قال الصحفي الأميركي البارز توماس فريدمان في مقال له بصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، إن الحرب في أوكرانيا توشك أن تدخل مرحلة جديدة هي الأخطر منذ بداية الصراع، مشيرا إلى تحسن أداء القوات الروسية مقارنة بأدائها المتعثر -الذي أودى بحياة آلاف الجنود الروس- في بداية الحرب.
وأبرز فريدمان أن اعتقاده بقرب دخول الحرب مرحلة جديدة مبني على أنه بالرغم من خسائر الجيش الروسي الذي فقد العديد من جنوده وجنرالاته خلال الحرب، فإن حلفاء أوكرانيا الصامدين في حلف شمال الأطلسي (الناتو) متعبون بسبب تداعيات الحرب.
وأوضح أن الحرب أسهمت في ارتفاع كبير في أسعار الغاز الطبيعي والبنزين والمواد الغذائية في أوروبا، وإذا استمرت الحال على هذا المنوال خلال فصل الشتاء، فقد تضطر العديد من العائلات في دول الاتحاد الأوروبي للاختيار بين التدفئة والغذاء.
الشتاء صديق بوتين!
وبناء على ذلك، يرى فريدمان أن المرحلة الجديدة للحرب هي ما أطلق عليه اسم "إستراتيجية الشتاء" للرئيس الروسي فلاديمير بوتين مقابل "إستراتيجية الصيف" لحلف الناتو.
وقال إنه من الواضح أن بوتين مستعد لمواصلة الحرب في أوكرانيا، على أمل أن يؤدي التضخم المرتفع في أسعار الطاقة والغذاء في أوروبا إلى شق صف حلف الناتو في نهاية المطاف.
ويرى فريدمان أن بوتين يراهن على جملة من العوامل، من بينها انخفاض درجات الحرارة في أوروبا خلال الشتاء أكثر من المعتاد، وتراجع إمدادات النفط والغاز عالميا مع ارتفاع أسعار الطاقة، والانقطاع المتكرر للكهرباء في عدة بلدان بسبب نقص الطاقة، لأن ذلك من المرجح أن يحمل أعضاء الناتو الأوروبيين للضغط على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لعقد اتفاق مع روسيا -أيا كانت طبيعته- لوقف القتال.
وقال فريدمان "لا بد أن بوتين يقول لجنوده وجنرالاته المنهكين: فقط استمروا حتى حلول أعياد الميلاد، فإن الشتاء صديقنا".
ويرى الكاتب أن إستراتيجية بوتين وجيهة، فقد أفاد تقرير نشرته "نيويورك تايمز" الأسبوع الماضي أن المسؤولين بالبيت الأبيض يخشون من أن تؤدي جولة جديدة من العقوبات الأوروبية الهادفة إلى الحد من تدفق النفط الروسي إلى أوروبا بحلول نهاية العام إلى ارتفاع جديد لأسعار الطاقة، الأمر الذي سيشكل ضربة للمستهلكين تفاقم معاناتهم، كما قد يؤدي إلى انكماش حاد في اقتصاد الولايات المتحدة وغيرها من البلدان الغربية. وقد تؤدي سلسلة الأحداث هذه إلى تفاقم أزمة الغذاء الحادة التي تعاني منها الدول في جميع أنحاء العالم.
كما يشير التقرير نفسه إلى أن جهود الناتو والاتحاد الأوروبي للحد من الاعتماد على صادرات النفط الروسي إلى أوروبا قد تؤدي إلى ارتفاع في أسعار النفط يبلغ نحو 200 دولار للبرميل أو أكثر. وقد ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا بنحو 700% منذ بداية العام الماضي، الأمر الذي وضع القارة الأوروبية على شفا الركود الاقتصادي.
الناتو و"إستراتيجية الصيف"
ومقابل إستراتيجية الشتاء -كما يسميها الكاتب- التي يعتمدها بوتين، يرى فريدمان أن المسؤولين في الناتو والولايات المتحدة وأوكرانيا يفكرون بمنطق يقول "نعم.. قد يكون الشتاء عدونا. لكن الصيف والخريف قد يكونان صديقين لنا؛ فإذا تمكنا من إلحاق أضرار معتبرة بجيش بوتين المتعب الآن، فإنه سيقبل -على الأقل- بوقف إطلاق النار".
كما يرى أن هذه الإستراتيجية أيضا ليست سيئة، وذلك لأن بوتين قد يكون حقق بعض المكاسب الآن شرقي أوكرانيا، ولكن تكلفتها باهظة للغاية، حيث تشير العديد من التحليلات العسكرية إلى أن الجيش الروسي خسر نحو 15 ألف جندي في أقل من 5 أشهر خلال الحرب، وهو رقم مذهل. وقد يكون عدد الجرحى ضعف هذا الرقم، كما تم تدمير نحو ألف دبابة روسية.
وقال فريدمان إن مسؤولين في الإدارة الأميركية أخبروه بأن بوتين ليس لديه ما يكفي من القوات في الوقت الحالي لمحاولة الخروج من شرقي أوكرانيا والاستيلاء على ميناء أوديسا، حتى يتمكن من فرض حصار بحري على أوكرانيا وخنق اقتصادها.
وأشار إلى أن بوتين لا يرغب في زيادة التجنيد؛ لأن ذلك سيكشف أمام شعبه أن ما قال إنها مجرد "عملية عسكرية خاصة" في أوكرانيا هي حرب أكبر من ذلك بكثير، بل وتزداد سوءا.
وقال فريدمان إنه من الواضح أن الناتو يأمل في أن يتمكن الجيش الأوكراني من استخدام أنظمة الصواريخ المدفعية الجديدة "إم 142" (M142) المتطورة أو صواريخ "هيمارس" التي زودت بها الولايات المتحدة كييف مؤخرا، لإلحاق مزيد من الأضرار البشرية واللوجستية بالقوات الروسية في أوكرانيا خلال فصلي الصيف والخريف.
الأمر الذي لو تحقق، فإنه لن يوقف تقدم القوات الروسية فحسب، بل سيقود كذلك لخسارة الأراضي التي سيطرت عليها، مما قد يحمل الرئيس الروسي على الموافقة على وقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى، والسماح بعمليات إجلاء إنسانية، وتوفير ظروف أفضل لصادرات الغذاء الأوكرانية. وهي أمور من شأنها المساعدة في تخفيف التضخم، وبالتالي تخفيف الضغط على حلفاء أوكرانيا الأوروبيين الذين قد يسعون إلى الدفع نحو عقد أي اتفاق مع بوتين لإنهاء الحرب.
ويرى الكاتب أنه لا توجد مؤشرات في الوقت الراهن على استعداد بوتين لعقد اتفاق سلام نهائي، ولكن قد يكون بالإمكان حمله على الموافقة على وقف إطلاق النار عن طريق السيناريو المذكور آنفا، الأمر الذي سيشكل إغاثة لأسواق الطاقة والغذاء.
وختم فريدمان مقاله بأنه يرى "نظرا لكل هذه الأسباب أن الحرب في أوكرانيا على وشك الدخول في أخطر مراحلها منذ بداية الغزو الروسي فبراير/شباط"؛ وهي مرحلة تقوم على "إستراتيجية الشتاء" لبوتين في مقابل "إستراتيجية الصيف" التي يتبعها الناتو.