المقدمة:
تعد الحرب الروسية- الأوكرانية حدثاً فاصلاً لمنطقة أوراسيا والعالم بأسره، إذ تأبى وضع أوزارها إلا بمتغيرات متسارعة تؤثر بشكل أو بآخر في دول الجوار الروسي والأوكراني، بما في ذلك تركيا التي بدى موقفها من الحرب عالقاً في الوسط ما بين موسكو وكييف، لا سيما بخُطا أنقرة المتقاربة مع حلفائها الغربيين في دعم الأوكرانيين مع تفاديها حرق الجسور مع الدب الروسي.
ووقفت العلاقات الروسية – التركية منذ اندلاع الحرب الأوكرانية على شفير تحديات متلاحقة دفعت كل طرف للعمل على حماية مصالحه الاقتصادية والأمنية والجيوسياسية، فضلاً عن صون نطاق النفوذ في البحر الأسود، لذا سارعت موسكو إلى وضع «خطوطها الحُمر» بشأن النزاع أمام الدول الأوراسية، بينما بادرت أنقرة نحو إظهار حسن النية أمام دول حلف شمال الأطلسي «الناتو» من خلال العمل كوسيط بين البلدين المتنازعين، في إطار سياسة توازن جعلت تركيا مؤيدة لأوكرانيا لكنها في الوقت ذاته ليست معادية تماماً لروسيا، ما منحها تميزاً في «تسييج الأدوار» وخفضها.
ورغم موازنة تركيا بين التكلفة والفوائد في موقفها من الحرب الأوكرانية، فإن إطالة أمد هذه الحرب يجعل أنقرة غير مُحصنة ضد التحولات العديدة الناجمة عن الأزمة اقتصادياً وأمنياً، وتحديداً مع زيادة الضغط الغربي على موسكو، بما قد يجبر أنقرة على اتخاذ موقف واضح، مع إعادة ترتيب حساباتها الجيوسياسية لا سيما بالعودة للاصطفاف والتقارب مع دول آسيا الوسطى، وكذلك الحال بالحفاظ على تحالفات متنوعة ومستقرة مع دول الخليج وإيران وإسرائيل، سعياً إلى تأمين اقتصادها وحل أزماته إلى جانب ترسيخ دور أكبر لنفسها في النظام العالمي الجديد.
ويمكن وصف النموذج الحالي من العلاقات الروسية – التركية بأنه نموذج لـ «التعاون التنافسي»، وهو مصطلح تعود جذوره إلى نظرية الألعاب Game Theory in International Relations، التي تهدف إلى الوصول إلى استراتيجية معينة ترضي الأطراف جميعها ويحاول كل طرف القيام بأفضل أداء ممكن للحصول على أفضل العوائد وتكمن الصعوبة هنا في أن كلا المتنافسين يرغب في جعل عوائده أفضل ما يمكن مع مراعاة ردود أفعال الأطراف المنافسة الأخرى وتعتبر هذه النظرية وسيلة للنظر في مسائل الصراع الأكثر إثارة في الحاضر والمستقبل إلا أنها لا تضمن تقديم الحلول لمسائل الصراع جميعها، لكنها تقدم الطرق والوسائل الأكثر فاعلية للتحليل. أما التعاون التنافسي فهو يستخدم لوصف التحالفات الاستراتيجية التي تضم شركات متنافسة وهو مصطلح مركب من مفهومي “الاتفاق والتنافس” في الوقت نفسه، وهي وضعية لها جانب إيجابي إذ إن الشركات لن تكون مجبرة على التنافس داخل السوق بواسطة الاستراتيجيات التنافسية التقليدية، وإنما يمكن أن تخلق فرصاً جديدة عن طريق التعاون ما يشجع على المنافسة الشفافة والاستفادة من خلق الفرص، وعلى الرغم من أن المصطلح يتم استخدامه في مجال التجارة والعلاقات بين الشركات، فيمكننا نقله إلى مجال العلاقات الدولية، بمعنى الحالة التي تتشابك فيها فرص التعاون ومواقف التنافس للدرجة التي لا يستقيم فيها وصف حالة العلاقة بين فاعلين أو أكثر في العلاقات الدولية بأنها حالة تنافس فقط أو تعاون فقط، فإن التعاونية هنا في هذه الحالة تمتزج فيها التنافسية لدرجة يبدو فيها التعاون تنافس والتنافس تعاون. فما إمكانية تطبيق هذا النموذج على طبيعة العلاقات الروسية – التركية الحالية في ضوء الحرب الروسية – الأوكرانية؟ وما مدى إمكانيات كل طرف (الروسي والتركي) من الاستفادة من إمكانيات التعاون؟ وما أشكال المنافسة المحتمله؟ هذا ما ستحاول الدراسة الإجابة عليه.
العلاقات الروسية – التركية: تاريخ من التنافس والتعاون
تتصف العلاقات الروسية -التركية بقدر كبير من التنافسية تخللتها مراحل من التعاون تعود عمرها إلى قرون، أسفرت عن 15 حرباً في الفترة الممتدة من القرن السابع عشر حتى القرن العشرين، تمحورت حول أهداف استراتيجية لروسيا القيصرية في الوصول إلى البحار الدافئة لحل مشكلة تجمد مياه بحر البلطيق لأشهر عدة طوال العام؛ ما يعطل الموانئ الروسية المطلة عليه. لذا حاربت روسيا من أجل الوصول إلى ساحل البحر الأسود وتمكنت من الانتصار على الدولة العثمانية في حرب القرم الأولى بين عامي 1768 و1774، التي انتهت بتوقيع معاهدة «كيتشوك كاينارجي» في بلغاريا، وضمن للروس السيطرة على البحر الأسود.
وبعد اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914، جعلت روسيا أهم أولوياتها هو ضمان حرية الملاحة لأساطيلها وبواخرها، فوضعت عينها على التحكم في مضيقي البوسفور والدردنيل بالأراضي التركية، وهذا ما نجحت في الحصول عليه من خلال «اتفاقية القسطنطينية» عام 1915، التي بموجبها وافقت بريطانيا وفرنسا، على منح الروس مبتغاهم الاستراتيجي بالإضافة إلى السيطرة على مدينة القسطنطينية في حالة انتصار الحلفاء في الحرب، لكن الاتفاقية انتهت جراء اندلاع الثورة الروسية التي قضت على حكم القياصرة عام 1917.
وتواصل الصراع الروسي – التركي على ساحات البحر الأسود وساحات البلقان والقوقاز، حتى بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، إذ طلبت روسيا “السوفييتية” من تركيا “الأتاتوركية” التخلي عن مدينة قارص شرق الأناضول، مع تقديم تنازلات بشأن اتفاقيات العبور بمضيقي البوسفور والدردنيل، فسارعت أنقرة للانضمام إلى حلف «الناتو» عام 1952، للاحتماء به من التهديد السوفييتي. واتسقت المخاوف التركية مع شعور غربي بالقلق البالغ من اتساع رقعة النفوذ السوفييتي، حيث استضافت الأراضي التركية إثر ذلك صواريخ نووية أمريكية شكلت هاجساً كبيراً للروس، إلى أن تمت إزالتها بعد أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، التي كادت أن تتسبب في حرب نووية.
وبانهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، اتسمت العلاقات التركية – الروسية عموماً بعد انتهاء الحرب الباردة بمزيج من التعاون في المجالات العسكرية والاقتصادية، وكانت تركيا من أوائل الدول التي اعترفت رسمياً بروسيا الاتحادية بوصفها وارثاً للاتحاد السوفييتي في 24 ديسمبر عام 1991. وكان التعاون الأمني بين تركيا وروسيا في أعقاب انتهاء الحرب الباردة أحد أهم مجالات التعاون بين الدولتين على الرغم من محدوديته حيث تم التوقيع على اتفاقيتين أمنيتين تغطيان مكافحة الإرهاب.
وفي أعقاب توقيع اتفاق مبادئ بين البلدين ازداد التعاونين العسكري والتقني بين الطرفين، وباندلاع الأزمة المالية العالمية عام 1998 كانت هناك عوامل تقارب في العلاقات الثنائية وبدأت مؤشرات التدهور الحاد في الاقتصاد الروسي بعمق عام 1998، كما تعمقت الأزمة المالية في تركيا نظراً إلى شراكتها الاستراتيجية مع روسيا، وقد دفع هذا الضعف المتبادل مسؤولي البلدين إلى أن يدركوا بأن عليهم أن يتعاونوا بدلاً من التنافس لأنهم لن يجنوا سوى مزيد من الصعوبات دون هذا التعاون، وفي 31 ديسمبر 1999 قدم الرئيس الروسي، بوريس يلتسن، استقالته وتولى مهام منصبه رئيس وزرائه، فلاديمير بوتين، وبدأت مرحلة جديدة في التاريخ الروسي الذي عمل على صياغة مفهوم جديد للسياسة الخارجية الروسية تهدف إلى تقوية روسيا داخلياً وخارجياً، وبناء علاقات إقليمية ودولية متوافقة مع الرؤية السياسية الجديدة، وقد وصفت هذه السياسة بالبراغماتية التعاونية أو الواقعية البراغماتية حتى عام 2004، ومع اندلاع الحرب الروسية – الشيشانية بدأت الدولة الروسية بالتقارب مع تركيا والتأكيد على الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
ويمكن القول إن العلاقات التركية – الروسية تحسنت بشكل ملحوظ أواخر التسعينيات وكان لهذا التحسن جملة من المظاهر. وأول مظاهره تخلي تركيا عن سياساتها في آسيا الوسطى لصالح علاقات أوثق اقتصادياً وسياسياً مع روسيا، ويتمثل المظهر الثاني لتحسن العلاقات التركية – الروسية في زيادة التعاون العسكري بين البلدين، في حين تمثل المظهر الثالث في رغبتهما في احتواء النزعة الانفصالية الإثنية والأصولية الإسلامية وقمعها، حيث سلمت تركيا بعض الإرهابيين الشيشان إلى روسيا وأغلقت روسيا مكتب رئيس حزب العمال الكردستاني في موسكو؛ وذلك في عهد رئيس الوزراء التركي أجاويد، أما المظهر الرابع فتمثل في تحسن العلاقات الثنائية من خلال رغبتهما في تحقيق الاستقرار في منطقة القوقاز.
وبعد فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية التي جرت في نوفمبر 2002 وانفراده بتشكيل حكومة أغلبية، لم تخفِ روسيا مخاوفها من قيام الحكومة التركية ذات المرجعية الإسلامية بدعم المسلحين الشيشان مما قد يهدد المصالح الروسية ويؤثر سلباً في العلاقات التركية – الروسية، وفي خطوة إيجابية لتبديد المخاوف الروسية أكثر من اتجاهات الحكومة التركية الجديدة قام زعيم حزب العدالة والتنمية، في ذلك الوقت، رجب طيب أردوغان، بزيارة إلى موسكو في 23 ديسمبر2002 إذ التقى الرئيس بوتين وكبار المسؤولين الروس، وبدت هذه الزيارة إيجابية وعبّـر عن رضاه لمستوى العلاقات مع تركيا واتفق الجانبان على العمل أكثر لتطوير التعاون الاقتصادي والعسكري بينهما.
وقد وفر الغزو الأمريكي للعراق في مارس 2003 مزيداً من التقارب بين تركيا وروسيا منذ أن اتخذت الدولتان موقفاً معارضاً للعملية العسكرية الأمريكية وفقاً لحساباتهما الوطنية الخاصة.
وإثر هذه التطورات كانت زيارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لتركيا عام 2004، لتبادل النوايا الحسنة، وهي الزيارة الأولى لرئيس روسي للبلاد منذ زيارة الرئيس السوفييتي، نيقولاي بودغورني، عام 1972، وعليه أصبحت روسيا المزوّد الرئيسي للطاقة في تركيا، وتوافدت الشركات الروسية للعمل داخل الأراضي التركية التي أصبحت وجهة مثالية للسياح الروس.
مبررات التقارب التركي – الروسي
أولاً: الخلافات التركية الغربية كمبرر للتقارب مع روسيا
هناك شعور من قِبل الحزب التركي الحاكم “حزب العدالة والتنمية” بأن الحلفاء الغربيين لم يكونوا داعمين بما فيه الكفاية لتركيا في قضايا عدة، (المحاولة الانقلابية، الأكراد، ترسيم الحدود في منطقة شرق المتوسط) وهو ما نجح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في تعميقه بذهن الرئيس أردوغان، والتأكيد أن حلفاء أردوغان الغربيين ليسوا بالحامي الموثوق به لنظامه، وقد حقق بوتين هدفه الاستراتيجي بأن دفع الأتراك لعقد صفقة شراء منظومة «S – 400» للدفاع الجوي، التي اصطحبت البلدين إلى أقرب نقطة تلاقٍ في التاريخ الحديث مع بقاء الخلافات البينية في إطار مساحة مقبولة من الجانبين، وهذا ما زاد من الصدع بين أنقرة وحلفائها في الناتو، واضطرت واشنطن إلى إطلاق التهديدات والعقوبات على أنقرة إثر تلك الصفقة وذلك بإخراجها رسمياً من برنامج إنتاج مقاتلات «F-35» الذي وقعت عليه تركيا يوم 26 يناير 2007.
وقد امتدت العقوبات الغربية ضد تركيا، بعد غزوها الشمال السوري في أكتوبر عام 2019، لدعم المعارضة السورية وما وصفته أنقره بتأمين حدودها وإيجاد منطقة حدودية آمنة، ففرضت الدول الغربية المصدّرة للسلاح سلسلة من العقوبات على تركيا بسبب استخدام العتاد العسكري الغربي في العملية التي سعت خلالها لمتابعة مصالحها بالقوة الصلبة.
في هذه الأثناء برزت كل من روسيا وأوكرانيا كموردين للسلاح ومعدات الدفاع التي تحتاجها أنقرة للحفاظ على برامجها الدفاعية المحلية، فكانت الصواريخ الروسية والمحركات الأوكرانية ركيزة ذات أبعاد عميقة في العلاقات الروسية – التركية الحالية.
كما تمثل روسيا قاعدة إمداد وتقوية وتحديث قوية للجانب التركي، وذلك من خلال مشروعات الطاقة المشتركة على سبيل المثال وليس الحصر، فشركة «روساتوم» النووية الروسية تشرف على بناء محطة «آق قويو» النووية في تركيا بهدف تأمين إمدادات الطاقة المحلية، فضلاً عن الصفقات الدفاعية المهمة لتركيا، لتنويع مصادر تسليحها، والروابط التجارية والاستثمارية، بالإضافة إلى التشارك في مشروعات نقل الغاز الروسي إلى أوروبا، حيث جرى إطلاق خط أنابيب «ترك ستريم» الرابط بين البلدين عبر البحر الأسود في يناير من عام 2020، حيث جعل هذا الخط من تركيا مركزاً رئيسياً لنقل الغاز إلى أوروبا.
وقد شجع ذلك أنقره على مواصلة العمل على موازنة سياستها الخارجية بالتقارب مع موسكو، بالإضافة إلى ذلك فإن الموقف الأمريكي من تركيا في عهد الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، ومعها حلف «الناتو»، لم يلبوا التضامن الكامل ضد محاولة الانقلاب الفاشلة ضد الرئيس أرودغان، فضلاً عن التعاون الأمريكي مع معارضي تركيا، وهما حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي «PYD»، ووحدات حماية الشعب «YPG» في شمال سوريا، وبعد وصول الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى السلطة في نوفمبر 2020، حدثت نقطة تحول في سياسة تركيا الخارجية التي اتجهت إلى تقوية التقارب مع دولة الإمارات العربية المتحدة ومصر وإسرائيل وأرمينيا، فضلاً عن البحث عن حل القضايا الخلافية، ومحاولة الضغط في هذا المسار من خلال تطوع تركيا لحماية مطار العاصمة الأفغانية كابول، بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.
ثانياً: العلاقات الاقتصادية التركية مع روسيا
تعد روسيا هي الخيار الأمثل لتحقيق التنمية الاقتصادية في تركيا، حيث يزداد حجم التبادل السلعي بين البلدين من سنة إلى أخرى. وقد بلغ حجم التبادل عام 2004 ما قيمته 11 مليار دولار. أما في عام 2008 فبلغ قيمة قياسية قدرها 33.8 مليار دولار، فيما يبلغ حجم الصادرات التركية إلى روسيا أكثر من 6 مليارات دولار، وإلى أوكرانيا 2.5 مليار دولار، أما الصادرات الروسية إلى تركيا فقد بلغت قيمتها 26 مليار دولار في عام 2021، مقابل 5 مليارات للصادرات الأوكرانية إلى تركيا في العام ذاته. ويسعى البلدان إلى تطوير حجم التبادل التجاري بينهما ليصل مستواه في الأعوام المقبلة إلى مئة مليار دولار بدلاً من 40 مليار، وبناء مصارف روسية في أنقرة، وتطوير خطوط النفط والغاز الآتية من روسيا نحو أوروبا عن طريق تركيا التي تعتمد على البترول والغاز الروسيين بالدرجة الأولى، حيث توفر روسيا أكثر من 45% من الغاز الطبيعي لتركيا. وتعد روسيا مصدر الحبوب الرئيسي لتركيا، التي استوردت نحو 6.8 مليون طن من القمح الروسي عام 2021، أي ما يعادل 70% من احتياجاتها، إذ تدخل نسبة من القمح الروسي المستورد في صناعة الدقيق وتصديره – تركيا من أوائل مُصدري الدقيق عالمياً- فيما يُخصص جزء من القمح الروسي لإنتاج الخبز المحلي التركي. كما أن الشركات التركية التي تعمل في روسيا تصل إلى أكثر من 140 ألف شركة.
وفي قطاع السياحة، تعد روسيا أكبر مصدّر للسياح في تركيا، حيث شكّل 4.7 مليون سائح روسي، ما نسبته 19% من جميع المسافرين إلى البلاد في عام 2021، كما تشارك شركات تركية، بشكل كبير في مشروعات بنية تحتية داخل روسيا، وعلى نحو متزايد في أوكرانيا أيضاً.
الحرب الروسية – الأوكرانية ساحة للتعاون التنافسي بين روسيا وتركيا:
تعد تركيا وضعاً متفرداً في الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، بحكم موقعها الجغرافي المشارك للدولتين المتنازعتين في البحر الأسود، وتشابك علاقاتهم وطموحاتهم الاقتصادية والعسكرية والجيواستراتيجية، ناهيك عن مضيقي البسفور والدردنيل، لذلك تتحرك الدولة التركية في هذه الأزمة بناء على سياسة “التعاون التنافسي“. حيث تمتلك تركيا أحد أهم جيوش حلف «الناتو»، وتسمح باستضافة قواعد الحلف على أراضيها، إلى جانب المشاركة في تحقيق الأهداف الأمنية للحلف، وهذا ما يضع أنقرة في عنق زجاجة حال دخول الناتو في حرب عسكرية مباشرة ضد روسيا، في ظل التهديدات الروسية القائمة ضد بولندا ودول البلطيق، لكن أنقرة مطمئنة جزئياً إلى إمكانية خروجها من هذا المأزق كون أوكرانيا ليست عضواً في الناتو، ومن ثم فإن ذلك يجعل الجيش التركي غير مُلزم بالدفاع عنها حتى لو فعلت ذلك دول الناتو.
وهو ما ألزم أنقرة بالتعامل بحساسية مع تلك الحرب كونها عضواً في «اتفاقية مونترو» وحلف «الناتو»، إلى جانب إيجاد المُشتركات مع الروس سياسياً واقتصادياً – والمشار إليها سلفاً – تجنباً لأي تشابك شائك. حيث تتوخى أنقرة الحذر تجاه السيطرة الروسية على السواحل الأوكرانية على البحر الأسود، وتحديداً بعد تصريح الرئيس بوتين، عند إعلانه بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة ضد أوكرانيا، حيث ذكّر بالانتصار الروسي على العثمانيين فيما يتعلق بالهيمنة على مناطق هذا البحر. وتعقدت الحسابات الجيوسياسية التركية بشكل كبير تجاه البحر الأسود في ظل الحرب الأوكرانية، ما دفع تركيا للعمل على ثلاث ركائز أساسية تجاه هذه المياه المهمة، وهي: الدعوة إلى الملكية الإقليمية، ومنع التصعيد، وحماية اتفاقية مونترو، لذا وظفت أنقرة توصيف النزاع الروسي – الأوكراني بأنه حرب وفقاً لاتفاقية «مونترو»، لتغلق إثر ذلك المضيق في وجه السفن الحربية الآتية من أي طرف أو دولة سواء على حدود البحر الأسود أم لا، لكنها في الوقت ذاته اتخذت دور الوساطة بين الروس والأوكرانيين، وقد تعزز دور تلك الوساطة لسببين :
السبب الأول: العلاقات التركية – الأوكرانية
تتأثر العلاقات الروسية – التركية بعلاقات تركيا بأوكرانيا، حيث تتمتع الأخيرة بالشمولية مقارنة ببعض دول أوروبا، فقد وقّع البلدان اتفاقية التجارة الحرة في فبراير 2022، وتؤمّن كييف، لأنقرة نحو 15% من احتياجاتها من القمح، كثاني أكبر مورد لها من هذه السلعة الاستراتيجية، كما تتمتع تركيا بدور استثماري كبير في الداخل الأوكراني، إذ توجد مئات الشركات التركية العاملة في أوكرانيا، فيما تنامى حجم التجارة بين البلدين بنسبة الضعف تقريباً خلال عام 2021. وتعمل شركة «تركسل» التركية للاتصالات كثالث مُشغل لشبكات الجوال في أوكرانيا، فيما تكلل التعاون الثنائي بتوقيع اتفاقية «التجارة الحرة»، بين البلدين، التي من المفترض أن تبدأ في التنفيذ في 1 يناير 2023م، حاملة معها آمال رفع التبادل التجاري إلى 10 مليارات دولار، وإزالة الرسوم الجمركية عن نحو 95% من السلع الأوكرانية.
وجاءت أوكرانيا في المركز الثالث في قائمة السياحة التركية بمليوني سائح سنوياً، فضلاً عن العلاقات الثنائية المتميزة في مجال الصناعات الدفاعية، لا سيما إنتاج الطائرة التركية من دون طيار «بيرقدار TB2» التي أثبتت فعالية كبيرة في الحرب الأوكرانية وكانت محل خلاف تركي مع روسيا، وكذلك المحركات العسكرية التي تجلبها تركيا من أوكرانيا، فكل هذه المنافع التركية من الجانبين الروسي والأوكراني تجعل موقف أنقرة محايداً من الحرب بحيث تدعم أوكرانيا وتتجنب استفزاز روسيا في الوقت ذاته.
السبب الثاني: المسألة الفنلندية – السويدية والانضمام إلى حلف الناتو
جاء تصريح دولتي فنلندا والسويد، خلال مايو 2022، تقدمهما بطلب انضمام إلى حلف «الناتو»، بمنزلة اختبار صعب للعلاقات الروسية – التركية، ومدى قدرة صانع القرار التركي على المراوغة السياسية، فمن جانب الناتو، رحب بهذه الخطوة، مؤكداً أنه قد يصنف لاحقاً سلوك روسيا بأنه «تهديد مباشر»، لكن الرئيس الروسي بوتين، رد على تصريحات الناتو، مُحذراً من أي توسعات عسكرية تُشكل خطراً على روسيا، قائلاً: “فيما يتعلق بتوسع الناتو، بما في ذلك الأعضاء الجدد في الحلف، فنلندا والسويد، ليس لدى روسيا مشكلات معهما، وهذا يعني أن التوسع من خلالهما لا يخلق تهديداً مباشراً لروسيا، لكن توسيع البنى التحتية العسكرية في هذه المناطق، سيؤدي بالتأكيد إلى إجراءات وذلك بناء على التهديدات التي ستنشأ".
وقد قررت روسيا، مواجهة تلك التهديدات المُحتملة من قبل «الناتو»، بأن أنشأت 12 قاعدة عسكرية جديدة في المنطقة الغربية للبلاد، بحيث تدخل الخدمة قبل نهاية 2022، إذ جاء ذلك بعد المناورات الضخمة التي أجرتها الولايات المتحدة بمشاركة 30 دولة في مايو 2022، قرب الحدود الروسية وتحديداً على الشريط الحدودي بين إستونيا ولاتفيا، في إحدى أكبر المناورات والتدريبات المشتركة منذ الحرب العالمية في شرق أوروبا، بالإضافة إلى مناورات عسكرية أجراها الجيش البولندي بمشاركة 20 دولة غربية، ما يعني أن الطرفين يتحسبان جيداً لبعضهما بما يجعلهما يتقاسمان معاً "حافة الهاوية".
وفي ظل هذه التحركات المُتسارعة، تميّز الموقف التركي بالقدرة على تجسيد دور «مُعادلة الميزان»، إذ تغاضت تركيا عن المشاركة في مناورات القوى الغربية التي نظمتها اليونان، ما بين 9 إلى 20 مايو 2022، مُبررة ذلك بتوتر علاقاتها مع أثينا على خلفية الخلاف في شرق المتوسط، واتهام الجانب اليوناني لنظيره التركي باختراق مجاله الجوي، لكن غاية أنقرة الحقيقية كانت تجنب استفزاز الجانب الروسي بشأن المشاركة في هذه المناورات الغربية. كما رفضت تركيا انضمام فنلندا والسويد إلى حلف الناتو رغم موافقة بقية الأعضاء الـ 29 الآخرين، موضحة أن رفضها جاء من اقتناعها بعدم تكرار الخطأ نفسه حين وافقت على انضمام اليونان التي سرعان ما عارضتها داخل الحلف.
وازداد موقف تركيا من فنلندا والسويد، موازنة مع روسيا في الوقت باعتبارهما ملاذين لمن تصفهم بالإرهابيين من حزب العمال الكردستاني، إذ سبق أن تقدمت أنقرة بطلب إلى الدولتين من أجل تسليم 33 عنصراً من الحزب وحركة فتح الله كولن، لكن الدولتين دائماً ما تقابل طلباتها بالرفض، فضلاً عن دعوتهما لفرض قيود على بيع الأسلحة للجانب التركي، وهذا ما قد يفسر تعنت الأخير تجاه انضمامهما لـ«الناتو» خشية أن تمارسا ضده الإحراج الدائم على غرار اليونان، فيما يتعلق بالقضايا الحقوقية وصفقات التسليح والتحركات الجيوسياسية.
أضف إلى ذلك أنها تستهدف من وراء ذلك الرفض كسب الجانب الروسي أيضاً، بالإضافة إلى تحقيق مصالح متعددة من بينها الضغط على واشنطن وحلفائها الغربيين بشأن تخفيف القيود المفروضة على توريد الأسلحة إلى تركيا على خلفية عمليتها العسكرية في الشمال السوري عام 2019، بالإضافة إلى سعيها للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، وإزالة واشنطن لعقوباتها عن أنقرة بشأن قضية صواريخ «S-400» الروسية المعروفة بقانون (CAATSA) الأمريكي، وإعادة تركيا إلى مشروع إنتاج طائرات “35 F”، فجميعها مصالح تركية ينتظر الجانب التركي تحقيقها بالاستفادة من التحولات العميقة الجارية في محيطه الإقليمي في إطار سياسة المساومات والمقايضات. ولعل إعلان كلٍّ من السويد وفنلندا تفهمهما للمطالب التركية يعتبر بداية لحلحلة مسألة انضمامهما إلى الحلف وفي الوقت ذاته تحقيق مكاسب لتركيا من خلف اعتراضها السابق.
مآلات الحرب الأوكرانية على تركيا والسيناريوهات المحتملة:
تعتبر تركيا أمام خريطة جيوسياسية ملغومة، فهي تحتاج للغاز الروسي لكنها في الوقت ذاته تجد نفسها أمام تهديدات جادة من الولايات المتحدة بشأن فرض عقوبات صارخة على كل من سيواصل الشراكة مع شركات من روسيا في محاولة لعزل الأخيرة، كما بات التعاون العسكري بين أنقرة وكييف على المحك جراء التهديدات الروسية لشركاء أوكرانيا، في الوقت الذي تشكل خلاله الأخيرة منفذاً مهماً سواء لبيع الأسلحة التركية، مثل: طائرات بيرقدار أو استيراد المحركات اللازمة للتصنيع الدفاعي من أوكرانيا في إطار تجاوز القيود الأمريكية، بالإضافة إلى أن تركيا ستأخذ على عاتقها إشكالية إدارة مضيقي البوسفور والدردنيل وفقاً لاتفاقية مونترو، ما يمكن أن يعرض العلاقات مع روسيا لصدع كبير في حال استخدام هذين المضيقين ضد الإرادة الروسية، وتمتد التحديات الموضوعة أمام العلاقات الروسية – التركية إلى الساحة السورية وإمكانية التصعيد رداً على أي ممارسات يراها أحد الطرفين مخالفة لمصالحة.
ومع تواصل الحرب الروسية – الأوكرانية، تبلغ أهمية سواحل البحر الأسود ذروتها بالنسبة إلى الطرفين المتنازعين ومعهما بقية الدول المطلة على هذا البحر، وهي: تركيا وبلغاريا وجورجيا ورومانيا، إذ أظهرت روسيا نواياها السيطرة على الخط الساحلي للبحر الأسود، بما ينتزع من أوكرانيا نافذتها على البحر، ويضمن مد خط بين الأراضي الروسية ومنطقة ترانسنيستريا المنفصلة في مولدوفا، لدعم القوات الروسية الموجودة فيها، بما يرجح كفة الميزان العسكري لصالح موسكو، في هذا البحر. ويأتي ذلك استكمالاً لتحركات روسية سابقة في البحر الأسود، بعد ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، حيث سبق أن عزّزت موسكو، وجودها العسكري فيها عبر سلاحها البحري، ومن خلال نشر أنظمتها الصاروخية التي ضمنت لها السيطرة على سواحلها واعتبارها مسرح عمليات يغطي شمال القوقاز والبحر الأسود وبحر قزوين.
ولطالما تخوفت تركيا، من النوايا الروسية تجاه البحر الأسود الذي يشهد على تاريخ طويل من المواجهات بين روسيا القيصرية والخلافة العثمانية. وفي عام 2016، أشار الرئيس أردوغان، إلى أن البحر الأسود تحول إلى «بحيرة روسية»، لافتاً الانتباه إلى ضعف وجود قوات الناتو في هذه المنطقة الاستراتيجية المهمة، لكن الانتباه التركي لهذه الخطورة قد تحول إلى صمت مع تنامي حجم الشراكة والتنسيق مع الجانب الروسي. ومع تداعيات الحرب الأوكرانية، ومن هنا تقف العلاقات الروسية – التركية في البحر الأسود أمام سيناريوهات عدة، أبرزها:
– في حالة الحسم الروسي: ما إن تضمن روسيا النصر في الحرب الأوكرانية بشكل كامل، ستطالب تركيا بالسماح بحرية الحركة البحرية للسفن الحربية الروسية عبر مضيقي البوسفور والدردنيل، وسيكون ذلك تمهيداً للتأكيد على أنقرة بالتزام الحياد التام في حالة ما إن أقدمت موسكو المُنتصرة وطليقة الأيدي على شن عمليات عسكرية جديدة ضد بلغاريا أو جورجيا أو رومانيا. وستعمل حينها روسيا على محاولة اقتطاع الأتراك من أحضان الناتو، وإرضائهم بالتشارك في ثروات البحر الأسود لا سيما موارد الغاز الطبيعي التي تبلغ احتياطياتها نحو 540 مليار متر مكعب، والتي تطمح تركيا في الاستغلال الأمثل لها محلياً لضمان مورد دائم للغاز، ومن ثم ستصبح السياسة التركية أكثر اعتمادية واستفادة من الروس الذين سيصبحون أكثر عُزلة جراء العقوبات الغربية بما يخلق فرصاً مثالية للجانب التركي. وإثر ذلك من المرجح أن تنخفض مبيعات الأسلحة التركية إلى أوكرانيا إلى الصفر، إرضاءً للجانب الروسي.
– في حالة الفشل الروسي في الحرب: يحمل شبح خسارة روسيا للحرب الأوكرانية عواقب وخيمة وتداعيات واسعة النطاق ربما تؤدي إلى انهيار الاتحاد الروسي نفسه، وإحداث تحولات مزلزلة داخل أراضي أوراسيا، بينما ستزول التهديدات العسكرية لجورجيا وبلغاريا ومولدوفا ورومانيا، لذا لا يدخر الجيش الروسي أي جهد من أجل الحسم العسكري في أوكرانيا مهما كلفه ثمن النصر.
ويعزّز هذا الافتراض بشأن خسارة روسيا للحرب، من قوة الوجود والتمركز الاستراتيجي التركي في منطقة البحر الأسود ومساحات جنوب القوقاز، الذي هو هدف قائم بالفعل لدى المخيلة التركية الحالية بشأن التوسع في ولاياتها السابقة التي كانت في العهد العثماني. كما ستتوسع إثر ذلك العلاقات التركية – الأوكرانية وتواصل نموها وازدهارها إلى آفاق أرحب.
في حالة «اللاحسم»: يشكل تجمّد الصراع الروسي – الأوكراني وتواصله بلا حسم لصالح أحد الطرفين مُعضلة بالنسبة إلى الأتراك، إذ ستواصل روسيا سياستها تجاه مناطق النزاع في ترانسنيستريا وناغورنو كاراباخ وأوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، بينما سيواصل الاقتصاد التركي نزيفه الحاد جراء تداعيات الحرب، وفشل معظم المشروعات المُشتركة مع الجانب الروسي، ولن يتبقى له مع الروس سوى التعاون بشكل غير مُباشر لكسر العزلة الروسية، لكن أنقرة ربما تحقق بعض المكاسب في سوريا جراء استمرار إبقاء تركيا للمضائق مغلقة أمام السفن الحربية الروسية بما سيؤدي إلى قطع الإمدادات والروابط اللوجستية للروس بقاعدة حميم العسكرية على الأراضي السورية، حيث يمثل البحر الأسود شريان الحياة اللوجستي للقوات الروسية في سوريا.
أضف إلى ذلك فإنه ورغم موازنة تركيا بين التكلفة والفوائد في موقفها من الحرب الأوكرانية، فإن إطالة أمد هذه الحرب يجعل أنقرة غير مُحصنة ضد التحولات العديدة الناجمة عن الأزمة وتحديداً مع زيادة الضغط الغربي على موسكو، بما قد يجبر أنقرة على اتخاذ موقف واضح، مع إعادة ترتيب حساباتها الجيوسياسية لا سيما بالعودة للاصطفاف والتقارب مع دول آسيا الوسطى، وكذلك الحال بالحفاظ على تحالفات متنوعة ومستقرة مع دول الخليج وإيران وإسرائيل، سعياً إلى تأمين اقتصادها وحل أزماته إلى جانب ترسيخ دور أكبر لنفسها في النظام العالمي الجديد.
الخاتمة:
تنظر تركيا إلى روسيا والعالم من منظور «الفرص»، لذا تتربص بضعف روسيا من أجل استئناف توسعة النفوذ على الساحة السورية، إذ أفصحت أنقرة عن نواياها لإنشاء مناطق آمنة على الحدود التركية – السورية من أجل إعادة اللاجئين السوريين الموجودين في تركيا إليها لتخفيف الضغوط الاقتصادية محلياً والتخلص من أعبائهم الاجتماعية والأمنية.
وتشير المُعطيات الواقعية إلى أن قدرة تركيا على التناغم ما بين المحورين الشرقي والغربي وانفتاحها على الدول العربية وإسرائيل ووجودها في قطر والقرن الأفريقي في ظل انشغال القطبين الروسي والأمريكي بالحرب الأوكرانية، يعني أن أنقرة تمضي نحو دور مؤثر في المنطقة. ويزداد هذا الدور مع البحث الأوروبي عن بديل للغاز الروسي، الذي ربما يتجه إلى الغاز القطري ونظيره الإسرائيلي، فكلتاهما تعتمدان على الأراضي التركية من أجل الوصول إلى أوروبا، بما يضفي أهمية للدور التركي بالنسبة إلى دول القارة العجوز.
ومع ازدياد العقوبات الغربية ضد روسيا بسبب الحرب الأوكرانية، فقد تتجه تركيا إلى التعاون مع الصين في مجالات مُحتملة في مناطق أوراسيا، أولها الاتساق في مشروعات مبادرة الحزام والطريق الصينية ومبادرة الممر الأوسط التركية، فمن الطبيعي أن تبحث بكين، عن ممرات لوجستية برية بديلة عن نظيرتها الروسية كي تصلها بأوروبا الغاضبة من الروس. كما قد تتجه الصين إلى المشاركة في مشروعات البنى التحتية داخل تركيا ومناطق جنوب القوقاز.
وأخيراً فإن العلاقات الروسية – التركية تقوم على أساس التفاهم المُتبادل وضرورة الحفاظ على التوازن بأي شكل وبأي ثمن، نظراً إلى تشابك مصالح الجانبين سياسياً واقتصادياً وجيواستراتيجياً، لذا فإنه وفي الأحوال جميعها التي ستؤول لها الحرب الأوكرانية، سيسعى الطرفان الروسي والتركي لتعزيز البحث عن نقاط تلاقٍ تعزّز مصالح كل طرف منهما، وهذا ما حاولت تركيا الوصول إليه خلف ستار «الوساطة» ما بين موسكو وكييف، للحفاظ على مصالحها مع الجانبين، مع تنامي الثقة التركية بشأن مستقبل الوجود التركي في الشرق الأوسط، والعمل على تدعيم ذلك بإعادة ترتيب العلاقات مع دول الإقليم وتعزيزها.
وأمام تكريس السيطرة الروسية في الشرق الأوكراني مع عدم التصعيد بأكثر من ذلك، يبدو أن الغرب قد تفهّم أبعاد استفزاز الدب الروسي وتداعياته، وسعي موسكو للتغلب على العقوبات الغربية باستخدام أوراق عدة “من ضمنها تركيا” …لذا فإن التعاون التنافسي بين موسكو وأنقرة مرشح له أن يستمر.