• اخر تحديث : 2024-05-15 19:58
news-details
قراءات

ما خيارات روسيا المستقبلية في الحرب الأوكرانية؟


اهتمت بعض المواقع الصحفية العالمية بتطورات الحرب الأوكرانية وانعكاساتها على الداخل الروسي، وبشكل أساسي على استمرار حقبة بوتين؛ حيث نشر موقع صحيفة “فاينانشيال تايمز” مقالاً بعنوان “بوتين تحت الضغط: ما الخطوة التالية لروسيا؟”، للكُتَّاب “ماكس سيدون” مراسل الصحيفة ورئيس مكتب موسكو، و”بولينا إيفانوفا” مراسلة الصحيفة من روسيا وأوكرانيا، و”بن هول” محرر الشؤون الأوروبية في الصحيفة، كما نشر موقع “فورين بوليسي”، مقالاً للكاتب “مارك لورانس شراد” أستاذ العلوم السياسية ومدير دراسات المنطقة الروسية في جامعة فيلانوفا، بعنوان “التنبؤات بنهاية بوتين مبالغ فيها”، ويمكن تناول أبرز ما جاء فيهما؛ وذلك على النحو التالي:

ضغوط أوكرانيا

يشير المقال إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يواجه ضغوطاً واسعة داخلياً وخارجياً بسبب الحرب على أوكرانيا، ومسارات الأزمة وتحولاتها؛ وذلك على النحو التالي:

1. تقدُّم المقاومة الأوكرانية: في أواخر أغسطس 2022، أقامت القوات الروسية في مدينة “كوبيانسك” شرق أوكرانيا احتفالات بمناسبة يوم العلم الروسي. وبعد أسابيع قليلة اختفت هذه القوات نتيجة هجوم أوكراني مفاجئ أجبرها على الانسحاب لأكثر من 3000 كيلومتر مربع من الأراضي الأوكرانية، تاركةً الدبابات والمدرعات والإمدادات. وبحسب المقال، أدى الهجوم المضاد الذي شنته أوكرانيا عبر منطقة خاركيف إلى تغيير زخم الحرب، وكشف عن ضعف القوات الروسية المنهكة.

2. تزايد التصعيد في أوكرانيا: وفق المقال حافظ الرئيس الروسي على الموقف العام بأن ما يحدث هو “عملية عسكرية خاصة”، لكن يعتقد بعض المحللين العسكريين أنه ليس أمام بوتين الآن خيار سوى الأمر بتصعيد كبير للصراع؛ إذ يقول بافيل لوزين الخبير بالجيش الروسي: “بحلول نهاية هذا العام، سيفقد الكرملين تقريباً كل الذخيرة المدفعية وجميع مركباته المدرعة ودباباته القتالية تقريباً، والجزء الرئيسي من قواته البرية”، وهو ما يثير التساؤل حول مدى قدرة موسكو على مواصلة الحرب بدون مدفعية وقوات.

3. تراجع الميزانية الروسية: وفقاً للمقال، يُعَد التراجع الدراماتيكي في ساحة المعركة ليس سوى واحد من عدة انتكاسات في أوكرانيا واجهها الزعيم الروسي فلاديمير بوتين هذا الأسبوع؛ إذ إنه وفقاً للأرقام المنشورة هذا الأسبوع، نفد فائض الميزانية الروسية لهذا العام؛ وذلك بسبب ضعف أسعار النفط وتضاؤل ​​شحنات الغاز إلى أوروبا؛ ما قد يفرض ضغوطاً أكبر على الاقتصاد الروسي، كما يحشد الاتحاد الأوروبي لحرب طاقة ضد موسكو دون أي مؤشر على تراجع العقوبات الغربية على روسيا.

4. انتقادات داخلية متزايدة: يواجه الرئيس الروسي ضغوطاً متزايدة في الداخل؛ ليس من المعارضة الليبرالية فقط، التي فرَّ الكثير منها من البلاد ويخشى انتقاد التدخل العسكري، بل أيضاً من اليمين، بما في ذلك بعض أبرز داعمي الحرب الذين يحثونه على التصعيد. ويرجع ذلك – بحسب التقرير – إلى عدم تحقيق نصر ملموس؛ إذ أصبح من الصعب بشكل متزايد حماية الروس من نكسات الحرب.

5. عدم تحقيق نصر ملموس: ظهر مقطع فيديو متداول على الإنترنت لـ”يفجيني بريجوزين” الذي تشير المصادر إلى أنه يدير مجموعة “فاجنر” شبه العسكرية، وهو يخاطب المدانين في ساحة سجن روسي ويحثهم على القتال في الخطوط الأمامية في فاجنر، وأنهم إذا نجوا لمدة ستة أشهر، فسيحصلون على عفو. ويُسلِّط الفيديو – وفقاً للمقال – الضوء على كيفية اضطرار روسيا إلى التكيف مع استمرار الحرب دون أي نصر ملموس، كما أصبحت العمليات السرية لروسيا علنية؛ إذ تعلن فاجنر عن عملياتها عبر اللوحات الإعلانية في جميع أنحاء روسيا. وفي هذا السياق، أكد بريجوزين صحة هذا الفيديو بعد أن أنكر وجود المجموعة ذاتها لسنوات؛ إذ كتب بريجوزين في منشور لاحق على وسائل التواصل الاجتماعي: “إما أن يقاتل المرتزقة والسجناء، أو أن يقاتل أطفالكم.. قرروا بأنفسكم”.

6. تذبذب الحلفاء الخارجيين: بحسب المقال، بدأ الزعماء غير الغربيين الذين وقفوا بجانب موسكو حتى الآن في إبعاد أنفسهم عن حرب الكرملين، وقد اعترف الرئيس الروسي في قمة عُقدت يوم الخميس في أوزبكستان بأن لدى نظيره الصيني “شي جين بينج” “أسئلة ومخاوف” بشأن التدخل الروسي في أوكرانيا. كما وبَّخ “ناريندرا مودي” رئيس الوزراء الهندي بوتين علناً في القمة نفسها، قائلاً إن "عصر اليوم ليس عصر حرب".

استقطاب داخلي

انقسم الداخل الروسي في موقفه تجاه مسارات الحرب في أوكرانيا؛ إذ تزايدت حدة الانتقادات للرئيس الروسي من قبل القوميين المتطرفين، في حين اتخذ بعض السكان موقفاً لا مُبالِياً من تطورات الحرب؛ وذلك كالتالي:

1. انتقادات متزايدة للقوميين الروس: أثارت نكسة موسكو في خاركيف انتقادات من أكثر المعسكرات ضراوةً وتأييداً للحرب في الداخل؛ إذ لطالما انتقدت هذه المجموعة الأكثر راديكاليةً الكرملين؛ لعدم توسعه في هجومه على أوكرانيا؛ إذ تريد هذه المجموعة المتطرفة من بوتين إعلان حرب شاملة، ودفع الجيش الروسي الكبير إلى المعركة وحشد السكان والاقتصاد على نطاق أوسع. ويشير المقال إلى أن هذا المعسكر القومي المتطرف أقلية موجودة على هامش السياسة الروسية، ويتألف في الغالب من مدونين عسكريين ومعلقين آخرين يكتبون على تطبيق المراسلة "تليجرام".

2. انزعاج النظام من الانتقادات: يشير المقال إلى أن من الممكن أن يكون لهذه المجموعة صدى سياسي؛ إذ تشير “تاتيانا ستانوفايا” مؤسسة شركة الاستشارات السياسية “آر بوليتيك” في موسكو إلى أن “التاريخ تصنعه الأقليات”. وبحسب ستانوفايا، يؤثر النشاط المفرط للجماعة القومية المتطرفة واستجابتها الصوتية والعاطفية الشديدة للهزيمة في خاركيف، على النخبة السائدة المؤيدة للكرملين؛ من مذيعي التلفزيون إلى التكنوقراط؛ إذ ازدادت المخاوف من خسارة روسيا الحرب. وفي هذا السياق، أرسل المتحدث الرسمي “ديمتري بيسكوف” تهديداً مستتراً إلى هذه الجماعات، محذراً إياهم من المبالغة في النقد التي قد تزعج القيادة الروسية.

3. بروز اقتراحات “إعلان التعبئة”: اقترح بعض مؤيدي الحرب عدداً من الإجراءات لتعزيز المجهود الحربي؛ إذ يقترح بورودي النائب الروسي الذي يقود ثلاث كتائب متطوعة تقاتل حالياً في أوكرانيا والقائد السابق لحكومة دونباس الانفصالية المدعومة من موسكو، تعبئة جزئية لما يصل إلى 400 ألف رجل، وإعلان الأحكام العرفية على حدود روسيا فقط. كما اقترح رمضان قديروف الزعيم الشيشاني أن تستخدم الحكومة بدلاً من ذلك نهج “التعبئة الذاتية”، وهو ما من شأنه أن يضع عبء التعبئة على عاتق القادة الإقليميين، لا على الكرملين أو وزارة الدفاع. وقد استخدمت موسكو هذا التكتيك لسياسات غير شعبية من قبل، وعلى الأخص أثناء الوباء، عندما أراد بوتين فرض عمليات إغلاق دون تحمل المسؤولية عنها.

4. رفض المواطنين الانخراط في الحرب: بحسب المقال، لا تتماشى آراء الجماعة القومية المتطرفة مع آراء عموم السكان؛ إذ يبدو أن غالبية الروس يرتبط موقفهم بعدم الاضطرار إلى تصعيد مشاركتهم في الحرب. وهؤلاء “العاديون”، كما وصفهم جريج يودين رئيس الفلسفة السياسية في كلية موسكو للعلوم الاجتماعية والاقتصادية “غير مسيسين بتاتاً”، ولا يريدون الانخراط بأي شكل من الأشكال في الحرب.

خيارات بوتين

لا يزال رد بوتين على الانتكاسات في أوكرانيا يمثل لغزاً حتى بعد ستة أشهر من اندلاع الحرب في جميع أنحاء شرق أوكرانيا ووسطها؛ فقد حاول بوتين إبقاء خياراته مفتوحة؛ إذ يتحدث كثيراً عن الجهود المبذولة للسيطرة على دونباس بأكملها، لكنه نادراً ما يذكر النقاط الساخنة الأخرى، مثل خاركيف وخيرسون. ولكن من ضمن خيارات بوتين المحتملة بحسب المقال، ما يلي:

1. عدم تغيير الخطط الروسية: أصر بوتين على أن روسيا لن تغير خططها العملياتية، وأن هدفها الرئيسي يظل “تحرير كل جزر دونباس”، وزعم أن العمليات الهجومية الروسية تضع المزيد من الأراضي تحت سيطرتها. ونقلت وكالة “ريا نوفوستي” للأنباء عن بوتين قوله: "لا نقاتل بالجيش كله، بل بجزء منه فقط؛ فنحن لسنا في عجلة من أمرنا".

2. اللجوء إلى تصعيد الصراع: قد يختار بوتين تصعيد الصراع؛ إذ صعدت روسيا هذا الأسبوع الضربات الصاروخية على البنية التحتية الحيوية في أوكرانيا؛ حيث أصابت شبكة الطاقة ومحطات التدفئة المركزية والمنشآت الكهرومائية، فيما وصفه رئيس الوزراء الأوكراني “دينيس شميهال” بأنه محاولة لترويع السكان الأوكرانيين مع اقتراب فصل الشتاء.

3. إثارة الصدام مع الناتو: قد يحاول بوتين أيضاً توسيع الصراع من خلال إثارة صدام مع الناتو، فيبرر التعبئة الكاملة في الداخل لتوسيع القوات المسلحة، لكن خبراء عسكريين يقولون إن الأمر سيستغرق عدة أشهر لتوفير رجال مدربين مدمجين في وحدات عسكرية مزودة بقادة ومعدات.

عوامل الاستمرارية

يحاول المقال تحليل أسباب استمرارية نظام بوتين، رغم تعرضه للعديد من الأزمات على مدار السنوات الماضية؛ وذلك على النحو التالي:

1. التركيز على القومية والشرعية من خلال الهوية: خلال العقد الأول من حكم بوتين، كان الأداء الاقتصادي الممتاز لروسيا هو الذي أعطى بوتين الشرعية الشعبية، ولكن مع تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية والعقوبات الغربية التي تلت ذلك، قيل إن موقفه كان ضعيفاً بسبب الافتقار إلى الشرعية؛ لذلك ركز بوتين – بحسب المقال – على القومية والشرعية من خلال الهوية للحفاظ على الدعم الشعبي كمدافع عن الأمة الروسية، وهي الصورة التي لا تزال قائمة على الرغم من السجل السياسي والاقتصادي الكارثي على نحو متزايد، وفقاً للكاتب.

2.  قدرة بوتين على فرض سيطرته داخلياً: يشير المقال إلى أن الديمقراطيات الغربية ترى أن السيادة والشرعية تقع على عاتق الشعب، ويتم التعبير عنها من خلال الانتخابات، وتجادل حول وجود زعيم ديمقراطي بدون دعم شعبي مشكوك في شرعيته ومن المحتمل أن يواجه آفاقاً سياسية محفوفة بالمخاطر في المستقبل. لكن من الناحية النظرية والممارسة، يمكن أن تدعم الشرعية الشعبية بالفعل نظاماً استبدادياً؛ إذ إن بعض الحكام على غرار بوتين لديهم آليات سيطرة أخرى لا يمتلكها القادة الديمقراطيون؛ لاسيما من خلال استقطاب المعارضة واحتكار المشهد الإعلامي للحفاظ على السلطة

3. استخدام القوة ضد المعارضين: منذ إعلان “بوتين” الحرب، تخيل النقاد الغربيون أن الشعب الروسي سينتفض جماعياً ويطيح ببوتين، لكن تم سحق موجة الاحتجاجات المناهضة للحرب في فبراير ومارس، وتم تجريم الاحتجاج، وسُجن قادة المعارضة إلى حد كبير أو تم سجنهم في الخارج؛ ما يجعل سيناريوهات الثورة الجماهيرية ضد زعيم لا يزال يتمتع بتأييد أعلى من 80% – وفقاً للمقال – تبدو بعيدة المنال.

4. دعم الأوليجاركية الروسية لبوتين: يشير المقال إلى أن هناكسيناريو غربياً مفضلاً آخَر لنهاية “بوتين” وهو الانقلاب عليه من قبل “الأوليجاركية” أو الجيش، لكن هذا لم يحدث حتى الآن؛ لأن الأوليجاركية والنخب السياسية في روسيا تستسلم – بحسب المقال – بشكل متزايد لحقيقة أن مصيرهم مرتبط ببوتين ونظامه؛ لذلك يستمرون في دعمه. ومن ثم فإن مراهنة البعض، وخصوصاً في الغرب، على ظهور مجموعة تطيح بالرئيس “بوتين” يُعَد أمر غير واقعي، بحسب الكاتب، وقد يتطلب تحققه فترة زمنية طويلة.

ختاماً، يشير المقال إلى أن محاولة التنبؤ بأحداث ذات مغزى تاريخي وعالمي عمل شاق للنقاد والسياسيين ومحللي الاستخبارات وحتى الخبراء، لا سيما إن كانت مبنية على قراءة غير مكتملة للماضي، وكلها مغطاة بالتحيزات المعرفية الخاصة. وحتى بين الخبراء في مجالاتهم، فإن التنبؤات الناجحة نادرة والإخفاقات أكثر بكثير؛ لذلك عندما يتعلق الأمر بالتنبؤ بنهاية بوتين، يرى الكاتب ضرورة إجراء دراسة أوسع لمصادر الاستقرار الاستبدادي – وهي القمع، والاستقطاب، والسيطرة على وسائل الإعلام – التي لا تعتمد على المفاهيم الغربية عن الشرعية، مع تخفيض الآمال بشأن عقاب “بوتين” على الفظائع والمظالم في أوكرانيا.