• اخر تحديث : 2024-07-01 12:23
news-details
قراءات

انشقاق المشتركة وزيادة فرص نتنياهو


انشقاق حزب التجمع عن القائمة المشتركة، في الساعات الأخيرة من مساء الخميس، وهو اليوم الأخير لتسجيل القوائم الانتخابية، اعتبر في إسرائيل بمثابة حدث دراماتيكي من حيث تأثيره على المشهد الانتخابي، وهو ما ترجمه المحللون واستطلاعات الرأي بمنح مقعد أو اثنيْن لصالح بلوك نتنياهو، وتراجع فرص لبيد لتشكيل الحكومة القادمة.

بغض النظر عن الأسباب التي أدت إلى الانشقاق، ونحن هنا لسنا في معرض البحث فيها، فكل طرف (سواء التجمع أو ما بقي من القائمة المشتركة: الجبهة والعربية للتغيير، عودة والطيبي) له ما يرويه وما يتهم به الطرف الآخر، والرائج لدى المتابعين أن مفجر الانشقاق بعد الاتفاق السياسي كان الصراع على الحصه التمثيلية داخل القائمة، وهناك من يقول إن أصل الخلاف سياسي، رغم أن مَن اتفقوا على المشاركة في اللعبة السياسية وفق شروط ومعايير المؤسسات الإسرائيلية، لا يُفترض أن تكون بينهم خلافات جوهرية، لاسيما وهم جميعًا يتشاركون نفس الخلفيات الثقافية والأيديولوجية إلى حد كبير.

بغض النظر عن كل ذلك، فإن ترجمة الانشقاق عمليًا هو تراجع التمثيل العربي داخل الكنيست، تراجع مزدوج، حيث إن قائمة التجمع من المُرجح أنها لن تنجح في تجاوز نسبة الحسم، التي هي 3,25%، وبالتالي ستحرق عشرات الآلاف من الأصوات العربية التي توازي ما يقارب مقعديْن، هذا فضلًا عن الانشقاق وما يتبعه من صراع وتبادل للاتهامات الشنيعة، التي قد تصل إلى حد التخوين، والتي سيكون لها تأثير سلبي قوي على نسبة مشاركة العرب في الانتخابات، التي هي في الأصل نسبة قليلة جدًا مقارنة بنسبة مشاركة اليهود، حيث بلغت نسبة المشاركة العربية في الانتخابات الأخيرة 46%، وفي حال تأكد اتجاه تراجع نسبة التصويت، فإن القائمة المشتركة قد تجد نفسها متأرجحة حول نسبة الحسم، وثمة احتمال ألا تنجح هي الأخرى في تخطي نسبة الحسم، وهذا ما جعل البعض من المراقبين يكتب إن التمثيل العربي في خطر لأول مرة منذ دخول الأحزاب العربية العملية الانتخابية.

الجمهور العربي داخل الـ 48، الذي يتجاوز تعداده المليونيْن، جمهورٌ متنوع سياسيًا وأيديولوجيًا، فهناك الإسلاميون الذين يرفض بعضهم المشاركة في الانتخابات، وبعضهم مثل القائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس ذهبوا لما هو أبعد من مجرد المشاركة في الانتخابات، إلى المشاركة الفاعلة في الائتلاف الحكومي، وهناك اليساريون والقوميون الذين يرفضون الانتخابات، ويرفضون أن يكونوا جزءًا من مجتمع صهيوني عنصري، وآخرون يزاوجون بين الصراع السياسي ضد التمييز والاحتلال ويشاركون في الانتخابات مثل التجمع والجبهة والعربية للتغيير، ولكن التجمع يميز نفسه عنهم بمواقف وثوابت، وهو في داخله منقسمٌ حول المشاركة في الانتخابات. وكما حال الفلسطينيين، ففلسطينيي الداخل يعانون من الانقسامات وتعدد الخطاب السياسي وغياب وحدة الموقف، وهذا أمر طبيعي في ظل حالة الفشل والعجز الفلسطيني والعربي.

وحدة وتشكيل القائمة المشتركة لم تكن يومًا مدفوعة برغبة ذاتية من القوى المشكلة لها، رغم أن الجمهور العربي يرغب بشدة بأن لا يدخلوه في متاهاتهم الانقسامية، فهو في النهاية لا يرى فيهم إلا صوتًا عربيًا مقابل الأصوات الصهيونية، بصرف النظر عن الفوارق الميكروسكوبية التي بينهم. وحدتهم في القائمة المشتركة تمّت بفعل رفع نسبة الحسم إلى 3,25%، التي دعا إليها ليبرمان و"الليكود" لمحاربة التمثيل العربي داخل الكنيست، فنسبة الحسم المرتفعة تعني أن الأحزاب التي كانت تمثل بمقعديْن إلى ثلاثة لا تستطيع الدخول إلى الكنيست، لأن الحد الأدنى حسب نسبة التصويت ونسبة الحسم يكون أربعة مقاعد، أي إما أربعة مقاعد وإما صفر؛ الأمر الذي أدى إلى وحدة اضطرارية بين الأحزاب العربية، وكانت أفضل حصة تمثيلية للقائمة المشتركة في آذار من عام 2020 حين حصلت على 15 مقعدًا.

في الانتخابات الأخيرة، حدث الانشقاق الأول؛ حيث انشق منصور عباس بحركته عن المشتركة، وخاض الانتخابات منفردًا، وحصل على أربعة مقاعد، بينما المشتركة حصلت على ستة مقاعد.

ومن المعروف أن التمثيل العربي في الكنيست وحجمه يؤثر بشكل مباشر - لا سيما في ظل الانقسام الحاد بين كتلتي نتنياهو ولبيد - على حظوظ أيّ من الكتلتيْن في تشكيل الحكومة، فكلما زاد حجم التمثيل العربي زادت معه حظوظ لبيد وتراجعت معه حظوظ نتنياهو، والعكس صحيح، لأن الأصوات العربية ستصوت عادة ضد التوصية على نتنياهو لتشكيل الحكومة، بينما بعضها سيصوت لصالح لبيد أو يمتنع عن التصويت، وقد تستخدم الأصوات العربية كشبكة أمان للحكومة من خارجها، ففي داخل الكنيست سيسعى العرب كما دومًا لمحاولة إفشال اليمين المتطرف والعنصري، وفي الحالة الراهنة تحالف نتنياهو وبن غفير، أي الاختيار بين ما هو أسوأ وما هو أكثر سوءًا من وجهة نظرهم.

بمجرد انشقاق التجمع، منحت استطلاعات الرأي تقدمًا بمقعد لصالح نتنياهو، وبات بعيدًا بمقعد واحد عن الحصول على الرقم 61 مقعدًا، وهو ما يؤهله لتشكيل حكومة يمين ضيقة، وهكذا فكلما تراجع التمثيل العربي زادت فرص كتلة نتنياهو في تشكيل الحكومة.

مع ذلك، ثمة من يُراهن على أن الانشقاق والمخاوف من خسارة التجمع لتمثيله في الكنيست، والخوف من خسارة تمثيل المشتركة أيضًا؛ قد يدفع الجمهور العربي للتصويت بنسبه عالية، وبالتالي زيادة عدد المقاعد العربية إلى ما لا يقل عن مقعديْن؛ هو يبقى احتمالًا، لكنه احتمال ضعيف.