يتحدث مدير المجلس الروسي للشؤون الدولية أندريه كورتونوف في مقال له في صحيفة "كوميرسانت" الروسية عن نظرة الغرب للمسار الروسي الجديد في سياق الصراع الأوكراني. فيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية:
"التاريخ غير عادل. الأخيار ينتهون أخيراً. لقد حرمنا السياسيون مرة أخرى من النصر". لخصت هذه العبارة تذمر جنود الفرقة الأميركية الثانية والثمانين المحمولة جواً، المنهكة، في آب/أغسطس الماضي أثناء انتظارهم لإجلائهم في مطار مزدحم في كابول.
اليوم، قلة من الناس في الغرب يتذكرون النهاية المحزنة لعملية الناتو التي استمرت 20 عاماً في أفغانستان. مرت الذكرى السنوية الأولى لاستيلاء حركة طالبان الإرهابية، المحظورة في الاتحاد الروسي، على كابول من دون أن يلاحظها أحد تقريباً على خلفية الصراع الدائر في أراضي أوكرانيا.
ومع ذلك، فقد أعلن التاريخ حكمه: أصبحت أفغانستان أكبر هزيمة للغرب وأكثرها إيلاماً في القرن الحالي. بالأرقام: تريليونا دولار من الخسائر الصافية.
واوكرانيا بالطبع ليست أفغانستان. ويقع في مقدمة الأسباب أن الناتو ليس مشاركاً مباشراً في الصراع وأن الجنود الأميركيين لا يموتون بالقرب من سلافيانسك وأوغليدار. الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ليس الزعيم الأفغاني أشرف غني، الذي فر من كابول قبيل وصول طالبان. ولا ينبغي لأحد أن يقلل من دوافع القوات المسلحة الأوكرانية واحترافها...
في هذا الصدد، يتذكر المؤرخون الغربيون اليوم معركة وارسو ("معجزة فيسلا" كما يعبّر عنها بالبولندية) التي حدثت قبل قرن من الزمان، عندما تمكنت الدولة البولندية، صيف عام 1920، من وقف زحف الجيش الأحمر في وارسو ودفعه بعيداً نحو الشرق. بعد مرور قرن على هذه المعركة، يتحدثون في الولايات المتحدة وأوروبا عن "معجزة" جديدة مقبلة على نهر الدنيبر. يتحدثون عن تدفق قوى إضافية، فبعد أسبوع أو شهر آخر، يدعون أن الآلة العسكرية الروسية ستتجه نحو التعثر، وأنها سترتد إلى دونيتسك ولوغانسك (جمهوريتا الدونباس الشعبيتان)، وحتى روستوف على الدون وبلغورود (داخل حدود الاتحاد الروسي).
لكن الأسابيع تمرّ، أسبوعاً تلو أسبوع، والأشهر كذلك، ويدفع الغربيون تواريخ معجزتهم المنتظرة على نهر الدنيبر إلى المستقبل، ليبدو مثل خط أفق بعيد المنال. إن الإمداد المتزايد بالأسلحة الغربية يقوي الجيش الأوكراني، لكنه لا يزال غير قادر على تغيير الصورة العامة لما يحدث على أرض المعركة.
تواصل القوات الروسية، وإن كان بحذر وبدون اختراقات مذهلة، تقدمها العنيد في اتجاه الغرب. الوضع في ساحة المعركة، وإن كان ببطء، يتغير لصالح موسكو، التي بدورها تعمل على تشديد الشروط الروسية للاتفاقات السياسية المستقبلية.
هل الغرب قادر على عكس هذا الاتجاه؟
قواعد هذه اللعبة الشاملة تستدعي زيادة حادة في حجم الدعم العسكري لكييف. لكن في هذه الحال، من المحتمل أن يتورط حلف شمال الأطلسي بشكل مباشر في الصراع الأوكراني، وبعد ذلك ستبدو الملحمة الأفغانية التي استمرت 20 عاماً وكأنها نزهة أمام ما ستشهده أوكرانيا.
من الواضح أن أي قرار بشأن الهدنة، وأكثر من ذلك بشأن تسوية سلمية، يجب أن يتم في كييف. ومع ذلك، فإن الكثير يعتمد على موقف الغرب. إذا كانت "الخطة أ"، أي انتصار أوكرانيا، صارت تبدو أقل احتمالاً وأقل واقعية، فعلى الغرب، على ما يبدو، أن يفكر الآن بالفعل في "الخطة ب"، التي تتضمن تحقيق تسوية مؤقتة على الأقل ليس فقط بين موسكو و كييف، ولكن أيضاً بين روسيا والغرب.
ولكن ماذا عن فكرة جعل الكرملين "يدفع لأوكرانيا"؟ في هذا الصدد، لا ينبغي للغرب أن يقلق، فكلفة النزاع المسلح ستكون باهظة على الجانب الروسي على أي حال. ومع ذلك، ليس من المنطقي على الإطلاق احتساب الخسائر والتكاليف بينما المواجهة العسكرية مستمرة.