شهدت العلاقات السودانية-الروسية منذ مطلع ستينات القرن الماضي (على عهد الاتحاد السوفيتي) تطورًا مطردًا؛ حيث جرى توقيع عدد من الاتفاقيات التي أسهمت بشكل مباشر في تطوير العلاقات بين البلدين على أصعدة شتي. وفي مطلع السبعينات، قطعت السلطات السودانية بقيادة الرئيس المعزول، جعفر نميري، العلاقات مع الاتحاد السوفيتي بعد فشل انقلاب الرائد هاشم العطا المدعوم من قبل موسكو، وبعد سقوط النظام مايو/أيار بدأت العلاقات تعود شيئًا فشيئًا. وفي عهد نظام الرئيس المعزول، عمر البشير، وصلت العلاقات إلى ذروتها بين البلدين حيث تحالف البلدان في المؤسسات الدولية ودعم نظام حزب المؤتمر الوطني احتلال وضم جزيرة شبه جزيرة القرم لروسيا، أما في العام 2017 فقد أضحت العلاقات بين البلدين الأوثق بين دول القرن الإفريقي حيث طلب الرئيس المعزول، عمر البشير، من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، علنًا حمايته مما أسماه بالتصرفات العدائية الأميركية. أما في عهد الفترة الانتقالية بقيادة عبد الفتاح البرهان-محمد حميدتي، نائبه، فقد حدث تقارب متسارع في قضايا جوهرية ترصده هذه الورقة التحليلية.
السودان: الأهمية الجيوستراتيجية
يلعب موقع السودان الإستراتيجي الواقع في الجزء الشمالي الشرقي للقارة الإفريقية دورًا محوريًّا في تعزيز مكانته حلقةَ وصلٍ تربط بين دول شمال القارة وجنوبها وشرقها وغربها، فضلًا عن أن السودان يجاور حدوديًّا دولًا مهمة وعديدة، مصر وليبيا وتشاد وإفريقيا الوسطى وجنوب السودان وإثيوبيا وإريتريا. لذا، تشمل أهمية السودان الجيوسياسية التأثير على مناطق واسعة تشهد تنافسًا عالميًّا وإقليميًّا كمنطقة الساحل والشرق الأوسط والخليج العربي والبحر الأبيض المتوسط وخصوصًا البحر الأحمر والقرن الإفريقي.
ويمثل السودان نقطة انطلاق للقرن الإفريقي وأمن البحر الأحمر؛ حيث أخذت المنطقة أهميتها من خلال المقاربات والمعادلات والتفاعلات الإقليمية والدولية الساعية إلى التحكم في دول القرن الإفريقي. ثم إن السودان يملك ثاني أطول ساحل على البحر الأحمر (يبلغ طوله نحو 720 كلم). ولذا، فالسودان دولة محورية وأساسية لضمان أمن البحر الأحمر كما يمكن أن يهدد أمنه بالتأثير على الملاحة التي تمر عبر مضيق باب المندب عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر وقناة السويس في مصر. عمومًا، يعتبر البحر الأحمر أحد أهم الممرات البحرية ويمر عبره ما يقدر بنحو 700 مليار دولار من التجارة الدولية؛ الأمر الذي يجعل السودان وثيق الارتباط بتفاعلات النظام الإقليمي والدولي.
يكتسب السودان أهميته بسبب حجمه حيث يعد ثالث أكبر دولة من حيث المساحة في إفريقيا بعد انفصال الجنوب في العام 2011. وفضلًا عن منافذه البرية التي تطل على سبع دول مجاورة فهو يمتلك منفذًا بحريًّا إستراتيجيًّا يستمد أهميته ليس فقط من كونه منفذ البلاد الوحيد بل أيضًا منفذًا فرعيًّا لبعض دول الجوار المغلقة (تشاد، وجنوب السودان، وإفريقيا الوسطى، وإثيوبيا). ويعتبر ميناء بورتسودان الميناء الأكبر والرئيسي الذي تمر عبره حركة التجارة والملاحة البحرية السودانية، بينما تعد مدينة بورتسودان مركزًا لوجستيًّا وتجاريًّا مهمًّا وبها مصفاة نفط رئيسية. ويُنقل عبر هذا الميناء نفط دولة جنوب السودان وتُصدَّر بضائع من خلال هذا الميناء بقيمة حوالي 8 مليارات دولار سنويًّا مما يضفي عليه أهمية كبرى بالنسبة للاقتصاد السوداني. لذلك تعد بورتسودان بوابة بحرية إستراتيجية ومدينة اقتصادية من الطراز الأول ووجهة سياحية للسودانيين.
يتمتع السودان بوفرة في الموارد والثروات الطبيعية كاليورانيوم والذهب والكوبالت والنفط، إذ يمتلك السودان ثالث أكبر احتياطي في العالم من اليورانيوم وكذلك يحتل نفس المرتبة في إنتاج الذهب على الصعيد الإفريقي والمرتبة الثالثة عشرة عالميًّا بحجم إنتاج سنوي بحوالي 300 طن، فضلًا عن 220 مليون فدان صالحة للزراعة وثروة حيوانية تقدر بأكثر من 150 مليون رأس، مما يؤهله لأن يصبح فعلًا سلَّة غذاء العالم إذا استُغلَّت هذه الموارد والثروات لتحقيق الأمن الغذائي على الصعيدين الإقليمي والدولي.
الأطماع والمصالح الروسية
منذ بداية الألفية الجديدة تعزز روسيا جهودها لفرض وجودها في القارة الإفريقية عبر أكثر من نافذة، حيث نجحت في السنوات السبع الماضية تحديدًا في إيجاد موطئ قدم لها في شمال القارة من خلال الملف الليبي الذي كان بمنزلة نقطة الانطلاق نحو بقية المناطق الحيوية في إفريقيا. ومنذ خمسينات القرن الماضي وحتى اليوم يضع الروس أعينهم على البحر الأحمر حتى يتسنى لهم الحصول على قاعدة بحرية هناك تنقلهم للمياه الدافئة، لذلك لم تتوقف روسيا عن السعي لتحقيق الحلم القديم المتجدد وذلك بعد فشل محاولاتهم السابقة لإنشاء قاعدة لهم فوق أرض إفريقية تطل على مسطح مائي بحجم وأهمية البحر الأحمر.
تكلَّلت المساعي الروسية بتوقيع اتفاقية تعاون عسكري بين موسكو والخرطوم لإنشاء قاعدة بالبحر الأحمر، في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وتهدف تلك الاتفاقية إلى تحقيق المصالح الروسية في القارة الإفريقية ونقطة لتسهيل الوصول إلى مناطق النفوذ الروسي في إفريقيا الوسطى ومالي وموزمبيق كما تربط بين محطاتهم البحرية في سوريا ومدغشقر. وتبلغ مدة الاتفاقية 25 عامًا قابلة للتجديد.
منحت الاتفاقية القاعدة (مجانًا) لروسيا، وأتاحت لها حرية استخدام المطارات السودانية لنقل الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية اللازمة للقاعدة، بجانب السماح بإرسال 4 سفن و300 فرد كحدٍّ أقصى في الميناء ويعد هذا المركز البحري الأول لروسيا في إفريقيا. ورغم نفي السلطات السودانية وادعاء بعض وسائل الإعلام أن السلطة الانتقالية السودانية ألغت الاتفاق فإن موسكو عززت نفيها بوصول سفينة حربية جديدة في مايو/أيار 2021. لم يكن النفوذ العسكري والتموضع الإستراتيجي هو الهدف الوحيد لمساعي موسكو لتدشين قاعدة عسكرية بالسودان، بل إن السيطرة على ثروات السودان المعدنية لاسيما الذهب واليورانيوم بجانب موارد الطاقة الهائلة والإمكانات الزراعية هي الهدف الأساسي لتحركات الروس لتعزيز نفوذهم بالسودان.
إن التوقيع على إنشاء القاعدة البحرية الروسية وإن أتى ضمن اتفاق تعاون عسكري قديم دشَّنه الرئيس المعزول، عمر البشير، في موسكو قبل خمسة أعوام، إلا أنه تم من الطرف السوداني في أواخر يونيو/حزيران 2019، أي بعد جريمة فض الاعتصام ومحاولة المجلس العسكري وقتها الاحتماء بروسيا ولا يبدو أن هناك مصلحة سودانية للتقارب مع روسيا غير إقامة علاقات عسكرية بين البلدين ودعم النظام القائم، فالاتفاقات السابقة سلَّمت السودان عددًا من الدبابات الروسية وزورقًا بحريًّا، كما أن شراء السلاح والقمح من روسيا يتم على أسس تجارية وبأسعار باهظة لا يستفيد منها إلا الجانب الروسي والسماسرة من رجالات النظام السوداني السابق والحالي. يبدو أن هدف حماية الأنظمة هو مدخل موسكو الرئيسي لإفريقيا ونذكر أن فكرة القاعدة أتت من الرئيس السوداني المعزول، عمر البشير، حيث كان قد عرض على فلاديمير بوتين في منتجع سوتشي الروسي إقامة قاعدة عسكرية روسية في البحر الأحمر بالسودان يستخدمها الجنود الروس لحماية الخرطوم من أميركا. ورغم أن هذا هو الهدف الرئيس للسلطة الحالية إلا أنها تحاول أن تغطيه بالزعم بسعي السلطة الانتقالية لاسيما المكون العسكري إلى تنويع علاقاتها مع مختلف الأطراف الفاعلة في المجتمع الدولي.
العلاقات بعد انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول
استطاعت موسكو الحفاظ على الاتفاقيات التي أبرمتها مع نظام البشير بسبب بقاء نفس جنرالاته في السلطة، في فترة حكومة الشراكة بين قوى الحرية والتغيير والعسكريين في السلطة، بينما توطدت العلاقات بشكل متجذر بعد انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021؛ حيث دعمت روسيا الانقلاب العسكري واستمرت في مساعيها الرامية لبناء نفوذها بمحاولة التأثير على الرأي العام السوداني لتأييد حلفائها من العسكريين، وتحت زعم دعم الاستقرار في البلاد عملت وتعمل على إضفاء الشرعية عليه، وذلك بتوجيه وسائل التواصل الاجتماعي وبعض الصحف السودانية.
خلال العامين الأخيرين، كشفت موسكو عن بعض المشروعات مع الخرطوم في المجال الأمني. ففي قمة سوتشي، أكتوبر/تشرين الأول 2019، تعهد الرئيس، فلاديمير بوتين، بتنفيذ مجموعة واسعة من اتفاقيات الدفاع الروسية-السودانية التي تهدف إلى إصلاح الأجهزة العسكرية والأمنية السودانية وتعزيز قدراتها وقواتها، كما أعلنت روسيا أنها ستتعاون في المجال النووي السلمي بموجب اتفاق مع الحكومة السودانية، في مايو/أيار 2019، وهو إعلان يبدو أن طابعه دعائي محض. عمومًا، تمتلك موسكو العديد من المصالح الاقتصادية في السودان إذ تعد الخرطوم ثاني أكبر مستورد للأسلحة الروسية خلال العقدين الماضيين وبلغ حجم التجارة بين روسيا والسودان حوالي خمسمئة مليون دولار بميزان تجاري يميل بشدة لصالح موسكو؛ حيث تستورد روسيا من السودان بعض السلع مثل القطن والسمسم والفول السوداني، بينما يستورد السودان منها الأسلحة والقمح.
كما تضاعفت مع مرور الوقت مساعي روسيا لاستنزاف الذهب السوداني حيث كثف الروس مشروعاتهم في هذا القطاع حيث تنشط شركات إم إنفست ومروي غولد وإستيماث (Esimath) الروسية للتعدين في عمليات تنقيب عن الذهب في السودان. وبدأ انخراط هذه الشركات منذ العام 2015 (بعد احتلال شبه جزيرة القرم والعقوبات الغربية الأولى ومن ثم سعى بوتين لتوفير احتياطيات ذهب تحميه من أية عقوبات لاحقة). وكان على رأس هذه الشركات شركة سيبرين التي وقَّعت اتفاقًا عام 2015 لإنتاج 46 طنًّا من الذهب، وفي العام 2017، دخلت شركات للعمل في ولايات نهر النيل والبحر الأحمر والشمالية مثل شركة مروي غولد المرتبطة برجل الأعمال الروسي، يفغيني بريغوجين، رئيس مجموعة فاغنر الروسية.
تقوم مجموعة فاغنر بحراسة مناجم الذهب السودانية في مناطق جبل عامر وسننقو بالشراكة مع قوات الدعم السريع بقيادة نائب رئيس مجلس السيادة، محمد حمدان دقلو (حميدتي). وفي إطار التحالف بين روسيا والجنرالات عمومًا والدعم السريع خصوصًا، تندرج زيارة محمد حمدان دقلو، نائب رئيس مجلس السيادة، مؤخرًا على رأس وفد رفيع إلى موسكو عشية بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، وتصريحاته المؤيدة للغزو في إطار هذا التقارب وبما يخدم المصالح الروسية ويسهم في توسيع النفوذ الروسي في السودان.
التقارب السوداني-الروسي: التحديات والأخطار
في الأول من مارس/آذار 2021، رست المدمرة الأميركية "يو إس إس وينستون تشرشل أدميرال" (USS Winston Churchill Admiral) وجهًا لوجه أمام الفرقاطة الروسية "أدميرال غريغوروفتش" (Admiral Grigorovich) في ميناء بورتسودان المطل على البحر الأحمر. كان ذلك المشهد بصورته تلك سابقة لم تحدث من قبل، وأعاد للأذهان الحرب الباردة بين أميركا والاتحاد السوفيتي كما أنه حمل الكثير من الدلالات التي تكشف حجم التنافس بين واشنطن وموسكو على سواحل البحر الأحمر بالسودان.
رأت واشنطن في التغيير الذي حدث في السودان متغيرًا إستراتيجيًّا مهمًّا لتوسيع نفوذها وإضعاف الوجود الصيني والروسي في السودان واعتمدت مقاربة تقوم على دعم الانتقال المدني الديمقراطي ورفع العقوبات عن نظام الخرطوم. وفي إطار الدعم الأميركي للحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، أقرَّ الكونغرس، في يناير/كانون الثاني 2021، قانون الانتقال الديمقراطي والمساءلة والشفافية المالية، الذي يتضمن إستراتيجية الدعم الأميركي لعملية استكمال التحول الديمقراطي والتي تشدِّد الرقابة على الأجهزة العسكرية والأمنية وإعادة عقيدتها.
برز الدعم الأميركي للحكومة السودانية بقيادة رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، التي وُصفت بأنها موالية للغرب بشدة ومسنودة منه اقتصاديًّا وسياسيًّا؛ حيث وقَّعت مع واشنطن على قرض بقيمة 2 مليار دولار ووقَّعت على مذكرة تفاهم من شأنها تمكين السودان من الحصول على تمويل يتجاوز المليار دولار من البنك الدولي كما أصبحت واشنطن أكبر مانح للمساعدات الإنسانية للسودان، عام 2020، بحوالي 437 مليون دولار.
وفي سياق متصل، سعت الولايات المتحدة الأميركية إلى إيجاد مقاربة للتعاون مع المؤسسة العسكرية السودانية، فبعد إعلان إنشاء القاعدة الروسية بالبحر الأحمر أعلنت السفارة الأميركية بالخرطوم أنها ترغب في تعزيز تعاون عسكري وثيق، وأكد الملحق العسكري الأميركي، جاكوب داي، أنه يتواصل مع الجيش السوداني لتعزيز العلاقات الثنائية؛ حيث التقى مع قائد القوات البحرية السودانية، اللواء بحري حاج أحمد يوسف، في القاعدة البحرية السودانية بالبحر الأحمر وبحث معه أطر التعاون العسكري الثنائي.
في ظل الصراع المستمر بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، حذَّرت مساعدة وزير الخارجية الأميركية للشؤون الإفريقية، مولي فيى، من أن انتصار روسيا في السودان يعني عواقب إنسانية وخيمة في منطقة القرن الإفريقي، وقالت ذلك أمام لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي، في فبراير/شباط 2022، لذلك تسعى واشنطن لإعادة صياغة سياستها إزاء الخرطوم بحيث تكون مبنية على أساس مواجهة موسكو.
عقب انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، والإطاحة بالشق المدني من الحكومة الانتقالية برئاسة رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، اتخذت روسيا موقفًا مؤيدًا بشكل مبطن للانقلاب؛ حيث صرَّح نائب ممثل روسيا لدى الأمم المتحدة، ديمتري بوليانسكي، بأنه من الصعب القول ما إذا كان هذا انقلابًا أم لا باعتبار أن هناك أحداثًا مماثلة وقعت في مناطق أخرى في العالم دون أن يُطلق عليها اسم انقلاب. وعلى صعيد متصل، أرجع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، حالة عدم الاستقرار في السودان إلى الأعمال المزعْزِعة للاستقرار من قبل القوى الغربية والتي أدت إلى تآكل وحدة أراضي البلاد وفرض الديمقراطية، في اتهام مباشر للدول الغربية.
وتنظر روسيا إلى الاحتكاكات بين السودان والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي التي وقعت عقب الانقلاب بأنها فرصة مهمة لتعزيز وجودها في السودان واستكمال مشروع قاعدة فلامنجو بالبحر الأحمر وعقد شراكات واسعة في قطاع النقيب عن الذهب والموارد الخام.
السيناريوهات المتوقعة
إن خطر مسألة التقارب السوداني-الروسي كونه يجعل السودان مسرحًا لتصفية الحسابات والتنازع مع الدول الأخرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وألمانيا وإلى حدٍّ ما الصين؛ حيث كل هذه الدول لديها أطماع في السودان وبالأخص الساحل الممتد على البحر الأحمر. كما أن هناك ضغوطًا إقليمية من قبل المملكة العربية السعودية والدول الثماني المطلة على البحر الأحمر التي وقَّعت اتفاقية الرياض الأمنية في عام 2020، والتي تنص على إبعاد النفوذ الأجنبي من البحر الأحمر؛ لذلك يواجه السودان ضغوطًا من الدول المطلة على البحر الأحمر لعدم السماح بوجود قواعد أجنبية.
عمومًا، على ضوء التقارب السوداني-الروسي نحاول فيما يلي رسم بعض السيناريوهات حول استشراف مستقبل الحضور الروسي في السودان على النحو التالي:
1. التقارب السوداني-الروسي ربما يشكِّل ضغطًا على الإدارة الأميركية يجعلها تخفف من لهجتها وعقوباتها إزاء المكون العسكري المتحالف مع قوى الحرية والتغيير ميثاق التوافق الوطني، في محاولة لاحتوائه إذا باءت محاولاتها المرتبطة بإعادة مسار التحول الديمقراطي وتشكيل حكومة مدنية توافقية بين القوى السياسية بالفشل، على أمل أن تضمن ولاءه لها ولقطع الطريق أمام أي طموح روسي للتمدد في القرن الإفريقي عبر بوابة السودان
2. العودة إلى مربع العقوبات الأميركية والتأثير والضغط على المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وإعادة النظام السوداني إلى مرحلة العزلة والحصار. وفي إطار تحقيق ذلك، جمدت الولايات المتحدة الأميركية مساعدات بقيمة سبعمئة مليون دولار وأوقف البنك الدولي منحه تنموية بقيمة ملياري دولار للبلاد.
3. بعد انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 وحرب أوكرانيا، ترى روسيا أنه حان الوقت لتوطيد حضورها بشكل فعال بالسودان لتحقيق مصالحها الإستراتيجية والاستفادة من حالة التراجع التي تشهدها العلاقات الأميركية-السودانية حيث تشدد واشنطن الحصار على نظام الخرطوم حتى يعود إلى مسار الانتقال المدني الديمقراطي. في إطار ذلك، استخدمت روسيا حق النقض ضد مشروع قرار يدين إجراءات البرهان ويصفها بالانقلاب. بالمقابل، رفض السودان التصويت على مشروع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المتعلق بإدانة العدوان الروسي على أوكرانيا.
من هذا المنطلق، أعتقد أن زيارة نائب رئيس مجلس السيادة وقائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان (حميدتي)، في فبراير/شباط 2022، سيكون لها ما بعدها؛ حيث صرَّح عقب وصوله إلى مطار الخرطوم بأنه بحث مع المسؤولين الروس التعاون في مجال الأمن القومي وقضايا سياسية وتبادل الخبرات والتعاون المشترك ومكافحة الإرهاب والتدريب. وفيما يتعلق بمصير القاعدة البحرية الروسية بالبحر، قال: هناك دول إفريقية بها قواعد ولا أعرف السبب وراء الاهتمام المتزايد بهذه القاعدة، وأكد أن السودان عليه البحث عن مصالحه الإستراتيجي.
خاتمة
يرتبط الحضور الروسي في السودان بمصالح موسكو الإستراتيجية باعتبار الخرطوم حلقة وصل بين دول شرق إفريقيا ووسطها وغربها، ومحورًا مهمًّا لحماية الوجود الروسي في إفريقيا الوسطى ومحاولة التغلغل في جنوب السودان وتشاد... إلخ. كما أن استكمال مشروع القاعدة الروسية بالبحر الأحمر سيكون بمنزلة مخزن ضخم لتدفق الأسلحة والمعدات العسكرية إلى مراكز النفوذ الروسي في قارة إفريقيا في مالي وموزمبيق والكونغو، ويمكن أن تستخدم كمخلب قطٍّ في أي صراع روسي-غربي محتمل. فضلًا عن أن استمرار التعاون بين الدعم السريع ومجموعة فاغنر يضمن استمرارية تدفق كميات كبيرة من الذهب (واليورانيوم) بطرق لا تحقق أي مكاسب للاقتصاد السوداني وتصب فقط في دعم مشروع روسيا القائم على توفير احتياطيات ضخمة من الذهب والمعادن. وفي ظل ميل النظامين للشمولية والحرب ومعاداتهما لتطلعات الشعوب وسيادة الفساد في كل منهما، أعتقد بأن نظامي الخرطوم وموسكو سيتعاونان أكثر وأكثر في الفترة القادمة.
*محمد تورشين / باحث متخصص في الشؤون الإفريقية.