مع زيادة التوتر على الساحة العالمية وخاصة بين دول الناتو والعمالقة الاقتصاديين أي الاقتصاديات الناشئة، ومن جراء ذلك توسعت دائرة المشاكل الإرهابية أفقيا وتعمقت عموديا ومنها مثلا تفجير خط غاز نورد ستريم، والسؤال من فجرّه؟ وسأعتمد في تحليلي الاقتصادي على القاعدة الحقوقية التي تقول عندما يبدأ المحققون القانونيون بالتحقيق في أي جريمة بسؤال (من المستفيد من الجريمة)؟، وهنا نسأل من هو المستفيد اقتصاديا من تفجيرّ خط الغاز الروسي (ستريم 1و2)، وسأحاول معالجة هذا الموضوع معتمدا على أقوال وممارسات القيادات الغربية وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي صرح منذ /3/ أسابيع وحسب قناة محطة (فوكس نيوز) بقوله (لن يكون هناك خط غاز نورد ستريم 2)، كما وجهت سابقا في دور الرئيس (ترامب) تهديدات لألمانيا إذا ساهمت وفعلت نورد ستريم 1و2 وأنه سيطبق عليها العقوبات الاقتصادية الامريكية، علما ان المشروعين ليسا روسيين بل مشروعين دوليين، وهنا نسأل بل نتساءل ووفق الحقيقة الاقتصادية التي تقول (أن أي علاقة اقتصادية تؤول في مآلها إلى العلاقة النقدية) أي (رابح وخاسر) ونسأل أين القطبة الاقتصادية المخفية من تفجير خط الغاز نورد ستريم ومن هو المستفيد؟ برأينا ان طرف الخيط في كشف هذا العمل الاجرامي هو البحث عن من يريد التحكم في قوى (العرض والطلب) أي الحصول على اكبر قدر من الفجوة التسويقية المتولدة على سلعة الغاز، ونعبرّ عن الفجوة التسويقية وفق المعادلة الاقتصادية التالية:
الفجوة التسويقية على الغاز = الطلب الكلي على الغاز - العرض الإجمالي من الغاز
ولتحليل هذه المعادلة فإننا بحاجة إلى مناقشة اقتصادية هادئة وبلغة رقمية، وعندها سيبين لنا من المستفيد من تفجير خط الغاز، ومع تزايد الفجوة التسويقية الاوربية على الغاز بدأت الأسعار ترتفع في ظل استمرار الحظر الروسي على تسويق الغاز الروسي إلا بالروبل الروسي، وامتنعت أوروبا عن ذلك وخضعت للإملاءات الامريكية في فرض العقوبات والحصار الاقتصادي على روسيا، والصراع العالمي الحالي هو على المواد الأولية وخاصة الغاز، والسوق الاوربية هي اكبر سوق مستوردة ومستهلكة لهذه السلعة، وروسيا حولت غازها المصدر إلى دول أخرى وخاصة العمالقة الاسيويين (الصين والهند وايران) وغيرها، وحتى اليابان زادت مستورداتها من الغاز الطبيعي المسال من روسيا في شهر آب الماضي بنسبة أكبر 211% مقارنة مع شهر أب سنة /2021/، وأكد الصحفي الاقتصادي الفرنسي السيد (فرانسوا لينجليت) على قناة RTL على أن العقوبات لم يكن لها تأثير سلبي على عائدات النفط والغاز في موسكو بل زادت من نموها، وأن الدول الاوربية دفعت لروسيا منذ تاريخ 24/2/2022 أكثر من /86 / مليار يورو، أي أن روسيا تحصل برأيه كل ثانية على /3700 / يورو من بيع النفط والغاز، وقد زاد دخل روسيا من صادرات الوقود بنسبة 40٪ في الوقت الذي تبحث به الدول الغربية عن توفير المال ومحاربة التضخم المتزايد.
أما من ناحية الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة الامريكية فلها مصلحة في تصدير الغاز الأمريكي لكن تكلفته عالية من أي تكلفة في العالم، وتجدر الإشارة إلى ان أمريكا هي الدولة الأولى في العالم حيث تنتج سنويا حوالي/ 914 / مليار مكعب بينما تنتج روسيا وهي الدولة الثانية عالميا حوالي/ 638 / مليار متر مكعب أي بنسبة/ 70% /من الإنتاج الأمريكي، وهنا تكمن (القطبة المخفية واللعبة الشيطانية الامريكية) وتتجلى في ضرورة التضحية بمصالح الشعب الأوروبي لمصلحة الاقتصاد الأمريكي والامريكيين وخاصة ان السوق الاوربية هي اكبر سوق مستهلك للغاز بحدود/ 503 / مليار مكعب سنويا واغلبه مسال وبنسبة/ 74% / عبر الانابيب أي من روسيا، وقد بدأت الشعوب الأوروبية تعاني من تراجع مستوى المعيشة بسبب ارتفاع أسعار الغاز وتتفهم مقدار الضرر الذي لحق بها من جراء خضوع حكوماتها للإملاءات الامريكية، وبدأت تقوم في أغلب دول القارة الاوربية بمظاهرات ضد حكوماتها بسبب تراجع مستوى المعيشة وتوقف الوحدات الاقتصادية وزيادة معدلات البطالة وغيرها بسبب خضوع دول الاتحاد الأوربي ومقره في (بروكسل) والمطالبة بالتراجع عن الخضوع لأمريكا من ناحية الحصار والعقوبات المفروضين على روسيا المورد الأساسي لأوروبا والعمل لضخ الغاز عبر خط السيل الشمالي الأول وتجهيز خط السيل الشمالي الثاني وتفعيل الخطوط الأخرى مثل (بلو ستريم - تورك ستريم - يامال) وغيرها، ولا سيما ان روسيا تستطيع ضخّ حوالي /274 / مليار متر مكعب سنويا، أي أكثر من/ 50% / من احتياجات أوروبا وهو أقل تكلفة بكثير من الغاز الأمريكي.
وقد اكدت إدارة معلومات الطاقة الامريكية لسنة /2022/ أن متوسط صادرات الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي المسال سيصل إلى أكثر /11/ مليار قدم مكعبة يوميا وإلى أكثر من /12/ مليار قدم مكعبة في سنة /2023/ والسوق الاوربية متلهفة للحصول على الغاز لأهميته في الحياة اليومية للمواطن الأوروبي إضافة لأهميته الاقتصادية ولا سيما بعد قطع الغاز الروسي والذي كان يشكل نسبة أكثر من /46%/ من مجمل احتياجاتها من الغاز سنويا، إضافة إلى ان تفجير خط نورد ستريم حصل في منطقة اقتصادية تخضع للمخابرات الامريكية في منطقة بين السويد والدانمارك أي في بحر البلطيق الذي يشهد تزاحما للسفن والغواصات الامريكية والناتوية؟!