• اخر تحديث : 2024-11-22 10:05
news-details
تقدير موقف

أهداف زيارة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو إلى إيران


أجرى الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، زيارة إلى العاصمة الإيرانية، طهران، في 10 يونيو، على رأس وفد اقتصادي وسياسي رفيع المستوى، وجرى استقباله من جانب نظيره الإيراني، إبراهيم رئيسي، في قصر سعد آباد بطهران، كما التقى المرشد الأعلى في إيران، السيد علي خامنئي.

وتُعد هذه الزيارة هي الثانية لمادورو إلى إيران بعد زيارته الأولى، والتي كانت في نوفمبر 2015، كما إنها الزيارة الأولى له إلى طهران منذ تولي رئيسي الحكم. وتمثل تلك الزيارة المحطة الثالثة لمادورو إلى الشرق الأوسط، والتي بدأها بتركيا والجزائر، ثم إيران والكويت واختتمها بقطر.

أهداف إيرانية:

تكتسب الزيارة أهميتها من التوقيت الذي جرت فيه، حيث أتت في ظل تصاعد الضغوط الأمريكية على كلا الدولتين، وتتمثل الأهداف التي يمكن لإيران تحقيقها جراء تلك الزيارة في التالي:

1. مواجهة الضغوط الغربية: تسعى طهران وكراكاس إلى تعزيز التعاون بينهما في مواجهة الضغوط والعقوبات المفروضة عليهما من جانب الغرب. وأشار الرئيس الإيراني خلال لقائه نظيره الفنزويلي إلى أن البلدين يتشاركان في تعرضهما للعقوبات الاقتصادية. ولذلك وقع الجانبان "وثيقة للتعاون الاستراتيجي الشامل" لمدة 20 عاماً، والتي تركز على التعاون بينهما في العديد من المناحي الاقتصادية والسياسية والدفاعية.

وتسعى إيران من توقيعها على هذا الاتفاق مع الجانب الفنزويلي إلى إيصال رسائل لواشنطن والغرب، أنها غير عابئة بالمفاوضات المتعثرة في فيينا، خاصة بعد إصدار الوكالة الدولية للطاقة الذرية قراراً بإدانة انتهاكات إيران النووية. كما يتماهى توقيع الاتفاق مع النهج الذي تتبعه إيران في تأكيد علاقاتها مع الدول الصديقة والحليفة لها، حيث وقعت اتفاق تعاون استراتيجي مع الصين لمدة 25 عاماً، وتتطلع إلى توقيع اتفاق مشابه مع كل من روسيا وتركمانستان لمدة 20 عاماً، وغيرها من الاتفاقات الثنائية مع الهند وطاجيسكيتان وعُمان وقطر وغيرهم.

2. تعزيز التعاون النفطي: يمثل ملف النفط أحد مجالات التعاون الأبرز بين إيران وفنزويلا. وضاعف من أهمية هذا الملف الظروف الخاصة بمحاولة حظر الإمدادات الروسية على خلفية الحرب الأوكرانية، وتسعى إيران لاستغلال الحرب في تعظيم فرص تصديرها للنفط إلى الأسواق الدولية.

وتقوم طهران بتصدير المنتجات النفطية إلى فنزويلا، لاسيما من الوقود النهائي، بالإضافة إلى المكثفات اللازمة لتخفيف النفط الفنزويلي الثقيل، وكذلك المعدات الهندسية وقطع الغيار المستغلة في ذلك ما يعانيه القطاع النفطي في فنزويلا من مشكلات عدّة، على أثر العقوبات الأمريكية المفروضة عليه.

وأجرى وزير النفط الإيراني، جواد أوجي، زيارة أواخر أبريل 2022 إلى كاراكاس، التقى خلالها مادورو وكبار المسؤولين الفنزويليين، لبحث التعاون في مجال النفط والغاز والبتروكيماويات بين البلدين، وهي الزيارة التي تمخض عنها توقيع اتفاق بين الجانبين يقضي بإصلاح مصفاة نفط بقيمة حوالي 110 ملايين

يورو تبلغ سعتها التخزينية 146 ألف برميل يومياً، فضلاً عن بحث شركات حكومية إيرانية تجديد مصفاة باراجوانا، وهي أكبر مصفاة تكرير نفط في فنزويلا، تبلغ طاقتها الإنتاجية 955 ألف برميل يومياً.

كما شهد رئيسي ومادورو مراسم إبحار ثاني ناقلة نفط إيرنية الصنع من طراز "أفراماكس" إلى فنزويلا بناء على اتفاق مع شركة "صدارة" الإيرانية، وهي الشركة الخاضعة لعقوبات أمريكية بسبب صلاتها بالحرس الثوري الإيراني. ويزداد اهتمام إيران بتعزيز التعاون النفطي مع فنزويلا في الوقت الذي شهدت فيه الصادرات النفطية الإيرانية إلى كبار الزبائن الآسيويين انخفاضاً ملحوظاً، وعلى رأسهم الصين، خاصة بعد توسع روسيا في تصدير النفط إلى تلك الأسواق، لتحل محل النفط الإيراني.

3. محاولة تحييد العقوبات الأمريكية: ترى إيران وفنزويلا أن تعاونهما قد يخفف من وطأة العقوبات الأمريكية المفروضة عليهما. وأشار رئيسي خلال لقائه وزير الخارجية الفنزويلي، في أكتوبر 2021، إلى أولوية طهران في توطيد علاقات التعاون مع الدول النامية، لاسيما تلك التي وصفها بـ"المناهضة للأمبريالية الغربية".

وإلى جانب توقيع اتفاق التعاون الاستراتيجي لمدة 20 عاماً، شهدت الزيارة توقيع عدد من وثائق التعاون في مجالات مختلفة تشمل التبادل التجاري والسياحة والزراعة والثقافة وغيرها، حيث تم الاتفاق على تسيير رحلة طيران أسبوعية بين طهران وكاراكاس ستبدأ في 18 يوليو 2022، وذلك لتنشيط حركة التجارة والسياحة بين البلدين.

وأشارت بعض التقارير إلى أن كاراكاس قد دفعت مقابل شحنات الوقود التي يتم إرسالها والمعدات الهندسية كميات من الذهب تقارب الـ500 مليون دولار.

هذا إلى جانب ما أشارت إليه بعض التقارير من احتمالية وجود تعاون بين إيران وفنزويلا في المجال الدفاعي، حيث تمت الإشارة إلى تزويد طهران كاراكاس بشحنة من الصواريخ والقنابل والمدافع والرادارات، في أكتوبر الماضي، وفي حال صحة تلك المزاعم، فإن ذلك يندرج تحت محاولات إيران لتعزيز نفوذها العسكري في أمريكا الجنوبية، ومحاولة التمدد من مناطق نفوذ الولايات المتحدة.

عقبات أمام التعاون:

على الرغم من الاحتفاء الإيراني بالزيارة التي أجراها مادورو إلى طهران، فإن ثمة عقبات تقف أمام التعاون بين الجانبين، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:

1. استمرار العقوبات الغربية: تستمر واشنطن في التصعيد ضد إيران، حيث أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، في 17 يونيو، توقيع عقوبات على شبكة من الشركات الإيرانية والمتعاملين معها، والتي تعمل في مجال تصدير النفط والبتروكيماويات، وتزامنت تلك العقوبات مع توارد الأنباء عن عزم الإدارة الأمريكية تكثيف العقوبات على إيران، كجزء من الخطة "ب" التي يجرى الحديث عن تبنيها في ظل تضاؤل فرص نجاح مسار فيينا للمفاوضات، وهو الأمر الذي يحد من التعاون بين إيران وفنزويلا، خاصة إذا ما استمرت إسرائيل في توجيه ضربات مؤثرة لمؤسسات الصناعات العسكرية الإيرانية.

2. التقارب الأمريكي – الفنزويلي المُحتمل: يُشكل احتمال التقارب بين واشنطن وكاراكاس تهديداً للتعاون بين إيران وفنزويلا، إذ عقد اجتماع بين مادورو ومسؤولين أمريكيين في العاصمة الفنزويلية في مارس 2022، وجرى الحديث حول احتمالية رفع عقوبات مفروضة على إمدادات النفط الفنزويلية، في محاولة لتعويض النقص الذي تسبب فيه الحظر المفروض على روسيا.

وأطلقت كاراكاس سراح اثنيْن من المواطنين الأمريكيين فيما بعد، كما منحت واشنطن استثناءً محدوداً لمجموعة شيفرون النفطية الأمريكية بشأن نشاطاتها المُستقبلية في فنزويلا، في مسعى من جانبها لتشجيع معاودة الحوار بين الرئيس نيكولاس مادورو وزعيم المعارضة خوان جوايديو.

وفي حال جرى عقد اتفاق بشأن ضخ النفط الفنزويلي في الأسواق بالتوازي مع استئناف الحوار السياسي بين مادورو وجوايدو، فإن ذلك سوف يعزز من فرص التقارب بين واشنطن وكاركاس، وهو ما يُعد خصماً للتعاون بين الأخيرة وطهران، وإن كان من الواضح أن هناك عقبات غير هينة تقف في طريق عقد مثل هذه الصفقة.

3. التحركات الإسرائيلية المضادة: تكثف تل أبيب من تصعيدها تجاه إيران، من خلال استهدافها محاولات طهران تعزيز نفوذها العسكري في سوريا، بجانب شن العمليات التخريبية المتكررة في الداخل الإيرانية لإضعاف القدرات الإيرانية في توجيه التهديدات لها، ويجري ذلك بضوء أخضر أمريكي.

وتتحسب إسرائيل للتحركات الإيرانية في أمريكا اللاتينية، في ضوء الخشية من أن تقوم طهران باستهداف إسرائيليين موجودين بالقارة، وقد اتهمت تل أبيب شركتي الطيران الإيرانيتيْن "ماهان إير" و"فارس إير قشم"، بالتورط في نقل الأسلحة والأشخاص والمعدات لصالح "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني إلى دول أمريكا الجنوبية.

وأشادت إسرائيل باحتجاز الأرجنتين لطائرة مملوكة لشركة "ماهان إير" في يونيو 2022، ومؤجرة لشركة الطيران الفنزويلية "كونفياسا"، والخاضعتين لعقوبات أمريكية، واعتقال 5 إيرانيين على متنها بتهم الاشتباه بانتمائهم لفيلق القدس.

وتخشى إسرائيل من قيام إيران باستهداف رعاياها في دول أمريكا اللاتينية على غرار حادث تفجير المركز اليهودي في بوينس آيرس والذي خلف 85 قتيلاً ومئات المصابين في 1994، خاصة مطالبة تل أبيب جميع الإسرائيليين المقيمين في تركيا لمغادرتها فوراً في يونيو الجاري، في أعقاب حديث عن محاولة إيرانية لاختطاف بعضهم، أو تنفيذ عمليات إرهابية ضدهم.

وفي الأخير يمكن القول إن إيران سوف تَعمد إلى توطيد علاقاتها مع فنزويلا، في ظل ما تتعرض له من ضغوط متزايدة من قبل واشنطن والغرب، إلى جانب التصعيد الإسرائيلي ضدها، سواء أكان ذلك في داخل إيران أو في خارجها، إلا أن التعاون الإيراني – الفنزويلي يواجه بتحديات أبرزها استمرار العقوبات المفروضة على الجانبين، فضلاً عن إمكانية توقيع أحدهما اتفاقاً مع وواشنطن لتسوية خلافاتهما البينية، مما قد يضعف بالتبعية من هذا التعاون، وإن كان فرصت مثل هذا الاتفاق لاتزال صعبة بالنسبة للدولتين.