدول، إلى تبرير فقهي يُجِيز الاستعانة عند الحاجة والضرورة بغير المسلم.

وقد اتخذت التحركات النهضاوية باتجاه هذه القوى الخارجية عدة أشكال؛ من ذلك دعوة أحد أعضائها السابقين (قبل أن يعلن استقالته في وقت لاحق) السلطات الأمريكية إلى إعادة النظر في المساعدات التي تقدمها لتونس، ومنها إبرام عقد مع مجموعات الضغط (اللوبي) بتاريخ 29 يوليو 2021، ويدخل في إطار هذا العقد مقال نشره راشد الغنوشي في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية للترويج لوجهة نظر حركة النهضة فيما تطلق عليه “الانقلاب في تونس” وتعزيز موقفها السياسي وتلميع صورتها في المجتمع الدولي وتحريضه لاتخاذ خطوات لدعم موقفها في الداخل، ومنها كذلك الاتصال ببعض أعضاء الكونغرس الأمريكي وحشد الرأي العام الدولي؛ لتسليط الضغوط على رئيس الجمهورية قيس سعيّد سواء بخلفية سياسية للتراجع عن التدابير الاستثنائية أو بخلفية حقوقية بالسعي إلى تقديم صورة قاتمة عن وضع الحريات والديمقراطية في تونس. وتظهر هذه التحركات النهضاوية وكأنها تندرج في إطار محاولة الاستقواء بالقوى الخارجية لحل أزمة داخلية تونسية.

ولم تستطع حركة النهضة حتى الآن أن تحقق مكاسب ذات شأن يمكن أن تحدث تغييراً ملحوظاً في موازين القوى، سواء على الصعيد الداخلي من خلال قيادة المظاهرات الاحتجاجية واستعادة نسق العلاقات مع الأطراف الوازنة سياسياً واجتماعياً ونقابياً، أو على الصعيد الخارجي بتشكيل موقف دولي ضاغط على رئاسة الجمهورية يقضي بالتراجع عن الإجراءات المتخذة ويدعو إلى إعادة البرلمان المنبثق عن انتخابات 2019 والمجمَّدة اختصاصاته، وإيقاف عملية الإصلاحات السياسية والدستورية أو التخلي عن دعم تونس اقتصادياً ومادياً.

الخاتمة

تعددت الخطط التي قامت عليها استراتيجية حركة النهضة لكي تتفاعل مع تطورات الأحداث في تونس وتستجيب للتحديات المطروحة عليها، في مستوى الخطاب والممارسة وفي اتجاهها نحو الداخل حيناً والخارج أحياناً كثيرة. وهي تندرج في إطار تحقيق جملة من الأهداف والرهانات الاستراتيجية، وهي:

- المحافظة على وحدة جبهتها الداخلية والحد من نزيف الاستقالات والانتقادات لقياداتها، مستعينة بتجارب الماضي وأدبيات المظلومية والتضحية والابتلاء، غير أنها لم تتمكن من استعادة القيادات المستقيلة ذات الوزن داخل التنظيم سابقاً من أمثال عبداللطيف المكي وعبدالحميد الجلاصي وسمير ديلو.

- استئناف علاقاتها السابقة في الساحة السياسية والاجتماعية والنقابية من خلال اللقاءات والمشاورات وتنسيق المواقف. ولم تستطع حتى الآن، برغم مساعيها من خلال البيانات والخطابات، أن تحقق اختراقاً في هذا المستوى، وما زالت تعيش العزلة وتتجنب الأطراف الوازنة التعامل معها.

- تحريض فئات واسعة من المجتمع على معارضة إجراءات الرئيس قيس سعيّد، وتجييش الشارع للاحتجاج على سياسته، في مسعى لاستعادة شعبيتها المتراجعة، وبرغم تخفيها وراء تشكيلات من قبيل “حراك مواطنون ضد الانقلاب” فلا يبدو أن الدعاية النهضاوية قد وجدت لها صدى لدى أطياف واسعة من المجتمع إلى الآن برغم ما تشهده الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية من صعوبات. ويبدو أن خطة حركة النهضة تعمل على تأبيد الأزمة السياسية واستمرار حالة عدم الاستقرار في الصُّعُد كافة التي تعيشها تونس منذ أكثر من عشر سنوات؛ لأنها تشكل بالنسبة إليها الحالة “المثالية” التي تمكّنها من المحافظة على وجودها ومكانتها ودورها، بصرف النظر عن انعكاساتها الوخيمة على الدولة والمجتمع، وهو ما يبرهن مرة أخرى على أن ما يحكم حركة النهضة هو منطق الجماعة الإسلاموية الإخوانية وحسابات مصالحها وارتباطاتها الإقليمية والدولية، لا منطق الدولة الوطنية.

- المحافظة على صورتها في الخارج والعمل على الاستعانة بالقوى الأجنبية للتأثير في توجهات رئيس الجمهورية، من خلال تصوير الأمر على أنه صراع بين الاستبداد والديمقراطية أو بين الانقلاب والشرعية، ولم تستطع حركة النهضة تحقيق ما ترجوه من نتائج في هذا المضمار، ويبدو أن تونس تسير في اتجاه خريطة الطريق السياسية التي رسمها الرئيس قيس سعيّد برغم ما قد يحيط بها من صعوبات، من أخطرها تأزم الوضع الاقتصادي.

- لعل أخطر رهان تعمل حركة النهضة على أن تكسبه من خلال كل الخطط التي وضعتها هو المحافظة على تواجدها في الساحة السياسية، باعتبارها حزباً معترَفاً بشرعيته، ولاسيما في مواجهة الملفات القضائية التي تلاحقها، وهي تحاول أن تستغل كل ثغرة ممكنة لتتفادى هذا المصير.

وفي المحصلة، من الواضح أن الضغوطات تحيط بحركة النهضة منذ 25 يوليو، ومما زاد من تعقيد وضعها أنها افتقدت حلفاء ذوي شأن وتأثير في الداخل والخارج كان يمكن أن تعول عليهم لفك عزلتها. وتدرك الحركة الإسلاموية أن نجاح الحكومة في تجاوز الأزمة الاقتصادية واستعادة حالة الاستقرار في الدولة والمجتمع قد يزيد من تهميش موقعها ودورها في الساحة السياسية ويعمق حالة التراجع التي تمر بها. كما أن فتح ملف محاسبتها قضائياً محاسبة قانونية شفافة على جملة التهم الموجهة إليها قد يمثل منعرجاً وجودياً خطيراً على مستقبلها تنظيمياً، بالإضافة إلى فشل مشروعها أيديولوجياً.