مرةً جديدةً تقفز قضية عودة النازحين السوريين المنتشرين في لبنان الى ديارهم الى الواجهة، ولكن على ما يبدو هذه المرة جاء طرح حل هذه القضية وفقًا لقاعدة العبارة الآتية: "لي شبكنا يخلصنا". بعد إعلان رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي عزمه على إنهاء أزمة النزوح.
ومعلوم أنه سبق إعلان الحرب على سورية في منتصف آذار 2011، إستقالة حكومة الرئيس سعد الحريري دستوريًا في كانون الثاني من العام المذكور، ثم تكليف ميقاتي تشكيل حكومة جديدة، عقب إستقالة الحكومة الحريرية في عهد الرئيس ميشال سليمان.
ومع إشتداد ضراوة الحرب الكونية على الجارة الأقرب، إنتقل الى لبنان مئات آلاف النازحين السوريين، بعضهم هروبًا من الحرب، وبعضهم الآخر طمعًا بالإغراءت المالية والمساعدات التي كانت ولاتزال تقدمها الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية "المجتمع المدني"، المدعومة من الغرب.
ناهيك بمساعدات دول الخليج التي عزفت على وتر الفتن المذهبية، في محاولاتٍ لتأليب الشعب السوري على دولته، فلم تحقق تلك المحاولات إلا إراقة الدم، وتمزيق النسيج الإجتماعي السوري، والدمار، وتهجير السوريين من بلادهم ليس إلا، ولم تسقط الدولة السورية، رغم ضراوة الحرب عليها، التي إستخدم فيها مئات المليارات من مال (البترو دولار)، والإرهاب في أبشع صوره، والتحريض المذهبي، والإعلام المضلل...
وها هو الجيش السوري إستعاد السيطرة على غالبية أراضي بلاده من المجموعات الإرهابية المسلحة، ويستعيد تدريجيًا ما تبقى منها، إن من خلال مصالحات، أم من خلال تطهيرها من الإرهاب.
هنا، يطرح السؤال، مادامت غالبية أراضي "الجارة" صارت في كنف الدولة السورية، إذًا لماذا لا تبدأ عملية عودة النازحين من لبنان الى بلادهم؟ على الاقل لغير المطلوبين منهم الى خدمة العلم، أو من لم يكن في حقه مذكرةٍ قضائية، أو مراجعة أمنية، لغاية أن يصار الى حل هذه المسائل العالقة.
وفي هذا السياق، كان لافتًا الموقف "المتقدم" لميقاتي، قبل وبعد تكليفه تشكيل الحكومة المرتقبة، فقد أكد حرفيًا “ أننا لا نستطيع الانتظار حتى انتهاء الأزمة في سورية لإعادة اللاجئين، وقرارات العفو الصادرة في سورية تساعد على عودة اللاجئين السوريين لديارهم، ونحن نعيش أزمة في لبنان ومضطرون لاتخاذ إجراءات بخصوص اللاجئين السوريين”.
هذا التطور في موقف رئيس حكومة تصريف الأعمال، يدفع الى السؤال عن سر توقيته والهدف الحقيقي المراد من طرحه راهنًا، بعدما فتحت حكومة ميقاتي الحدود أمام النازحين خلال وجودها في السلطة ما بين العامين 2011 و2013، من دون أي ضوابط ولا تنظيم، على عكس ما فعلت كل من الأردن وتركيا، اللتين أقامتا مخيمات للنازحين السوريين على أراضيهما في مناطق محاذية لسورية.
كذلك نفضت حكومة ميقاتي يدها من تفاهم مع الحكومة السورية لجدولة إعادة النازحين، بدأت بنسجه الأمانة العامة للمجلس الأعلى اللبناني- السوري، وعلى رأسها أمينها العام نصري خوري في العام 2013. ويفضي التفاهم المذكور الى تسمية لجنة لبنانية- سورية للبدء بجدولة إعادة النازحين، فبادرت دمشق الى تسمية أعضاء اللجنة، غير أن حكومة ميقاتي تنصلت في حينه من هذا التفاهم، ولم تحذو حذو الحكومة السورية، بذريعة ممارسة ضغوط خارجية على الحكومة الميقاتية في "العهد السليماني".
فهل يكون تكليف الأمانة العامة المجلس اللبناني- السوري، هو الطرح الأمثل لتحقيق العودة المرتجاة؟ خصوصًا أنه منبثق عن معاهدة بين الدولتين اللبنانية والسورية، مسجلة في الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية. أضف الى ذلك، هناك عامل مساعد آخر، وهو وجود مقر "الأمانة العامة" في دمشق، وهي على تواصلٍ وتماس مع السلطات السورية، ما يسهم في إتمام مهامها بنجاح، في حال كلّفت بهذه المهمة (أي إعادة النازحين تدريجيًا الى بلادهم).
وهي أدت دورًا بارزًا على خط هذه الأزمة كما ورد آنفًا، وفي التفاصيل، فقد سعت الأمانة العامة الى إيجاد حلٍ ملائمٍ لأزمة النزوح السوري الى لبنان ما بين العامين 2013 و2014، ووضع جدول زمني لإعادة النازحين الى سورية، وتم التواصل مع الجهات الرسمية في لبنان وسورية، وفي مقدمهم رئيسا الجمهورية اللبنانية العماد ميشال سليمان، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي في حينه، وبالتنسيق أيضاً مع المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم.
وجرى التوصل الى اتفاق يفضي الى تأليف لجنة مشتركة لبنانية – سورية، تشارك فيها الدوائر المعنية في شؤون النازحين في الأمم المتحدة، لتضع برنامجاً مرحلياً لبدء عودة النازحين الى بلادهم. ولكن بعد التوافق على أسماء أعضاء اللجنة، أبلغ الجانب اللبناني "الأمانة العامة"، أنه غير قادر على إصدار القرار المناسب في شأن تأليف هذه اللجنة، وتمنى التمهّل آنذاك".
فهل تصحح حكومة ميقاتي الراهنة ما إقترفته حكومته السابق، بالتالي إعادة تكليف "الأمانة العامة" بالقضية المذكورة، رغم كل التشويش الذي يثار ضد "المجلس" وأمانته العامة، الذي وصل أي (التشويش) الى حد المطالبة بحله؟
وفي هذا الصدد، تؤكد مراجع في القانون الدولي، أن هذه الأمانة العامة منبثقة عن معاهدة دولية بين لبنان وسورية، وتقضي الأعراف الدولية باحترام طرفي المعاهدة والتزام ما جاء في بنودها، كذلك الأمر في شأن شروط التعديل في هذه البنود، فلا يمكن أن يعدل أي بند إلا وفقا للأصول القانونية والدستورية التي تشكل الإطار القانوني لأي معاهدة من هذا النوع.
بالتالي فإن خروج أي طرفٍ عن بنود المعاهدة، أو الخروج منها بالكامل، يعتبر خروجًا على الأعراف الدولية، ويرتب على الطرف غير الملتزم، تبعات سياسية وإقتصادية، كسحب السفراء، وإقفال الحدود، وقد تصل الى حد إتخاذ عقوباتٍ إقتصاديةٍ في حق هذا الطرف، كوقف مرور خط الترانزيت، أو منع ضخ الغاز أو النفط نحو أراضي هذا الطرف، تختم المراجع.
وعن مضمون موقف ميقاتي الأخير، تعلق مصادر سياسية بالقول: "إن كلام ميقاتي مجرد عنوان سياسي، كي يذكر المجتمع الدولي بوجود أزمة النزوح، ولكن يبقى هذا الموقف عنوانًا من دون برنامج أو خطة".