الكاتبة هانا هيندال تقول، في مقال لها في صحيفة "نيوز ويك" الأميركية، إنّ الدعم الذي تستحقّه جزر المحيط الهادئ يتطلّب، من إدارة البيت الأبيض، العمل الجدي على معالجة أزمة المناخ، وخصوصاً أنّ الولايات المتحدة هي من أكثر الدول المسببة لانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون في العالم. فيما يلي النص المنقول إلى العربية:
أعلنت نائبة الرئيس الأميركي، كامالا هاريس، حزمة إجراءات وحوافز سياسية ضخمة من أجل تعزيز العلاقات الأميركية بجزر المحيط الهادئ، تتضمن خططاً لفتح ثلاث سفارات، وتطوير استراتيجية شاملة للمنطقة، عبر زيادة التمويل الحالي إلى نحو 600 مليون دولار، على مدى العقد المقبل.
يأتي هذا الإعلان مدفوعاً بقلق واشنطن، عقب سلسلة من الاجتماعات المفاجئة بين بكين ومسؤولي الجزر. وفي الوقت الذي تركّز الخارجية الأميركية على الحرب الروسية الأوكرانية، يبرز المحيط الهادئ، بهدوء وسرعة، ميداناً حاسماً في لعبة شدّ الحبال الدبلوماسية بين القوى العظمى، إذ استيقظت كل من الولايات المتحدة والصين على الإمكانات الاقتصادية والعسكرية للجزر، وموقعها الاستراتيجي الذي لا يُلغي أهميته حجمُها الصغير.
وتتجلى هذه اليقظة الأميركية من خلال وعد نائبة الرئيس، هاريس، لقادة الجزر بأن الولايات المتحدة ستوفر أخيراً "الاهتمام والدعم اللذين تستحقهما".
هذا الدعم، الذي تستحقه الجزر، يتطلب من إدارة البيت الأبيض العمل الجدي على معالجة أزمة المناخ، وخصوصاً أنّ الولايات المتحدة هي من أكثر الدول المسببة لانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون في العالم. وبدلاً من الشروع في سياسة دبلوماسية متبادلة بشأن النفوذ الإقليمي، يجب على الولايات المتحدة والصين التركيز على تعزيز النيّات الحسنة مع جزر المحيط الهادئ، من خلال تبني التزامات مناخية أقوى.
إن القول إن جزر المحيط الهادئ هي جبهة القتال بشأن أزمة المناخ هو قول بخس. فالتغيرات المناخية تتسبب بتَأَكُّل السواحل، وتؤدي إلى تناقص في الإمدادات الغذائية، وإلى انتشار أمراض جديدة، ونزوح سكاني، وصدمات اقتصادية واجتماعية ونفسية.
وكانت منظمة الصحة العالمية أفادت بحدوث عدد من الآثار الصحية، المباشِرة وغير المباشِرة، والناتجة من التغير المناخي في المنطقة، بما في ذلك الاضطرابات الجلدية وسوء التغذية والأمراض التي تتسبب بها الحرارة.
وخلال مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ، العام الماضي، نجحت الصين والهند في التخفيف من التزام كل منهما اتفاقيةً رئيسية بهذا الشأن، دعت في الأصل إلى "التخلص التدريجي" من الاعتماد على طاقة الفحم.
وأثارت هذه الخطوة غضباً سريعاً من مندوبي الجزر، الذين عَدّوا الاتفاق هشاً.
وتراجعت الولايات المتحدة أيضاً عن التزاماتها، ولم يَفِ بايدن بوعوده بشنّ حملة لا هوادة فيها لمعالجة أزمة المناخ. ودفعت أسعار النفط المتزايدة، والناجمة عن العقوبات المفروضة على روسيا، الرئيسَ بايدن إلى اقتراح عقود إيجار جديدة للتنقيب البحري، الأمر الذي يُثير رسائل غامضة ومقلقة بشأن ما إذا كان الرئيس الأميركي سوف يلتزم ما هو سليم بيئيّاً، أَم أنه سيقوم بما يُلائمه سياسياً.
وإذا كانت إدارة بايدن جادّة في خلق نيّات حسنة تجاه جزر المحيط الهادئ، فعليها ألّا ترسل رسائل متضاربة وحمّالة أوجه.
فما تحتاج الولايات المتحدة والصين إلى إظهاره هو التزام عميق ودائم بشأن العمل المناخي، يتضمّن دعم المبادرات التي تؤيدها حكومات الجزر، والتي فشلت في تحقيقها سابقاً، ومنها المساعي للحصول على تعويضات عن الخسائر والأضرار، والتي من شأنها أن تجعل كبار مسبّبي انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون في العالم يعوّضون مالياً على البلدان ذات الدخل المنخفض، نتيجة الكوارث التي يُحْدثها تغير المناخ. وفي العام الماضي، انضمّت الولايات المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي في رفض اقتراح لإنشاء مرفق لهذا المخطط.
تتعامل جزر المجيط الهادئ، فعلاً، بقلق مُحِق مع التداعيات البيئية والمالية التي يسببها تغير المناخ. فهي تطال البنى التحتية، وكل القطاعات الحياتية الرئىسة فيها. ويجب على الولايات المتحدة إثبات صدقيتها كشريك في منطقة المحيط الهادئ، من خلال تقديم الدعم السخيّ بسبب الكوارث، التي تحلّ بسببها، بهذه "الجبهة".
ومن المؤكد أن تغيير الأولويات لدعم المخاوف المناخية للجُزر سيكون صعباً، لكن هذا هو السبيل الوحيد للولايات المتحدة والصين، من أجل المضي قُدُماً، لكلّ منهما، في تعزيز علاقة دائمة بمنطقة تتزايد فيها المخاطر.