• اخر تحديث : 2024-11-22 10:05
news-details
تقدير موقف

دلالات تكثيف الاتحاد الأوروبي تعاونه مع موزمبيق


أكدت تقارير غربية اتجاه الاتحاد الأوروبي لتقديم مزيد من الدعم لموزمبيق لتعزيز الاستقرار هناك، وذلك عبر زيادة حجم الدعم المالي المقدم من بروكسل إلى البعثة العسكرية الأفريقية الموجودة في مابوتو بنحو خمسة أضعاف الدعم الحالي، في خطوة جديدة تعكس تنامي التوجه الأوروبي نحو القارة الأفريقية.

انفتاح أوروبي على موزمبيق:

شهدت الأشهر الأخيرة تنامي التوجه الأوروبي نحو القارة الأفريقية، بما في ذلك موزمبيق، التي تعد ثالث أفقر دولة في العالم، وفقاً للبنك الدولي، على الرغم من الثروات الهائلة المعطلة التي تزخر بها. وبعد زيارة الرئيس الإيطالي، سيرجيو ماتاريلا، إلى مابوتو مطلع يوليو الماضي، توالت التحركات الأوروبية نحو موزمبيق، وهو ما يمكن رصده على النحو التالي:

1. زيادة التمويل العسكري: يخطط الاتحاد الأوروبي لزيادة الدعم المالي لبعثة "المجموعة الإنمائية للجنوب الأفريقي" (سادك) في موزمبيق بخمسة أضعاف الدعم الحالي، والمقدر بنحو 2.9 مليون يورو. فقد أوصت الورقة التي أعدتها "الدائرة الأوروبية للشؤون الخارجية" بتقديم 15 مليون يورو (حوالي 15.3 مليون دولار) لتمويل مهام "سادك"، والتي أرسلت ست من أصل 12 دولة يتكون منها هذا التكتل الإقليمي، قوات إلى موزمبيق لاحتواء انتشار العناصر الإرهابية منذ أغسطس 2021.

ويتوقع أن يتم التجديد لهذه القوات الموجودة في مابوتو لمدة تتراوح بين 6 و12 شهراً خلال القمة المقبلة لتكتل "سادك" في أغسطس 2022، بعدما كانت دول المجموعة قد اتفقت في يوليو الماضي على تمديد انتشار قواتها في موزمبيق لمدة شهر لحين انعقاد قمة المجموعة. كما تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم دعم مالي إضافي للجيش الموزمبيقي بقيمة 45 مليون يورو تقريباً، سيتم من خلاله توفير بعض المعدات للقوات العسكرية في مابوتو، بما في ذلك الرادارات وأجهزة الكشف عن الألغام والإمدادات الطبية.

وأرسلت رواندا بشكل منفرد قوات لمكافحة الإرهاب في موزمبيق في يوليو 2021، كما يتوقع أن يقوم الاتحاد الأوروبي بتقديم دعم مالي إضافي للقوات الرواندية، استجابة لمطالبها بالحصول على هذا التمويل لبعثتها العسكرية الموجودة في "كابو ديلجادو" بشمال موزمبيق.

وتعد موزمبيق ثاني أكبر دولة أفريقية حصولاً على الدعم المالي من الاتحاد الأوروبي، بقيمة تبلغ حوالي 700 مليون يورو سنوياً، كما تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم مزيد من الدعم لمابوتو من أجل تخفيف آثار الكوارث الطبيعية، وذلك خلال الزيارة التي قام بها رئيس موزمبيق، فيلب نيوسي، إلى بروكسل في فبراير 2022، حيث يفترض أن يركز الدعم المالي الأوروبي على مجالات المساعدات الإنسانية والبنية التحتية وتوطيد السلام.

2. تدريب القوات الموزمبيقية: وافق مجلس الاتحاد الأوروبي، في أكتوبر 2021، على إرسال "بعثة التدريب التابعة للاتحاد الأوروبي في موزمبيق" لمدة عامين، وتعمل البعثة على دعم جهود بناء السلام والحوار، بالإضافة إلى تعزيز التعاون الإنمائي وتأمين وصول المساعدات الأمنية. وضمت بعثة الاتحاد الأوروبي 140 ضابطاً تم توزيعهم على مركزين للتدريب، يقع الأول في "شيمويو" بوسط موزمبيق وهو خاص بعناصر الكوماندوز، فيما يقع الثاني في العاصمة مابوتو ويضم عناصر مشاة البحرية.

وفي مايو 2022، انضمت دول أوروبية إضافية للبعثة، بما في ذلك إيطاليا والسويد وليتوانيا، لتنضم بذلك إلى البعثة التي تتشكل بالأساس من قوات من إسبانيا والبرتغال وإستونيا والنمسا وبلجيكا وفرنسا واليونان ورومانيا. كما أرسلت الولايات المتحدة قوات خاصة إلى مابوتو من أجل دعم وتدريب القوات الموزمبيقية لمكافحة داعش، والذين صنفتهم واشنطن في مارس 2021 كجماعة إرهابية.

3. توسع الشركات الأوروبية: تستعد شركة "إيني" الإيطالية لبدء شحن الغاز المسال من سواحل موزمبيق عبر محطة "كورال سول" (Coral Sul FLNG) خلال أكتوبر 2022، لتصدر بذلك أول شحنة من الغاز المسال من موزمبيق، وذلك عبر ناقلة الغاز المسال البريطانية "بريتش مينتور" (British Mentor)، والمملوكة لشركة "بي بي" (BP)، والتي ستصل إلى محطة "كورال سول" في 24 أغسطس 2022، حيث بدأت هذه المحطة في استقبال إمدادات الغاز من حقل "كورال ساوث" البحري بحوض روفوما منذ يونيو الماضي.

وتعد شركة "إيني" الإيطالية مسؤولة عن المربع 4 في حوض "روفوما" قبالة شواطئ "كابو ديلجادو"، وقامت الشركة الإيطالية باستقدام محطة "كورال سول" العائمة لتسيل الغاز مطلع يناير 2022، ومن المفترض أن تتمكن المحطة من إنتاج حوالي 3.4 مليون طن من الغاز المسال سنوياً ولمدة 25 سنة، باستثمارات بلغت حوالي 7 مليارات دولار، معتمدة في ذلك على حقل "كورال ساوث"، والذي يحتوي على احتياطات من الغاز تقدر بنحو 16 تريليون قدم مكعبة.

وأعلن كبير مسؤولي التشغيل للموارد الطبيعية في شركة إيني أنها تستعد لإنشاء محطة عائمة جديدة في موزمبيق خلال ثلاث سنوات. كما تسعى شركة توتال الفرنسية، والتي تقود تحالفاً من مجموعة من الشركات الدولية، لاستئناف عملها في موزمبيق واستخراج الغاز من السواحل الشمالية للبلاد، والقيام بعملية تسييله وتصديره لأوروبا.

دوافع متعددة:

تتعدد الدوافع التي ربما تفسر أسباب تكثيف التحركات الأوروبية نحو موزمبيق، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1. مكافحة الجماعات الإرهابية: تستهدف القوى الأوروبية صد هجمات الجماعات الإرهابية في موزمبيق، والتي تهدد مشروعات الغاز هناك، والاستثمارات البالغة قيمتها حوالي 60 مليار دولار، حيث تنشط مجموعات إرهابية مرتبطة بداعش الإرهابي في إقليم "كابو ديلجادو" بشمال موزمبيق، والذي يزخر بالغاز، وعطلت هجمات المجموعات الإرهابية بعض المشروعات، أبرزها مشروع توتال الفرنسي، والتي أعلنت، في مارس 2021، توقف المشروع الذي تبلغ قيمته 20 مليار يورو.

2. القلق من تمدد الإرهاب: نجحت القوات الأفريقية الداعمة للجيش الموزمبيقي في استعادة مناطق واسعة كانت تسيطر عليها الجماعات الإرهابية منذ عام 2017، إلا أن المتمردين لايزالون يواصلون زعزعة الاستقرار في موزمبيق، إذ اتجهوا للانتشار في مقاطعة نياسا، والتمدد نحو تنزانيا، ووسط أفريقيا، وربما مناطق جديدة في الجنوب الأفريقي. ومن جهة أخرى، تتراجع القدرات العسكرية للدول الأفريقية المنخرطة في موزمبيق، باستثناء رواندا، ناهيك عن حاجتها إلى التمويل اللازم لمواصلة نشر قواتها في مابوتو.

3. تقليل الاعتماد على الغاز الروسي: يأتي تعزيز الدول الأوروبية لعلاقاتها بموزمبيق في إطار المساعي الأوروبية الحالية للبحث عن بدائل للغاز الروسي، لاسيما مع اقتراب دخول فصل الشتاء، والذي سيمثل تحدياً كبيراً بالنسبة لغالبية الدول الأوروبية، في ظل النقص الحالي في إمدادات الغاز، فضلاً عن الارتفاع الحاد في الأسعار. وتمثل موزمبيق أهمية خاصة بالنسبة لأوروبا فيما يتعلق بإمدادات الطاقة، حيث تمتلك مابوتو ثالث أكبر احتياطات مؤكدة من الغاز في أفريقيا، بعد نيجيريا والجزائر.

4. مواجهة النفوذ الروسي والصيني: تسعى القوى الأوروبية إلى مواجهة النفوذ الروسي والصيني المتنامي في موزمبيق، وتقليص اعتماد الحكومة الموزمبيقية على روسيا، أو الصين مالياً.

وترتبط موزمبيق بعلاقات تاريخية بروسيا، تعود للحقبة السوفييتية عندما دعمت موسكو جبهة تحرير موزمبيق "فريليمو" ضد المستعمر البرتغالي، واستمر الدعم العسكري الروسي منذ ذلك الوقت، حتى أن بعض التقارير أشارت إلى احتفاظ موسكو بوجود عسكري في موزمبيق، حتى مع مغادرة غالبية عناصر فاغنر الروسية في 2020، وهو ما يفسر التزام مابوتو الحياد إزاء الحرب الأوكرانية الراهنة.

وتمثل موزمبيق أهمية خاصة بالنسبة للصين، سواء لثرواتها الهائلة من المواد الهيدروكربونية، أو لموقعها الاستراتيجي في جنوب شرق أفريقيا ومنطقة المحيط الهندي، وتمثل قناة موزمبيق نقطة عبور رئيسي لبكين نحو زامبيا وزيمبابوي وبقية الدول الأفريقية غير الساحلية، لذا انخرطت الصين باستثمارات واسعة في البنية التحتية للسكك الحديدية والطرق في موزمبيق، لتعزيز انتشارها في المنطقة، فضلاً عن تسهيل عملية نقل معدن التيتانيوم الثمين من موزمبيق لبكين، بل أن ثمة تقديرات رجحت وجود رغبة صينية في بناء قاعدة عسكرية لها في موزمبيق، لتوسيع حضورها في المحيط الهندي والقارة الأفريقية، لاسيما أن بكين تعد أكبر دائن للأخيرة بحوالي 2.2 مليار دولار.

انعكاسات محتملة:

يمكن رصد جملة من الارتدادات المحتملة للانخراط الأوروبي في موزمبيق، وذلك على النحو التالي:

1. تنامي دور موزمبيق في صادرات الطاقة: تسعى موزمبيق لتكثيف جهودها في زيادة الإنتاج من الغاز الطبيعي المسال، وهو ما سيجعلها أحد المصادر الرئيسية للغاز بالنسبة لأوروبا، وهو ما انعكس في تصريحات شركة النفط والغاز الوطنية في موزمبيق (ENH) بأنها تسعى لتقديم المساعدة في تلبية احتياجات القوى الأوروبية من الغاز.

2. الضغط على مابوتو لإطلاق حوار وطني: رجحت تقارير غربية صعوبة نجاح المقاربة الأمنية وحدها في معالجة الصراع في الشمال المنبثق بالأساس عن مظالم محلية. وفي هذا السياق، قد يضغط شركاء موزمبيق عليها لفتح حوار وطني مع القوى السياسية ذات النفوذ في منطقة كابو ديلجادو لدفع المتمردين إلى الاستسلام وتفكيك شبكات التمرد، فضلاً عن توسيع نطاق التعاون الإقليمي للحيلولة من دون وصول أي دعم مالي، أو مادي إلى مجموعات التمرد داخل موزمبيق من قبل داعش.

3.  زيادة حدة التنافس الدولي: ترأست رئيسة مجلس النواب الروسية، فالنتينا ماتفينكو، في نهاية مايو 2022، وفداً برلمانياً إلى موزمبيق التقى بالرئيس الموزمبيقي، فيليب نيوسي، حيث قدم الوفد الروسي تعهدات إلى مابوتو بعدم إلحاق أي ضرر بوارداتها من الضروريات الأساسية بسبب الحرب في أوكرانيا.

وفي نهاية يوليو الماضي، أعلن السفير الروسي لدى موزمبيق، أكسندر سوريكوف، أن موسكو ومابوتو اتفقتا على استخدام العملات المحلية بدلاً من الدولار في المعاملات بينهما، كما ألمح السفير الروسي بأنه يجري حالياً الترتيب لعقد لقاء حكومي موسع بين البلدين خلال الأشهر المقبلة.

وتنخرط الصين بشكل مكثف في موزمبيق، وتنشط في العديد من الاستثمارات، أبرزها مشروعات البنية التحتية والطاقة والثروات المعدنية، كما تتوسع بكين في شراء البنوك البرتغالية في موزمبيق، وتعد الأخيرة أول دولة أفريقية توقع اتفاقية شراكة وتعاون استراتيجي مع الصين.

وفي المقابل، يسعى الغرب لتعزيز حضوره في مابوتو، فإلى جانب التحركات الأوروبية السابقة، تعد الولايات المتحدة ثاني أكبر مانح للمساعدات بالنسبة لموزمبيق، فقد أقرت واشنطن حزمة مساعدات إضافية بنحو 9.1 مليون دولار في يوليو 2022، بالإضافة إلى حزمة المساعدات الإنسانية التي كانت واشنطن تقدمها إلى موزمبيق، والبالغة حوالي 116 مليون دولار. كما تعد موزمبيق إحدى الدول الرئيسية التي ركزت استراتيجية واشنطن الجديدة عليها لتعزيز حضورها هناك.

وفي الختام، تتجه موزمبيق لتصبح بؤرة اهتمام دولي خاص، في ظل أهميتها المتنامية في ملف إمدادات الطاقة، فضلاً عن موقعها الجيواستراتيجي الحيوي كبوابة للعمق الأفريقي، وكذلك كنقطة ارتكاز مهمة في المحيط الهندي، بالتالي يرجح أن تشهد الفترة المقبلة تصاعد حدة التنافس الدولي في مابوتو.