• اخر تحديث : 2024-11-22 10:05
news-details
أبحاث

إفريقيا بين الديمقراطية المحدودة ومكافحة الفساد: حالة رواندا


ترتبط جهود مكافحة الفساد الاقتصادي "استغلال المنصب الإداري لمصالح شخصية" والفساد السياسي "استغلال السياسيين مناصبهم لتحقيق أهداف شخصية" بعملية الديمقراطية، بحيث كلما نضجت العملية الديمقراطية، زادت مكافحة الفساد، والعكس بالعكس تقريبًا، وهو ما يطرح عدة تساؤلات تحاول هذه الورقة الإجابة عليها، وهي:

1. لماذا ترتبط جهود مكافحة الفساد عادة بعملية الديمقراطية؟ وهل هناك استثناءات على ذلك؟ بمعنى، هل يمكن أن نجد دولة ديمقراطية، أو في طريقها للديمقراطية، لكنها تشهد درجات عالية من الفساد؟

2. يرتبط بالسؤال السابق سؤال آخر هو: هل يمكن مكافحة الفساد في دول غير ديمقراطية، أو ذات ديمقراطية محدودة؟ وما الأسباب الدافعة لذلك؟

3. ماذا عن تجربة رواندا: "تراجع ديمقراطي، مقابل تقدم في معايير الشفافية ومكافحة الفساد"؟ ولماذا سعى نظام بول كاغامي (2000-2021) لتطبيق معايير الشفافية؟ وما أبرز الإجراءات؟ وكذلك ما أبرز الإنجازات وفق مؤشرات التقارير الدولية مثل تقارير البنك الدولي، ومؤشر الشفافية الدولية؟ وهل تطبق جهود مكافحة الفساد على كل المستويات الإدارية من أعلى لأسفل، أم ماذا؟ وماذا عن الفساد السياسي.. وبمعنى آخر، ما تقييم هذه التجربة بصفة عامة؟

الديمقراطية ومكافحة الفساد: علاقة طردية

لماذا ترتبط جهود مكافحة الفساد بالنظم الديمقراطية؟ الإجابة على هذا السؤال تتطلب، أولًا، تعريفًا مختصرًا للنظم الديمقراطية، وما تعنيه من وجود مؤسسات، وإجراءات تصب في اتجاه مكافحة الفساد، في حين أن الأوضاع تبدو غير ذلك إلى حدٍّ كبير في النظم الاستبدادية، أو ذات الديمقراطية المحدودة.

وبدون الدخول في تفاصيل تعريف الديمقراطية، ومؤسساتها، ومؤشراتها، يمكن القول: إن الديمقراطية تعني الوصول للسلطة بطريقة سلمية، وعبر انتخابات سليمة، مع ضرورة توافر فكرة التداول السلمي للسلطة، وهي قائمة إما على فصل السلطات "البرلمانية، والتنفيذية"، أو إمكانية تداخلها، لكن دون تغول السلطة التنفيذية أو الرئاسة تحديدًا على البرلمان، بما يعطِّل الأخير عن القيام بوظيفته الأساسية "الرقابة"، والاكتفاء بالتبعية وتمرير المشروعات لرأس السلطة التنفيذية، كما أن المؤسسة القضائية مستقلة تمامًا عن كلتا السلطتين، مع وجود تعددية سياسية حقيقية، فضلًا عن وجود مجتمع مدني قوي، مع درجة كبيرة من الوعي السياسي لدى المواطنين.

توافر هذه الأمور يجعل النظام مطالبًا بمكافحة الفساد، وإلا سيتعرض لانتقادات كبيرة من المؤسسة التشريعية، والإعلام الحر، فضلًا عن تصويت الناخبين ذوي الوعي السياسي ضده في أول انتخابات لإسقاطه بطريقة سلمية.

تراجع مؤشرات الفساد في الدول الديمقراطية: لماذا؟

لقد فسر بعض الباحثين أسباب تراجع مؤشرات الفساد في الدول الديمقراطية مقارنة بغيرها، بأن الأمر يتوقف على ما أسماه بالفارق بين كل من فرص انتشار الفساد، ويقصد بها: "السلطة المطلقة، والممارسات الاحتكارية، والبيروقراطية، وتدفق المساعدات الخارجية، وتوافر الموارد الطبيعية وغيرها.." مقابل وجود قيود على عملية انتشاره تتمثل في القوانين واللوائح، فضلًا عن القيود الأخرى التي يمثلها الإعلام الحر، والمجتمع المدني القوي، بالإضافة للوعي السياسي لدى المواطنين. وبناء عليه، فإن الدول الديمقراطية، نظرًا لزيادة القيود المفروضة على النظام والحكومة والقطاع العام بصورة أكبر، تتراجع فيها مؤشرات الفساد بصفة عامة مقارنة بالدول الاستبدادية، أو ذات الديمقراطية المحدودة.

وفي المقابل، فإن النظم السلطوية، والتي تعني "شكلًا من أشكال الحكم تُفرض فيه سلطة الدولة على العديد من جوانب حياة المواطنين، لاسيما الجوانب السياسية، تكون الرقابة محدودة على النظام، فضلًا عن غياب الوعي السياسي، وغياب المجتمع المدني الفاعل، والإعلام الحر، ومن ثم قد لا يكترث النظام كثيرًا لمكافحة الفساد. ونفس الأمر قد يكون في الدول ذات الديمقراطية المحدودة "التي هي في المراحل الأولى لعملية التحول الديمقراطي".

وإذا كانت هذه القاعدة "الديمقراطية الحقيقية تعني فسادًا أقل"، فإن هناك بعض الاستثناءات التي ترد عليها؛ إذ يمكن لدولة ديمقراطية، أو في طريقها للتحول الديمقراطي أن تشهد عملية تحول ديمقراطي، لكن الانتخابات قد تأتي بفاسدين؛ إذ يمكن التصويت للفاسدين على أساس الأداء الوقتي المؤقت، والوعود الانتخابية، والانتماء الأيديولوجي، والكاريزما؛ وهذا يرجع لأسباب عدة، منها: محدودية الوعي السياسي، وقصر النظر فيما يتعلق بالمطلوب من النواب. لذا، يتم الاختيار على أسس غير سليمة "فكرة التزاوج بين رأس المال والسلطة" في معظم الدول التي تشهد انتخابات تعددية شكلية وليست حقيقية (نموذج مصر خلال العقد الأخير من حكم مبارك=العقد الأول من الألفية الثالثة".

أسباب مكافحة الفساد في الدول غير الديمقراطية

هل يمكن أن تكون هناك استثناءات على القاعدة السابقة، بمعنى: هل يمكن أن نرى مكافحة الفساد في دول غير ديمقراطية، أو ذات ديمقراطية محدودة؟ وما الأسباب الدافعة لذلك؟

الإجابة: نعم، إلى حدٍّ كبير، لأسباب عدة منها سببان رئيسيان:

رغبة النظام في البقاء مدة أكبر في الحكم، والحصول على مزيد من الشرعية تغطي على ممارساته غير الديمقراطية خاصة ما يتعلق بالتداول السلمي للسلطة، أو وجود فترة محددة لبقائه في الحكم دستوريًّا. وهنا، تحدد طبيعة النظام الحاكم مدى إمكانية قيامه بمكافحة الفساد من عدمه، فبحسب بعض الدراسات، فإن الأنظمة العسكرية، والأنظمة الفردية هي الأكثر ميلًا للفساد، والأقل في مكافحته، مقارنة بنظام الحزب الواحد، كما أن الأنظمة الملكية قد تكون الأكثر استعدادًا لمكافحة الفساد، بسبب الرغبة في البقاء في الحكم فترة أطول، أو ضمان عملية انتقال سلس للوريث.

مكافحة الفساد قد تكون وسيلة لممارسة سيطرة أفضل على الموارد الاقتصادية للبلاد لصالح أجندة الحاكم (على سبيل المثال، مكافأة الأتباع المخلصين أو الانخراط في التحول الاقتصادي).

رواندا: تراجع ديمقراطي، وتقدم في معايير الشفافية ومكافحة الفساد

بعد هذه المقدمة النظرية الموجزة، ننطلق إلى الإطار التطبيقي الإفريقي "حالة رواندا"، والتي شهدت عام 1994 مذبحة وحربًا أهلية أتت على الأخضر واليابس، وأسفرت عن مقتل قرابة 800 ألف، إلى مليون شخص من التوتسي، مقابل 30 ألفًا من الهوتو وفق منظمة هيومن رايتس ووتش، فضلًا عن فرار مئات الآلاف إلى دول الجوار. ومع ذلك، حققت البلاد نتائج كبيرة في مجال الشفافية ومكافحة الفساد؛ فوفقًا لمؤشر تقرير 2019 عن ممارسة أنشطة الأعمال الصادر عن البنك الدولي، تعد رواندا ضمن قائمة أسهل 29 مكانًا لممارسة الأعمال التجارية في العالم، كما احتلت المرتبة الأولى على مستوى إفريقيا (76.48 من 100) وفقًا لمؤشر سهولة الأعمال الصادر عن البنك الدولي.

وهنا تدور مجموعة من الأسئلة: لماذا سعى النظام لتطبيق معايير الشفافية؟ وما أبرز الإجراءات؟ وهل تُطبَّق على العامة من أعلى لأسفل، أم ماذا؟ وماذا عن تقييم التجربة بصفة عامة؟

لقد سعى نظام بول كاغامي لمكافحة الفساد، لأسباب عدة، لعل من أهمها: الرغبة في البقاء أطول فترة ممكنة في الحكم، والتغطية على ممارساته غير الديمقراطية، لاسيما في مواجهة المعارضة والخصوم.

فالرئيس كاغامي الذي يرأس الجبهة الرواندية العسكرية، ثم حزبها لاحقًا، تولَّى الحكم فعليًّا، منذ انتهاء الحرب منتصف التسعينات، عندما كان يشغل منصب نائب الرئيس، ثم تولى منصب الرئيس بعد استقالة سلفه، باستور بيزيمونغو، في عام 2000، ثم فاز بمدتين رئاسيتين (مدة كل منهما 7 سنوات في انتخابات 2003، 2010) ، وفي عام 2015، أدخل تعديلات دستورية تم الاستفتاء الشعبي عليها، تسمح له بتولي الحكم فترة جديدة مدتها سبع سنوات "تنتهي 2024" حيث حصل في انتخابات 2017 على 98.7%، ثم إمكانية الترشح لفترتين أخريين مدة كل منهما 5 سنوات يفترض أن تنتهي عام 2034، ليصبح بذلك واحدًا من أطول حكام إفريقيا بقاء في الحكم (قرابة 34 عامًا).

ولقد عمل كاغامي على فرض هيمنته على السلطتين، التشريعية والقضائية؛ إذ إنه يملك حق حل البرلمان الذي يسيطر عليه الحزب الحاكم، ما يضعف إمكانات البرلمان كمؤسسة مساءلة، كما يفتقر القضاء الرواندي إلى الاستقلال عن السلطة التنفيذية. ولم يكتف بذلك، بل اتبع سياسة تصفية خصومه السياسيين، أو تشويه سمعتهم، واستغلال القضاء لإصدار أحكام ضدهم، كما حدث مع المعارض السياسي الشهير، بول روسيسابجينا، الذي عاش في الخارج إلى أن أعادته السلطات الرواندية قسرًا عام 2020، وصدر حكم بسجنه 25 عامًا بدعوى الإرهاب وتهم أخرى بعد محاكمة افتقرت إلى أبسط الإجراءات القانونية. ونفس الأمر حدث مع ديان رويغارا، إحدى المتنافسات ضده في انتخابات 2017؛ حيث مُنِعت من خوض الانتخابات، بدعوى عدم قدرتها على جمع التوقيعات المطلوبة للترشح، بل حُبِست بدعوى التزوير والتآمر على البلاد؛ ما جعل البلاد تُصنَّف بأنها بلاد لا تعرف الحرية السياسية وفق مؤشر فريدم هاوس لعام 2022؛ حيث سجلت في مجال الحريات الأساسية 22 من 100، وفي مجال الحقوق السياسية 8 من 40، والحقوق المدنية 16 من 40.

أما السبب الثاني الذي يرفعه النظام لمكافحة الفساد، ويجري استدعاؤه عند التعامل مع الشعب، فيتمثل في الرغبة في القضاء على الفساد الذي يعد قرينة للظلم، الذي ارتبط بدوره في الذاكرة بالممارسات التي دارت خلال الحرب الأهلية.

وهناك سبب ثالث يتمثل في الرغبة في تحسين صورة البلاد خارجيًّا من أجل الحصول على المساعدات الأجنبية اللازمة لعملية إعادة البناء.

إجراءات مكافحة الفساد في رواندا

دفعت الأسباب السابقة، الإدارة السياسية المتمثلة في الرئيس كاغامي، لاتخاذ العديد من الخطوات الاقتصادية لنقل البلاد من القاع إلى القمة، لذا قامت في عام 2000 بتبني رؤية 2020، وهي إستراتيجية إنمائية طويلة الأجل هدفها الرئيسي تحويل البلاد من مصاف الدول الفقيرة إلى بلد متوسط الدخل بحلول عام 2020، عبر التحول من الاعتماد الاقتصادي على الزراعة إلى الاقتصاد الرقمي الذي يلعب فيه القطاع الخاص دورًا حيويًّا. ولتحقيق ذلك أُنشئت مؤسسات رئيسية منها مجلس تنمية رواندا، عام 2009، للمساعدة في الإشراف على لوائح الأعمال والاستثمارات الأجنبية والترويج السياحي والحفاظ على البيئة والتخطيط الاقتصادي والتنموي الأوسع نطاقًا، ولقد نصَّت الرؤية على أن الدولة مكلفة بضمان الحكم الرشيد الذي يشمل المساءلة والشفافية والكفاءة في نشر الموارد النادرة في القطاعات الرئيسية للاقتصاد الوطني.

لقد أعطى تبني كاغامي قضية مكافحة الفساد دفعة كبيرة لها، حيث قام باتخاذ مجموعة من الإجراءات سواء على المستوى القانوني، أو المؤسسي، أو التطبيقي في هذا الشأن.

فقانونيًّا، جرى سَنُّ مجموعة من التشريعات بعد انتهاء الحرب أبرزها القانون رقم 23/2003 الخاص بمنع وقمع الفساد وما يتصل به من قوانين، فضلًا عن قوانين أخرى خاصة، لاسيما قانون العقوبات (المواد 22 إلى 27)، كما انضمت وصدَّقت رواندا على معظم الاتفاقيات الدولية لمكافحة الفساد.

ومؤسسيًّا، تم إنشاء العديد من الهيئات منها ديوان المظالم، ومكتب المراجع العام للنظر في قضايا الفساد العام، ولجنة الحسابات البرلمانية. وفي 2012، تبنَّت الحكومة السياسة الوطنية لمكافحة الفساد، والتي تضفي الطابع الرسمي على ما يسمى بـ "عدم التسامح"، كما أطلقت حملات توعية لرفع وعي السكان بالنتائج السلبية للفساد.

وعلى الصعيد الإداري، أدى وجود نظام فعال للإدارة المالية العامة إلى تقليل فرص سرقة الأموال العامة وزيادة مخاطر الكشف عنها، كما أن نظام الخدمة المدنية المنضبطة والمحفزة، أسهم في تقليص عدد الموظفين العموميين وتحسين مكانتهم العامة، كما حفزت عقود الأداء، كلًّا من المديرين والقادة في جميع أنحاء الحكومة لمقاومة الفساد من خلال إظهار كيف يقوض قدرتهم على تحقيق أهداف الأداء الطموحة.

ولقد لعبت كل من الخدمات الإلكترونية، وتكنولوجيا المعلومات الحديثة في التحقق من إقرارات الأصول، ودمج نظم معلومات الإدارة المالية، وعمليات الشراء الإلكتروني، دورًا كبيرًا في الحد من الفساد بين الموظفين العموميين.

أما على الجانب التطبيقي، فتم تبني سياسة صفر تسامح مع الفاسدين؛ حيث تمت مقاضاة موظفي الخدمة المدنية عندما رُفعت ضدهم قضايا فساد، بما في ذلك عدة قضايا لإجبار كبار المسؤولين على الاستقالة أو الفصل أو المحاكمة، وفي أوائل عام 2017، قام بفصل ما يقرب من 200 ضابط شرطة لتورطهم في فساد، وأعاد حينها التأكيد على أهمية محاربة الفساد في الفترة التي تسبق الانتخابات، قائلًا: "عليكم جميعًا أن تقفوا ضد الفساد". "لا يمكنك الصمت وتتوقع من الآخرين محاسبة المتورطين".

وفي إطار تحفيز المواطنين على المشاركة في عملية مكافحة الفساد، عمل النظام على تغيير نظرة هؤلاء لسلوك الفاسدين، وعدم قبولهم بالفساد أمرًا واقعًا، والربط بين هذا السلوك، وفكرة الظلم المرتبطة في الذاكرة بعمليات الإبادة الجماعية، وكيف أن سلوك الفاسدين يضر بالآخرين، وبالمجتمع، وبعملية التوزيع العادل للموارد، وبالتالي لا يمكن السكوت عليه، وذلك من خلال حملات إعلامية ممنهجة تستهدف رفع الوعي لدى المواطنين بضرورة التصدي لهذه الظاهرة، و"أهمية الإبلاغ عن المتورطين في قضايا فساد، أو المشتبه بهم، على اعتبار أن المواطنين هم خط الدفاع الأول لمواجهة الفساد".

تقييم تجربة رواندا في مكافحة الفساد

لقد حققت رواندا معدلات نمو، وُصفت بالأسرع على مستوى القارة الإفريقية، فوفقًا لتقرير المؤشرات العالمية الصادر عن البنك الدولي 2012-2019، بلغت نسبة الناتج المحلي الإجمالي السنوي 8.6% عام 2012، ثم بلغ ذروته عام 2019؛ حيث حقق 9.4%، وهي واحدة من أعلى النسب العالمية، وعلى مستوى القارة أيضًا، وهو ما صاحبة تراجع معدل البطالة، من 17% عام 2017، إلى 15% عام 2019.

وبالتزامن مع هذه المعدلات المرتفعة للنمو، حققت البلاد تقدمًا أيضًا في مكافحة الفساد، وفق معايير تقرير الشفافية الدولية؛ حيث احتلَّت في مؤشر الشفافية لعام 2021، المرتبة 52 عالميًّا من 180 دولة برصيد 53 من 100، والخامسة إفريقيًّا بعد سيشل والرأس الأخضر، وبوتسوانا وموريشيوس، متقدمة على الدول الكبرى في القارة، مثل: نيجيريا، ومصر، وجنوب إفريقيا. هذا المؤشر تراجع درجة واحدة عن عام 2020، وبلغ ذروته عام 2018 حيث سجل 55 درجة، وكانت أقل درجة عام 2014، حيث بلغت 48 درجة.

أما بالنسبة لأبرز الملاحظات على التجربة، فيمكن إيجازها فيما يلي:

أولًا: بالنسبة للجزئية الخاصة بمدى عمومية تطبيق قوانين وإجراءات مكافحة الفساد. يُلاحَظ وجود عملية تمييزية، سواء بالنسبة لنوعية قضايا الفساد التي تجري مواجهتها، أو بالنسبة للمستوى الإداري الذي تُطبَّق عليه العقوبات. إذ يلاحظ الاقتصار على بعض الجرائم دون بعضها البعض كالرشوة والجرائم الاقتصادية الأخرى مثل اختلاس الأموال العامة وسوء إدارة الموارد، في حين لم يتم التعرض لقضايا الفساد الأخرى، لاسيما تلك التي تمس قيادات الحزب الحاكم، مثل المحسوبية، أو الفساد السياسي، كما أن لوائح مكافحة الفساد التي أقرتها الحكومة في المقام الأول تطبق على المسؤولين الحكوميين من المستوى الأدنى وتستبعد النخبة الحاكمة، كما يمكن أيضًا استخدام قوانين مكافحة الفساد في هذه السياقات لممارسة السيطرة على السياسيين، وجعلهم أداة في يد النظام لجذب ولائهم، أو التخلص منهم.

ثانيًا: يرتبط بما سبق، أن عملية مكافحة الفساد، لابد أن تتضمن كافة الجرائم الاقتصادية، بما فيها المحسوبية، كما لا بد أن تتضمن كافة أنواع الفساد، وفي المقدمة منها الفساد السياسي. وبالتالي، فإن النظر إلى بعض جوانب الفساد دون بعضها الآخر، قد يجعلنا نتوصل لنتائج خاطئة، أو غير دقيقة في أحسن الأحوال.

ثالثًا: ويرتبط بما سبق أيضًا، أن عملية مكافحة الفساد ترتبط بصورة أساسية برأس النظام، صحيح أنه توجد مؤسسات رقابية، لكن تبني رأس النظام سياسات مكافحة الفساد، يعطي دفعة قوية لتفعيل هذه العمليات، والاستجابة الطوعية أو الإكراهية لها، عكس ما إذا كانت نابعة من غيره، وتصادف مواطنين من ذوي الوعي السياسي المنخفض، عندئذ تقل درجة الفاعلية، وربما هذا ما تتسم به حالة رواندا، حيث يرتبط الأمر بكاغامي الذي يعد الحاكم الوحيد للدولة منذ قرابة ثلاثة عقود، وبالتالي، فإن رحيله بأية طريقة من "الطرق الطبيعية كالوفاة، أو الديمقراطية، عبر التداول السلمي، أو حتى الانقلابية" قد يجعل القضية على المحك.