اتهم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في الخطاب الذي ألقاه، يوم 21 سبتمبر 2022، الغرب بممارسة ابتزاز نووي ضد بلاده، موضحاً أن "الحديث لا يدور حول دعم الغرب لأوكرانيا في قصف محطة الطاقة النووية في زابوروجيا، الذي يهدد بكارثة نووية، وإنما يخص بعض التصريحات من مسؤولين رفيعي المستوى في بعض دول الناتو، حول إمكانية وقبول استخدام سلاح الدمار الشامل ضد روسيا". وتابع بوتين مُهدداً: "لمن يطلق مثل هذه التصريحات، أود تذكيرهم بأن بلادنا كذلك تملك أسلحة دمار شامل، وفي بعض أجزائها أكثر تطوراً من نظيراتها لدى دول الناتو". وأكد بوتين أنه "أمام أي تهديدات لوحدة أراضينا أو سيادتنا نحن قادرون على استخدام هذه الأسلحة، وهذا ليس خداع". وأضاف: "أولئك الذين يحاولون ابتزازنا بالأسلحة النووية يجب أن يعلموا أن الرياح قد تنعكس وتهب في اتجاههم".
وأثارت هذه التصريحات التساؤلات حول احتمالية استخدام روسيا السلاح النووي في حرب أوكرانيا، وحدود هذا الاستخدام، وكذلك رد فعل الولايات المتحدة أو حلف "الناتو" على ذلك.
عقيدة موسكو:
كان من الواضح منذ تصاعد التوتر بين روسيا والغرب في عام 2014، أن لدى موسكو عقيدة نووية جديدة تسمح باستخدام السلاح النووي، حتى في مواجهة الحرب التقليدية، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:
1. التصعيد من أجل التهدئة: تنص الاستراتيجية العسكرية الروسية الصادرة في عامي 2014 و2020، أن الاتحاد الروسي يحتفظ بالحق في استخدام الأسلحة النووية رداً على استخدامها أو غيرها من أسلحة الدمار الشامل ضده أو ضد حلفائه، وكذلك في حالة حدوث عدوان على الاتحاد الروسي باستخدام أسلحة تقليدية، وذلك عندما يكون وجود الدولة ذاته موضع التهديد.
وفي يونيو 2015، رأى نائب وزير الدفاع الأمريكي آنذاك، روبرت وورك، ونائب رئيس هيئة الأركان المشتركة حينها، الأدميرال جيمس وينيفيلد، أن العقيدة العسكرية الروسية هذه تتضمن ما أطلق عليه البعض استراتيجية "التصعيد لوقف التصعيد" (Escalate to Deescalate)، وهي استراتيجية تسعى إلى وقف صراع عسكري تقليدي من خلال التهديد بالاستخدام المحدود للسلاح النووي التكتيكي.
ويُلاحظ أن الأسلحة النووية التكتيكية تتسبب في انفجارات منخفضة التأثير بما يكفي للقضاء على موقع للجيش الأوكراني أو مركز لوجستي، ولكنها صغيرة جداً بشكل يجعلها عاجزة عن محو مدينة بأكملها.
ورداً على سؤال عما إذا كانت روسيا ستستبعد توجيه ضربة نووية تكتيكية استباقية لأوكرانيا، أكد ألكسندر غروشكو، نائب وزير الخارجية الروسي، في مطلع مايو 2022، أن القرار بشأن الاستخدام المُحتمل للأسلحة النووية منصوص عليه بوضوح في العقيدة العسكرية الروسية، وهو ما يعني أن موسكو جادة في استخدام أسلحتها، إذا ما تم تجاوز أحد خطوطها الحمراء المُعلنة سابقاً.
2. تأمين الأقاليم الجديدة: أكد دميتري مدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، في 22 سبتمبر 2022، بعد يوم واحد من خطاب بوتين، أن الأقاليم الجديدة المنضمة إلى روسيا سوف يتم الدفاع عنها باستخدام أي سلاح روسي، بما في ذلك الأسلحة الاستراتيجية، والأسلحة التي تستخدم مبادئ جديدة، في إشارة إلى الصواريخ الفرط صوتية، القادرة على حمل رؤوس نووية. وأضاف أن روسيا اختارت طريقها، وليس هناك طريق للعودة، أي التراجع عن الخيار النووي.
ويعد ذلك أوضح دلالة أن الهجوم الأوكراني المكثف على مواقع الجيش الروسي، والممتد من خيرسون، وحتى إقليم دونباس، سوف يعد تهديداً لوحدة الأراضي الروسية، خاصةً بعد الانتهاء من عملية الاستفتاء على ضم أقاليم خاركيف وزابوروجيا ودونيتسك ولوهانسك، في 27 سبتمبر 2022، وهو ما يجعل روسيا ترى أنه من حقها استخدام كل الأسلحة التي في ترسانتها لمنع محاولة تغيير الوضع الجديد بالقوة.
أهداف التلويح بالنووي:
تتمثل أهداف روسيا في التلويح باستخدام السلاح النووي في هذا التوقيت، في تحقيق عدد من الأهداف، والتي يمكن تفصيلها على النحو التالي:
1. الرد على التصعيد الأمريكي: جاءت تصريحات بوتين عقب تمكن الجيش الأوكراني من شن هجوم مضاد على طول الجبهة ضد مناطق سيطرة الجيش الروسي في أوكرانيا، منذ أواخر شهر أغسطس الماضي وحتى مطلع سبتمبر 2022، والتي أسفرت عن استعادة الجيش الأوكراني أغلب مناطق إقليم خاركيف، فضلاً عن محاولة الجيش الأوكراني استعادة السيطرة على مناطق في دونتيسك وخيرسون وزابوروجيا، دون إحراز أي نتائج بارزة.
ويُلاحظ أن الهجوم الأوكراني على خاركيف قد شهد دعماً واضحاً من جانب الولايات المتحدة وحلف "الناتو"، والذي لم يقتصر على تقديم الدعم الاستخباراتي عبر الأقمار الاصطناعية وطائرات الاستطلاع، ووجود حوالي مائتي مستشار عسكري من "الناتو" يقدمون الدعم التخطيطي للقوات الأوكرانية؛ بل تجاوزه إلى إرسال مرتزقة من الولايات المتحدة وبولندا وغيرهما إلى أوكرانيا، بالإضافة إلى تهديد واشنطن بإمداد كييف بأسلحة نوعية تمكنها من استهداف الأراضي الروسية. ولذلك رأت موسكو ضرورة الرد على مثل هذا التصعيد العسكري الغربي بتصعيد آخر مضاد وأكبر لوضع سقف لتدخل "الناتو" في الصراع الأوكراني.
2. تحقيق أهداف موسكو: كان هناك إصرار روسي بعد انتكاسة خاركيف على التأكيد أن الكرملين لن يتراجع عن تحقيق أهدافه في أوكرانيا، وهو ما أكده بوتين للمستشار الألماني، أولاف شولتس، في المكالمة التي جمعت بينهما يوم 13 سبتمبر 2022، والذي طالبه الأخير فيها بإنهاء العملية العسكرية والانسحاب من أوكرانيا. كما أشار شولتس، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 سبتمبر الجاري، إلى أن بوتين يجب أن يدرك أنه لن يتمكن من الانتصار في الحرب في أوكرانيا، وأن برلين لن تقبل أي سلام تمليه روسيا، ولهذا يجب أن تكون أوكرانيا قادرة على صد هجوم روسيا، وفقاً له، وهو ما يعكس لسان حال الولايات المتحدة كذلك. لذلك جاءت تصريحات بوتين، يوم 21 سبتمبر، ليؤكد للغرب أن روسيا قادرة على الانتصار في الحرب وباستخدام الوسائل كافة.
3. إظهار تراجع واشنطن: هدف الكرملين من التهديد الصريح باستخدام السلاح النووي إلى التأكيد لأوكرانيا والغرب ضعف الموقف الأمريكي، وأنه في حالة تصعيد موسكو للصراع عسكرياً في أوكرانيا، سواء تقليدياً أو نووياً، فإن خيارات واشنطن ستتراجع؛ نظراً لأنها لن تكون على استعداد للدخول في حرب نووية ضد موسكو من أجل الدفاع عن أوكرانيا.
4. وقف الاستفزازات الغربية: شنّ الإعلام الغربي هجوماً شديداً ضد الجيش الروسي بعد استيلاء القوات الأوكرانية على خاركيف، إذ تعمدت وسائل الإعلام الغربية التهوين من قدرات الجيش الروسي ومعداته العسكرية. ولم تقتصر الدعاية الغربية على ذلك، ولكنها امتدت إلى محاولة إهانة موسكو، وذلك عبر التأكيد أن الجيش الأوكراني قام بمهاجمة الأراضي الروسية في بيلغورود، وقتل مدنيين روس، بالإضافة إلى محاولة توظيف خسارة خاركيف لنشر شائعات في الصحف الغربية حول وجود تحركات داخلية في روسيا للإطاحة بالرئيس بوتين على خلفية إخفاقه في إحباط الهجمات الأوكرانية الأخيرة.
5. وضع سقف للدعم المُقدم لأوكرانيا: حذر نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، في 23 سبتمبر 2022، من مخاطر التدخل الغربي في الحرب الأوكرانية، مطالباً "الإدارة الأمريكية بتجنب وضع قد يؤدي إلى صدام عسكري مباشر مع روسيا"، وأكد أن موسكو سترد بشكل ملائم، بما في ذلك بشكل "غير متكافئ"، على نهج واشنطن الهادف لممارسة أقصى قدر من الضغط على موسكو؛ وذلك في تهديد ضمني بأن الدعم الأمريكي لأوكرانيا قد يدفع موسكو للتصعيد، وصولاً إلى استخدام أسلحة نووية تحد من أي مكاسب قد يجنيها الجيش الأوكراني عبر الحصول على أسلحة أمريكية .
ويبدو أن هذا التصعيد من جانب موسكو قد دفع برلين إلى وضع سقف لدعمها لأوكرانيا، حيث رفض المستشار الألماني، أولاف شولتس، في 25 سبتمبر 2022، تسليم دبابات "ليوبارد – 2" إلى أوكرانيا؛ كونها خطوة خطرة قد تؤدي إلى المزيد من التصعيد في أوكرانيا بين روسيا وحلف "الناتو".
رد أمريكي غامض:
مع اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية في أواخر فبراير 2022، أعلنت إدارة الرئيس جو بايدن، أمام الانتقادات التي وجهت لها بعدم التدخل لدعم أوكرانيا عسكرياً، أن واشنطن لن تتورط في هذه الحرب بشكل مباشر، حتى لا تقع حرب نووية. ومع استمرار الحرب، لم يحدث ما يكشف عن تغير موقف الإدارة الأمريكية، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:
1. رفض واشنطن التورط العسكري المباشر: أكد الرئيس بايدن، في بداية الحرب الروسية – الأوكرانية، أن الولايات المتحدة لن تنشر قوات في أوكرانيا بعد الهجوم الروسي عليها؛ وذلك بهدف منع تصعيد المواجهة مع روسيا إلى حرب نووية.
وظل موقف الإدارة الأمريكية متسقاً في مواجهة الدعوات الأوكرانية لفرض حظر جوي فوق أوكرانيا في مارس 2022، إذ أعلن وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستين، أن مثل هذا الطرح سوف يؤدي إلى حرب مع روسيا، ما يعني في التحليل الأخير وقوع حرب نووية بين موسكو وواشنطن، وهو السيناريو الذي أعلنت واشنطن مراراً حرصها على تفاديه.
2. تحذيرات أمريكية مُرسلة وغامضة: حذر بايدن، في 17 أغسطس 2022، روسيا من استخدام أسلحة نووية تكتيكية أو كيمياوية في الحرب الأوكرانية، قائلاً خلال مقابلة مع شبكة "سي بي إس نيوز" الأمريكية إن مثل هذا الإجراء "سيغير وجه الحرب بصورة لم تحدث منذ الحرب العالمية الثانية". وأكد بايدن أنه سينصح بوتين بألا يستخدم أسلحة الدمار الشامل في أوكرانيا، وإن أحجم عن بيان العواقب التي سترتب على تجاوز هذا الخط، مُكتفياً بالتأكيد أنهم "سيصبحون منبوذين في العالم أكثر من أي وقت مضى. وبالاستناد إلى مدى ما يفعلونه سيُحدد الرد".
ويُلاحظ على هذا التصريح أمران، أولهما أنه جاء قبل خطاب بوتين الأخير في 21 سبتمبر 2022 والذي هدد خلاله باستخدام الأسلحة النووية، وبعد انسحاب الجيش الروسي من أغلب مناطق إقليم خاركيف أمام الهجوم الخاطف للقوات الأوكرانية المدعوم من الولايات المتحدة وحلف "الناتو"، وهو ما يعني أن واشنطن كانت تدرك جيداً أن التصعيد الأوكراني عبر جبهة خاركيف كان سيتم الرد عليه من خلال تصعيد روسي مقابل، وأن من أدوات هذا التصعيد التلويح باستخدام الأسلحة النووية، وأن بايدن سعى لتحذير بوتين مسبقاً لعدم الرد على الخطوة التصعيدية الأمريكية.
والأمر الثاني يتعلق بالتحذيرات الغامضة التي أطلقها بايدن لردع بوتين عن هذا الخيار النووي، والتي من الواضح أنها لم تكن ذات فاعلية تُذكر، حيث إن التهديد بعواقب غير محددة لا يخيف روسيا، نظراً لامتلاكها عدداً من الأسلحة النووية الاستراتيجية موازٍ لما تمتلكه الولايات المتحدة. أما فيما يتعلق بالأسلحة النووية التكتيكية، فإن موسكو تتفوق على واشنطن بنحو عشرة أضعاف، أي أن حسابات التصعيد العسكري لن تكون حتماً في صالح واشنطن. ومن جهة أخرى، فإن الولايات المتحدة تدرك جيداً أنه لا يمكن التصعيد مع روسيا بأسلحة نووية تكتيكية من دون أن يتطور هذا الأمر إلى حرب نووية شاملة باستخدام الأسلحة النووية الاستراتيجية، وهو خيار أعلنت واشنطن منذ بداية الحرب استبعاده وتفاديه.
أيضاً، لا يجب إغفال أن روسيا، وكذلك الصين، تتفوق على الولايات المتحدة في إنتاج الأسلحة الفرط صوتية، وفي حين أن موسكو استخدمت هذه النوعية من الأسلحة في الحرب الأوكرانية، فإن واشنطن لا تزال تجري تجارب عليها. وإذا أخذنا في الاعتبار أن واشنطن لا تمتلك أي منظومة دفاعية للتعامل مع هذه النوعية من الصواريخ، بل إن راداراتها تعجز عن رصدها أو رؤيتها، يتضح أن الولايات المتحدة لا تمتلك فعلياً خياراً عسكرياً على الطاولة لتهديد روسيا.
وفيما يتعلق بالتلويح بالعقوبات الاقتصادية، فإن الغرب قد وصل في عقوباته ضد روسيا إلى أعلى مدى، وهي العقوبات التي ألحقت ضرراً أيضاً بالاقتصاد العالمي والغرب، ومن الصعب تصور أن تردع أي عقوبات غربية إضافية موسكو عن المُضي قُدماً في تنفيذ مخططاتها.
3. امتناع بايدن عن التهديد المباشر: ألقى الرئيس بايدن خطاباً أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 21 سبتمبر 2022، وهو الخطاب الذي تم تعديله على عجل، لأنه جاء بعد تلميحات الرئيس بوتين باستخدام الأسلحة النووية. والجدير بالملاحظة أن خطاب بايدن لم يتضمن تهديدات مباشرة أو تعهد بالرد على بوتين عسكرياً، أو بأي صورة أخرى، حيث قال الرئيس الأمريكي إنه "لا يمكن الانتصار في حرب نووية، ولا يجب خوضها أبداً"، وهو ما يعد دلالة قاطعة أن واشنطن لن تتدخل للدفاع عن أوكرانيا بشكل مباشر في حال هاجمتها روسيا باستخدام الأسلحة النووية.
كما رأى وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، أنه "على كل أعضاء الأمم المتحدة المطالبة بوقف مثل هذه التهديدات فوراً"، أي أنه استبعد ضمنياً أي رد فعل مباشر من واشنطن.
في حين طالب الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم 21 سبتمبر، أن يمارس المجتمع الدولي "أقصى الضغوط على بوتين لوقف هذه الحرب". ثم صرح في اليوم التالي بأن "الغرب ليس في حرب مع روسيا"، في إشارة واضحة إلى أن الدول الغربية لن تكون طرفاً في حرب نووية ضد موسكو.
4. تهديدات واشنطن السرية: على الرغم من تحاشي واشنطن الإعلان عن أي موقف واضح، فإن صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية نقلت، في 22 سبتمبر 2022، عن مسؤول رفيع في الإدارة الأمريكية، أن الولايات المتحدة كانت ترسل تحذيرات إلى القيادة الروسية عبر قنوات خاصة عن التداعيات الخطيرة التي ستترتب على استخدام الأسلحة النووية، وأن تهديدات واشنطن كانت غامضة حول "تداعيات الضربة النووية الروسية"، في إطار اتباعها استراتيجية "الغموض الاستراتيجي"، وأن هذه الرسالة لم تأت بعد تهديدات بوتين الأخيرة، بل عبر الاتصالات التي كانت مستمرة على مدار الأشهر الأخيرة.
وقد يكون الهدف من مثل هذه التصريحات استيعاب إحجام واشنطن عن التهديد بأي إجراء ضد موسكو بشكل علني، خاصةً أن تهديدات الغرب العملية اقتصرت على تحريك المجتمع الدولي ضد روسيا، وهي السياسة التي أخفق الغرب فيها، حتى الآن، إذ بات من الواضح أن الدول غير الغربية لا تشاطره رؤيته للصراع ضد روسيا، فهي ليست حرباً ضد سيادة دولة، كما ترغب واشنطن في تصويره، بل صراع جيواستراتيجي أمريكي – روسي على شكل النظام الدولي.
خيارات واشنطن:
نشرت الصحف الغربية تقارير استندت فيها إلى آراء العاملين في مراكز الأبحاث الغربية حول خيارات واشنطن في التعامل مع التهديدات الروسية باستخدام السلاح النووي. والجدير بالذكر أن صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أعادت في عددها الصادر يوم 26 سبتمبر نشر بعض هذه المقترحات، والمتعلقة بالتصعيد العسكري، باعتبارها أحد الخيارات التي تدرسها الإدارة الأمريكية. وتمثلت أبرز تلك الخيارات في التالي:
1. التصعيد العسكري: رأى معظم أنصار هذا الرأي أن موسكو جادة في تهديداتها، وأنه على الولايات المتحدة الاستعداد للرد على ذلك عسكرياً. وقدموا في هذا الإطار خيارات متعددة للرد، بدءاً من توظيف صواريخ نووية تكتيكية في استهداف القطب الشمالي أو سيبيريا، وصولاً إلى تنفيذ هجمات تقليدية على القوات الروسية التي قد تطلق الصواريخ النووية لردعها عن ذلك الاستخدام مجدداً. وتعاني مثل هذه المقترحات قصوراً واضحاً، إذ إن أياً من هذه الخيارات لن تتسامح معه موسكو، وستتجه للرد عليه، بما قد يُصعد المواجهة بين البلدين إلى حرب نووية، وهو الخيار الذي استبعدته واشنطن تماماً.
2. الضغط الدولي: يرى أنصار هذا الرأي أن موسكو تميل إلى خداع الغرب عند التهديد باستخدام السلاح النووي، وذلك لوضع كوابح على الدعم الغربي لأوكرانيا عسكرياً، وأن موسكو لن تحقق فوائد عسكرية كبيرة باستخدام السلاح النووي التكتيكي، بل إن تداعياته السياسية سوف تكون مرتفعة؛ نظراً لأن الدول الصديقة لروسيا قد تتخلى عنها، وهو ما ظهر في التصريحات الأخيرة لكل من بلينكن وماكرون. لكن مثل هذا الموقف يعكس في جوهره إحجام الولايات المتحدة عن الرد بشكل مباشر على روسيا، وهو ما يشكك في مصداقية واشنطن أمام حلفائها.
وفي الختام، يمكن القول إن التلويح الروسي باستخدام الأسلحة النووية جاء رداً على التصعيد الغربي متمثلاً في الدعم المُقدم لأوكرانيا في معركة خاركيف، وحديث الغرب عن إمداد كييف بأسلحة متطورة إضافية بصورة تعيق موسكو عن تحقيق أهدافها في أوكرانيا. وبالتالي سعى الكرملين لوضع خط أحمر جديد للغرب لعدم تجاوزه، وللتأكيد أن موسكو مستعدة للذهاب إلى أقصى مدى لتحقيق أهدافها في أوكرانيا، على الأقل المُعلن منها. وفي حين أن الولايات المتحدة ابتعدت عن التصعيد نووياً مع روسيا، واكتفت برسائل غامضة لحفظ ماء الوجه، فإنه ليس واضحاً مدى استعداد الغرب لوضع سقف لدعمه العسكري لأوكرانيا، ومن ثم اتجاه روسيا لتوظيف السلاح النووي، ولعل الخسائر الميدانية للجيش الروسي في أوكرانيا هي التي ستحدد ذلك.