• اخر تحديث : 2024-11-15 12:27
news-details
تقدير موقف

أبعاد الاستقطاب الحاد قبل انتخابات التجديد النصفي الأمريكية


تشهد الولايات المتحدة استقطاباً سياسياً حاداً مع قرب انعقاد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي في نوفمبر 2022، والتي ستشهد انتخاب أعضاء مجلس النواب جميعاً، والبالغ عددهم 435 عضواً، وكذلك انتخاب ثلث أعضاء مجلس الشيوخ، أي 35 مقعداً من أصل 100، بالإضافة إلى الاقتراع على مناصب 39 حاكم ولاية.

أهمية حاسمة:

هناك عدد من العوامل التي تؤكد أهمية انتخابات التجديد النصفي لهذا العام، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:

1- السيطرة على الكونجرس: تتمتع هذه الانتخابات بأهمية حاسمة للحزبين الجمهوري والديمقراطي، وبالتالي، ستشهد صراعاً على أشده بينهما، إذ يسعى الجمهوريون للسيطرة على مجلسي الشيوخ والنواب. ومن ناحية أخرى، يأمل الديمقراطيون في استمرار هيمنتهم على المجلسين لتمرير جميع سياسات وقوانين الرئيس الأمريكي جو بايدن.

ويدرك بايدن أن خسارة الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي سوف تدفعه للاعتماد على الفيتو لمنع الجمهوريين من تمرير أي قوانين تخالف توجهاته، إذ إن سيطرة الجمهوريين على الهيئة التشريعية ستحد من قدرته على تنفيذ أجندته للفترة المتبقية لولايته الأولى الممتدة حتى موعد الانتخابات الرئاسية القادمة في عام 2024. وعلى الرغم من أن بايدن تمكن من تمرير بعض بنود أجندته التشريعية، فإنه ما زال أمامه بعض القضايا الاجتماعية والسياسية المهمة التي يرغب في تمريرها قبل الاستحقاق الرئاسي المقبل.

2- مؤشر على الرئيس القادم: ستكون نتائج انتخابات التجديد النصفي مؤشراً على شعبية إدارة بايدن الحالية، ونظراً لعدم حسم الرئيس بايدن قراره بالترشح لفترة رئاسية ثانية في الولايات المتحدة، فإن نتائج انتخابات التجديد النصفي قد تكون مؤشراً على مدى شعبيته لدى الشعب الأمريكي، ومن ثم فرص ترشحه لولاية ثانية أم لا.

استقطاب حاد:

يلاحظ أن هناك عدد من المؤشرات على تصاعد التنافس بين الجمهوريين والديمقراطيين، وذلك على النحو التالي:

1- مهاجمة بايدن للجمهوريين: شن بايدن خلال كلمة ألقاها أمام حشد من الأمريكيين في فيلادلفيا في 1 سبتمبر 2022، هجوماً حاداً على الجمهوريين بصفة عامة، والرئيس السابق دونالد ترامب وأنصاره بصفة خاصة، حيث قال إن ولاء الجمهوريين قاصر على الرئيس السابق، وأنهم "يقتاتون على الفوضى"، محذراً في الوقت نفسه من "محاولاتهم لتقويض الديمقراطية التي يمكن أن تتحول إلى عنف". وأضاف أن أنصار ترامب يمكن أن يكونوا سبباً وراء اشتعال العنف السياسي في البلاد سعياً وراء السلطة، مؤكداً أنهم لا يحترمون الدستور الأمريكي.

وعلى الرغم من تأييد رموز الحزب الديمقراطي هذا الخطاب، فإن الجمهوريين عبروا عن استيائهم من تصريحات بايدن. فقد اعتبر كيفين مكارثي، زعيم الجمهوريين في مجلس النواب الأمريكي أن الرئيس بايدن اختار تقسيم أقرانه الأمريكيين وتحقيرهم والاستخفاف بهم، لأنهم ببساطة يختلفون مع سياساته، وهذه ليست قيادة، مطالباً إياه بالاعتذار عن استخدام مصطلح الفاشية في وصف إيديولوجية ترامب وأنصاره.

ومن ناحية أخرى، اتهمت رونا مكدانيل، رئيسة اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري، بايدن ببث الفتنة بين الأمريكيين بخطابه الموجه ضد أنصار ترامب، وأنه بات يجسد الوضع الحالي للحزب الديمقراطي وهو "حزب انقسام وضغينة وعداء تجاه نصف البلاد".

2- رقابة جمهورية متزايدة: أعلنت اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري إنها أطلقت جهوداً بملايين الدولارات لتوظيف عشرات الآلاف من الموظفين لمراقبة عملية التصويت، وهو ما تزامن مع تنامي مخاوف العديد من الناخبين الجمهوريين بشأن إمكانية تزوير الانتخابات، لاسيما أنهم لا يزالون متشككين بشأن نتائج انتخابات 2020.

ومن الملاحظ أن ولاية ويسكونسن هي الأكثر زخماً في هذا الشأن؛ حيث أشار الحزب الجمهوري في الولاية أنه سجل أكثر من 100 مراقب اقتراع، ويعمل على تجنيد المزيد من المتطوعين حالياً، ويرجع أسباب الزخم الانتخابي في هذه الولاية إلى اتساع تيار المتشككين من الجمهوريين حول نتائج انتخابات 2020 في هذه الولاية، إذ إنه بينما حصل ترامب على 53% من نسبة أصوات مقاطعة "براون"، وهي المقاطعة الأكبر في الولاية، فإن جو بايدن استطاع الفوز بأصوات الولاية، وذلك بفارق نحو 20,700 صوت عن غريمه في عام 2020.

3- الرد على محاولات إقصاء ترامب: يرى أنصار الرئيس السابق، دونالد ترامب، أن قضية إخفاء الوثائق السرية، والتي بدأت مع مداهمة مكتب التحقيقات الفيدرالي لمنتجع مارالاجو في 8 أغسطس 2022، بالإضافة إلى التحقيقات الموجهة له حول تحركاته لنسف نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2020، ودوره المزعوم في الهجوم الذي شنّه أنصاره على مبنى الكابيتول في 6 يناير 2021، ما هي إلا مجموعة من الإجراءات التي يفتعلها الحزب الديمقراطي بقيادة بايدن لمنع ترامب من الترشح في الانتخابات الرئاسية لعام 2024. ومن ثم يسعى الجمهوريون لاستغلال هذه الانتخابات لتأكيد شعبيتهم في الشارع الأمريكي، ومقاومة تحركات الإدارة الديمقراطية ضد مرشحهم الأوفر حظاً، حتى الآن.

4- تباين القضايا والأولويات: على الرغم من أن قضيتي الإجهاض وحمل السلاح جاءت ضمن اهتمامات كلا الحزبين، فإن ترتيب أولويات الديمقراطيين بشأن عدد من القضايا يبدو مختلفاً عن اهتمامات الجمهوريين، إذ بينما يركز الديمقراطيون على برامج تحسين الرعاية الصحية وتغير المناخ ونزاهة الانتخابات، يضع الجمهوريون قضايا الهجرة والضرائب والتضخم في مقدمة أولوياتهم.

ومن اللافت للانتباه أن قضية نزاهة الانتخابات باتت إحدى قضايا الانتخابات، إذ يصر الديمقراطيون على ضرورة إصلاح النظام الانتخابي لتسهيل التصويت، بينما ينادي الجمهوريون بإصلاحه للحيلولة دون حدوث تزوير في الانتخابات، مشككين في نتائج انتخابات 2020.

5- إنفاق انتخابي غير مسبوق: من المتوقع، وفقاً لبعض التقديرات، أن تكون انتخابات التجديد النصفي الأمريكية لعام 2022 هي الأكثر انفاقاً على الإطلاق؛ حيث سيضخ الديمقراطيون والجمهوريون مبالغ قياسية في حملاتهم الانتخابية في الوقت الذي يتنافسون فيه على السيطرة على مجلسي النواب والشيوخ.

وسيتجاوز إجمالي الإنفاق من قبل جميع المرشحين في مجلسي النواب والشيوخ الرقم القياسي لعام 2018، والبالغ نحو 3 مليارات دولار، إذ يتوقع أن يصل إجمالي حجم الإنفاق لنحو 9,7 مليار دولار. ويكفي أن تقديرات شركة "آد إيمباكت" (Ad-Impact) تُرجح أن يكون السباق لمقعد مجلس الشيوخ في ولاية جورجيا، الأغلى على الإطلاق ويصل لقيمة 276 مليون دولار؛ إذ سيجري الصراع الانتخابي بين السيناتور الديمقراطي، رافاييل وارنوك، ومنافسه الجمهوري، هيرشل ووكر، وهو نجم سابق في كرة القدم الأمريكية، ويحظى بدعم كبير من قبل الرئيس السابق ترامب.

نتائج غير متوقعة:

يلاحظ أن الاستقطاب الحاد بين الجمهوريين والديمقراطيين قد رافقته صعوبة في تقدير هوية الحزب الفائز في الانتخابات القادمة، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:

1- فرص قائمة للديمقراطيين: على الرغم من وجود قاعدة صارمة في السياسة الأمريكية على مدار التاريخ، وهي أن الحزب الذي يمثله الرئيس الأمريكي الحالي في البيت الأبيض يخسر، في الغالب، السيطرة على مجلس النواب في انتخابات التجديد النصفي، فإن هذه القاعدة قد لا تنطبق على هذه الانتخابات.

ففي حين يسعى الجمهوريون، وبكل طاقاتهم، لاستعادة الأغلبية في مجلس النواب، والذي يستحوذ فيه الديمقراطيون حالياً على 222 مقعداً مقابل 213 للجمهوريين، وكذلك طموحهم لكسر التعادل الحالي في عدد المقاعد مع الديمقراطيين في مجلس الشيوخ لصالحهم، فإن بعض استطلاعات الرأي تشير إلى احتمالية تقدم الديمقراطيين في انتخابات مجلس الشيوخ، وذلك بخلاف ما هو عليه في مجلس النواب.

ويرجع ذلك إلى الزخم الدائر بشأن قضية الإجهاض؛ حيث إن إلغاء الحماية الفيدرالية لحقوق الإجهاض بعد صدور المحكمة العليا في يونيو 2022، جعل الديمقراطيين يعملون على استقطاب النساء ومؤيديهم بحجة أن هذا القرار ما هو إلا هجوم على حرية المرأة.

2- توظيف إخفاقات بايدن: من الملاحظ أن القضايا الاقتصادية تأتي في مقدمة أولويات الحزب الجمهوري، والذي يرى أن الأداء الاقتصادي الضعيف لإدارة بايدن، بما في ذلك ارتفاع معدلات التضخم وغلاء الأسعار، بمنزلة فرصة بالنسبة لهم لتغيير رأي الناخب الأمريكي المؤيد للحزب الديمقراطي.

وعلى هذا النحو، يولي الجمهوريون اهتماماً كبيراً بمناقشة قضية تخفيض الضرائب والتخلص من اللوائح غير المجدية لدعم الاقتصاد، وكذلك، يقدمون حلولاً أخرى للسيطرة على التضخم، والذي وصل إلى أعلى مستوى له منذ 40 عاماً إذ بلغ 9,1% في يونيو الماضي.

3- هيمنة ترامب على الجمهوريين: يرى المراقبون أن تأثير ترامب على انتخابات التجديد النصفي لا يزال واضحاً، وذلك على الرغم من الجهود التي مارسها بايدن في التأثير على شعبية ترامب، إذ يرى قطاع من الجمهوريين أن محاولات التحقيق مع ترامب بشأن أحداث الكابيتول هيل، فضلاً عن مصادرة مكتب التحقيقات الفيدرالي وثائق سرية من منزله في فلوريدا، ما هي إلا محاولات يمارسها الرئيس بايدن لإقصاء ترامب عن خوض الانتخابات القادمة إدراكاً منه لحجم شعبيته في الشارع الأمريكي.

ومن جهة أخرى، فإن خسارة الجمهوريين المناوئين لترامب كانت مؤشراً على مدى شعبيته في أواسط الجمهوريين. فقد خسرت عضوة مجلس النواب عن الحزب الجمهوري، ليز تشيني، في أغسطس 2022، فرصة الاحتفاظ بمقعدها في الكونجرس، بعدما فازت هارييت هايغمان، منافستها المدعومة من الرئيس السابق دونالد ترامب، في الانتخابات التمهيدية بولاية وايومنغ. وتعد تشيني من المناهضين لترامب، وقد صوتت لصالح إجراءات مساءلته بهدف عزله، كما أنها كانت من ضمن واحدة من اثنين من الجمهوريين في لجنة التحقيق حول أحداث 6 يناير.

وفي الختام، يمكن القول إنه مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي، سيزداد الاستقطاب الحزبي بين الديمقراطيين والجمهوريين في ظل بيئة سياسية متقلبة وغير متوقعة. ومع ذلك، فإن خطوات الديمقراطيين أكثر حساسية، نظراً لأن زعيمهم هو رئيس الولايات المتحدة، أي هو رئيس لكل الأمريكيين، وبالتالي، فإن تصريحاته غير المحسوبة أو الحزبية ربما ستضر بحزبه. وحتى بفرض تحقيق الديمقراطيين الأغلبية التي يسعون إليها في مجلس الشيوخ، فإن فوز الجمهوريين المُرجح في مجلس النواب، سيكون كافياً لتقويض سياسات بايدن خلال العامين المقبلين.