تحليل موجز
تناقش المقالة الأولى في سلسلة مقالات معهد واشنطن حول الانتخابات الإسرائيلية المقبلة كيفية تشكيل التحالفات المتنافسة، ولماذا يحظى المتطرفون بالتأييد على حساب اليمين، وما هي القضايا السياسية التي من المرجح أن تؤدي إلى توجيه النقاش الوطني.
في 15 أيلول/سبتمبر، تُوِّجت المناورات الداخلية بين الأحزاب السياسية الإسرائيلية بتقديم قوائم المرشحين إلى "لجنة الانتخابات المركزية" لعملية الاقتراع التي ستجري في الأول من شهر تشرين الثاني/نوفمبر، وهي الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية الخامسة خلال ثلاث سنوات ونصف. وتدخل دورة الحملة الانتخابية الآن مرحلة جديدة ستتسارع أكثر فأكثر بعد الأعياد اليهودية القادمة.
نمط مُتّسِق في الاستطلاعات
بالكاد تغيرت أرقام استطلاعات الرأي للفصائل المختلفة منذ انهيار الحكومة الإسرائيلية السابقة، التي تألفت من تحالف لأغلبية ضئيلة للغاية سعى إلى التركيز على قضايا الإجماع، وذلك في حزيران/يونيو وسط ضغوطٍ تعرّض لها الطرفان اليميني واليساري. والمثير للدهشة هو أنه على الرغم من الأحداث الكبرى التي جرت في السنوات القليلة الماضية - أي "اتفاقيات أبراهيم"، جولتان من القتال في غزة، جائحة "كوفيد-19"، وزيارة رئاسية أمريكية - إلّا أن النظام البيئي السياسي الإسرائيلي لا يزال ثابتاً إلى حدٍ ما، ويبدو أن الحملة الانتخابية ستشكل معركة محتدمة أخرى. وحالياً ومن المتوقع أن تفوز الأحزاب اليمينية المتحالفة مع رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو بـ 59 أو 60 مقعداً، أي أقل بقليل من الأغلبية الحاكمة في الكنيست المكوّن من 120 عضواً. أما القوى المؤلفة بمعظمها (ولكن ليس حصرياً) من يسار الوسط والمصطفة ضده، والمعروفة باسم "ائتلاف التغيير"، فيبلغ عدد مقاعدها حوالي 56 مقعداً وفقاً للاستطلاعات. أما الأحزاب العربية التي عارضت في السابق الانضمام إلى أي ائتلاف فهي التي تصنع الفارق.
ويعزز اتساق هذا التوزيع الشعور بأن الانتماء السياسي أصبح أكثر تشابكاً مع الهوية الشخصية بالنسبة للكثير من الإسرائيليين. كما يبدو أن الناخبين اليهود غير متأثرين بالإرهاق الانتخابي، مع بقاء نسبة الإقبال فوق الثلثين على الرغم من عمليات التصويت اللامتناهية.
الرهانات
لا تزال تشكيلة أحزاب "ائتلاف التغيير" قائمة إلى حدٍ كبير، حيث يجمع أعضاءها الخوف من انهيار المعايير الديمقراطية إذا فاز "حزب الليكود" برئاسة نتنياهو. فقد صرّح ممثلو "الليكود" في الكنيست علانيةً أنه في حال عودة نتنياهو إلى السلطة، فإنهم سيطردون المدعي العام الحالي، ويغيرون الطريقة التي يتم بها شغل هذا المنصب، ويمررون قانوناً يؤجل محاكمة زعيمهم بتهمة الفساد إلى ما بعد خروجه من السياسة. وعلى نطاقٍ أوسع، سوف يسعون إلى إخضاع قرارات "المحكمة العليا" لقوانين الكنيست، مما يشكل انقلاباً على "الثورة الدستورية" التي حدثت في التسعينيات. وعلى الرغم من أن نتنياهو نفسه لن يدلي على الأرجح بمثل هذه التصريحات، إلّا أن الانتخابات التمهيدية الأخيرة داخل "حزب الليكود" أظهرت أن حلفاءه مستعدون وقادرون على خفض رتبة أعضاء الكنيست المخضرمين الذين يترددون في مهاجمة سلطات إنفاذ القانون والقضاء. وتتم مكافأة المشاغبين والموالين عوضاً عنهم.
وفي غضون ذلك، كان تحالف "الليكود" مع المعسكرات القومية الدينية والمتشددة محكماً منذ عام 2009، ويجب أن يؤتي ثماره في صناديق الاقتراع بالنظر إلى أن 62 في المائة من الناخبين اليهود الإسرائيليين يتعاطفون مع اليمين. وفي الوقت نفسه، لم يحقق بعد التحالف اليميني الأغلبية في البرلمان، بسبب القلق العام المستمر بشأن اتهامات نتنياهو بالفساد وتدمير المعايير الديمقراطية - وهي مشاعر يمكن أن تتواجد بين أعداد كبيرة من مؤيدي يمين الوسط غير الديني وحتى بعض الناخبين القوميين المتدينين.
الدور الجديد للبيد كقائم بأعمال رئيس الوزراء
هذه هي الحملة الانتخابية السابعة التي يخوضها نتنياهو ورئيس الوزراء الحالي المؤقت يائير لبيد ضد بعضهما البعض، لكنها الأولى منذ عام 2009 التي يخوض فيها نتنياهو من جهة المعارضة. ففي السابق، استخدم زعيم "الليكود" منصبه لتعزيز أوراق اعتماده الدولية، لكن لبيد سيجني الآن فوائد الاجتماعات رفيعة المستوى مع القادة العرب والأوروبيين والخطابات في المحافل الدولية، بما في ذلك "الجمعية العامة للأمم المتحدة" هذا الأسبوع. وفي الواقع، يبدو أن لبيد يعتمد على استناد الناخبين في خيارهم على السياسة الخارجية والأمن، حتى عندما يخبرون مستطلعي الآراء أن الاقتصاد هو أهم قضاياهم.
إلا أن نتنياهو لم يقف مكتوف اليدين. فقد وحّد تحالفه وأعاد ضبطه لتجنب "إهدار" أصوات اليمين على الأحزاب الهامشية التي تقلّ نسبة أصواتها عن العتبة الانتخابية البالغة 3.25 في المائة المطلوبة للدخول إلى البرلمان. وجرّب لبيد التكتيك نفسه على يسار الوسط، لكن دون جدوى - فقد رفضت زعيمة "حزب العمل" ميراف ميخائيلي الاندماج مع "حزب ميريتس" الذي يُعرف بإعلان يساريته بصراحة أكبر بسبب مخاوفها من إضعاف سمة حزبها.
ما مقدار الدور الذي سيلعبه الإرهاب؟
شهد أحد الفصائل في تحالف نتنياهو صعوداً كبيراً في الأسابيع الأخيرة: وهو "الحزب الصهيوني الديني"، الذي يحمل اسم أكبر فئة من الناخبين ولكنه يمثل اليمين المتطرف فقط. ويتولى قيادة الحزب بتسلايل سموتريش وإيتمار بن غفير، وهذا الأخير هو تلميذ سابق للشخصية السياسية المعروفة بعنصريتها مائير كاهانا. وعلى الرغم من أن بن غفير تخلى عن دعوات كاهانا إلى التطهير العرقي، إلا أنه دعا مراراً وتكراراً إلى طرد بعض المعسكرات العربية التي يعتبرها غير مخلصة.
ونمت شعبية بن غفير لعدة أسباب. أولاً، إنه مُحرِّض يستغل وسائل الإعلام لنشر رسالته، إذ يُسرع إلى مسرح الهجمات الإرهابية أو مناطق حساسة أخرى لالتقاط الصور. ثانياً، من خلال إصراره على أنه يقول فقط ما يعتقده الآخرون ولكنهم لا يجرؤون على التفوه به، استمال إليه بعض الناخبين الشباب المتدينين المتشددين وغيرهم من الجماهير غير المتوقعة (على سبيل المثال، تجمهر حوله مؤخراً طلاب من مدرسة ثانوية علمانية راقية في منطقة تل أبيب لالتقاط صور شخصية معه). ثالثاً، يُظهر التاريخ أن الإرهاب الفلسطيني يثير بشكل عام المشاعر العامة الإسرائيلية إلى اليمين عشية الانتخابات. وقد تَعلّم رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت هذا الدرس بالطريقة الصعبة - فبعد أشهر من إطلاق ائتلافه تجربته التاريخية المتمثلة في ضم نواب عرب في الحكومة، أدّت سلسلة من الهجمات إلى مقتل 19 إسرائيلياً خلال شهر رمضان في الربيع الماضي، مما أدى إلى انشقاقات رئيسية أدت في النهاية إلى انهيار ذلك الائتلاف.
وهذه الهجمات، والعمليات العسكرية الإسرائيلية شبه اليومية منذ ذلك الحين في مدينتَي جنين ونابلس اللتين يسودهما الاضطراب، هي جزء من دورة عنف كشفت عجز "السلطة الفلسطينية" عن توفير الأمن لأجزاء كبيرة من الضفة الغربية. وحتى الآن، كان عام 2022 أكثر الأعوام دموية في تلك المنطقة منذ عام 2016، إذ قُتل 85 فلسطينياً، بينما أبلغ الشاباك عن 981 حادثاً إرهابياً أُحبِط أو ارتُكِب بين آذار/مارس وآب/أغسطس وحدهما. وستزيد الأعياد الدينية القادمة من خطر انتشار العنف حيث يزور عشرات الآلاف من اليهود جبل الهيكل/الحرم الشريف، الذي يشكل على الدوام مصدراً رئيسياً للتوتر.
وسعى بن غفير و"الحزب الصهيوني الديني" إلى استغلال مثل هذه الأعمال العنيفة لانتزاع الأصوات من "حزب الليكود" وأيضاً من "اليمين الليّن" الضعيف بقيادة وزير العدل جدعون ساعر ووزير المالية أفيغدور ليبرمان. وفي الانتخابات السابقة فاز "الحزب الصهيوني الديني" بستة مقاعد ويبلغ عدد مقاعده الآن 11 أو 12 مقعداً حسب الاستطلاعات، مما يزيد من احتمال فوز بن غفير بحقيبة وزارية رفيعة إذا فاز نتنياهو.
التصويت العربي
كما في الجولة الماضية، قد تتوقف النتيجة على الفصائل العربية. أولاً، كانت نسبة الإقبال بين الناخبين العرب الإسرائيليين متقلبة، وعادةً ما تتوافق مع وحدة الأحزاب العربية. فقبل انتخابات عام 2021، انشق فصيل منصور عباس عن "القائمة المشتركة" ذات الأغلبية العربية وخاض الانتخابات مع قائمته الخاصة، "القائمة العربية الموحدة". وعلى الرغم من أن هذا التكتيك قد مكّن "القائمة العربية الموحدة" من أن تصبح أول حزب عربي ينضم إلى ائتلاف، إلا أن الانقسام أضر بالإقبال العام للمجتمع العربي (انخفض إلى 45 في المائة، بتراجع قدره عشرين نقطة) وبعدد مقاعده في الكنيست (انخفض إلى 10 مقاعد موزعة على قائمتين، مقارنة بـ 15 مقعداً لـ "القائمة المشتركة" في الانتخابات السابقة، مما جعلها ثالث أكبر فصيل في ذلك الوقت). علاوةً على ذلك، تجنبَ نتنياهو إلى حدٍ كبيرٍ اللهجة المثيرة للمخاوف المناهضة للعرب والتي أدت إلى إقبال كبير من هذا المجتمع في الماضي.
ثانياً، قد يؤدي الانقسام في "القائمة المشتركة" في اللحظة الأخيرة إلى مساعدة نتنياهو أو "ائتلاف التغيير". فبعد انشقاق "القائمة العربية الموحدة" في العام الماضي، بقيت ثلاثة أحزاب ضمن "القائمة المشتركة" هي: "التجمع الوطني الديمقراطي"، و"الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة" وهي فصيل عربي يهودي شيوعي، و"الحركة العربية للتغيير" وهي فصيل قومي عربي. لكن في الآونة الأخيرة، تم استبعاد "التجمع الوطني الديمقراطي" - الأكثر تطرفاً من بين الثلاثة - من القائمة. واتهم هذا "التجمع" لبيد بأنه العقل المدبر للانقسام بهدف تحرير "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة" و"الحركة العربية للتغيير"، إما لتقديم دعم ضمني في البرلمان المقبل أو الانضمام إلى التحالف بشكل مباشر، وهو ما قد يجعل لبيد أقرب إلى الحصول على 60 مقعداً.
وقد يوحي خروج "التجمع الوطني الديمقراطي" أيضاً بجدول أعمال أكثر شمولاً للتحالف بين حزبَي "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة" و"الحركة العربية للتغيير". وتشير استطلاعات الرأي إلى أن معظم الشباب العربي الإسرائيلي يريدون الاندماج في بلادهم وهم محبطون بشكل متزايد من التقاعس الملحوظ لممثليهم السياسيين. ومع وجود ثلاث مقاربات سياسية متميزة أمامهم - هي براغماتية "القائمة العربية الموحدة"، وتفضيل التحالف بين حزبَي "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة" و"الحركة العربية للتغيير" لتأدية دور صانع الملوك، ونزعة الرفض في "التجمع الوطني الديمقراطي" - تتعدد الخيارات المتاحة أمام الناخبين العرب أكثر من أي وقت مضى. إلا أن ذلك قد يشكل سيفاً ذا حدين: فاستطلاعات الرأي تشير إلى أن "القائمة العربية الموحدة" والتحالف بين حزبَي "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة" و"الحركة العربية للتغيير" يقتربان على نحوٍ خطير من العتبة الانتخابية البالغة 3.25 في المائة، في حين أن "التجمع الوطني الديمقراطي" يبقى بعيداً جداً عنها. وإذا فشلت الأحزاب الثلاثة في دخول البرلمان، فلن يتم تمثيل المجتمع العربي للمرة الأولى في تاريخ إسرائيل، مما يشكل نكسة مروعة بعد الإنجاز غير المسبوق في العام الماضي.
الخاتمة
لن يؤدي احتدام السباق هذا العام إلا إلى تضخيم دور الحوادث الفردية على الأرض والمناورات التي تقوم بها الأحزاب الصغيرة. وبناءً على ذلك، حتى التطورات الثانوية قد يكون لها عواقب انتخابية كبيرة.