• اخر تحديث : 2024-05-15 19:58
news-details
تقدير موقف

لماذا يُعتبر ضم الأقاليم الأوكرانية إلى روسيا تصعيداً خطيراً؟


يؤسس إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في خطابه يوم 30 سبتمبر 2022، ضم أربع مناطق أوكرانية – وهي: دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزاباروجيا – مرحلة جديدة أكثر تعقيداً في الصراع الأوكراني؛ فخلال الفترة من 23 إلى 27 سبتمبر 2022 أجرت المناطق الأربعة استفتاءات بشأن الانضمام إلى روسيا، وجاءت نتائج الاستفتاءات داعمة بغالبية كبيرة، بصرف النظر عن الجدل الدائر حول نزاهة إجراءات الاستفتاءات للانفصال عن أوكرانيا والانضمام إلى روسيا. وهي النتائج التي استند إليها الرئيس الروسي في شرعنة قراره ضم المناطق الأربعة؛ حيث أشار، في خطابه، إلى أن المواطنين في المناطق الأربعة اختاروا الانضمام إلى روسيا، لافتاً إلى أن هذا الأمر حق أصيل لهم، وأشار إلى أن حق تقرير المصير حتمي، وأن الأجداد دافعوا عن هذه الأراضي في الحرب العالمية الثانية.

خطاب الضم

وقَّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قصر الكرملين على معاهدات انضمام أربعة أقاليم أوكرانية إلى روسيا، على هامش خطاب ألقاه يوم 30 سبتمبر 2022، بحضور نواب البرلمان وممثلي الأقاليم الأربعة، متوقعاً مصادقة مجلس الدوما على ذلك. وتأتي هذه الخطوة عقب إعلان الدوما عن تسلمه طلبات من بوتين بشأن انضمام المناطق الأربعة إلى روسيا. ويمكن في هذا الإطار استعراض اتجاهات ودلالات ما جاء في خطاب بوتين؛ وذلك على النحو التالي:

1تأكيد حق الشعوب في تقرير مصيرها: أوضح بوتين أن المواطنين في لوغانسك ودونيتسك وخيرسون وزاباروجيا، اختاروا الانضمام إلى روسيا، لافتاً إلى أن هذا الأمر حق أصيل لهم، وأشار إلى أن حق تقرير المصير حتمي، وأن الأجداد دافعوا عن هذه الأراضي في الحرب العالمية الثانية، وقال: "لقد دافع عن تلك المناطق أبطالنا البواسل؛ أبطال روسيا الذين دفع بعضهم حياته ثمناً لذلك".

وفي هذا الصدد، أشار الرئيس الروسي إلى أن موسكو ستتولى الدفاع عن هذه المناطق؛ لأنها باتت جزءاً من الأراضي الروسية؛ حيث ذكر أن "خيار الملايين من تلك المناطق هو مصيرنا ومستقبلنا المشترك، وتلك أحاسيس لن يتمكن أحد من نزعها منا"، مضيفاً: "أريد أن يستمع نظام كييف ومشغلوه في الغرب أن سكان هذه المناطق أصبحوا مواطنين روسيين وإلى الأبد”، وتابع قائلاً: “سنستعيد كافة أراضينا، ونحمي شعوبنا بكل ما نملك من وسائل".

2تقليص روسي متواصل لمساحة أوكرانيا: يُعبِّر توقيع الرئيس الروسي على معاهدات انضمام لوغانسك ودونيتسك وخيرسون وزاباروجيا إلى بلاده، عن تواصل مسعى موسكو إلى تقليص مساحة أوكرانيا؛ حيث قامت روسيا خلال ثماني سنوات فقط بقضم تدريجي للأراضي التي تخضع لسيادة الدولة الأوكرانية. وكانت المرة الأولى في مطلع عام 2014 حينما قامت قوات موالية لروسيا، بالسيطرة على شبه جزيرة القرم بعد الإطاحة بالرئيس الأوكراني المنتخب والموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش بعد احتجاجات شابها العنف في العاصمة كييف.

3دعوة الحكومة الأوكرانية إلى قبول الأمر الواقع: حرص بوتين في خطابه على حث الحكومة الأوكرانية على قبول الأمر الواقع الجديد؛ حيث قال: "يجب أن تحترم كييف اختيار مواطني جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، ومقاطعتي خيرسون وزاباروجيا"، مضيفاً: "ندعو كييف إلى التفاوض، لكننا لن نناقش اختيار الشعب. لقد تم ذلك، ولن تخذل روسيا الشعب"، واستطرد قائلاً: "سوف نبني تلك المناطق، ونوفر الحياة الكريمة المستقرة الآمنة في جميع ربوع روسيا".

4الرغبة في استعادة أمجاد الاتحاد السوفييتي: كشف بوتين، خلال خطابه، عن استمرار حرصه على استعادة أمجاد الاتحاد السوفييتي؛ حيث قال: "لقد سقطت أقنعة الغرب الذي حاول في عام 1991 أن يفتت روسيا ويحولها إلى شعوب متحاربة"، وتابع: "ندافع عن روسيا التاريخية، وندافع عن ثقافة وحضارة أجدادنا ومستقبل أحفادنا"، ورأى أن الغرب ينتهج سياسة الاستعمار الجديد من أجل الهيمنة على العالم وإسقاط الأنظمة.

5مواصلة الهجوم على سياسات الدول الغربية: اتهم الرئيس الروسي الغرب بنهب موارد ومقدرات الشعوب؛ حيث قال: "لقد حل الغرب أزمته في الكساد العظيم بالحرب العالمية الثانية، وأزمة الثمانينيات من القرن العشرين بموارد الاتحاد السوفييتي المنهار”، مضيفاً: “نفخر بأننا كنا جزءاً من الحركة العالمية لتحرير الشعوب والدول خلال القرن العشرين"، وتابع: "الخبز من أوكرانيا يذهب إلى أوروبا، و5% فقط يذهب إلى البلدان الفقيرة"، واستطرد قائلاً: "الغرب يتحدث عن الردع، ويعني بذلك المواجهة والوقوف ضد أي مركز للتنمية المستقلة".

كما شدد بوتين في خطابه على استحالة قبول بلاده معايير وقواعد الغرب التي رأى أنها مزدوجة؛ حيث قال: "الغرب يقول دائماً إنه يحمي ويدافع عن النظام والقواعد، ولكن من أين أتت هذه القواعد؟ معايير مزدوجة مصممة للحمقى"، مضيفاً: "لقد أنهى الغرب بازدواجية معاييره كافة الاتفاقيات والمواثيق”، وتابع قائلاً: "الغرب يقسم العالم إلى عالم متحضر وبقية العالم، وإلى عالم أول وعوالم أخرى".

6تكذيب اتهامات سعي روسيا إلى تدمير العالم: حرص بوتين في خطابه على تكذيب الاتهامات التي يوجهها الغرب إلى بلاده بالعمل على تدمير العالم؛ حيث قال: "الولايات المتحدة استخدمت السلاح النووي مرتين، وهي الوحيدة التي استخدمت هذا السلاح في العالم"، مضيفاً: "الولايات المتحدة لا تزال تحتل ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية وتتنصَّت على زعمائها"، وتابع: "تفجير خط أنابيب السيل الشمالي يُعَد تدميراً لبنية الطاقة التحتية لأوروبا ومن الواضح من المستفيد".

7دخول العالم مرحلة جديدة متعددة القطبية: أكد بوتين في خطابه أن نظام القطبية الأحادية انتهى، وأن العالم يدخل مرحلة القطبية المتعددة؛ حيث قال: "يدخل العالم حقبة جديدة متعددة القطبية تدافع فيها الدول عن استقلالها وإرادتها ورغبتها في التنمية”، وأضاف: “نحارب ضد الإملاءات وضد استثنائية الغرب، ومن أجل طريقنا المستقل".

تداعيات رئيسية

ينطوي القرار الروسي ضم المناطق الأوكرانية الأربعة على تصعيد خطير قد يؤدي بالصراع إلى حافة الهاوية، لا سيما أن أوكرانيا والغرب لن يتقبَّلا سياسة فرض الأمر الواقع التي يتبناها الرئيس بوتين. ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن القرار الروسي يستدعي عدداً من التداعيات المحتملة المتمثلة فيما يلي:

1إطالة أمد الحرب في أوكرانيا: لا يمكن إغفال أن قرار الرئيس الروسي بضم المناطق الأوكرانية إلى الأراضي الروسية يُفضي – بطريقة أو بأخرى – إلى إطالة أمد الأزمة الأوكرانية، وخصوصاً أن الرئيس الروسي – الذي اعتاد خلال السنوات الماضية على سياسة دعم القوى الانفصالية في بعض مناطق الجوار، على غرار شبه جزيرة القرم في أوكرانيا وكذلك جورجيا – لن يتراجع بأي حال من الأحوال عن قرارات الضم، كما أن أوكرانيا لن تتقبل انفصال أربع مناطق من أراضيها، لا سيما أن المكاسب العسكرية التي حققتها القوات الأوكرانية في الفترة الأخيرة تعزز طموحات الرئيس الأوكراني، وكان آخر هذه المكاسب دخول القوات الأوكرانية مدينة ليمان، يوم 1 أكتوبر الجاري، وهي مدينة استراتيجية مهمة تقع في دونيتسك، وتُعَد مركز تقاطع مهماً للسكك الحديدية في شرق أوكرانيا.

اللافت هنا أن سيطرة القوات الأوكرانية على مدينة ليمان أعاد مجدداً الحديث عن استخدام روسيا الأسلحة النووية؛ حيث طالب الرئيس الشيشاني رمضان قديروف حليف موسكو، في تغريدة على تويتر "باتخاذ خطوات أكثر جديةً، بما في ذلك فرض الأحكام العرفية في المناطق الحدودية، واستخدام الأسلحة النووية التكتيكية".

2امتداد الأراضي الروسية إلى حدود الناتو: خلال الشهور التي مضت من عمر الصراع الأوكراني، كانت الدول الغربية وحلف الناتو تُقدِّم الأسلحة والدعم العسكري لأوكرانيا، وتؤكد أنها لن تدخل الصراع مع روسيا مباشرةً، ولكن مع إعلان روسيا عن ضم مناطق داخل أوكرانيا، فإن هذه المعادلة ستتغير؛ لأن أي عملية ستنفذها أوكرانيا بدعم من حلف الناتو على المناطق المنضمة إلى روسيا، ستعني الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع موسكو، وهو أمر قد يستدعي ردود فعل عنيفة من قبل روسيا. علاوةً على ذلك، فإن قرارات الضم الروسية ستعني توسيع مساحة الأراضي الروسية لتمتد إلى حدود حلف الناتو.

3توقع التصعيد الغربي المضاد لروسيا: يُرجَّح أن تدفع قرارات الضم الروسية للمناطق الأوكرانية الأربعة إلى تصعيد مضاد من قبل الدول الغربية، وقد ظهرت مؤشرات ذلك خلال الأيام الماضية؛ فعلى سبيل المثال، تعمل الولايات المتحدة في الوقت الراهن، بحسب تقارير صدرت يوم 29 سبتمبر 2022، على تشكيل قيادة جديدة لتنسيق تسليح وتدريب أوكرانيا، وسيكون مقر القيادة الجديدة في مدينة فيسبادن بألمانيا، وستخضع للجنرال كريستوفر كافولي قائد القيادة الأمريكية الأوروبية الذي قاد الجهود المتعددة الجنسيات لتدريب القوات العسكرية الأوكرانية على الأسلحة الغربية المتقدمة، وتسليم تلك الأسلحة إلى الحدود مع أوكرانيا.

واستمر هذا المسار بعد إعلان روسيا ضم المناطق الأربعة؛ حيث رفضت الدول الغربية القرار، وأكدت استمرار دعمها العسكري لكييف، كما أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن بلاده ستطلب رسمياً "تسريع وتيرة انضمامها إلى حلف الناتو". وأعلنت الولايات المتحدة فرض المزيد من العقوبات على روسيا. وفي يوم 2 أكتوبر الجاري، كشفت ألمانيا والدنمارك والنرويج عن تزويد أوكرانيا بـ16منظومة دفاعية من طراز "هاوتزر" اعتباراً من العام القادم.

4انتقال الحرب خارج مسرح العمليات العسكرية: يبدو أن الحرب الأوكرانية تمتد بوتيرة متسارعة بعيداً عن مسرح العمليات العسكرية التقليدي داخل الأراضي الأوكرانية. وقد تبلورت مؤشرات هذا الأمر مع التخريب الذي تعرض له خط "نورد ستريم للغاز" خلال شهر سبتمبر 2022؛ حيث تبادلت روسيا والدول الغربية الاتهامات بشأن الجهة التي تقف وراء تسرب الغاز في موقعَيْن من خط أنابيب "نورد ستريم 1" الذي يربط روسيا بألمانيا في بحر البلطيق؛ وذلك بالتزامن مع إعلان السلطات الدانماركية والسويدية، يوم 27 سبتمبر 2022، عن تسرب للغاز في "نورد ستريم 2".

5استهداف المصالح الروسية والغربية بالخارج: يحتمل أن يتزايد هذا المنحى في الفترة القادمة بحيث يشمل تنفيذ عمليات عدائية مفاجئة وغير متوقعة بين أطراف الصراع، وربما تمتدُّ هذه العمليات إلى مناطق مختلفة تشهد تماسّاً وتقاطعاً في المصالح بين روسيا والدول الغربية، وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة، كما أشارت بعض التقارير إلى إمكانية مهاجمة روسيا منشآت البنية التحتية للطاقة في الولايات المتحدة؛ وذلك بهدف الضغط على الدول الأوروبية، وخاصةً أن الولايات المتحدة قد تمثل أحد مصادر إمداد الطاقة لهذه الدول.

6احتمالية اشتعال الأوضاع في أوروبا: ربما يدفع قرار الضم الروسي للمناطق الأوكرانية إلى اشتعال الأوضاع داخل أوروبا، وخصوصاً أن هناك مناطق رخوة عديدة قد تراهن عليها روسيا في تصدير الضغوط إلى الدول الأوروبية؛ فهناك مناطق مهيأة للتدخل الروسي، على غرار إقليم ترانسنيستريا الذي أعلن انفصاله عن مولدوفا في عام 1990، وهناك أيضاً منطقة البلقان المحتدمة بالأزمات الإثنية والسياسية، ناهيك عن حضور النفوذ الروسي في هذه المنطقة. وليس أدل على ذلك من الدعوة التي قدمها "ميلوراد دوديك" زعيم صرب البوسنة، في مقابلة مع وكالة "نوفوستي" يوم 22 سبتمبر 2022، إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لحضور افتتاح كنيسة أرثوذكسية في بانيا لوكا رُمِّمَت وفق نموذج روسي.

7تفاقم الضغوط على الاتحاد الأوروبي: يُرجَّح أن تتفاقم الضغوط على الاتحاد الأوروبي عقب إعلان روسيا ضم المناطق الأوكرانية؛ لأن دول الاتحاد ستكون متنازعة بين خيارَي الاستمرار في دعم أوكرانيا ومواجهة عواقب قاسية في الشهور القادمة مع دخول فصل الشتاء وأزمة الطاقة، والخيار الآخر محاولة الخروج من الأزمة والدفع نحو تسوية للصراع قد تتضمن تنازلات كبيرة لصالح روسيا. ويُضاعِف معضلة الدول الأوروبية في هذا اللحظة الصعود السياسي للقوى اليمينية التي تتبنى أغلبها خطاباً أقل عدائيةً تجاه موسكو.

8تزايد تعقيدات الأوضاع الداخلية في روسيا: سيؤدي قرار الضم الروسي إلى المزيد من التعقيدات داخل روسيا؛ لأنه جاء بعد أيام من إعلان التعبئة العسكرية الجزئية، الذي قُوبل بحالة من الهيستريا والاستياء الداخلي. وعليه سيبعث قرار الضم رسالة إلى الداخل أن الحرب في أوكرانيا قد تمتد لفترة أطول، ويصبح مستقبل المواجهة العسكرية أكثر غموضاً؛ فقرار الضم ينطوي، في حد ذاته، على إشكاليات جوهرية؛ أهمها أن روسيا لا تسيطر بالكامل على أراضي المناطق الأربعة التي أعلنت ضمها؛ فعلى سبيل المثال، تسيطر القوات الروسية على نحو 60% فقط من إقليم دونيتسك، كما أن نسبة كبيرة من سكان هذه المناطق من أصول أوكرانية وليست روسية.

9تعميق معضلة القوى المحايدة والمؤيدة لروسيا: عقَّد قرار الضم الروسي، وما صاحبه من توسع في نطاق العمليات العدائية خارج الحدود الأوكرانية من خلال أعمال تخريب خط نورد ستريم؛ حسابات القوى المحايدة في الصراع الأوكراني، وكذلك المؤيد لموسكو؛ لأنه ليس من مصلحة هذه الدول، بما في ذلك الصين والهند، أن يطول الصراع أكثر من اللازم، ومن ثم قد تحاول هذه الدول الضغط على موسو لإيجاد حلول للصراع. وظهرت مؤشرات هذا الأمر في تعليق بكين على قرار الضم؛ إذ أكدت احترامها لسيادة أوكرانيا، مع مراعاة الهواجس الأمنية لأي دول أخرى، كما جددت دعوتها إلى العمل مع المجتمع الدولي لخفض التصعيد في أوكرانيا.

خلاصة القول أن الصراع الأوكراني يُحتمَل أن يدخل مرحلة جديدة أكثر تشابكاً بعد إعلان الرئيس الروسي ضم المناطق الأوكرانية الأربعة إلى الأراضي الروسية؛ فتحركات الرئيس الروسي تبدو غير متوقعة، ومن الواضح أيضاً أن الولايات المتحدة لن تتراجع عن دعمها العسكري لأوكرانيا؛ إذ تبدو الحرب، من وجهة نظر واشنطن، فرصة لتقويض الطموحات الروسية الهادفة إلى تغيير النظام الدولي القائم.