تبدأ خلال 10 أيام جولة الرئيس الأميركي جوزيف بايدن الشرق أوسطية. سيزور خلالها المملكة العربية السعودية و"إسرائيل" وفلسطين بين 13 و16 تموز/يوليو الجاري.
يتصاعد النشاط الدبلوماسي الأميركي في المنطقة ترقباً لهذه الزيارة. ومن الواضح أن البيت الأبيض يحاول التأكد من أن دول الشرق الأوسط تقف إلى جانب الغرب في المواجهة مع روسيا، إذ تعتمد فعالية الضغط الدولي على الاتحاد الروسي إلى حد كبير على مدى نجاح الولايات المتحدة في ذلك.
تتضمّن رحلة بايدن، التي يزور خلالها المملكة العربية السعودية للمرة الأولى منذ توليه منصبه، العديد من الأسرار والخفايا. يحاول البيت الأبيض في الوقت الحالي عدم الكشف عن جميع ملابسات الاتفاقيات التي تود الولايات المتحدة التوصل إليها.
انطلاقاً مما هو معروف حتى الآن، تعتزم إدارة بايدن تسريع عملية المصالحة بين الدول العربية و"إسرائيل"، من خلال زيادة عدد الموقّعين على ما يسمى الاتفاقيات الإبراهيمية. كما أنها تخطط لإزالة الشوائب في علاقتها مع المملكة العربية السعودية وحاكمها الفعلي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. كما يهدف بايدن إلى تنفيذ مشروع طموح، هو إنشاء تحالف عسكري وسياسي برعاية الولايات المتحدة.
في الواقع، سيكون "الناتو الشرق الأوسطي" هذا معادياً لإيران. والأهمّ من ذلك، سيكون معادياً لروسيا. وقد أظهرت الأحداث المرافقة للنزاع بين روسيا وأوكرانيا أنّه لا يمكن تجاهل دور العالم العربي فيها، إذ يكفي أن نقول إن الأمر متروك للدول العربية في نهاية المطاف، فيما إذا كان بإمكان الغرب تعويض الحظر المفروض على موارد الطاقة الروسية أم لا، وما إذا كان بإمكان روسيا زيادة إمداداتها النفطية إلى الصين والهند، اللتين تعتمد أسواق الطاقة فيهما على الخليج بنسبة كبيرة.
وعلينا ألا نغفل أنَّ الشرق الأوسط اتخذ موقفاً محايداً في النزاع بين روسيا وأوكرانيا. ولم يدعم الموقف الروسي فيه سوى سوريا لأسباب واضحة، حتى إنها اعترفت بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين، فكان ردّ أوكرانيا عليها بقطع العلاقات الدبلوماسية معها.
في المقابل، لم يدِن تصرفات الاتحاد الروسي سوى "إسرائيل". وقد أتى ذلك بالتحديد على لسان وزير خارجيتها يائير لبيد، الذي بات منذ الأول منذ تموز/يوليو رئيس حكومة الدولة العبرية. وقد أعلن أنَّ أراضي بلاده لن تستخدم للالتفاف على العقوبات ضد روسيا.
أما الدول العربية، فلم يصدر عنها تصريحات مماثلة. وقد تحدّث نائب وزير الخزانة الأميركي أديوال أدييمو في 22 حزيران/يونيو، على مائدة مستديرة عقدها اتحاد مصارف الإمارات العربية المتحدة، مبلّغاً أن الولايات المتحدة ستلاحق بصرامة جميع منتهكي نظام العقوبات، بصرف النظر عن الدولة التي ينتمون إليها.
من بين الاجتماعات التي عُقدت عشية جولة بايدن الشرق أوسطية، علينا إيلاء اهتمام خاص بالمحادثات الأخيرة في شرم الشيخ، والتي تابعتها "وول ستريت جورنال". وبحسب النص المنشور، اجتمع ممثلو قيادات القوات المسلحة الإسرائيلية والمصرية والأردنية والسعودية والقطرية في شرم الشيخ لمناقشة استراتيجية مكافحة التهديدات المشتركة للأمن القومي في هذه الدول.
وأكّدت الصحيفة أنَّ المحادثات جرت بفضل جهود الولايات المتحدة وبرعايتها. إننا نلحظ صلة بين هذا الحدث والتصريح المثير لوزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس بشأن التحضير لإنشاء تحالف الدفاع الجوي في الشرق الأوسط (MEAD)، وهو تحالف ترعاه واشنطن.
ولا تنكر سلطات الدول العربية أنَّ هذا المشروع قيد المناقشة، لكنَّها تفضل الحديث عن "الناتو الشرق الأوسطي" كمسألة مستقبلية، ربما ليس في القريب العاجل. وقد صرح وزير الخارجية المصري سامح شكري، خلال زيارته البحرين في الأول من تموز/يوليو، أن "إنشاء تحالف أو تنظيم عسكري جديد يتطلَّب مشاورات مكثفة، وهذه المسألة ليست قيد البحث في الوقت الراهن".
ووفقاً لشكري، لن يُناقش تحالف الدفاع الجوي خلال قمة مجلس التعاون الخليجي في جدة، والتي سيحضرها بايدن، مشدداً على أن بلاده تسعى دائماً لـ "تفعيل الآليات الأمنية العربية المشتركة".
وتحاول جهات أميركية دفع الولايات المتحدة إلى التقارب مع العالم العربي من أجل الحدّ من نفوذ الاتحاد الروسي هناك، وذلك وفق تقرير أعدته خدمة أبحاث الكونغرس (CRS) في حزيران/يونيو الماضي، وهي مؤسّسة دراسات لا حزبية تعمل في خدمة المشرعين الأميركيين. شارك في إعداد التقرير خبراء بارزون، مثل جيريمي م. شارب وكوري فيلت، وموضوعه تأثير الصراع الروسي الأوكراني في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
تحتوي الوثيقة عدداً من الملحوظات والتوصيات المثيرة للاهتمام. على سبيل المثال، استناداً إلى بيانات الحكومة الأميركية، لوحظ أنَّ الصراع الروسي الأوكراني كان له تأثير مباشر في منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً اليمن وسوريا والعراق، وهي دول تعرضت لانقطاع في استيراد القمح والمنتجات الزراعية الأخرى.
يقترح معدّو التقرير التقدم خطوة إلى الأمام، والتلميح إلى إمكانية التضحية بالمبادئ الأميركية من أجل الحد من نفوذ الاتحاد الروسي. إنهم يولون اهتماماً خاصاً بمصر، التي احتلت عام 2021 المرتبة الثالثة في مشتريات القمح الروسي، مزاحمةً إيران التي حلت في المرتبة الثانية.
إضافة إلى ذلك، تعد مصر، وفق ما ورد في التقرير، ثالث أكبر مستورد للأسلحة بعد السعودية والهند، ويؤكد معدو التقرير أهمية أن أكبر دولة في العالم العربي لا ينبغي أن ترتبط بروسيا بهذا الحجم من الاستيراد.
ويخلص التقرير إلى أن "الكونغرس يمكنه تثمين الحصول على وعد مصري بإلغاء مشتريات الطائرات الروسية في مقابل تمكينها من شراء طائرات أميركية، على الرغم من المخاوف المستمرة بشأن سجل حقوق الإنسان السيئ في مصر". ببساطة، يقترح محللو الكونغرس نسيان المبادئ الديمقراطية في مكان ما، إذا كان ذلك يسمح بانتزاع دولة عربية من روسيا.