تمثل القيم واحدة من القضايا المهمة التي تؤثر على توجهات الناخب الأمريكي؛ إذ إن هناك ثلاثة ملفات مهمة تتعلق بالقيم بالنسبة إلى الرأي العام الأمريكي، وهي الإجهاض، ونظرية العرق النقدية، والهوية الجنسية، وهي قضايا لها تأثيرات جوهرية على الانتخابات الأمريكية المقبلة. وفي ضوء هذا نشر موقع مؤسسة “جالوب” مقالاً بعنوان “الرأي العام الأمريكي والانتخابات: ثلاث قضايا قيمية” للدكتور “فرانك نيوبورت” كبير العلماء في المؤسسة، ورئيس التحرير السابق لمجلة جالوب؛ وذلك بتاريخ 7 أكتوبر 2022، ويمكن تناول أبرز ما جاء فيه على النحو التالي:
محورية "الإجهاض"
يرى المقال أن المجتمع الأمريكي في الفترة الأخيرة أكثر اهتماماً بقضية الإجهاض. ويعتقد الكاتب أنه سيكون للقضية تأثير محوري في انتخابات التجديد النصفي؛ وذلك على النحو التالي:
1- انشغال الرأي العام بقضية الإجهاض بشكل لافت: وفقاً للمقال، يحتل الإجهاض حالياً المرتبة السادسة في قائمة أهم المشكلات التي تُواجه الأمة الأمريكية في آخر تحديث لمؤسسة جالوب؛ إذ وصف 8% من الأمريكيين هذه المشكلة بأنها المشكلة الكبرى في يوليو، التي بدورها كانت الأعلى في تاريخ مؤسسة “جالوب”. وبحسب الكاتب، عكست الزيادة الحادة في الإشارة إلى الإجهاض هذا الصيف ردود الفعل على قرار المحكمة العليا المثير للجدل في 24 يونيو بإلغاء الحق في الإجهاض.
2- تأكيد الناخبين ضرورة الاهتمام بقضية الإجهاض: قال المستجيبون في استطلاعات الرأي إن المرشح الذي يصوتون له يجب أن يشاركهم موقفهم بشأن قضية الإجهاض. ويرى المقال أن الإجهاض من أكثر القضايا التي يتم بحثها في استطلاعات الرأي العام الحالية.
3- رفض غالبية الأمريكيين إلغاء الحق في الإجهاض: يؤكد المقال أن ما تم توثيقه جيداً في الاستطلاعات أن غالبية الأمريكيين لا يوافقون على قرار المحكمة العليا هذا العام بإلغاء التشريع التاريخي المعروف بحكم “رو ضد وايد”، الذي يمنح حق الإجهاض في الولايات المتحدة منذ عام 1973. وبحسب المقال، لا يؤيد غالبية الأمريكيين فرض حظر شامل على الإجهاض، ويفضل 13% فقط منهم حظر الإجهاض تماماً؛ وذلك وفقاً للتحديث الأخير لمؤسسة جالوب. وفي الوقت نفسه، يؤيد الغالبية منهم فكرة فرض قيود على الإجهاض في بعض الظروف على الأقل، بما في ذلك في الثلثان الثاني والثالث من الحمل. ومن ثم، يعتقد المقال أنه إذا ذهب المشرعون الوطنيون إلى الجمهور الأمريكي للحصول على إرشادات حول ما يجب فعله بشأن الإجهاض، فستقول البيانات إن (المشرعين) يجب أن يمرروا قانوناً يسمح بالحق في الإجهاض، لكن من شأنه أيضاً أن يسمح بفرض قيود في منتصف مدة الحمل إلى أواخرها، وفي ظروف أخرى.
4- تأثير كبير لقضية الإجهاض على الناخبين: على الرغم من أن الإجهاض ليس القضية الأكثر إلحاحاً على المستوى الوطني في الولايات المتحدة، فإنه – طبقاً للمقال – يمكن أن يُعد “القضية الوتد” التي تؤثر على شرائح كافية من الناخبين ليكون لها تأثير مهم على نتائج الانتخابات وفقاً للمقال. فقد وجد استطلاع “مثير للاهتمام” أجرته مؤسسة جالوب في يوليو أن من بين 39% من الأمريكيين الذين قالوا إنهم “شعروا بالحاجة إلى تنظيم أو الانضمام إلى تظاهرة عامة حول شيء ما”، كان الإجهاض هو القضية أو السبب – إلى حد كبير – وراء هذا الشعور.
العرقية النقدية
يؤكد الكاتب أن “نظرية العرق النقدية” جزء لا يتجزأ من الصراع التاريخي والحالي الأكثر عمومية في الولايات المتحدة حول قضايا العرق والعنصرية، وهو ما يتناوله على النحو التالي:
1- مطالب بحظر تدريس نظرية العرق في المدارس الأمريكية: بحسب المقال، فإن “نظرية العرق النقدية” في حد ذاتها مفهوم أكاديمي غامض إلى حد ما، ولكن المصطلح كان في قلب معركة ثقافية حول الفكرة العامة للتدريس حول تاريخ العبودية والعنصرية وعدم المساواة العرقية المعاصرة في المدارس الأمريكية. ويرى البعض أن النظرية تروج لآراء معادية للدولة أو للانقسام العرقي. وانعكاساً لهذه المخاوف، اقترح المشرعون في عدد من الولايات تشريعات تحظر تدريس هذه النظرية وتفرعاتها. وفي هذا الصدد، أصدر الرئيس دونالد ترامب في عام 2020 أمراً تنفيذياً يحظر نظرية العرق النقدية في الوكالات الفيدرالية.
2- دعم غالبية الأمريكيين تدريس الماضي العرقي للدولة: على عكس بعض القيادات، يبدو أن عامة الأمريكيين يوافقون على الفكرة العامة لتعليم الطلاب الأكبر سناً ماضي الأمة العرقي، بما في ذلك العبودية وعواقبها في المجتمع المعاصر اليوم. وأظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة إبسوس مع إذاعة NPR أن أكثر من ثلاثة أرباع الأمريكيين يدعمون “تعليم طلاب المدارس الثانوية تاريخ العبودية في الولايات المتحدة وآثارها".
3- قلق معظم الأمريكيين بشأن العلاقات العرقية: وجد استطلاع رأي لجالوب في مايو الماضي أن غالبية الأمريكيين يوافقون على أن حكومة الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية اتخاذ إجراءات للحد من آثار العبودية. وبشكل عام، تُظهر استطلاعات رأي جالوب أن الأمريكيين قلقون بشأن العلاقات العرقية. وتحدد الغالبية حالة العلاقات بين البيض والسود على أنها سيئة وليست جيدة؛ مما يشير إلى ضرورة دعم الجهود المبذولة لمواجهة هذه المشكلة.
4- تأثير مُهم لقضايا العرق على الانتخابات: لا يقوم القائمون على استطلاعات الرأي عادةً بتضمين نظرية العرق النقدية في مقاييس أهمية القضايا بالنسبة إلى الانتخابات، على الرغم من أن القضية الأوسع نطاقاً للعلاقات بين الأعراق مدرجة في معظم استطلاعات الرأي، وتُعطى عموماً أهمية متوسطة المدى. فيما يرى المقال أن تدريس نظرية العرق النقدي يمكن أن تصبح مشكلة في سباقات محددة في مجلس النواب أو مجلس الشيوخ، ويشدد على أن المشرعين الذين يتطلعون إلى الجمهور للحصول على إرشادات بشأن هذه القضية سيعترفون بماضي الأمة ويدعمون الجهود المبذولة لتثقيف الطلاب حول العبودية وعواقبها المهمة والدائمة.
الهوية الجنسية
أشار المقال إلى أن الجمهور الأمريكي خضع لتحول سريع وعميق في وجهات نظره بشأن المعايير التي تتعامل مع ما هو مقبول وما هو غير مقبول في الثقافة الأمريكية من حيث الجنس والتوجه الجنسي والسلوكيات المرتبطة به؛ وذلك على النحو التالي:
1- ارتفاع نسبة دعم المثليين والعلاقات خارج إطار الزواج: كمثال بارز، يُظهر استطلاع جالوب أن دعم زواج المثليين قد ارتفع بشكل كبير من 27% في عام 1996 إلى 71% اليوم، كما أصبح الأمريكيون أكثر قبولاً للجنس خارج نطاق الزواج، وللترتيبات الزوجية غير التقليدية مثل تعدد الزوجات.
2- معارضة غالبية الأمريكيين التمييز ضد المتحولين جنسياً: بحسب المقال، يُعتبر موقف الجمهور تجاه الذين يغيرون هويتهم الجنسية نقطة تركيز جديدة نسبياً لباحثي الرأي العام. وقد أظهرت نتائج استطلاعات الرأي التي أجرتها جالوب ومؤسسات أخرى أن غالبية الأمريكيين يعارضون التمييز ضد المتحولين جنسياً، ويؤيدون المتحولين جنسياً الذين يخدمون في الجيش الأمريكي، ولا يؤيدون السماح للأفراد بالمشاركة في الألعاب الرياضية بناءً على هويتهم الجنسية عندما تختلف عن جنس ولادتهم. وبشكل عام، أظهر استطلاع أجرته مؤسسة جالوب عام 2021 أن الأمريكيين لا يزالون متناقضين بشأن أخلاقيات الذين يُغيرون جنسهم؛ حيث قال نصفهم تقريباً إنهم مقبولون أخلاقياً، وأكثر من النصف بقليل يرون عكس ذلك.
3- جدل حول إدراج الهوية الجنسية في المناهج الدراسية: أشار المقال إلى أنه كان هناك قدر كبير من التركيز في الأشهر الأخيرة على إدراج الهوية الجنسية في مناهج المدارس الحكومية. وقد جادل المدافعون عن ذلك الأمر بأن التدريس يؤكد الحاجة إلى قبول الاختلاف في التوجه الجنسي والهوية الجنسية، بينما يرفض المعارضون هذا النهج، خاصة للطلاب الأصغر سناً. وبشكل عام، لا يُحبذ الأمريكيون الحظر المفروض على تدريس الهوية الجنسية في المدارس العامة. لكن لديهم حساسية تجاه الأعمار التي يبدأ فيها هذا التعليم.
فقد أظهر استطلاع حديث أجرته صحيفة “نيويورك تايمز” بالتعاون مع كلية “سيينا كولدج” أن أقل من 3 من كل 10 ناخبين مسجلين يدعمون تعليم الهوية الجنسية للطلاب من الصف الأول إلى الخامس. ومع ذلك، ترتفع الموافقة إلى مستوى الأغلبية عندما تحدد الأسئلة أن التدريس سيكون للصف التاسع وما فوق، فيما تُظهر استطلاعات الرأي الأخرى أنه – بدون الإشارة إلى فئات عمرية محددة – يدعم غالبية الأمريكيين الفكرة العامة للتدريس حول الهوية الجنسية في المدارس الحكومية.
4- تأثير محدود لقضية الهوية الجنسية على تصويت الناخبين: بحسب المقال، هناك القليل من الأدلة المباشرة على أن قضايا الهوية الجنسية ستكون ذات أولوية عالية للأمريكيين في تحديد تصويتهم في انتخابات التجديد النصفي المقبلة؛ فقد أظهر استطلاع أجرته مؤسسة جالوب مؤخراً أنه من بين 55% من الأمريكيين غير الراضين عن التعليم العام في الدولة، ذكر 4% فقط أن التدريس حول قضايا المتحولين جنسياً هو سبب عدم الرضا هذا، بينما ذكر 10% آخرون تدريس الأجندات السياسية بوجه عام. كما تشير أحدث تقديرات جالوب إلى أن أقل من 1% من الأمريكيين يُعرفون بأنهم متحولون جنسياً، ومن ثم فإن العدد الفعلي للأشخاص المتأثرين بشكل مباشر بالقوانين واللوائح الحكومية المتعلقة بالأفراد المتحولين جنسياً صغير جداً.
ختاماً، يشير المقال إلى أنه يمكن للمرشحين السياسيين والمسؤولين المنتخبين متابعة الرأي العام حول هذا الموضوع لتحديد تشريعاتهم وبرامجهم الانتخابية، وسيجد القادة أن الأغلبية يرون أن تدريس قضايا الهوية الجنسية يجب أن تقتصر على طلاب المدارس العامة الأكبر سناً.