أحدثت الانتخابات التشريعية الإيطالية المبكرة -بغرفتيها مجلس النواب والشيوخ- والتي أجريت في 25 سبتمبر 2022، زلزالاً سياسياً جديداً في أوروبا، جاء على وقع تصاعد الجدل حول قضايا مثل الطاقة بعد الحرب الروسية-الأوكرانية، وقبلها الهجرة، التي تصاعدت حدتها بفعل الأزمات التي شهدتها، وما زالت منطقة الشرق الأوسط.
جاء إجراء الانتخابات بعد شهرين من سقوط حكومة ماريو دراجي في 21 يوليو الماضي، والتي تعد الحكومة الثالثة منذ عام 2018، في بلد يعد ثالث اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، ويبلغ فيه الدين العام 150% من الناتج القومي الإجمالي. وقد أثبتت نتائج الانتخابات صدق توقعات استطلاعات الرأي التي رجحت فوز الائتلاف اليميني بقيادة جورجيا ميلوني -زعيمة حزب أخوة إيطاليا– بنسبة تتخطى 40% وتمكنها من تشكيل حكومة إيطالية يفترض أنها ذات أجندة واحدة على عكس الحكومات السابقة التي كانت أقرب إلى حكومات توافقية بدون سند حزبي واضح.
قراءة في نتائج الانتخابات
أسفرت نتائج الانتخابات عن حصد الائتلاف اليميني -الذي تقوده جورجيا ميلوني- نسبة 43.8% من مقاعد مجلسي الشيوخ والنواب، في حين أن الأغلبية اللازمة لتشكيل حكومة تفرض الحصول على 40% من مقاعد الغرفتين فقط. وجاء تحالف اليسار في المرتبة الثانية وحصد 26% من المقاعد، يليه حركة خمس نجوم عند 15.4%. وقد شهدت الانتخابات أيضاً تراجعاً في الإقبال على المشاركة، إذ بلغت نسبة التصويت 64% في هذه الدورة التشريعية، مقارنة بـ 73% في الدورة السابقة عام 2018، ويرجح أن نسبة الانخفاض تعود لحالة من الإحباط التي تسود المشاركين من سياسات الأحزاب المتنافسة والتي كانت أغلبها جزءاً من الحكومات الثلاث التي مرت على إيطاليا منذ مارس 2018 وحتى سحب الثقة من حكومة ماريو دراجي وحل البرلمان الإيطالي في 21 يوليو الماضي. ويمكن قراءة نتائج الانتخابات كما يلي:
1. تنافست في الانتخابات ثلاثة ائتلافات رئيسية وهي: ائتلاف اليمين، وائتلاف اليسار، وائتلاف الوسط، ودخلت حركة خمس نجوم منفردة، مع مشاركة أحزاب صغيرة أخرى. وجرى التنافس في ضوء تقليص غرفتي التشريع الإيطالي، حيث أصبح مجلس النواب 400 مقعد والشيوخ 200 مقعد بدلاً من 630 للأول، و300 للثاني، مع بقاء النظام الانتخابي المختلط الذي يجمع بين القوائم والفردي كما هو.
2. حاز الائتلاف اليميني على ما يقارب من 44% من المقاعد في غرفتي التشريع، وهي عبارة عن ارتفاع مقاعد حزب إخوة إيطاليا بنسبة 21.7%. وعلى النقيض من انتخابات 2018 تراجع حزبا فورزا إيطاليا والليغا "رابطة الشمال" بنسبة 5.14% و9.59% على الترتيب، وهو ما يعنى أن برنامج وخطاب جورجيا ميلوني استطاع أن يخصم من شعبية ونفوذ بقية الائتلاف اليميني، فضلاً عن فوزه أيضاً في المناطق العمالية التي دعمت حركة خمس نجوم في 2018، والتي تراجعت شعبيتها تقريباً للنصف. وربما يعود سبب خسارة حركة نجوم إلى أنها شريك رئيسي في الحكومات الثلاث التي جاءت سواء بقيادة جوزيب كونتي أو ماريو دراجي، ومن ثم تتحمل الجزء الأكبر أمام الناخبين من استمرار تردى الأوضاع برفقة حزبي فورزا إيطاليا والليغا، على عكس حزب إخوة إيطاليا الذي لديه ميزة نسبية من بقائه خارج الحكومات كمعارض لها ومن ثم يمكن اعتباره حامل وجه التغيير، وهو ما اتضح في برنامج جورجيا ميلوني الذي ارتكز على ثلاث محددات: لا للمثلية، لا للعولمة، لا للمهاجرين، مع تخفيف حدة الخطاب الموجه ضد الاتحاد الأوروبي، والتركيز على طرح سياسات إصلاحية.
3. خاضت الكتل اليسارية والاشتراكية الانتخابات الإيطالية، في ثلاثة تيارات: الأول بقيادة انريكو ليتا رئيس الحزب الديمقراطي مع أحزاب الخضر وأحزاب مؤيدة لأوروبا، وحصد 26% من المقاعد، نصيب الديمقراطي منها حوالي 19.1%، علماً بأنه حصد في انتخابات 2018 حوالي 18.9%، بما يعنى أن خوضه الانتخابات مع ائتلاف صغير لم يكن مجدياً، خاصة وأن بقية الائتلاف المشارك حصد فقط حوالي 5%. مثّل التيار الثاني كتلة الوسط وهي عبارة عن مجموعة انفصلت عن الحزب الديمقراطي في 17 سبتمبر 2019، بقيادة ماتيو رينزي رئيس وزراء إيطاليا الأسبق وزميله السابق في الحزب كارلو كاليندا. هذه الكتلة لم تحصد سوى 7.8% من المقاعد. أما عن التيار الثالث فهو حركة خمس نجوم بقيادة جوزيبي كونتي رئيس وزراء إيطاليا الأسبق، والذي حل رئيساً للحركة، بعد دى مايو الذي انفصل عنها مع مجموعة من النواب أيضاً. وقد حصدت الحركة حوالي 15.4% من المقاعد بما يقل عن نصف مقاعدها في انتخابات 2018. وعلى الرغم من اشتراك حركة خمس نجوم والحزب الديمقراطي في بعض السياسات مثل الحد الأدنى للأجور وقضايا الهجرة، إلا أنه لم يحدث وفاق بينهما، ويمكن القول إن النتيجة الإجمالية لحركات اليسار وأحزابه لو انضمت في تحالف واحد وبنفس معطيات نتائجها الحالية، كان من الممكن أن تؤدي إلى تشكيل حكومة يسارية أو على الأقل تكوين تحالف معارضة جيد.
تحديات محتملة
تمثل رئاسة جورجيا ميلوني لائتلاف وحكومة يمينية بمثابة مرحلة جديدة من التحديات سوف تواجهها إيطاليا. فرغم أن ميلوني تملك حلولاً متعددة لإدارة الحكومة القادمة من حيث التشكيل والقدرة على استقرارها وكذلك البدائل المحتملة حال جرى الاختلاف والانقسام بين ائتلافها اليميني، إلا أن البيئة الحالية في إيطاليا تفرض عدة أزمات منها:
1. اختيار الفريق: يفترض أولاً في اختيار حكومة ميلوني أن يكون هناك وفاق مع شركاء الائتلاف اليميني: بيرلسكوني وسالفيني، والاثنين لهما رؤى مختلفة بخلاف تجاربهما السابقة في الحكم. فبالنسبة لبيرلسكونى، فقد انتهت سنوات حكمه في 2011 بأزمة مالية لم تخرج منها إيطاليا حتى الآن، رغم محاولات ماريو دراجى القصيرة. في حين ليس لدى سالفيني سوى تجربة غير جيدة كوزير داخلية في حكومة جوزيب كونتي الأولى، وانتهت بمواجهة سالفيني مسائلة قانونية وقضائية متعلقة بأدائه في قضايا الهجرة واللاجئين في جزيرة صقلية بعد منعه سفينة إنقاذ من دخول ميناء الجزيرة ورجوعها مرة أخرى.
بيرلسكوني يروج لنفسه ولحزبه بأنه حجر الزاوية في بقاء إيطاليا وحكومتها وفق معايير الاتحاد الأوروبي. أما سالفيني فقبل الانتخابات المحلية التي جرت في أكتوبر 2021، كان يحتفظ بشعبية متقدمة على ميلوني جعلته يطمح في رئاسة وزراء إيطاليا، وهو ما كان واضحاً بدوره في إسقاط حكومة كونتي الأولى أملاً منه آنذاك في عقد انتخابات مبكرة تأتى به، لكنه منذ ذلك الوقت والاستحقاقات الانتخابية تأتى لغير صالحه، وكان من بينها الانتخابات المحلية والتي بدأت ميلوني من خلالها في حصد مقاعد من مناطق نفوذ سالفيني في شمال إيطاليا ثم جاءت الانتخابات التشريعية لتفرض نتائجها توازنات جديدة داخل ائتلاف اليمين. والآن لا يمتلك سالفيني قدرة كبيرة على التفاوض لنيل حقائب وزارية محددة، فحتى وزارة الداخلية وما يرتبط بها من ملف الهجرة، لديه معضلة في الحصول على حقيبتها، تتمثل في اختلاف رؤيته عن ما تخطط إليه ميلوني والتي تقترح فرض حصار بحري لمنع قوارب اللاجئين والمهاجرين من الخروج من منابعها في شمال أفريقيا، إلى جانب فحص طالبي اللجوء المحتملين من أفريقيا قبل عمليات التهريب. في المقابل يفضل سالفيني إبقاء سياسات الهجرة الحالية كما هي. وعلى ميلوني البحث في حزبها عن شخصيات تستطيع الخروج بإيطاليا من أزمتها الاقتصادية وإدارة عملية الإصلاحات التي يتطلبها الاتحاد الأوروبي لمواصلة تقديم الدعم المالي لإيطاليا وفقاً لخطة الإنعاش الاقتصادي التي بدأ فيها ماريو دراجي.
ويقترح داخل إخوة إيطاليا تولى وزير المالية الأسبق جوليو تريمونتي والذي ظل وزيراً لمالية حكومات بيرلسكوني حتى آخر حكومة في 2011 والتي شهدت الانهيار المالي لإيطاليا، على نحو دفع اتجاهات عديدة إلى وصفه بأنه رجل من الذين ساهموا في الأزمة المالية التي مازالت إيطاليا تعاني منها حتى الآن. لكن تريمونتى لديه نفس توجهات ميلوني ضد العولمة مع تفضيل سياسات حمائية، وربما يكون توليه مسئولية المالية أولى خطوات الصدام مع الاتحاد الأوروبي.
معضلة أخرى قد تواجه ميلوني مع ائتلاف اليمين، تتعلق باختلاف وجهات النظر حول الحرب الروسية-الأوكرانية، فبينما هي داعم للعقوبات الغربية على روسيا، فإن كلاً من سالفينى وبيرلسكوني يؤسسان علاقات صداقة مع الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين. ويرى بيرلسكوني أن العقوبات الغربية تضر باقتصاد وصناعة إيطاليا، ومن جانب آخر يرى أن بوتين قد تم دفعه للحرب، بل وصرح قائلاً: "على أوروبا محاولة إقناع أوكرانيا بقبول طلبات بوتين". في حين انتقد سالفيني، في أكثر من لقاء، العقوبات الغربية على روسيا، كونها غير مجدية ولا تصب إلا في صالح روسيا. وهنا، يؤخذ في الحسبان أن حزب الرابطة- الذي يعرف زعيمه كأحد الداعمين لبوتين قبل الحرب- واجه اتهامات بتلقي تمويلات من روسيا في عامي 2008 و2010، وكان لافتاً أنه تم عقد لقاء بين قادة الحزب في موسكو في أكتوبر 2018، أي أثناء وجود سالفيني وزيراً لداخلية إيطاليا.
2. المعضلة الاقتصادية: واجه الاقتصاد الإيطالي دفعات تعزيز قوية بموجب تولى ماريو دراجي رئيس البنك المركزي الأوروبي الأسبق رئاسة وزراء إيطاليا لمدة 18 شهراً. وقد وضع خلالها المصرفي السابق خطة استثمار عامة لإيطاليا مقرونة بإصلاحات توافقت مع خطة المفوضية الأوروبية، لاسيما أنه أحد منقذي الاتحاد الأوروبي- بجوار المستشار الألمانية السابقة انجيلا ميركل- في أزمته المالية عام 2012.
وبموجب خطة دراجي، كان هناك نظام لمراجعة النفقات والتي من شأنها تقليل عجز الموازنة الذي تخطى الـ 150 مليار يورو بالإضافة إلى الالتزام بالحد الأقصى من العجز كنسبة من الناتج المحلى بقيمة 3%. ومقابل ذلك، تتلقى روما 190 مليار يورو على مدار خمس سنوات. وقد توقفت خطة دراجي على أثر سحب حركة خمس نجوم دعمها للحكومة بعد اتهام جوزيبي كونتي –رئيس حركة خمس نجوم - لدراجي بأن خططه فاسدة ويجب تغييرها. ويذكر أن كونتي كان رئيساً لوزراء إيطاليا قبل دراجي واستقال أيضاً بسبب أزمات لاحقت أداء حكومته الاقتصادي واختلافه مع حزب الرابطة. وعلى ضوء ذلك، تشير تحليلات إلى أن على حكومة جورجيا ميلوني أن تبدأ من الصفر لحل معضلات الاقتصاد الإيطالي الذي يعاني من أزمات هيكلية متعلقة بالناتج المحلى الإجمالي للفرد والذي لم ينمو منذ عام 2000، وعدم وجود حد أدنى للأجور على مستوى الدولة، بخلاف ارتفاع الأسعار وتكاليف الطاقة
وخلال حملتها الانتخابية، مالت ميلوني نحو أفكار يسارية وسياسات حمائية، وهو ما جلب لها أصواتاً من معاقل حركة خمس نجوم، فضلاً عن دعم النقابات العمالية. فعلى سبيل المثال، يخطط إخوة إيطاليا لشراء حصة من شركة "Telecom Italia" وهي كبري شركات الاتصالات الإيطالية، وهو تطور من شأنه استبعاد مستثمرين أجانب خاصة الأوروبيين. ويتبنى ائتلاف ميلوني تحديد سعر سقف للطاقة على المستوى الأوروبي حتى تنخفض الأسعار داخل إيطاليا والتي تأثرت بارتفاع أسعار الطاقة منذ بداية الحرب. لكن لا تبدو فكرة الائتلاف منطقية، فدول أوروبا هي من تستورد الغاز- من روسيا أو من أي جهة أخرى- ومنطقياً أن من يتحكم في السعر مالك السلعة وليس المشتري.
وفي نفس السياق، ترغب الحكومة المقبلة في ضخ المزيد من الاستثمارات في الطاقة النووية، والتي دعت بعض الدول الأوروبية-مثل ألمانيا- إلى وقف العمل بها. لكن قرار تقليل الاعتماد على الغاز الروسي ومحاولة إيجاد بدائل له جعل قوى يمينية في أوروبا تعيد التفكير في الطاقة النووية مرة أخرى، وهو ما اتضح في تبنى ائتلاف اليمين في السويد إعادة تشغيل محطاتها النووية، ولعل هذا التوجه تؤيده فرنسا أيضاً مما يجعله مقبولاً بصفة عامة.
3. القيم الاجتماعية: تتبع جورجيا ميلوني طرحاً محافظاً دينياً يتمثل في رفض المثلية والتحول الجنسي، ومنع تبنى المثليين للأطفال، ورفض الإجهاض أو ما يسمى بالقتل الرحيم، رغم أن هذه الأفكار بمثابة توجه شخصي لميلوني التي صرحت أيضاً أنها لن تلغي القوانين الحالية الخاصة بالإجهاض، لكنها سوف تواجه ضغوطاً من قبل منظمات المجتمع المدني الغربية، ومن ثم عليها الفصل ما بين هو انطباع ورأى شخصي وبين ما هي سياسات ترغب في تطبيقها.
ماذا تعنى ميلوني للخارج؟
أثار تقدم ميلوني في استطلاعات الرأي قبل الانتخابات مخاوف عدة جهات، وبالطبع تصاعدت المخاوف عقب فوزها وتمكنها من تشكيل حكومة. ويمكن تحديد أبرز الملفات الخارجية التي سوف تتعامل معها ميلوني وحكومتها القادمة في ما يلي:
1. الاتحاد الأوروبي: تمثل إيطاليا ثالث اقتصاد في الاتحاد الأوروبي وثاني أقوى جيش أوروبي بعد خروج بريطانيا، مما يعنى أن الصدام معها أو حتى خروجها من الاتحاد أمر يصعب تحمله للطرفين. وسوف ينظر للحكومة القادمة في إيطاليا من زوايا ثلاث: الأولى، كيف ستتعامل مع خطة الإنعاش الأوروبية والتي تعد المفصل بين الديون الإيطالية ومساعدات بروكسل، فليس من مصلحة روما تبنى سياسات من شأنها زيادة الديون أو فرض مناخ حمائي يمنع المنافسة الأوروبية أو يشجع على زيادة الإنفاق العام، وبالتالي محاولة فرض أجندة شعبوية لصالح الطبقات الفقيرة والتي تنتظر دعماً مالياً من حكومة ميلوني أو على الأقل إيجاد حلول لتكاليف الحرب الروسية-الأوكرانية التي تؤثر في الداخل الإيطالي مثل كل دول القارة. من هنا، يلزم ميلوني البحث عن وزيري خارجية ومالية يستطيعا التعامل مع معضلة التوفيق بين الداخل الإيطالي ومتطلبات الاتحاد الأوروبي.
الزاوية الثانية، أي المحاور ترغب روما في التحالف معه: المحور الألماني-الفرنسي أم المجري-البولندي. فحتى الآن، تقترب روما من التحالف المجري-البولندي والذي ربما ينضم له الائتلاف اليميني السويدي –حال استطاع تشكيل حكومة- والذي يبدو أنه أقرب لتكوين محور يميني على مستوى الاتحاد الأوروبي.
الزاوية الثالثة، موقف حكومة ميلوني من سياسات الهجرة والتي يبدو حتى الآن من سياق برنامجها الانتخابي وموقف شريكها في الائتلاف (سالفيني)، أنها لن تكون على وفاق مع سياسات الاتحاد الأوروبي للهجرة، ولعل ذلك الموقف سوف يمثل تقارباً في موقف حزب الديمقراطيين السويديين المعادي للهجرة بما يعنى ضغوطاً أكثر على الاتحاد الأوروبي في هذا الملف.
2. الشرق الأوسط وأفريقيا: ترتبط مصالح إيطاليا في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا بعدة أطر جميعها يأخذ من ليبيا نقطة ارتكاز له. فبداية إيطاليا إحدى الدول المنخرطة في الصراع الليبي وكانت وثيقة الصلة من جماعة الإخوان المسلمين وتركيا وحكومة فائز السراج ومن بعده عبد الحميد الدبية. ومن جانب آخر، لدى شركة ايني استثمارات في قطاع الطاقة طويلة الأمد، لا ينافسها في ذلك إلا شركة توتال الفرنسية، ومن ثم تعد مسألة الغاز نقطة محورية لإيطاليا في سياستها الخارجية والتي زادت أهميتها بعد الحرب الروسية-الأوكرانية وحاجة الغرب الأوروبي للبحث عن بدائل للغاز الروسي وخاصة من منطقة شرق المتوسط.
كما تعول إيطاليا على تمركزها في ليبيا والبحر المتوسط كنقطة انطلاق لتواجدها في منطقة الساحل والصحراء والتي ترتبط بها في سياق المهام الأمنية للجيش الإيطالي في المنطقة، فضلاً عن مخططها لربط علاقاتها بالصومال وإثيوبيا لتنطلق منها أيضاً لخليج عدن ومنه لدول الخليج، وهو ما برزت ملامحه في زيارات وزير الخارجية الإيطالي السابق دي مايو لقطر. إضافة لما سبق، عقدت الحكومة الإيطالية اتفاقيات تعاون في مجال الطاقة مع الجزائر، كي تزود الأخيرة إيطاليا بكميات إضافية من الغاز يفترض أن تصل إلى 3 مليار متر مكعب بنهاية 2022، على أن تصل كمية الغاز المصدرة من الجزائر إلى إيطاليا بحلول عام 2024 إلى حوالي 30 مليار متر مكعب. وتمثل المعطيات السابقة دلائل على صعوبة تغيير إيطاليا لسياستها الخارجية إزاء أزمات منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، بخلاف ملف الهجرة غير الشرعية والذي يمثل أزمة للاتحاد الأوروبي بصفة عامة وليس إيطاليا فحسب.
إجمالاً، يمكن القول إن فوز جورجيا ميلوني وحزب إخوة إيطاليا يمثل رهاناً على مدى استقرار إيطاليا مع حكومة يمينية ترأسها سيدة لديها جذور فاشية ولا تمتلك سيرة ذاتية ولا تعليمية قوية، فهي فقط لم تتورط في فشل الحكومات السابقة، وتتبنى برنامجاً انتخابياً نظرياً قد ينجح أو لا، ومن ثم فإن تشكيل الحكومة واختيار كفاءات تقود وتدير علاقات إيطاليا الخارجية وأزماتها الداخلية هو الفيصل في نجاح إخوة إيطاليا وأول سيدة ترأس الحكومة من عدمه.