بعد مرور أكثر من ستة أشهر على اندلاعها، لم تعد الحرب الأوكرانية تتصدر نشرات الأخبار. تراجع اهتمام محطات التلفزة العالمية بالنقل المباشر لخطابات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، كما تراجع حرصها على تكريس فقرات بارزة لأحداث القصف الروسي للأهداف الأوكرانية، المدنية منها أو العسكرية، أو فرار آلاف اللاجئين الأوكرانيين من بلداتهم ومدنهم. وبالرغم من الأوكرانيين باتوا أقدر على توجيه ضربات مؤلمة لمواقع القوات الروسية المحتلة في شرق أوكرانيا أو جنوبها، فنادرًا ما تحاول وسائل الإعلام الكبرى قراءة متغيرات ميزان القوى في ساحة الحرب واحتمالات تطورها.
بصورة من الصور، يبدو أن الرأي العام العالمي (بغضِّ النظر عمَّا يعنيه الرأي العام العالمي على وجه التفصيل) يحاول التحرر من عبء الحرب الأوكرانية، الذي أثقل كاهله خلال أشهر الشتاء والربيع. ولأن الحرب اندلعت في أواخر عامين من وباء أصاب أغلب دول العالم بما يقارب الشلل، فقد بدا أنها تمثل فصلًا جديدًا من تآمر المرض والسياسة على حياة المجتمع الإنساني برمته. بحلول الصيف، والانقشاع النسبي لمخاطر الوباء، سارعت وسائل الإعلام ودوائر مراقبي السياسة والعلاقات الدولية إلى محاولة التخلص من تمثلات الوباء والحرب على السواء.
الحقيقة، أن الحرب الأوكرانية لم تزل مستمرة بلا هوادة، بل إن أحدًا لم يتوقع، في فبراير/شباط الماضي 2022، لا في الجانب الروسي، أو الأوكراني، أو في دول العالم الأخرى، أن تستمر الحرب كل هذه الشهور، بدون أن تبدو بوادر نهاية لها. خلال الأسابيع القليلة الماضية، وصل تبادل إطلاق المدفعية والصواريخ بين جانبي الحرب مستوى غير مسبوق. وإلى جانب أعداد المهجَّرين الهائلة من الأوكرانيين، سواء من غادر موطنه إلى دول أخرى، أو انتقل إلى مناطق أكثر أمنًا داخل البلاد، فإن عجلة الحرب لم تزل توقع دمارًا بالغًا بالمدن الأوكرانية في الشرق، إضافة إلى مخاطر الإشعاع النووي إن أصاب العطب محطة زاباروجيا في الجنوب الأوكراني، التي تعد واحدة من أكبر محطات توليد الطاقة النووية في العالم. ولكن الأخطر من ذلك كله، أن الأزمة الأوكرانية تطورت بالفعل، وبدون إقرار صريح من الدول الكبرى، إلى أزمة عالمية، تطول معظم دول العالم، من اختاروا أن يكونوا طرفًا في الحرب أصلًا، ومن لم يختاروا.
فكيف كان لأزمة بدأت من خلافات حدودية وقومية إقليمية، تتعلق بتاريخ بالغ التعقيد والاشتباك، أن تتحول إلى أزمة عالمية؟ وإلى أي حدٍّ يمكن للحرب الأوكرانية أن تعيد رسم خارطة القوة على مستوى العالم؟
تحولات الحرب
لم يعد من المجدي الآن العودة إلى الأسباب التي دفعت روسيا إلى بدء الحرب، وما إن كان القرار الروسي انطلق من ضرورات جيوستراتيجية دفاعية ملحَّة، أو من نزعات إمبراطورية، عدوانية توسعية. المهم، أن الحرب ارتكزت في أسابيعها الأولى إلى المبدأ العسكري السوفيتي، مستهدفة تحقيق سيطرة إستراتيجية على أوكرانيا. بمعنى، أن هدف موسكو الأولي كان إيقاع هزيمة عسكرية بالغة بالجيش الأوكراني، بما في ذلك فرض حصار كامل على كييف، ومن ثم إعادة الدولة الأوكرانية إلى دائرة النفوذ الروسي، وفصل أوكرانيا بالكامل عن الغرب، تمامًا كما بات عليه وضع بيلاروسيا.
عمل قادة الحرب الروس على إضعاف مواقع الدفاع وتدمير المقدرات العسكرية الأوكرانية، مستخدمين قصفًا متنوع الأدوات، تمهيدًا لتقدم طوابير مدرعة على عدة محاور باتجاه كييف وعدة مدن أوكرانية إستراتيجية أخرى. ولكن، وسواء بفعل صلابة المقاومة الأوكرانية، أو بقوة الإمدادات العسكرية الغربية، لم يستطع الروس تحقيق أهداف الهجوم الشامل الأولى بالسرعة المتوقعة. نجح الأوكرانيون في إيقاع خسائر فادحة في القوات الروسية المتقدمة إلى كييف وخاركيف، بصورة خاصة، وحوَّلوا معركة ماريوبول إلى حصار باهظ التكاليف. وهذا ما دفع القيادة الروسية إلى تغيير نهج الحرب.
انسحبت القوات المهاجمة لكييف ولم تعد قادرة على مهاجمة خاركيف، وتخلَّت القيادة الروسية عن مبدأ الحرب الهجومية الساحقة والسريعة، معتمدة إستراتيجية حرب الاستنزاف والتقدم البطيء. كما أعلنت موسكو، في الوقت نفسه، أن حربها تستهدف السيطرة على إقليم دونباس، لحماية الأقلية الناطقة بالروسية في أوكرانيا وضمان أمنها واستقرارها، إضافة إلى السيطرة على القطاع الجنوبي من أوكرانيا المحاذي لشبه جزيرة القرم، الضروري لأمن شبه الجزيرة، وحيث حسبت موسكو أن غلبة اللغة الروسية على سكان الجنوب ستجعل من الوجود الروسي العسكري شأنًا سلسًا.
في المقابل، تخلَّت كييف عن نهج التفاوض مع روسيا، سواء بفعل الضغوط الغربية، أو لإدراك القيادة الأوكرانية أنها لا تستطيع القبول بالحد الأدنى من المطالب الروسية، وقررت المضي في مقاومة الهجوم الروسي. وما إن تيقنت القوى الغربية من أن الأوكرانيين عازمون على مواصلة الحرب، حتى بدأت الولايات المتحدة، وحلفاؤها الأوروبيون في الناتو، تنظيم إمدادات دعم إستراتيجي عسكري لأوكرانيا.
قدمت الولايات المتحدة، وبريطانيا، وألمانيا، وبلغاريا، وبولندا، للأوكرانيين، كافة أنواع الذخائر ووحدات مدفعية وقاذفات صواريخ دقيقة، متوسطة المدى، إضافة إلى العربات المدرعة ومضادات الطائرات. بل ثمة أدلة على أن تركيا دعمت أوكرانيا بأعداد من العربات المدرعة، وأنها تواصل تقديم الطائرات المسيرة من طراز بيرقدار، التي كانت كييف قد تعاقدت على شراء أعداد منها قبل اندلاع الحرب. إضافة إلى ذلك، أعلنت بريطانيا، في يونيو/حزيران الماضي 2022، عن خطة لتدريب عشرات الآلاف من الجنود الأوكرانيين. ويُعتقد أن خبراء عسكريين غربيين موجودون في أوكرانيا، تحت غطاء دبلوماسي، لمساعدة الجيش الأوكراني على التدرب على المعدات العسكرية الحديثة، أو حتى الاستخدام التكتيكي لهذه المعدات. إلى جانب ذلك كله، تقدم الولايات المتحدة، ومنذ ما قبل اندلاع نيران الحرب، معلومات استخباراتية دورية، وعند الحاجة، للأوكرانيين.
بلغت المساعدات الغربية العسكرية لأوكرانيا حتى الآن ما يزيد عن عشرة مليارات دولار؛ وليس ثمة مؤشر على أن العواصم الغربية وضعت سقفًا لهذه المساعدات. بمعنى، أن الغرب بات ينظر إلى الحرب الأوكرانية باعتبارها ساحة إنهاك وإضعاف لروسيا وحكومة بوتين. في مقابل حرب الاستنزاف التي تخوضها روسيا لتركيع حكومة أوكرانيا وجيشها، دخلت القوى الغربية الرئيسة الحرب، بصورة غير مباشرة، لاستنزاف الجيش الروسي والقيادة الروسية. ولأن حروب الاستنزاف هي في طبيعتها عصية على التحديد الزمني، فإن أحدًا لا يمكنه التكهن بنهاية هذه الحرب.
ثمة تقارير تفيد بأن خسائر روسيا في الحرب تخطت 15 ألفًا من القتلى في شهور الحرب الستة الأولى، بما في ذلك عشرات من كبار الضباط. كما أن ثمة مؤشرات على أن آلة الحرب الروسية أخذت في إظهار بعض القصور، مثل العجز عن إنتاج متطلبات الحرب من ذخائر المدفعية والصواريخ، أو بدء مفاوضات مع إيران للحصول على أعداد إضافية من الطائرات المسيرة. بل ثمة من يشير إلى أن الحرب تتطلب أعدادًا متزايدة من الجنود، وأن الدولة الروسية أطلقت حملة تجنيد نشطة في كافة أنحاء روسيا، بهدف تجنب إعلان التعبئة العامة، وقامت بسحب أعداد ملموسة من العسكريين الروس الموجودين منذ سنوات في سوريا وليبيا. ولكن، وإلى جانب صعوبة توكيد هذه المؤشرات، أو قراءة دلالتها الفعلية، فإن الحرب في إقليم دونباس تشهد تقدمًا مطردًا للقوات الروسية، وإن كان أبطأ بكثير مما كان متوقعًا من جيش إحدى أكبر القوى العسكرية في العالم.
حرب اقتصادية أيضًا
لم تقتصر المواجهة الروسية-الغربية في أوكرانيا على ساحة الحرب العسكرية، بل اتسعت، ومنذ بداية الأزمة، إلى المجال المالي-الاقتصادي. فرضت الدول الغربية، وبدون قرار أممي، سلسلة من العقوبات على روسيا، الدولة وقطاع الأعمال والمسؤولين، ودفعت إلى خروج كبريات الشركات الغربية من السوق الروسية، سواء تلك العاملة في قطاع الخدمات، أو الطاقة، أو الصناعات التقليدية والإلكترونية؛ وأوقفت حركة الطيران بين روسيا ومعظم الدول الغربية. قررت الدول الأوروبية التوقف عن استيراد الفحم الروسي، والخفض التدريجي لواردات النفط ومنتجاته. كما قامت الدول الغربية بتجميد الأرصدة الروسية المودعة في بنوكها بالدولار والجنيه الإسترليني واليورو، وبدأ نقاش في العواصم الغربية الرئيسة حول ما إن كان ممكنًا استخدام الأرصدة الروسية المجمدة لإعادة بناء ما أوقعته روسيا من دمار في أوكرانيا.
ردَّت روسيا على الحرب المالية-الاقتصادية بعدة طرق: الأولى: تجلت في فرض عقوبات مضادة على الدول والمسؤولين الغربيين، وعلى الشركات الغربية التي استجابت لمنظومة العقوبات الغربية. ولكن موسكو تدرك أن العقوبات التي تفرضها على القوى الغربية لن يكون لها تأثير يُذكر على الاقتصاد الغربي. لذا، فقد لجأت روسيا إلى محاولة تفريغ العقوبات الغربية من محتواها، بإيجاد أسواق أخرى للنفط الروسي، مثل الهند والصين، وبيعه بأسعار أقل من سعر السوق. أما الإجراء الروسي الثالث، فكان القيام بتخفيض إمدادات الغاز الروسي للدول الأوروبية، التي يعتمد عدد منها، بما في ذلك ألمانيا، بصورة كبيرة على الغاز الروسي. كما فرضت روسيا قيودًا أخرى على صادراتها من المعادن النادرة، والأسمدة، والحبوب.
توقعًا للعجز عن توفير حاجات السوق الأوروبية من الغاز خلال الأشهر القليلة المقبلة، فرض الاتحاد الأوروبي على دوله تخفيضًا في استهلاك الغاز بداية من أغسطس/آب 2022. كما بدأ عدد من دول الاتحاد، سيما ألمانيا وفرنسا، بالعودة إلى استخدام الفحم لتشغيل محطات توليد الكهرباء، في تراجع سافر عن سياسات حماية البيئة. ولكن أحدًا لا يستطيع توقع الوضع في دول الاتحاد في الشتاء المقبل، عندما تزداد معدلات استهلاك الغاز لتوليد الكهرباء والتدفئة بصورة كبيرة.
في وقت واحد، اجتمعت عواقب الإغلاق الطويل خلال عامي وباء كورونا، ومشكلة الاضطراب في إمدادات الطاقة وأعداد متزايدة من السلع الزراعية والمصنعة، ومؤشرات الدورة الرأسمالية التقليدية، لتصنع أزمة اقتصادية متفاقمة على مستوى العالم كله. تمثل القوى الكبرى الأربع المعنية بالأزمة الأوكرانية: الصين، وروسيا، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، 60 بالمئة من الناتج الاقتصادي العالمي. وباضطراب العلاقات المالية والاقتصادية بين هذه القوى، ليس من المستغرب أن تضطرب أحوال معظم دول العالم الاقتصادية والمالية.
الارتفاع الكبير والمديد في أسعار مصادر الطاقة؛ وارتفاع أسعار عدد من السلع الزراعية الضرورية، مثل القمح والأسمدة الزراعية؛ والانخفاض الملموس في المعروض من السلع المصنعة التي تدخل الشرائح الإلكترونية في إنتاجها؛ والارتفاع الهائل في مستويات التضخم؛ هي بعض من أبرز مظاهر التأزم الاقتصادي العالمي. ثمة عشرات الملايين من الأسر لم تعد تستطع تدبير شؤون الحياة اليومية، ليس في دول العالم الثالث وحسب، ولكن أيضًا في دول الرفاه الغرب-أوروبية. وبالرغم من وجود أسباب أخرى تتعلق بالسياسات الداخلية، فإن التأزم الاقتصادي العالمي عمل على تفاقم أزمات عدد من الدول، وأخذ يدفع بها نحو الإفلاس، أبرزها حتى الآن: سريلانكا، ومصر، وتونس، وسيراليون.
تنافس مشتد على تشكيل نظام دولي جديد
روسيا هي من بدأ هذه الحرب، ولكنها لا تستطيع أن توقفها، أولًا: لأن الإمدادات العسكرية الغربية لأوكرانيا تشجع الأخيرة على الاستمرار في الحرب، وتعزز طموح القيادة الأوكرانية بتحقيق انتصار ما، أو تحسين شروط التفاوض في المستقبل، على الأقل. وثانيًا: لأن إيقاف الحرب قبل إنجاز الأهداف الروسية المعلنة منها يعني سقوط نظام حكم بوتين.
لمواصلة الحرب، تراهن روسيا على إيقاع خسائر فادحة ومطردة بالأوكرانيين إلى الحد الذي يصبح من الصعب عليهم تحقيق أية مكاسب جزئية، والاستمرار في المقاومة. ولكن روسيا تراهن أيضًا على أن تفضي الضغوط الاقتصادية إلى انهيار وحدة الناتو، وانقسام الأوروبيين على أنفسهم، وتراجع كبارهم، لاسيما ألمانيا وفرنسا، عمَّا تصفه موسكو بالانصياع للسياسة الأميركية. كما تعمل روسيا على تعزيز التحالف مع الصين، خاصة بعد التوتر الحاد في العلاقات الأميركية-الصينية بسبب الخلاف حول مسألة تايوان، وعلى إعادة بناء منظومة علاقات أفضل مع دول الصف الثاني، مثل: تركيا والهند والسعودية وجنوب إفريقيا، ودول العالم الثالث، خاصة في الشرق الأوسط.
في المقابل، يراهن الغرب على أن الخسائر المتزايدة في ساحة الحرب، والعقوبات المالية والاقتصادية، ستُضعف نظام بوتين، وتقوض قدرات روسيا على مواصلة الحرب في المدى المتوسط. تفرض القوى الغربية ضغوطًا مستمرة لمنع الصين من توفير دعم ملموس لروسيا، اقتصاديًّا وتقنيًّا وعسكريًّا، وتسعى إلى إغلاق أبواب دول الصف الثاني ودول العالم الثالث أمام روسيا. كما تبذل الولايات المتحدة جهدًا مستمرًّا من أجل الحفاظ على وحدة الناتو، وإقناع دول أوبك بضخ مزيد من النفط إلى السوق، ومساعدة أوروبا على تعويض مصادر الطاقة الروسية، وإقناع الحكومات الأوروبية بأن روسيا باتت تمثل خطرًا إستراتيجيًّا على مستقبل القارة واستقرارها. في الوقت نفسه، تحاول الولايات المتحدة بناء خطوط اتصال وعلاقات متنامية مع دول القوقاز ووسط آسيا السوفيتية السابقة، التي لم تقم أية دولة منها بالاعتراف باستقلال دويلتي إقليم دونباس المنشقة عن أوكرانيا. إضافة إلى ذلك، تعمل الولايات المتحدة على تأمين انضمام كل من السويد وفنلندا إلى حلف الناتو، اللتين لا يوجد شك بأن عضويتهما في الحلف ستُلحق ضررًا ملموسًا بأمن روسيا الجيوستراتيجي.
خلف ذلك كله، تسعى روسيا والصين الآن إلى تغيير النظام العالم الحالي برمته، النظام الذي تقوده الكتلة الأطلسية، سواء بإضعاف الهيمنة الأميركية على الشأن الدولي، أو تأمين موقع آمن لهما في القرار الدولي. في أوكرانيا بصورة خاصة، وفي تايوان بعد ذلك، وجدت روسيا والصين أن ليس بإمكان أي منهما تأمين مصالح إستراتيجية حيوية، أو تحقيق هدف قومي إستراتيجي، إن صادف هذا التحرك معارضة أميركية. ولكنَّ إحداث تغيير ملموس في بنية النظام العالمي لا يبدو حتى الآن سهل المنال.
يمكن تصنيف قوى العالم الكبرى الأربع طبقًا لمقدرات القوة في أبعادها الثلاث: العسكرية، والاقتصادية، والناعمة (أي التأثير الثقافي والتعليمي والمعنوي)، كالتالي: 1- تمتلك روسيا مقدرات عسكرية فائقة، ولكنها تعتبر قوة اقتصادية من الدرجة الثانية، وتفتقد أية قوة ناعمة ملموسة. 2- تعتبر الصين قوة عسكرية واقتصادية كبرى، ولكن تأثيرها الثقافي والمعنوي لم يزل ضعيفًا وهامشيًّا. 3- في المقابل، يعد الاتحاد الأوروبي قوة عسكرية ضعيفة، ولكنه قوة اقتصادية وثقافية عملاقة. 3 – أما الولايات المتحدة فتعتبر قوة كبرى وبالغة التأثير في الدوائر الثلاث معًا.
ما تعنيه خارطة مقدرات القوة هذه أن على روسيا والصين الذهاب إلى تحالف وثيق لتستطيعا تحدي الهيمنة الأطلسية على النظام الدولي، وليس بالضرورة لأن تصبحا قوة مسيطرة وقائدة في المدى المنظور. والواضح حتى الآن، على الأقل، أن الصين لا ترغب في بناء تحالف وثيق مع روسيا، إما لأن بيكين ترى روسيا عبئًا عليها وعلى نفوذها الاقتصادي في العالم، الذي يرتكز إلى علاقات طبيعية مع الغرب، أو لأن بيكين لا ترغب في الانخراط في صراعات أوروبية تاريخية قديمة ومعقدة بين روسيا والغرب، ليس لها من حل.
في النهاية، على أية حال، لم يعد ممكنًا لروسيا والصين الخضوع لقواعد النظام الدولي الأورو-أميركية، وهو ما يستدعي المزيد من البحث عن أصدقاء وحلفاء آخرين خارج الكتلة الأطلسية. ولذا، فالأرجح، خلال هذه المرحلة الانتقالية في مصير النظام الدولي، أن يتصاعد التنافس على كسب الأصدقاء والحلفاء بين القوى الكبرى الأربع، مما سيتيح هامشًا أكبر نسبيًّا لصعود قوى الصف الثاني، مثل تركيا وجنوب إفريقيا والهند والبرازيل، إن أحسنت إدارة علاقاتها الخارجية وتجنب الانحياز غير المسوغ وغير الضروري لأي من القوى الكبرى المتصارعة.