استوحيت العنوان من ان الامريكيين يعتبروا أن الجاموس الامريكي هو أكبر الأنواع البرية من الأبقار في العالم وكانوا يفتخرون به قبل ان يعتبر كل من (الحمار) رمزا للحزب الديمقراطي و (الفيل) للحزب الجمهوري، أما في الصين فيعتبرون أن (التنين الصيني) وهو كائن أسطوري هو رمز للقوة، ونشهد حاليا وبتعبير رمزي صراع كبير بين هذه الرموز وعلى أساسها ترتسم معالم سيطرة حالة (عدم اليقين) على الاقتصاد العالمي الذي يترنح بين صراع عملاقي الاقتصاد العالمي أي (الصين وأمريكا)، ومهما دورنا الزوايا فأننا نجد ان جذور الصراع بينهما بشكل اساسي هي اقتصادية، وللتأكيد على ذلك وبلغة الارقام سأعتمد تقرير (فيجوال كابيتا ليست - صندوق النقد الدولي) حيث أكد أن قيمة الناتج الاقتصادي العالمي لسنة /2021/ بلغ حوالي /94/ تريليون دولار، واحتلت امريكا الدرجة الاولى بناتج قدره حوالي /23/ تريليون دولار بنسبة 24 % والصين المرتبة الثانية حوالي /17/ تريليون وبنسبة 19% أي انهما معا يشكلان حوالي /43%/ من الناتج العالمي، ولكن سيقل التفاوت بينهما بسبب تباين معدلات النمو الاقتصادي.
ففي الصين سيكون بين سنتي /2021 و2027/ بأكثر من /5%/ بينما في أمريكا بأقل من /2%/ أي بفارق يزيد عن /3%/ لمصلحة الصين، ويترافق هذا مع تراجع نسبي لمستوى التنافسية وتعتبرها أمريكا من مرتكزات الامن القومي، بينما تزداد التنافسية الصينية وخاصة الانتاجية والدليل البدء بتنفيذ مشروع (الحزام والطريق) وهو مشروع عملاق يعتبر من أكبر المشاريع الاستثمارية في التاريخ البشري وسيربط بين قارات العالم وبشكل مباشر /68/ دولة تشكل /65%/ من سكان العالم و /40%/ من الناتج المحلي الاجمالي العالمي.
وتجدر الاشارة الى ان سورية تشكل نقطة ارتكاز في هذا المشروع من خلال موقعها وهذا يساعدنا بالتأقلم الايجاب مع الاقتصاد العالمي والتوجه لتحويل المزايا النسبية المتاحة عندنا الى مزايا تنافسية، وانطلاقا من هذه المتغيرات الدولية وجوهرها اقتصادي، وكما قال (نابليون بونابرت) منذ اكثر من /200/ عام (ان اسباب الحرب هي المال ثم المال ثم المال)، ومن هنا نتفهم توقيع الرئيس الامريكي جو بايدن على مشروع قانون يهدف إلى تعزيز تصنيع الرقائق الأمريكية المعروف بقانون (شيبس والعلوم) لمواجهة الصين وخصص له أكثر من /200/ مليار دولار للسنوات الخمس، وهذا ينسجم مه دعوة (هنري كيسنجر) على انه (يجب منع هيمنة الصين أو أي دولة أخرى على الاقتصاد العالمي)، ولكن يبقى القهر السلعي من اشدّ أنواع القهر فإن أكثر المستوردات الامريكية هي من الصين، ورغم فرض ضرائب ورسوم امريكية على المستوردات الصينية سنة /2018/ في عهد الرئيس (ترامب) وبمبلغ /250/ مليار دولار الا ان حجم التجارة بينهما زادت سنة /2021 / لتبلغ /755/ مليار دولار وان الميزان التجاري (الصادرات - المستوردات) هو لصالح الصين.
وتؤكد المعلومات انه من شهري كانون الثاني ونيسان لسنة /2022/ بالمقارنة مع نفس الفترة لسنة /2021/ زادت بحدود /11%/ رغم تزايد حدة الصراع والخلاف!، وسيصل حجم التجارة بينهما في نهاية العام إلى ما يقرب من تريليون دولار، ومع كل هذا تسعى امريكا حاليا لاستنزاف الاقتصاد الصيني من خلال جزيرة (تايوان الصينية) كما فعلت مع روسيا عبر (جزيرة القرم) ومع سورية عبر (الجزيرة السورية)..الخ، ومعروف العلاقات الترابطية القوية بين تايوان والصين، فمثلا استثمرت الشركات التايوانية سنة (2021/ نحو /600/ مليار دولار في الصين ويعيش نحو/2/ مليون تايواني في الصين وتعتبر الصين أكبر سوق تصدير لتايوان حيث أنه وبحدود /42%/ من إجمالي صادراتها للسوق الصينية وبلغ حجم التجارة الثنائية بينهما سنة /2021/ ما يزيد عن /328/ مليار دولار ولديهما شراكات تكنولوجية مشتركة ومتطورة جدا على المستوى العالمي ...الخ.
وتؤكد الصين تمسكها بمبدأ (الصين الواحدة) وعودة تايوان المستقلة سنة /1948/ إليها وقد اوضحت القيادة الصينية هذا في كتاب أصدرته وهو (الكتاب الابيض) ويشرح بالتفصيل الخطط الصينية نحو الجزيرة التايوانية مع التركيز على الحوافز الاقتصادية لكن تذكر بإمكانية استخدام القوة إذا لزم ذلك، وأمريكا رغم اعترافها بمبدأ الصين الواحدة إلا انها وكما قال بايدن ستدعم استقلالية تايوان وهذا يعني كما قال الفيلسوف (باروخ سبيتوزا) بان غياب الحرب لا يعني السلام، فهل تفتح ابواب الجحيم العالمي مع اول طلقة تطلق من احد العملاقين وتتحول المنافسة الاقتصادية الى حرب ضروس لا تدع أثرا بعد عين؟
ويتجلى هذا في توجه الصين وروسيا لمواجهة المخطط الامريكي لاحتوائهما ومواجهة التحالفات الامريكية في المحيطين الهندي والهادي Indo- Pacific وقارات العالم وبشكل خاص قارة اسيا مثل [تحالف أوكوس مع بريطانيا واستراليا والاتفاق الرباعي - كواد - مع الهند واستراليا واليابان، والتحالفات مع الدول المتشاطئة مع الصين في بحر الصين الجنوبي مع [فيتنام وإندونيسيا والفلبين]، وتزداد مخاطر المستقبل الاقتصادي مع زيادة التوجه للعسكرة الاقتصادية بينهما فقد ارتفعت الموازنة العسكرية الامريكية لسنة /2022/الى /740/ مليار دولار وارتفعت الموازنة العسكرية الصينية وهي الثانية عالمي لتصل الى /230/ مليار دولار، ومع كل هذه السيناريوهات فان الكثير من المحللين الدوليين يتوقعوا أن مستقبل العالم لسنة /2023/ يتوقف بشكل اساسي على /3/ عوامل وهي (نتائج الحرب الروسية الناتوية على الأرض الاوكرانية - تمدد الناتو شرقا سواء بشكل أفقي ام عمودي لاحتواء روسيا والصين - نتائج الانتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأمريكي المقبلة).
وهنا نسأل بل نتساءل هل ستنشأ معركة عالمية ثالثة ام سيتم السيطرة على الصراع الحالي ويتوج بلقاء بين قادة العملاقين وتتوقف طبول الحرب وترتاح قليلا ولكن ستقرع مرة اخرى، وكما قال شاعرنا الكبير (محمود درويش) بجواره مع صديقته [.... وتقول لي متى تنتهي الحرب، أقول: بعد عام وحرب، وتقول: متى تنتهي الحرب؟ أقول: حين نلتقي!] فهل تنجح الوساطات الدولية في تحقيق هدنة مؤقتة في ظل غياب الدور الفاعل لمجلس الامن والامم المتحدة واستمرار العربدة الامريكية وهل يستطيع (الخزف الصيني) بمعناه الرمزي من مواجهة الثور الامريكي الهائج؟ وعندها سيتأكد ان الاقوى اقتصاديا هو الذي يملي شروطه ورغباته فالقوة الاقتصادية هي الاساس المادي لكل انواع القوى الأخرى.