• اخر تحديث : 2024-05-15 19:58
news-details
أبحاث

عسكرة القوى الكبرى لمصالحها في القرن الإفريقي في فجر الحرب الباردة الثانية


تتمتع منطقة القرن الإفريقي بموقع جيوستراتيجي بالغ الأهمية، وهو ما جعلها هدفًا إستراتيجيًّا تسعى القوى الدولية والإقليمية لتثبيت مواطئ أقدام لها فيه، فكان القرن إحدى جبهات الحرب الباردة التي شهدها العالم في القرن المنصرم، حيث انتشرت القواعد والمراكز العسكرية التابعة لقطبيها في أراضيه وشواطئه.

ومثَّلت الحرب الروسية على أوكرانيا، ربيع هذا العام، أبرز الإشارات إلى حرب باردة جديدة متوقعة تتمركز حول طي حقبة النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، ورغبة أطراف وقوى جديدة في توزيع جديد لمحاور النفوذ عالميًّا.

ورغم أن التنافس الدولي على القرن الإفريقي اتخذ صبغة اقتصادية في المرحلة الماضية، فإن العديد من المؤشرات تؤكد تزايد الاهتمام بمقاربات أمنية عسكرية لتعزيز الحضور في المنطقة، تتبناها كل من بيغين وموسكو وواشنطن؛ ما يرجح احتمالية عودة القرن الإفريقي للتحول مستقبلًا إلى إحدى جبهات الحرب الباردة المستقبلية، وهو ما تعمل الورقة على تتبعه والوصول إلى خلاصة بشأنه.

1- الصين

تعد منطقة القرن الإفريقي فائقة الأهمية بالنسبة لنفوذ الصين في إفريقيا من جهة، وكذلك بالنسبة لرؤيتها لتوسيع هذا النفوذ عالميًّا من خلال مشروع الحزام والطريق، من جهة أخرى.

ولا تكاد تخلو دولة في القرن من الحضور الصيني بأشكاله المختلفة، وإن غلب عليه الطابع الاقتصادي طيلة المرحلة الماضية؛ حيث تعد الصين الشريك التجاري الأول لإثيوبيا التي تمثل بدورها عقدة محورية في مبادرة الحزام والطريق، بجانب استثمارات صينية حيوية في كل من جيبوتي وإريتريا.

غير أن الملاحظ مؤخرًا ظهور مؤشرات على اتخاذ هذا المنحى الاقتصادي طابعًا أكثر "صلابة" من خلال توسيع الشراكات الأمنية العسكرية وإعداد البنية التحتية القانونية والعسكرية لهذا التوسيع.

من هذه المؤشرات:

أ- تطوير البنية التحتية للقاعدة العسكرية الصينية في جيبوتي: تعد هذه القاعدة العسكرية الأولى لبيجين في الخارج، افتُتحت رسميًّا عام 2017؛ حيث أعلنت السلطات الصينية حينها أنها "لغرض الاضطلاع بمسؤولياتها والتزاماتها الدولية بشكل أفضل وحماية مصالحها المشروعة بشكل أفضل، بدلًا من السعي إلى التوسع العسكري".

أثارت هذه القاعدة المخاوف من تمدد على أحد أهم شرايين التجارة العالمية، وكانت من العوامل الرئيسية وراء تغيير الإستراتيجية الأميركية تجاه إفريقيا في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، بشكل تعود فيه واشنطن لممارسة أدوار أكثر انخراطًا في شؤون القارة بعد سياسة الانسحاب التي اتبعها سلفه، باراك أوباما.

ورغم أن الهدف المعلن لها هو مكافحة القرصنة قبالة سواحل الصومال، فإن أعمال الإنشاء والتطوير المستمرة في القاعدة تشي بدور أمني وعسكري أكثر أهمية ستلعبه ضمن رؤية بيجين للمنطقة؛ حيث ذكر الجنرال، ستيفن تاونسند، القائد الأعلى السابق للقوات الأميركية في إفريقيا (أفريكوم)، أن جيش التحرير

الشعبي الصيني يقوم بتوسيع منشآته البحرية الحالية في جيبوتي، مضيفًا في شهادة له أمام المشرِّعين الأميركيين، في أبريل/نيسان 2021، أنه تم "إضافة رصيف كبير يمكنه حتى دعم حاملات طائراتهم في المستقبل.

ووفقًا لتقرير لمعهد البحرية الأميركي، فإن صور الأقمار الصناعية أظهرت أن الرصيف البالغ ارتفاعه 1120 قدمًا طويل بما يكفي لاستيعاب "حاملات الطائرات الصينية الجديدة أو حاملات الطائرات الهجومية أو السفن الحربية الكبيرة الأخرى. ويمكن أن يستوعب بسهولة أربع غواصات هجومية صينية تعمل بالطاقة النووية إذا لزم الأمر".

في حين يوضح العقيد الهندي المتقاعد، فيناك بهات، أن أعمال البناء تتضمن مهبطًا للمروحيات يستوعب 24 طائرة هليكوبتر كبيرة على الأقل، بالإضافة إلى جميع أنواع إعادة الإمداد التي يحتاجها جيش التحرير الشعبي، بما يشير في تقديره "إلى أن الصين لديها خطة لقاعدة خارجية إستراتيجية في جيبوتي".

ب- تطوير مبدأ التدخل العسكري الخارجي: أصدر الرئيس الصيني، شي جين بينغ، منتصف يونيو/حزيران الماضي، مرسومًا تضمن توسيع القدرات العسكرية لبلاده، ومنح جيش التحرير الشعبي الصيني "القدرة على حماية مصالح الصين في الخارج" من خلال التدخل في أنشطة عسكرية وغير عسكرية.

ويندرج هذا المرسوم ضمن ما يُسمى "العمليات العسكرية بخلاف الحرب" وتعرِّفها إحدى الدراسات بأنها "العمليات التي تقوم بها القوات العسكرية لحماية الأمن القومي لبلدها والمصالح التنموية، والتي لا تشكل حربًا"، وتتضمن العديد من الأنشطة منها "حماية السيادة والمصالح الوطنية".

هذا المرسوم المكون من ستة فصول سيتيح للجيش الشعبي، وفقًا للمراسل العسكري لغلوبال تايمز الصينية، منع الآثار غير المباشرة لعدم الاستقرار الإقليمي من التأثير على الصين، وتأمين طرق النقل الحيوية للمواد الإستراتيجية مثل النفط، أو حماية الاستثمارات والمشاريع والموظفين الصينيين في الخارج.

ج- توقيع اتفاقيات أمنية ودخول إريتريا في مبادرة الحزام والطريق: رغم التركيز الغربي على مفاعيل المرسوم السابق المرتبطة بالمحيط الهادئ وأزمة تايوان، فإن نفس هذه المفاعيل تسري أيضًا على منطقة القرن الإفريقي التي تزداد اهميتها الجيوستراتيجية وتشهد تعزيزًا مستمرًّا لبيجين لمصالحها المرتبطة بمبادرة الحزام والطريق في مختلف دول القرن.

عملت بيجين خلال الحرب الإثيوبية في إقليم تيغراي على توثيق علاقاتها بأديس أبابا التي شهدت روابطها بالمنظومة الغربية تدهورًا كبيرًا على خلفية المطالب المتعلقة بإيقاف الحرب التي رأت إثيوبيا فيها تعديًا على سيادتها.

في هذا الإطار، وقَّعت إثيوبيا والصين اتفاقية أمنية لإنشاء آلية حماية للمشاريع الكبرى في إطار مبادرة الحزام والطريق في إثيوبيا، وقد وصف المفوض العام للجنة الشرطة الفيدرالية الإثيوبية، ديميلاش جبريميكائيل، الاتفاقية "باللحظة المهمة" ضمن الجهود المشتركة "لبناء شراكة طويلة الأمد وإستراتيجية".

تزداد أهمية هذا القرار مع موافقة إريتريا على الدخول في مبادرة الحزام والطريق الصينية، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وعلى إثر توقيع البلدين اتفاقية تعاون مطلع هذا العام أعرب الرئيس الإريتري، آسياس أفورقي، عن سعادته الشديدة لارتقاء "العلاقات الثنائية إلى شراكة إستراتيجية"، كما تم الإعلان عن مشاريع مشتركة في العديد من المجالات بما فيها تطوير مينائي، مصوع وعصب، الإريتريين.

بجانب كل من إثيوبيا وإريتريا، تمثل جيبوتي مدخل مبادرة الحزام والطريق إلى شرق إفريقيا، وتملك الصين مصالح إستراتيجية في جيبوتي من خلال إدارتها لميناء دوراليه متعدد الأغراض، ومحطة دوراليه للحاويات، ومشروع التجمعات الصناعية الدولية.

2- روسيا

ظلت موسكو الطرف الأقل تأثيرًا في منطقة القرن الإفريقي نتيجة اعتمادها على الأدوات العسكرية في توسيع نفوذها، على خلاف الصين والولايات المتحدة اللتين تتمتعان بأدوات ضغط أكثر تنوعًا.

لسنوات طويلة ظلت إريتريا أبرز حلفاء روسيا في المنطقة على العديد من الصعد، غير أن التغيرات الكبيرة التي شهدها القرن الإفريقي والسودان في السنوات الأخيرة فتحت الباب أمام موسكو لإثبات حضور أكثر فاعلية ومحاولة تثبيت موطئ قدم إستراتيجي لها في المنطقة الحيوية لخصومها ومنافسيها على حدٍّ سواء، ومن هذه الخطوات:

أ- التخطيط لبناء قاعدة بحرية في المنطقة: أقرت العقيدة البحرية الروسية الجديدة بناء نقاط ضمان لوجستية في البحر الأحمر، يرجح أن تكون على الشاطئ الإريتري أو السوداني؛ حيث شهدت العلاقات الإريترية-الروسية تطورًا كبيرًا في المرحلة الماضية، كما أعلن سفير أسمرة في موسكو في تصريح أن بلاده ترحب ببناء مركز لوجستي روسي على أراضيها، في حين شهد تنفيذ اتفاقية بناء قاعدة عسكرية روسية على الشاطئ السوداني الموقعة في عهد الرئيس المخلوع، عمر البشير، الكثير من الشد والجذب في المرحلة الماضية، وكان آخر فصولها إعلان نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، محمد حمدان دقلو، أنه لا توجد ممانعة سودانية لإقامة قاعدة عسكرية روسية في شاطئ السودان على البحر الأحمر "إذا كانت تحقق مصلحة السودان، ولا تهدد أمننا القومي".

ب- تطوير الحضور العسكري بأشكاله المختلفة: شهد العام ونصف العام الماضيان بروز الحضور العسكري الروسي في عدد من دول المنطقة.

فعلى خلفية التباعد بين إثيوبيا والمنظومة الغربية عمومًا، جرى توقيع اتفاقية عسكرية بين أديس أبابا وموسكو، في يوليو/تموز 2021. ووفقًا لمسؤولة إثيوبية، فإن الاتفاقية ستسهم في تطوير العلاقة بين البلدين، في حين أن موسكو تأمل المشاركة في إعادة تدريب وتسليح الجيش الإثيوبي الذي تضرر بشكل بالغ في الحرب في تيغراي، بكل ما لهذا من أبعاد أمنية إستراتيجية تصب في تعزيز النفوذ الروسي في المنطقة بالنظر إلى الدور المحوري لإثيوبيا في الإقليم، ولأهمية الجيش الإثيوبي الذي مثَّل أكبر الجيوش الإفريقية قبل الحرب في تيغراي.

وبجانب التنسيق السياسي العالي بين روسيا وإريتريا، فإن موسكو تعتبر المورِّد الأكبر للسلاح إلى الجيش الإريتري؛ حيث أعربت أسمرة عن رغبتها "باستئناف التعاون الدفاعي الكامل مع روسيا"، في حين ذهبت بعض المصادر غير المؤكدة إلى حصول إريتريا على طائرات روسية مسيَّرة مؤخرًا، وعلى كلٍّ، فبالنظر إلى العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على الجيش الإريتري والتوتر الشديد في العلاقة بين الطرفين، فإن تطوير التعاون العسكري الأمني الروسي-الإريتري يبقى أفضل الخيارات لأسمرة التي رحبت كما أسلفت ببناء مركز لوجستي روسي على أراضيها.

يعود نشاط مجموعة فاغنر الروسية، التي تعد ذراع النفوذ الروسية غير الرسمية، في السودان إلى عهد الرئيس المخلوع، عمر البشير. ووفقًا لوزير الطاقة والتعدين السوداني، فإن كلًّا من "ميرو غولد"، وهي شركة روسية تنقب عن الذهب في السودان، ومجموعة فاغنر مملوكتان لرجل الأعمال الروسي، يفغيني بروغوزين، وإن فاغنر تقوم بحماية ممتلكات هذه الشركة، كما تذهب مصادر دبلوماسية إلى أن المجموعة تمارس بجانب التعدين أنشطة أمنية على علاقة بقوات الدعم السريع التي يقودها نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، محمد حمدان دقلو، في حين تنفي الحكومة السودانية وجود المجموعة على أراضيها.

3- الولايات المتحدة

في دلالة على مقاربة أمنية جديدة تنتهجها واشنطن للتعامل مع التحديات التي تواجهها في القرن الإفريقي يبرز قرار إعادة القوات الأميركية إلى الصومال، وإقرار مجلس الشيوخ الأميركي تشريعًا لشراكة أمنية مع أرض الصومال.

أ-العودة إلى الصومال

بعد إعلانه في حملته الانتخابية أنه سيواصل سياسة "الانسحاب من الحروب الأبدية"، قرَّر جو بايدن، في مايو/أيار الماضي، إعادة قرابة 500 جندي أميركي إلى الصومال، بعد أن سحبهم منه سلفه، دونالد ترامب.

ورغم أن العامل الرئيسي وراء اتخاذ القرار يرجع إلى المخاوف من تضخم نشاط حركة الشباب الإرهابية، فإنه لا يمكن فصل هذه العودة عن سياق تزايد التمدد الصيني والروسي في القرن الإفريقي؛ حيث تعتبره واشنطن أكبر مهدِّد لنفوذها في القارة السمراء ككل.

في هذا السياق، يُتوقع عودة القوات الأميركية لدعم وحدة داناب التي أنشأتها واشنطن عام 2012، وتحولت إلى جزء مهم من قوات النخبة في الجيش الصومالي، كما يرجح توسع ضربات الطائرات من دون طيار الأميركية، حيث تنطلق طائراتها من قواعدها المنتشرة في الصومال ودول الجوار لضرب قيادات وتجمعات حركة الشباب.

استخباراتيًّا، ستنشِّط عودة القوات الأميركية العمل مع الشركاء المحليين على الأرض؛ ما سيسهم في تطوير عمليات جمع المعلومات الاستخبارية التكتيكية.

ب - التعاون الأمني مع صومالي لاند

شهد يونيو/حزيران الماضي إقرار مجلس الشيوخ الأميركي تشريعًا لقانون شراكة أمنية مع صومالي لاند، الإقليم الانفصالي الذي يسعى لشرعنة استقلاله الذي أعلنه تسعينات القرن الماضي.

حيث يحث التشريع الوزارات الأميركية المختصة بتقديم تقرير حول "التنسيق مع الأجهزة الأمنية في أرض الصومال" لتحقيق "مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة في القرن الإفريقي وخليج عدن ومنطقة المحيطين، الهندي والهادئ" و"مواجهة الوجود الإيراني في خليج عدن والوجود العسكري الإقليمي المتزايد للصين".

سبق هذا التشريع، في مايو/أيار الماضي، زيارة قائد القوات الأميركية في إفريقيا (أفريكوم) السابق، الجنرال ستيفن تاونسند، إلى أرض الصومال؛ حيث ناقش مع المسؤولين هناك "المنافع المتبادلة من التعاون" بين الطرفين، بما يعزز المصالح المشتركة في "الاستقرار الإقليمي وحماية الطرق الحيوية".

وتحمل هذه التطورات احتمالية إنشاء وجود عسكري للولايات المتحدة في الإقليم على ضوء عرض قيادة صومالي لاند القبول بمنح واشنطن القدرة على استخدام ميناء ومطار مدينة بربرة الإستراتيجيين مقابل الاعتراف باستقلال الإقليم.

بجانب قاعدة واشنطن في ليمونييه الجيبوتية سيمنح هذا السيناريو واشنطن القدرة على تعزيز وجودها العسكري في نقطة إستراتيجية مشرفة على المحيط الهندي وباب المندب، وهو ما سيوفر لواشنطن أيضًا الفرصة لاستباق المخططات الروسية لبناء قاعدة بحرية على البحر الأحمر من جهة، وتأمين بديل لقاعدتها في ليمونييه مع تضخم القاعدة الصينية في جيبوتي، والمخاوف المستقبلية من تأثير الديون الصينية المرتفعة على السياسة الجيبوتية.

خلاصة

ثمة دوافع رئيسية وراء زيادة عسكرة القوى الكبرى لوجودها في منطقة القرن الإفريقي، فبجانب أهميتها الجيوستراتيجية الفائقة فقد شهدت في السنوات الأخيرة موجة من التكالب الدولي عليها ولاسيما ضمن ما سُمي بحرب الموانئ، بالإضافة إلى مخاطر تزايد عدم الاستقرار الأمني الناتج عن تصاعد النشاط الإرهابي، وسيولة الحالة السياسية في السودان، والحرب الإثيوبية في إقليم تيغراي وتهديداتها بتفجير المنطقة ككل.

ولذا، تتحرك بيجين في عدة محاور تمهد لتثبيت حضورها العسكري في المنطقة بما يتجاوز قاعدتها العسكرية في جيبوتي، من خلال ما يوصف بـ "تسليح مبادرة الحزام والطريق"، المتمثل في تطوير عقيدة ودور الجيش الصيني لحماية مصالح بيجين المرتبطة بالمبادرة، والذي يترافق مع تعزيز قدرات هذا الجيش حيث نمت ميزانية الدفاع الصينية بنحو 55% منذ 2015، كما تم تطوير مهام الجيش الصيني ليتعدى حماية البحار القريبة إلى حماية البحار البعيدة وخطوط الإمداد بالطاقة في ظل الاعتماد الصيني العالي على الواردات في هذا المجال.

إستراتيجية موسكو لتطوير حضورها في المنطقة يمكن فهمها في ظل تحليل توقعات الاقتصاد القياسي الذي تم إجراؤه في معهد الدراسات الإفريقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية والذي أكد زيادة أهمية المناطق الفرعية في القارة، ومنها القرن الإفريقي، خلال عشرينات هذا القرن وزيادة المنافسة عليها حيث سيتكثف "الاهتمام الإستراتيجي بشكل حاد في ما يتعلق بمنطقة "البحر الأحمر الكبير" والتي تضم دولًا كإريتريا وجيبوتي وإثيوبيا والسودان، في ضوء الطفرة الاقتصادية المتوقعة نتيجة اندماجها النشط في البنية التحتية العالمية، والنقل، وسلاسل المعلومات والاتصالات، حيث يحفز الوجود العسكري الأجنبي الكثيف من خلال قواعد الدول المختلفة روسيا على العمل للحصول على "ضمانات أمنية" لمصالحها من خلال تطوير وجودها العسكري في المنطقة.

يمثل تراجع نفوذ واشنطن في كل من إثيوبيا والسودان لصالح منافسيها على إثر الحرب في تيغراي والانقلاب على حكومة عبد الله حمدوك في الخرطوم، أحد ملامح الحرب الباردة في القرن الإفريقي الكبير، في هذا الإطار تسعى الخارجية الأميركية إلى التدخل الفعال للوصول إلى تسوية بين فرقاء الأزمتين، في حين تعمل على إيجاد صيغة لتطوير وجودها العسكري في كل من الصومال وأرض الصومال، تجنبها الوقوع في مأزق الاعتراف باستقلال أرض الصومال الذي ترفضه مقديشو وسينعكس سلبًا على علاقات واشنطن بها.

في الخلاصة، يبدو أن السنوات القادمة تحمل المزيد من احتمالات عسكرة المصالح الدولية في القرن الإفريقي، وهو ما يُخشى أن يؤدي إلى تكرار العواقب السلبية لمرحلة الحرب الباردة السابقة على المنطقة.