تتنوع مجالات التنافس بين الصين والولايات المتحدة في الوقت الراهن في ضوء تطلع كليهما إلى تعزيز المكانة على المستوى الدولي، ومن أبرز المظاهر الجديدة وغير التقليدية لهذا التنافس سعي كليهما إلى تحقيق التفوق العسكري باستخدام تقنيات الجيل السادس؛ حيث يعمل كل طرف على استكشاف فوائد عسكرية جديدة عبر توظيف هذه التقنيات. وفي هذا الإطار، نشر موقع “آسيا تايمز” مقالاً للكاتب الصحفي “جابرييل هونرادا” بعنوان “الولايات المتحدة والصين تسعيان بالفعل إلى تحقيق التفوق العسكري في تقنيات الجيل السادس”، بتاريخ 10 أكتوبر 2022. وعقد المقال مقارنة بين طبيعة النموذج الصيني والنموذج الأمريكي في توظيف تقنيات الجيل السادس في التطبيقات العسكرية، والتأثيرات المحتملة لتنافس البلدين في هذا المجال.
مركزية صينية
أوضح المقال أن تقريراً صادراً عن “المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية” (IISS) في أغسطس الماضي أشار إلى أن الصين تتبع نموذج قيادة مركزياً في تطبيق تقنيات الجيل السادس في المجال العسكري، مشيراً إلى أن التطبيقات العسكرية المعتمدة على هذه التقنيات متنوعة وتشمل ما يلي:
1- تطوير برامج الأسلحة فرط الصوتية والصواريخ: وفقاً للمقال، يقول تقرير “المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية” إن تقنية الجيل السادس قد تلعب دوراً رئيسياً في برنامج الأسلحة فرط الصوتية في الصين، بما في ذلك حل مشكلة تعتيم الاتصالات الحالي بسرعات تفوق سرعة الصوت، وأضاف أن “جريدة جنوب الصين الصباحية” ذكرت، في يناير الماضي، أن باحثين صينيين طوروا جهاز ليزر 6G يمكنه اختراق طبقة البلازما التي تحجب الإشارة على سطح الصواريخ في رحلة تفوق سرعة الصوت.
2- تحسين قدرات المراقبة والاستطلاع الفضائية: بحسب المقال، يؤكد تقرير الجريدة الصينية أن الاختراق له تطبيقات عسكرية أخرى، مثل اكتشاف الطائرات الشبحية أو الاتصالات الفضائية العالية السرعة. ونوه المقال أنه بصرف النظر عن التطبيق المحتمل للجيل السادس في برنامج الأسلحة فرط الصوتية في الصين، يذكر التقرير الصيني أن التكنولوجيا يمكن أن تحسن قدرات المراقبة والاستطلاع الفضائية، وأن تعدل معالجة البيانات وتمكن المزيد من الأجهزة ليتم توصيلها عبر ترددات متعددة.
3- رشادة صنع القرار العسكري وتحسين القيادة: طبقاً للمقال، يذكر تقرير الجريدة الصينية أيضاً أن دمج الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي عبر تطبيقات 6G، يمكن أن يسمح للجيش بالاستفادة من البيانات الضخمة لتحسين صنع القرار وتعبئة الدفاع والقيادة والسيطرة، ويمكن أن يوفر الجيل السادس أيضاً تدريباً على الواقع الافتراضي الموسع للعسكريين.
4- زيادة درجة واقعية تدريبات الطيارين المقاتلين: لفت المقال إلى أن صحيفة “آسيا تايمز” ذكرت أن تدريب الطيارين المقاتلين في الصين تعرض لانتقادات؛ لكونه يتم بصرامة ويعتمد على التحكم الأرضي، بشكل يمنع الطيارين من أخذ زمام المبادرة أو اتخاذ قرارات سريعة للتكيف مع ظروف ساحة المعركة المتغيرة. ومع ذلك، يمكن لتقنية 6G – وفقاً للمقال – أن تحسن بشكل كبير تدريب الطيارين المقاتلين في الصين، وتوفر سيناريوهات أكثر واقعية وغير متوقعة تعكس بدقة مواقف القتال الواقعية.
5- التمكن من التأثير والتلاعب بالمعايير العالمية: أكد المقال أن تقرير “المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية” يشير إلى أن نهج الصين المركزي لتطوير 6G يمكنها من توجيه جميع مواردها تحت السيطرة الحكومية المباشرة للتأثير على وضع المعايير العالمية والتلاعب به، لافتاً إلى أن هذا النهج ساعد الصين على بناء صناعة الاتصالات الخاصة بها، التي كانت مهملة في الثمانينيات؛ ما يوفر قاعدة صلبة لتقنية 6G ويقلل تكاليف المنافسين بنسبة تصل إلى 30%. ومع ذلك، يشير التقرير إلى أن الصين تواجه – طبقاً للمقال – قيوداً كبيرة في تطوير تقنية الجيل السادس، مثل الاعتماد على المدخلات الأجنبية والعقوبات الأمريكية وضوابط التصدير.
مكاسب أمريكية
شدد المقال على أن تقرير “المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية” أشار إلى أن نهج الصين العسكري تجاه الجيل السادس يتشابه نوعاً ما مع نهج الولايات المتحدة، وإن كان نهج الأخيرة أكثر تمحوراً حول الإنسان على عكس النموذج المركزي الصيني. وبحسب المقال، تتمثل التطبيقات العسكرية الأمريكية المتعمدة على 6G فيما يلي:
1- المبادرة في ساحة المعركة لاتخاذ قرارات حاسمة: أوضح المقال أنه في ضوء امتلاك الولايات المتحدة نهجاً أكثر تمحوراً حول الإنسان، فإنها تعتبر تقنيات الجيل السادس تمكينية للمشغلين وتُستخدم لتحقيق مستويات أقل من القيادة للتعامل مع حالة عدم اليقين في ساحة المعركة واتخاذ المبادرة في اتخاذ القرار.
2- الحفاظ على تفوق الولايات المتحدة العسكري: أشار المقال إلى أن تقرير “المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية” ذكر أن الولايات المتحدة تنظر إلى G6 على أنها تقنية متقدمة ستساعدها في الحفاظ على تفوقها العسكري، مع التركيز على النماذج الأولية والتجريبية على نطاق واسع لتطويرها.
3- تعميق التعاون بين واشنطن وشركائها الدوليين: وفقاً للمقال، تسعى الولايات المتحدة إلى التعاون مع قادة الصناعة والوكالات الحكومية الأخرى والشركاء الدوليين من أجل تطوير تقنيات الجيل السادس، وتنظيم البيانات بينها لزيادة سرعة المعالجة، وتسريع تطوير هذه التقنية للاستفادة من نقاط القوة الأمريكية واستبعاد الصين.
وفي هذا الصدد، رأى المقال أن الشراكة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية بشأن التقنيات الحيوية والناشئة مثل 6G مهمة للغاية، مشيراً إلى أنه وفقاً لـشركة التكنولوجيا الرائدة في كوريا الجنوبية “IDTechEX”، فإن شركة “سامسونج” لديها العديد من براءات الاختراع المتعلقة بـ5G، كما تستثمر بكثافة في G6 والرقائق الرائدة التي ستقود التكنولوجيا.
4- تطوير أشباه الموصلات والتقنيات الاستراتيجية: بحسب المقال، أشار تقرير “المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية” إلى أن صناعة الاتصالات الأمريكية تتآكل على المدى الطويل، لكنه سلط الضوء أيضاً على قوة الولايات المتحدة في الابتكار وأشار إلى أن الشركات الأمريكية تتمتع بمكانة جيدة في تقنيات تمكين الجيل السادس مثل البرمجيات وأشباه الموصلات، وذكر أيضاً أن الولايات المتحدة تتبنى نهجاً يركز على الدولة في تطوير التقنيات الاستراتيجية المهمة.
تسييس متزايد
أكد المقال أن التطبيقات السابقة توضح التنافس الكبير بين بكين وواشنطن في تطبيق تقنية 6G في الأغراض العسكرية، مشدداً على أن هذا الأمر سيكون له تداعيات محتملة كبيرة في المستقبل. وتشمل هذه التداعيات ما يلي:
1- تضارب معايير البنية التحتية للشبكة العالمية: أوضح المقال أن تقرير “المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية” حذر من تضارب معايير البنية التحتية للشبكة العالمية الناتج عن المصالح المتباينة للصين والولايات المتحدة، جنباً إلى جنب مع نشر تكنولوجيا الاتصالات من الجيل التالي في أسواق الطرف الثالث.
2- تفتيت المعايير العالمية وتعطيل التجارة والابتكار: أشار المقال إلى أن صحيفة “آسيا تايمز” ذكرت سابقاً أن الصين تلاحق القيادة الأمريكية تدريجياً في وضع المعايير التكنولوجية، ولفتت إلى أن تسييسها يهدد بتفتيت المعايير العالمية وتعطيل التجارة والابتكار.
3- صعوبة احتكار أي طرف للمعايير التكنولوجية: وفقاً للمقال، يقوم الاتحاد الأوروبي واليابان وغيرهما، بجانب الصين والولايات المتحدة، بتطبيق المعايير الدولية؛ ما يعني أن احتكار واشنطن أو بكين للمعايير سيكون صعباً، إن لم يكن غير قابل للتصديق؛ إذ يمتد السباق الصيني–الأمريكي للسيطرة على الجيل السادس ليشمل مجالات مختلفة تتراوح بين الدفاع والأمن والاقتصاد والسياسة وحتى المجتمع، وفق ما ذكر المقال.
4- التنافس بقوة لتحقيق الريادة التقنية العالمية: بحسب المقال، فإنه في الوقت الذي تسعى فيه القوى العظمى المتنافسة إلى الاستفادة من 6G لتحقيق ميزة عسكرية جديدة، قد يكون العامل الحاسم هو أي منهما – أي واشنطن أو بكين – يمكن أن يوفر تقنية G6 كسلعة عامة عالمية؛ ما يعزز شرعيته رائداً تقنياً عالمياً.
مساران محتملان
وختاماً، أكد المقال أنه مثلما أصبح الدولار الأمريكي العملة الفعلية للتجارة الدولية وعزز هيمنة الولايات المتحدة على النظام المالي العالمي، فإن التكيف الواسع النطاق لتكنولوجيا 6G الصينية أو الأمريكية قد يؤسس إما قوة عظمى كمركز للثورة الصناعية الرابعة التي تحركها التكنولوجيا، أو قد يؤدي السباق المستمر على الجيل السادس وتعارض معايير التكنولوجيا إلى شبكة إنترنت عالمية متشعبة؛ حيث تسيطر الصين على أحد الجانبين والولايات المتحدة على الجانب الآخر.