• اخر تحديث : 2024-11-23 11:50
news-details
تقدير موقف

تعثر اجتماعات جنيف لحلحلة الصراع الليبي


أعلنت المستشارة الأممية، ستيفاني ويليامز، في 30 يونيو 2022، انتهاء اجتماعات جنيف، بين رئيسي مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، والمجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، في 28 من الشهر ذاته برعاية أممية، من دون التوصل إلى توافقات بشأن شروط الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، على الرغم من التقدم الذي أحرزته هذه الاجتماعات حول غالبية النقاط العالقة بين مجلسي النواب والدولة حول القاعدة الدستورية.

إنجاز منقوص:

عاد رئيسا مجلس النواب والدولة الليبيين لطاولة المفاوضات مرة أخرى، بناء على دعوة أممية، في محاولة للتوصل إلى توافقات بشأن المواد الخلافية، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:

1. اجتماعات جنيف: احتضنت مدينة جنيف السويسرية، خلال يومي 28 و29 يونيو 2022، اجتماعات بين صالح والمشري، بناء على دعوة المستشارة الأممية، ستيفاني ويليامز، وذلك لبحث نقاط الخلاف، التي أدت إلى تعثر الاتفاق بشأن القاعدة الدستورية التي ستحكم العملية الانتخابية المقبلة، خلال جولات الحوار الثلاث للجنة المشتركة للمسار الدستوري في القاهرة. وكانت البعثة الأممية قد فشلت في تنظيم هذا اللقاء قبل نحو عشرة أيام بالتزامن مع اجتماعات اللجنة الدستورية المشتركة.

2. اختراق واضح: أعلنت ويليامز، في 30 يونيو، أن الاجتماعات بين صالح والمشري، في جنيف أفرزت توافقات غير مسبوقة بين الطرفين بشأن غالبية المواد الخلافية في مشروع الدستور الليبي لعام 2017، حيث تم التوافق على أن يكون مقر مجلس النواب الليبي في بنغازي، بينما يكون مقر مجلس الشيوخ في مدينة سبها، على أن توزع مقاعد مجلس الشيوخ على الأقاليم الليبية الثلاثة، فضلاً عن التوافق بشأن توزيع السلطة بين الرئيس ومجلس الوزراء والحكومات المحلية، وكذا الاتفاق على شكل اللامركزية، بما في ذلك ترسيم عدد المحافظات وصلاحياتها وتوزيع الإيرادات على مختلف المستويات، وزيادة نسبة تمثيل المكونات الثقافية.

وكانت بعض المصادر المرتبطة بمجلسي النواب والدولة الليبيين، قد أعلنت في وقت سابق أن رئيسا المجلسين توصلا إلى اتفاق بشأن القاعدة الدستورية خلال اجتماع جنيف، خاصة بعدما تم التوصل لتفاهمات حول المواد المتعلقة بنظام الحكم وشروط الترشح للانتخابات.

3. نقطة خلاف وحيدة: على الرغم من التقدم الكبير المحرز في اجتماعات جنيف، بيد أن الطرفين لم يتفقا على شروط الترشح لأول انتخابات رئاسية في ليبيا، خاصةً فيما يتعلق بإمكانية ترشح مزدوجي الجنسية. وأشارت بعض التقديرات إلى أن ثمة توافق حدث بين رئيسا مجلسي النواب والدولة بشأن هذه النقطة، مع تقديم كل طرف لبعض التنازلات، مفادها موافقة عقيلة صالح على السماح لمزدوجي الجنسية بالترشح للانتخابات الرئاسية، مقابل دعم خالد المشري لحكومة باشاغا بعد إجراء بعض التعديلات الوزارية عليها. ولكن يبدو أن الخلاف بين الطرفين عاد مرة أخرى في اليوم الثاني من الاجتماعات في جنيف، وهو ما ارتبط بتواصل بعض الأطراف الداخلية في ليبيا مع طرفي المباحثات، وحالت دون إتمام هذا التوافق.

وألمحت المستشارة الأممية إلى أنها سوف تقوم بطرح بعض البدائل للمضي قدماً في هذا الأمر. وفي هذا السياق، أصدرت السفارة الأمريكية في ليبيا بياناً في أعقاب انتهاء اجتماعات جنيف الأخيرة بشأن ليبيا، أكدت خلاله على ترحيبها بالتقدم المحرز في المباحثات، ومطالبة مجلسي النواب والدولة على العمل لحلحلة الخلافات القليلة المتبقية بشكل عاجل.

انقسامات دولية:

عكست المتغيرات الأخيرة التي شهدها الملف الليبي بشأن المسار الدستوري جملة من الدلالات المهمة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1. موقف غربي ملتبس: أصدرت خمس دول غربية، هي الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا، بياناً بالتزامن مع انطلاق اجتماعات جنيف، أعلنت خلاله دعمها للتوافقات التي انبثقت عن اجتماعات اللجنة الدستورية المشتركة في القاهرة، داعية إلى سرعة التوافق على القاعدة الدستورية بين رئيسي مجلس النواب ومجلس الدولة، تمهيداً لإجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن.

كما أشارت إلى رفضها لكافة الإجراءات التي قد تؤدي إلى العنف، أو مزيد من الانقسامات في ليبيا، بما في ذلك إنشاء مؤسسات موازية أو محاولة الاستيلاء على السلطة بالقوة، أو رفض تسليم السلطة بشكل سلمي إلى هيئة تنفيذية يتم تشكيلها من خلال عملية شرعية وشفافة.

وأثار هذا البيان حالة من الجدل في الداخل الليبي، نظراً لما تضمنته من مصطلحات فضفاضة، تحمل معاني متضاربة، وتحذيرات يمكن تأويلها بأشكال مختلفة، ولأطراف عديدة، وقد انعكس هذا اللغط في إعلان حكومتي باشاغا والدبيبة عن ترحيبهما بهذا البيان، حيث اعتبر كل طرف أن هذا البيان جاء داعماً له في مواجهة الآخر.

2. تسليم أمريكي بالانقسام: عكست التصريحات الأخيرة التي أطلقها السفير الأمريكي لدى ليبيا، ريتشارد نوريلاند، مقاربة أمريكية جديدة مفادها التعامل مع حالة الانقسام السياسي الراهن في ليبيا باعتبارها أمراً واقعاً، وهو ما يعكس التردد الأمريكي، وعدم تبنيها موقفاً واضحاً إزاء الأطراف المتنافسة.

وأشار نوريلاند إلى إمكانية إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية الليبية من دون الحاجة إلى وجود حكومة واحدة في البلاد، من خلال الإبقاء على الحكومتين الحاليتين، مع تولى الأطراف التي تهيمن على السلطة في أجزاء مختلفة داخل ليبيا مسؤولية قيادة العملية الانتخابية في هذه المناطق بشكل منفصل، حيث أوضح بأن واقع المشهد الداخلي في ليبيا يعكس عدم قدرة أي طرف أن يقود المشهد بشكل منفرد.

كما أقترح السفير الأمريكي تشكيل لجنة تتضمن ممثلين عن مختلف الأطراف الهيئات الرقابية والبرلمان ووزارة المالية للأشراف على ملف الإنفاق للحكومتين الموازيتين، وهو ما لاقى اعتراضات داخلية واسعة، من قبل مجلسي النواب والدولة، باعتبارها تزيد تعميق الأزمة، وتمثل تدخلاً في الشأن الداخلي الليبي.

ارتدادات محتملة:

تعكس المعطيات الراهنة التي شهدها الملف الليبي خلال الأيام الأخيرة عدداً من الارتدادات المحتملة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1. احتمالات تجدد الصراع: أشارت بعض التقديرات إلى أن الفترة المقبلة ربما تشهد عودة الصراعات بشأن السيطرة على العاصمة طرابلس، وهو ما ربطته بعض التقديرات بالتصريحات الأخيرة لرئيس الحكومة المكلفة من قبل البرلمان، فتحي باشاغا، والذي دعا حكومة الدبيبة المقالة إلى قبول الخروج الآمن من طرابلس، مشيراً إلى أن تسلم حكومته مقارها في طرابلس بات قريباً جداً، في ظل الحديث عن إمكانية أن تشهد الفترة المقبلة تعديلات وزارية في حكومتي باشاغا والدبيبة لمحاولة كل طرف الحصول على دعم داخلي أوسع.

ويرتبط القلق من احتمالات عودة العنف في الداخل الليبي من التحركات الأخيرة التي أقدمت عليها حكومة الدبيبة المقالة، والتي تتجه لإعادة تشكيل مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، برئاسة مصطفى صنع الله، في خطوة لاقت اعتراضات واسعة من قبل البرلمان الليبي، الأمر الذي ينذر بمزيد من الصراعات الداخلية خلال الفترة المقبلة.

2. مفاوضات الفرصة الأخيرة: ألمحت المستشارة الأممية إلى أن ثمة ترتيبات يجري التحضير لها لإعادة المفاوضات بين رئيسي مجلس النواب ومجلس الدولة خلال الأسابيع المقبلة، في محاولة جديدة لإنهاء نقطة الخلاف القائمة بين مجلسي النواب والدولة تمهيداً للوصول إلى انتخابات برلمانية ورئاسية.

وربما يدعم ذلك قرار الأمين العام للأمم المتحدة لتجديد مهام المستشارة الأممية، ستيفاني ويليامز، لشهر واحد، في خطوة اعتبرتها العديد من التقديرات بأنها باتت تمثل الفرصة الأخيرة لصياغة توافقات بين المجلسين، قبل أن يتم طرح مبادرة دولية جديدة، ربما تفرز جسم سياسي جديد في المشهد الليبي، أو التعويل على المجلس الرئاسي ومنحه مزيد من الصلاحيات لقيادة المرحلة الانتقالية.

3. حراك موازٍ في الجنوب الليبي: أعلن عدد من الأعيان وأنصار النظام السابق في الجنوب الليبي والداعمين لسيف الإسلام القذافي عن الاتجاه لتشكيل حكومة جديدة ثالثة في البلاد، تكون مسؤولة عن إدارة المنطقة الجنوبية، على غرار الحكومتين الحاليتين، لباشاغا والدبيبة، ملوحين إلى أن منطقة الجنوب لطالما عانت من التهميش والاقصاء، ومطالبين بسرعة إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية من دون تأخير أو إقصاء.

كما دعت هذه المجموعة، التي ضمنت أعيان وقيادات قبلية من الجنوب الليبي، أبناءها المنخرطين في الجيش الوطني الليبي إلى الانسحاب من المؤسسة العسكرية، من أجل تشكيل قوة عسكرية خاصة بالمنطقة الجنوبية تتولى مسؤولية حمايتها وتأمينها.

وتأتي هذه التحركات لتنذر بمحاولة منطقة الجنوب طرح نفسها كرقم منفصل داخل ليبيا، كما توجد مؤشرات حول سعي سيف الإسلام القذافي للعودة مرة أخرى لتصدر المشهد، وضمان حضوره في أي ترتيبات مقبلة.

وفي الختام، على الرغم من المؤشرات الإيجابية التي عكسها اجتماع جنيف بين رئيسي مجلسي النواب والدولة، وما تمخض عنه من توافقات واسعة، بيد أن استمرار الخلاف بشأن بعض شروط الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة يعكس مدى تعقد المشهد الليبي الداخلي، في ظل تعدد وتشابك الأطراف الداخلية المحركة للمشهد، بالتزامن مع موقف دولي ملتبس وغير واضح حتى الآن، مما يجعل احتمالات تصعيد حدة الصراعات الداخلية قائماً.