العدوان والاغتيال المفاجئ، لم يكن مفاجئًا ضد قيادة سرايا القدس، لا سيما بعد أربعة أيام من التوتر والاستنفار على حدود القطاع، وما ساد بين المستوطنين من شعور بفقدان الأمن والسيادة، والاحتجاجات ضد حكومة لبيد الضعيفة التي لم تستطع أن تؤمّن لهم الحياة الآمنة، بعد اعتقال الشيخ بسام السعدي ومحاولات الربط بين الضفة والقطاع ورفض الاحتلال لهذا الربط.
قبل ساعات من الاغتيال، صرح غانتس مهددًا "وقتكم انتهى، وإن الجيش سينهي التهديد بكل الوسائل المُمكنة"، وهو تصريح حمل رسالة واضحة بطبيعة القرار الإسرائيلي بتوجيه ضربة كبيرة لحركة الجهاد الإسلامي.
قرار لبيد الذي ينطوي على جرأة كبيرة بالمبادرة بعدوان كبير هو جزء من قرار استراتيجي، اتخذ في عهد حكومة بينت، عندما أصروا على تنفيذ "مسيرة الأعلام" حتى بثمن حرب كبيرة.
حكومة بينت وحكومة لبيد الحالية، بمساعدة وإسناد المستوى الأمني، أخذت قرارًا استراتيجيًا بأنها لن تحتوي أيّ تصعيد، وستدخل أيّ حرب مهما كانت التحديات والتهديدات؛ وهو أمر له علاقة بالدوافع الانتخابية وصد كل انتقاد أو هجوم عليها من جانب معسكر نتنياهو. ولأنها حكومة متهمة بالضعف وبأنها تشكّل خطرًا على أمن إسرائيل، وبأن زعامتها عديمة الخبرة؛ كل هذا جعلها أكثر قدرة على المغامرة، وأقل رصيدًا من حكومات نتنياهو على احتواء التصعيد. كما ان لبيد في قرارة نفسه يعتقد بأن كل عدوان على القطاع مهما كان واسعًا وكبيرًا سيكون لصالحة انتخابيًا، وسيعزز مكانته كرئيس وزراء قادر على إدارة الدولة والتصدي للتهديدات.
نتائج عدوان مايو 2021 شكّلت دافعًا وعنصر تعزيز، فالجيش الذي شعر بالإهانة والفشل كان بحاجةٍ ماسةٍ لاستعادة بعض كرامته واستعادة بعض الردع، وقد شاهدنا ذلك إبان دعم الجيش لمسيرة الأعلام. من جهة أخرى، فإن قصف تل أبيب والقدس والمدن البعيدة بكثافة في الحرب السابقة قد حرر لبيد من تحمل مسؤولية أن تقصف هذه المدن لأول مرة وتكون في عهده، وبالتالي يشعر بأن ما حدث من قصف في عهد نتنياهو لن يسيئه شيئًا إذا ما تكرر، لكنه على غير موقف نتنياهو سيدفع باتجاه عدوان أكثر قسوة هدفه تأمين الردع وإنهاء تهديدات الربط بين الضفة والقدس والقطاع.
كما أن فشل المقاومة في "سيف القدس" بالقيام بعمليات نوعية (أنفاق، تسلل، تفجير، إنزال بحري ...الخ) واقتصار ردها على الصواريخ؛ جعلهم أكثر جرأة، لأن أقصى ما يُمكن أن يكون من رد المقاومة هو ما قامت بهِ من قصف في "سيف القدس"؛ وهو أمر محتمل لديهم وثمن قادرون على دفعه في سبيل تأمين الردع.
المبادرة بالاغتيال لثلة من قادة السرايا كان له هدفيْن؛ الأول: تسجيل نصر يسمح لهم بوقف الحرب في أيّ وقت، والثاني: إرباك قيادة السرايا وجعلها غير قادرة على اتخاذ قرار الرد، وخلق حالة من التشويش بضرب منظمة اتخاذ القرار الميداني.
الإعلان باقتصار الاستهداف فقط لحركة الجهاد الإسلامي هو محاولة لشق صفوف المقاومة والاستفراد بحركة الجهاد، وإن نجحوا في استمرار تحييد كتائب القسام فقد حققوا بذلك هدفًا نوعيًا سيكون له تأثيراته المتعددة.
كما أن مبادرة حكومة لبيد الانتقالية بعدوان منفتح على احتمالات تصعيد كبيرة يحمل رسالة تهديدية لحزب الله، لا سيما فيما يتعلق بمنصة "كاريش" لاستخراج الغاز.
التقديرات في إسرائيل بأن رد الجهاد الإسلامي لا زال محدودًا وضعيفًا، وبأن الجهاد يرغب في إطالة أمد العملية، وبأنه يدير ما يسمى باقتصاد الحرب، أي الاستنزاف في انتظار أن تواتيه فرصة لشن هجوم قاتل، وبأنه لا زال لم يستخدم قدراته المؤثرة. ويحذرون في إسرائيل من أن حماس قد تدخل المعركة فيما لو ارتكب أيّ خطأ جسيم، كأن يسقط عدد كبير من الضحايا.