• اخر تحديث : 2024-11-23 11:50
news-details
تقدير موقف

لماذا أعلنت واشنطن عن إنشاء تكتل لدول الأطلسي؟


أثناء اجتماع وزاري لدول أطلسية عُقد على هامش الدورة السنوية الـ 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك؛ أعلن ممثلو 19 دولة، منها الولايات المتحدة وبريطانيا ودول من أوروبا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، إنشاء "تكتل سلمي" جديد للدول المطلة على المحيط الأطلسي، داعيةً بقية الدول الأطلسية إلى الانضمام إلى هذه المنظمة؛ الأمر الذي أثار تساؤلات حول طبيعة الأهداف الرسمية المعلنة للتكتل الجديد، ودلالات الإعلان عنه. وترجع أهمية الاقتصاد الأطلسي بالنسبة إلى المجتمع الدولي، إلى أنه يدعم 49 مليون وظيفة في أفريقيا، و21 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي في أمريكا اللاتينية، كما يتم يُولَّد ثلثا الطاقة المتجددة في العالم في المحيط الأطلسي.

أهداف متعددة

أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بجانب مسؤولين من كل من كندا وبريطانيا وأيرلندا وإسبانيا والبرتغال وهولندا والنرويج والأرجنتين والبرازيل وكوستاريكا وأنجولا وساحل العاج وغينيا الاستوائية وغانا وغينيا بيساو وموريتانيا والسنغال، بصفتها دولاً ساحلية على حدود المحيط الأطلسي، عن عدد من الأهداف للتكتل الجديد، وتمويل إضافي قيمته 100 مليون دولار لدعم البيئة والأمن البحري في هذه المنطقة، تُضَاف إلى 400 مليون دولار يجري إنفاقها سنوياً على المبادرات البحرية في المحيط الأطلسي؛ لتعزيز التعاون الإقليمي من خلال تطوير نهج مشترك لقضايا المحيط الأطلسي، وبناء القدرة لحل التحديات في هذه المنطقة؛ وذلك بجانب أهداف أخرى للتكتل “السلمي” الجديد، أبرزها ما يلي:

1الحفاظ على المحيط مورداً صحياً ومستداماً: أوضح البيان الختامي الصادر عن الاجتماع أنه نتيجة اعتماد جميع المشاركين على المحيط الأطلسي في معيشتهم؛ لكونه موطناً لطرق التجارة المهمة، والموارد الطبيعية المهمة، والتنوع البيولوجي الأساسي، لا بد من العمل على تطوير الاقتصاد المستدام للمحيطات، وإنشاء نموذج اقتصادي شامل لضمان استمرار المحيط في دعم سبل العيش بأسلوب مستدام، بدءاً من الغذاء لعدد متزايد من السكان، إلى إدارة التجارة العالمية، سواء الآن أو للأجيال القادمة. كما أكد البيان الاستفادة من الإمكانات الاقتصادية غير المستغلة من الموارد الطبيعية إلى التقنيات الجديدة.

2مواجهة التحديات القائمة في المنطقة الأطلسية: أكد المجتمعون أهمية التعاون من أجل التعامل مع التحديات العديدة التي تواجهها الدول المشاطئة لهذه المنطقة، وأبرزها القرصنة والجريمة المنظمة عبر الحدود، والصيد غير القانوني، وتغير المناخ، والتلوث والتدهور البيئي، مشددين على أنه “لا يمكن لأي بلد بمفرده حل التحديات العابرة للحدود في منطقة المحيط الأطلسي أو معالجة الفرص المتاحة أمامنا بالكامل”. ووفقاً لأرقام الأمم المتحدة، فإن خُمس الصيد المُستخرَج من المحيط الأطلسي، مصدره الصيد غير القانوني؛ ما يترجم إلى خسائر تصل إلى 23 مليار دولار أمريكي سنوياً. وهذا يضر بالمجتمعات الساحلية التي تعتمد على الأرصدة السمكية المستدامة للحصول على دخلها وغذائها.

3مواصلة العمل على تحديد مجالات إضافية للتعاون: وذلك باستكشاف فرص للنهوض بالتنمية المستدامة المشتركة والأهداف الاقتصادية والبيئية والعلمية والبحرية عبر المحيط الأطلسي. فضلاً عن استكشاف فرص للجمع بين دول المحيط الأطلسي عبر موضوعات متعددة، بما في ذلك تبادل مبادئ التعايش السلمي، والتأكد من أن الأعمال في المحيط الأطلسي، خصوصاً أعالي البحار، تلتزم بالقانون الدولي والقانون الدولي للبحار، لا سيما على النحو المنصوص عليه في أحكام “اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار” (UNCLOS) لعام 1982.

4تعزيز التنمية وتخفيف حدة الفقر في البلدان النامية: وذلك بنقل التكنولوجيا بشروط طوعية ومتفق عليها بشكل متبادل، بوصفها وسيلةً لتعزيز التنمية، وخلق فرص العمل والدخل، ودعم سبل العيش، وسد الفجوة التكنولوجية بين الدول.

5التعاون في الحلول المبتكرة للنهوض بالأهداف المشتركة: وذلك بإطلاق عملية تشاورية لتطوير إطار عمل للتعاون المنتظم بين دول الأطلسي يمكن من خلالهتجنُّب الخسائر والأضرار وتقليلها ومعالجة تحديات تغير المناخ والتدهور البيئي، وبناء القدرة على التكيُّف مع المناخ، والحفاظ على النظم البيئية البحرية والساحلية، وتخفيف التلوث البحري.

6الالتزام برؤية جنوب المحيط الأطلسي وتعزيز السلام الدولي: وذلك باستكشاف مسارات لتحسين الحوكمة البحرية، وتمكين التعاون للاستجابة الإنسانية وعمليات البحث والإنقاذ لردع القرصنة، والتصدي للصيد غير القانوني دون إبلاغ ودون تنظيم، ومكافحة الاتجار بالمخدرات.

وفي هذا الصدد، أشار المجتمعون إلى التقدم الذي أحرزته العديد من المنظمات في المحيط الأطلسي في تحقيق الأهداف المشتركة، فضلاً عن التعهد بالبناء على روح التعاون الأطلسي المتبادل الذي ترعاه هذه المنظمات، ودعم عملها إلى أقصى حد ممكن، مشيرين إلى سعي الأعضاء إلى الشراكة مع منظمات مثل “مركز الأطلسي في جزر الأزور” باعتباره محوراً مركزياً لتحليل السياسات المبتكرة لعموم الأطلسي، و”منطقة السلام والتعاون في جنوب المحيط الأطلسي” بوصفها هيئة تنسيق رئيسية لبلدان جنوب المحيط الأطلسي، و”جمعية Yaoundé Architecture ومجموعة أصدقاء خليج غينيا G7 ++” وهي هيئةً مركزيةً معنيةً بإنفاذ القانون البحري الإقليمي الأفريقي، و”تحالف عموم المحيط الأطلسي للبحث والابتكار” لتعزيز التعاون العلمي. وكذلك المنظمات الأخرى المناسبة، بما في ذلك هيئات مصايد الأسماك الإقليمية، والمنظمات العاملة في مجال الاقتصاد المستدام للمحيطات وقضايا المناخ والبيئة المتعلقة بالمحيط الأطلسي.

دلالات مقصودة

تأتي هذه المبادرة في الوقت الذي تدفع فيه التوترات الجيوسياسية المتزايدة إدارة بايدن إلى مزيد من التعاون مع دول الجنوب العالمي، في ظل العواقب المدمرة للحرب الأوكرانية، من دون إهمال منطقة المحيط الهادئ؛ حيث تحاول الولايات المتحدة الحد من المنافسة المتصاعدة مع الصين. وفي هذا الإطار، يكشف الاهتمام الأمريكي بتشكيل التكتل الجديد عن عدد من الأهداف الرئيسية المتمثلة فيما يأتي:

1تحجيم التعاون الصيني–الروسي: إذ تزيد الحرب الروسية الأوكرانية من التعاون الصيني–الروسي، وتوسع الخلاف الدبلوماسي بين الولايات المتحدة والصين وروسيا؛ حيث عززت الطموحات لإنهاء ما تعتبره الصين وروسيا هيمنة أمريكية على المجالات الاقتصادية والجيوسياسية والعلاقات الدبلوماسية، رغبةً في استمرار عالم أحادي القطبية.

ففي أغسطس الماضي، أفادت الإحصائيات إلى ارتفاع حجم التجارة بين الصين وروسيا بنسبة 29%، لتصل إلى 97.91 مليار دولار في الأشهر السبعة الأولى من عام 2022. وفي سبتمبر، اتفقت الصين وروسيا على التعاون في مشاريع استثمارية بقيمة 160 مليار دولار تهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية، كما تلقت كل من روسيا والصين تهديدات خفية من الناتو بسبب تعاونهما في القطب الشمالي.

2محاولة إضعاف التقارب الروسي مع بعض الدول: يشمل التكتل الجديد بعض الدول المحسوبة ضمن المعسكر الروسي، مثل أنجولا التي هي حالياً في طور النظر في الانضمام إلى نظام الدفع MIR الروسي، بالإضافة إلى السنغال التي سبق أن أدان رئيسها “ماكي سال” العقوبات المفروضة على روسيا. وكذلك يشمل التكتل البرازيل التي هي على مشارف انتخابات رئاسية في 2 أكتوبر القادم؛ لذلك حاولت الولايات المتحدة الاستفادة من وجود الرئيس “بولسونارو”، وضم ريو دي جانيرو إلى معسكرها؛ حيث إن من غير المرجح أن يشير فوز “لولا دا سيلفا” المحتمل إلى انضمام البرازيل إلى التكتل؛ بسبب موقف “لولا” المناهض للولايات المتحدة، وهو ما أشار إليه بايدن نفسه في الماضي قائلاً: "إن لولا سوف يشكل (خطراً على المصالح الأمريكية)".

3تعزيز التعاون البيئي حول العالم: تأتي هذه المبادرة في الوقت الذي يتزايد فيه تركيز إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، على التعاون البيئي حول العالم؛ وذلك تلبيةً لرغبة قادة جزر المحيط الهادئ الذين سبق أن طالبوا واشنطن بتقبُّل أولوياتهم؛ ما يجعل تغير المناخ وصحة المحيطات، لا منافسة القوى العظمى، هي المهمة الأمنية الأكثر إلحاحاً بالنسبة إليهم؛ فقد باتت قضية التغيرات البيئية قضية جوهرية بالنسبة إلى الولايات المتحدة؛ لأنها تشكل تهديداً كبيراً لمصالحها ومصالح حلفائها.

4استكمال التحركات الأمريكية في المحيطات: يمكن القول إن التكتل الجديد بمنزلة استكمال للتحركات الأمريكية في منطقة الهندو–باسيفيك الهادفة إلى توسيع نفوذ واشنطن؛ فقد أولت الإدارة في السابق أولوية عالية لمنطقة المحيط الهادئ التي يُنظر إليها على أنها منطقة صراع محتمل وسط الصعود السريع للصين، فيما اشتدت المنافسة بين الولايات المتحدة والصين على النفوذ في جزر المحيط الهادئ هذا العام بعد أن وقعت الصين اتفاقية أمنية مع جزر سليمان؛ ما أثار تحذيرات من عسكرة المنطقة.

وفي هذا الشأن، ذكر منسق البيت الأبيض لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ كورت كامبل، أن تزايد وتيرة هذا التعاون يعكس “الرغبة في إظهار التزامنا الأكبر تجاه منطقة المحيط الهادئ في المستقبل”، وأضاف: “لقد رأينا الصين في السنوات العديدة الماضية بلداً أكثر طموحاً يسعى إلى تطوير بصمات أقدام عسكرية وما شابه ذلك في المحيطين الهادئ الهندي، وهو ما تسبب في بعض القلق مع شركاء أمريكيين مثل أستراليا ونيوزيلندا، وحتى دول المنطقة بالكامل”، مؤكداً أن واشنطن لا تريد أن ترى المنطقة تنحدر إلى منافسةٍ "مُحصِّلتها صفر".

5دعم صورة الرئيس الأمريكي داخلياً: عادةً ما تستخدم الإدارات الأمريكية مبادرات وتحركات السياسة الخارجية بوصفها أداة للحصول على الدعم السياسي الداخلي، وهو أمر ينطبق على التكتل الأطلسي الجديد؛ إذ تحاول إدارة الرئيس “بايدن” أيضاً حفظ ماء وجه الديمقراطيين أمام الناخبين الأمريكيين، خاصةً أنهم على مشارف انتخابات مصيرية للكونجرس الأمريكي في نوفمبر القادم، يواجهون فيها خسارة محتملة للأغلبية الديمقراطية؛ لذلك يسعى بايدن وأنصاره إلى تحقيق انتصارات متعددة؛ ليس لمواجهة النفوذ الصيني والروسي فقط، بل أيضاً للحفاظ على السيطرة الديمقراطية على دوائر صنع القرار الأمريكي.

وإجمالاً لما سبق، تأتي هذه المبادرة في الوقت الذي تولي فيه إدارة الرئيس “بايدن” أولوية عالية لمناطق نفوذ الصين وروسيا، وخاصةً منطقة المحيطين الهندي والهادئ، فتعددت الأسباب والنتيجة واحدة؛ إذ تحاول واشنطن مواجهة الكتلة الصينية–الروسية في عدد من الملفات؛ كما إن هناك مخاوفَ أمريكية من أن تؤثر التغيرات المناخية على الممرات المائية الرئيسية. فضلاً عن ملف تايوان، والحرب الروسية الأوكرانية، وغيرها من الملفات التي تحاول واشنطن تأمين مصالحها القومية فيها بكل قوتها؛ إما لحسم هذه القضايا لصالحها بشكل مباشر، أو حتى إنهاك خصومها التقليديين في معارك متزامنة لإضعافهم.