• اخر تحديث : 2024-11-22 10:05
news-details
تقدير موقف

الماء في إفريقيا بين تحديات الجغرافيا ومطامع السياسة


نشأ عن الوضع الجديد لإفريقيا بعد الاستقلال أن كان للمياه دور حاسم في المعالم الجيوبوليتيكية للوحدات السياسية على مستوى وفرة الموارد المائية وندرتها وتوزيعها وكثرة الأنهار العابرة للدول، مما كان له أثر واضح في علل وأسباب المنعة والقوة أو العكس.

وتتعدد اعتبارات الماء بالنظر إلى كونه معطى جغرافيا اقتصاديا كما أنه يمثل ورقة سياسية استراتيجية لدى الحكومات، ومن هنا فإنه يدخل في المعادلات الجيوسياسية القارية والعالمية عبر المياه العابرة للحدود أو بتجسير الجغرافية المائية ممرات دولية ما يحتم مقاربة تشاركية تضع في الحسبان الجوار الجغرافي والبعد الدولي، ثُمَّ موضوعا عالميا تتداوله الهيئات والمنظمات والخطط الوطنية في برامجها وسياساتها الثنائية والمتعددة الأطراف.

تقدر موارد المياه العذبة في أفريقيا بنحو 9% من المجموع العالمي لهذه الموارد، ولم تحسن كثير من الدول الإفريقية استغلال هذا المورد الاستراتيجي بعد الاستقلال لخدمة مطالب شعوبها، بل يمكن القول إن المدن الإفريقية عطشى لم يرو ظمأها ولم يطعم جوعها أنهارها ولا بحيراتها ولا مياهها الجوفية في الوقت الذي لا يتوقف فيه نبعها ولا صريرها، بفعل ما يشاهد من قطع مسافات طويلة وجولات صهاريج بين الأحياء لجلب وتوزيع المياه للاستخدام المنزلي اليومي فضلا عن " التنمية الشاملة " وفي المقابل سببت أحيانا نزاعات وصراعات.

لم تعد مسألة تدبير الشأن المائي بإفريقيا قابلة للتأجيل أو العبثية التي طبعت عقودا سياسات الحكومات المتعاقبة، وينظر إليها اليوم على أنها مسألة حياة أو موت للشعوب، ما دفع القيادات إلى تبني بعض الحلول العاجلة من قبيل الرؤية الإفريقية للمياه 2025 بموازاة آفاق أخرى أبعد 2050 وأجندة 2063 للاتحاد الإفريقي.

ثم إن شح الماء وما نجم عنه من جفاف مع سبعينيات القرن الماضي ساهم في رسم المشهد العمراني الإفريقي في كثير من المدن والعواصم، ما فاقم النزوح من القرى والأرياف إلى الحواضر جالبا معه الفقر والسكن العشوائي، وتلك معضلة قائمة وتشتد حدتها في الدول التي تعاني من مخاطر أمنية واقتصادية وبيئية.

وتطرح قضايا المياه من سقي وري وصحة وطاقة وتنمية الهمَّ والشغلَ اليومي على مدار السنة، ويتوجب الاهتمام البالغ بالمياه سواء تعلق الأمر بالجانب السياسي أو الاقتصادي أو العمراني.

وتكمن أهمية الموضوع في كون البلدان الإفريقية تعتمد بشكل عام على الاقتصاديات الزراعية والرعوية ما يجعل من الماء أساس الحياة الاقتصادية بالقارة الخضراء، وأهليتها أن تتحول إلى سلة غذاء شعوبها.

ونتساءل هنا في هذه الورقة عن الخريطة المائية والامتداد الجيوسياسي لها؟ والسياسات المائية الإفريقية؟ وعن آفاق الموارد المائية بالقارة الخضراء في ظل عالم متغير؟

المحور الأول: الخريطة المائية الإفريقية وامتداداتها الجيوسياسية:

تقع القارة بين المحيطين العظيمين الأطلسي والهندي، إلى جانب الفاصل المائي الشمالي بين القارة وأوروبا، والبرزخ البحري الشرقي " البحر الأحمر"، وتمتاز بتنوعها في جغرافيتها وتضاريسها، وعليه أمكن التمييز بين نطاق صحراوي قاحل شمالا وآخر مداري في ظل وجود مناخ استوائي مطير في الوسط والجنوب، وقد أعاقت المناطق الغابية في الماضي التواصل بين بعض أجزاء القارة.

وتتعدد مصادر المياه بإفريقيا على أن تتم الإشارة إلى بعضها:

أ) ـ الأنهار :

 

تعد الموارد المائية من العناصر الضرورية والمؤثرة في قوة الدول وفي وزنها السياسي، ومن هنا تحرص كل دولة على تأمين مصادر مياه كافية لسد حاجة الشعب من مختلف الاستعمالات سواء ما كان للشرب أو للزراعة أو الصناعة، ولهذا فإن تلك الدول التي تجري بها أنهار تتوفر على سلعة نادرة في السياسة الدولية، وتشكل الأنهار في مجال الجيوبولتيك الأوردة والشرايين للدولة، ولقد أدى الموقع الجغرافي الفلكي لإفريقيا إلى تقسيم القارة من حيث الأنهار إلى قسمين:

 * كثرة الأنهار في الجنوب من القارة لكونها محاطة بالمحيطين الأطلسي و الهندي ولقد أدى هذا الوضع إلى تعدد المجاري النهرية الناتج عن غزارة الأمطار.

 * أما الجزء الشمالي فإنه على العكس من ذلك لوقوع الصحراء الكبرى في هذا الجزء من القارة، ومن ثم ضآلة مياه النهر الجارية، إضافة إلى ذلك فهي تقع في أطرافها غالبا.

يصل مجموع الأنهار إلى 17 نهرا، وأعظم المنابع القارية:

نهر النيل: وينبع من عمق القارة بدءا من نهر كاغيرا " بحيرة فيكتوريا" ويخترق يابسة عشر دول انطلاقا من المنبع إلى المصب.

حوض نهر الكونغو: وبه حوالي 30% من مياه القارة مع قلة نسبة الساكنة قاريا، ويعول على مياه الحوض لحل أزمة المياه الإفريقية في المستقبل في حال تضافر الأسباب.

وينبع نهرا السنغال والنيجر من غينيا كوناكري، ويغطيان معا معظم غرب إفريقيا، بإمكان دولة المنبع أن تكون مخزونا غذائيا للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا.

نهر الزمبيزي: وينطلق من زامبيا ويجتاز الكونغوو أنغولا ونامبيا وزيمبابوي والموزامبيق، ويشكل ظاهرة بيئة بكل معانيها.

نهر الأورانج: ويرسم صورة مثلث في أقصى الجنوب، وتشكل الأنهار كتلا مائية تتقاسم اليابسة بمقدورها إحداث توازن مائي بين المناطق، ولسان حالها: كل هذه الشعوب ولدت من رحم واحد، وأرضعت من نفس اللبن.

إلى جانب التنقل بين الحواضر والمدن والدول فإنها تشكل موردا اقتصاديا كالمبادلات التجارية والسياحة وموردا غذائيا سواء تعلق الأمر بالأسماك الطرية انتهاء إلى المجففة.

وجزء كبير من الريف الإفريقي لا يزال يعتمد على المياه السطحية، ويخشى عليها بصورة أساسية من التلوث في مستقبل الأيام بفعل تزايد استخدام التكنولوجيا في مختلف مسالك الحياة اليومية.

ب) ـ المياه الجوفية:

تشكل 99% من المياه العذبة في العالم، وتمثل حوالي الربع من المياه العذبة المستخدمة، وهي أكبر مورد للمياه العذبة في العالم، وتُعدّ المياه الجوفية الوسيلة الوحيدة العملية والميسورة التكلفة لتمكين سكّان المناطق الريفية، المحرومين من الخدمات في معظم أرجاء العالم، من الانتفاع بالمياه لتلبية احتياجاهم الأساسية. وينطبق ذلك بوجه خاص على أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب آسيا حيث عدد سكان المناطق الريفية كبير ولكنهم يعيشون في تجمعات سكنية متناثرة.

وحسب بعض الخبراء غالباً ما يستحيل تدارك تلوث المياه الجوفية، فعندما تتعرض مناطق معيّنة من خزانات المياه الجوفية للتلوث، عادةً ما تظل مياهها ملوثة.

أما في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث ما زالت الإمكانات التي تتيحها خزانات المياه الجوفية الضحلة الشاسعة غير مستغَلة، لا تَستخدم سوى 5% من المناطق المجهزة للري المياهَ الجوفية.

ومن البحيرات المشهورة: بحيرة تشاد وبحيرة مالاوي وبحيرة فيكتوريا، أما بحيرة تنجانيقا فهي أطول بحيرة عذبة المياه في العالم، وتخترق كل من تنزانيا وبورندي والكونغو وزامبيا، ومنطقة سياحية مما يرتقي باقتصاد الدول المشاطئة لها.

وقد أدى نقص الأمطار إلى انخفاض المحاصيل الزراعية مثلا الفستق في السنغال ونيجيريا مثلا، كما أن تذبذب التساقطات المطرية يؤدي إلى اعتماد نماذج زراعية مستحدثة تماشيا مع الظروف المناخية الطارئة، ونتيجة تذبذب دورة المياه تزداد أسعار المواد الغذائية ما قد يؤدي إلى عدم استقرار الأنظمة السياسية بسبب انخفاض تساقط الأمطار.

وتؤثر التغيرات المناخية (جفاف، فيضانات، سيول، ارتفاع مياه البحر على السواحل...) بشكل مباشر على ميزانيات واقتصاد الدول الإفريقية التي تعرف في الغالب عجزا مستداما مما يبقي دينامية الدَّيْنِ الإفريقي والاعتماد على الخارج وعواقبهما الوخيمة على القرار السيادي والاقتصادي وموقع القارة في النظام الدولي.

وتعتبر التكاليف المرتفعة والعائدات المتدنية والخسائر المالية المتعلقة بمخاطر المياه أموراً في غاية الأهمية. وتشمل المخاطر المرتبطة بتزايد ندرة المياه والفيضانات وتغير المناخ ارتفاع التكاليف التشغيلية، وتعطّل سلسلة الإمداد، وانقطاع إمدادات المياه، ونشوء عوائق أمام النمو.

مما يعطي للمياه أهميتها في المستقبل القريب مواكبة التزايد السكاني وتوفير لقمة العيش لأبناء القارة من خلال الزراعة التي تستهلك ما يفوق ثلثي المورد ثم الصناعة وأخيرا المتطلبات المنزلية.

ـ المحور الثاني: السياسات المائية الإفريقية:

لم تكن لدى كثير من الدول الإفريقية عشية الاستقلال رؤية واضحة للحكامة المائية على الرغم من كون الاقتصاد القاري قائما على الزراعة والرعي، مما خلف تبعات حالت دون الاستفادة من المياه فضلا عن استثمارها استثمارا مثاليا، وبرهن العجز عن كسب الرهان التنموي على فشل الدول في سياساتها الهيدرولوجية.

فيما تتردد الدول الإفريقية بين خطرين: صعوبة الوصول إلى المياه الصالحة للشرب وبكميات كافية من جهة واستغلال المياه في حال وفرتها من جهة أخرى، وهو ما يستدعي من صانع القرار اتخاذ كافة التدابير لإيجاد حلول في ظل عالم متغير.

وظل تحقيق السلم والأمن في مختلف المناطق الإفريقية قضية جوهرية للانطلاق نحو الاستفادة من الثروات، إذ أن تكلفة عدم الاستقرار باهظة بكل المقاييس، وهو ما طبع الحياة السياسية الإفريقية في العقود الماضية، وعلى هذا فلا بد من السعي نحو الاستقرار وتهيئة الأسباب والظروف المركبة للوصول إلى استغلال مختلف الموارد، ويمكن ملاحظة الوفرة المائية بالوسط مع متتالية عدم الاستقرار ما كان عائقا دون تثمين الموارد بصورة عامة.

ولم يكن تجاوب الشراكة المالية الإقليمية والدولية والاستثمار في المورد الحيوي كافيان لإحداث نقلة نوعية في المجال مما سبب ركودا طويل الأمد ينضاف إليه الفساد وسوء التدبير، وصار من المألوف إلى اليوم انقطاع المياه في العواصم والمدن الكبرى بدولة جنوب إفريقيا فضلا عن غيرها، ويؤكد رئيس الجمعية الأفريقية للمياه سيلفان أوشر على أن الافتقار إلى الإرادة السياسية وجهود تحسين البنية التحتية يعد من بين الأسباب التي تحول دون استفادة أفريقيا من مواردها المائية بشكل مفيد.

غير أن تدبير المياه يحتاج إلى تنوع في التخطيط والأساليب باعتبار أنه مطلب يومي بل وقتي وتختلف المناطق داخل الدولة الواحدة فضلا عن الدول فيما بينها، وقد تساعد اللامركزية وتوسيع صلاحيات الإدارة المحلية في علاج الأزمة، بل إن إدراجها في التسيير ضروري لمواجهة مشكلة المياه والصرف الصحي والإشراف على جودة شبكات توزيع المياه المحلية بالأساس وتأمين مرافق إمداد حديثة وإنهاء انقطاع المياه كليا.

وقد سرعت الأزمات المناخية المتكررة من دق ناقوس الخطر وفرضت على الأفارقة مسايرة الآثار المناخية والانتباه لقضايا الماء بشكل خاص وانتهاج سياسات إقليمية ووطنية، ومع نهايات الألفية الثانية بدأت ترتسم معالم سياسات إقليمية جهوية مصاحبة تأسيس مجالس بيئية تسعينيات القرن المنصرم " المجالس الاقتصادية والاجتماعية والبيئة "؛ باعثها التكيف مع الأوضاع المناخية الجديدة واستشراف المستقبل، وتمخض عن النسق العام الرؤية الإفريقية للمياه 2025 مع مجموعة من الشركاء من داخل القارة وخارجها.

وأفضى أن يكون الوصول إلى الماء حقا دستوريا كما في حالة جنوب إفريقيا 1996 المادة 27: الرعاية الصحية والغذاء والمياه والتأمين الاجتماعي"، وتنص المادة 44 من الدستور التونسي، المعتمدة في عام 2014، على ما يلي: "الحق في الماء مضمون. والمحافظة على الماء وترشيد استغلاله واجب على الدولة والمجتمع".

ورغم ذلك أثبتت الرؤية السالفة محدوديتها في واقع الحياة الإفريقية بحكم إنجازاتها المتواضعة وطنيا مع تقاعس المجتمع الدولي عن الوفاء بالتزاماته بتقديم 100 مليار دولار أمريكي بحلول 2020 لتنفيذ إجراءات التخفيف والتكيف.

فلا يتوفر الماء الشروب إلا لعدد قليل من ساكنة القارة لا يتعدى ربعها حسب دراسات أممية، أما الوصول إلى المياه بكمية كافية وبتكلفة ميسورة فلا يزالان بعيدي المنال على الغالبية العظمى من أبناء القارة.

وينبغي اعتبار البعد المتعلق بصحة الإنسان عنصرا رئيسيا في تنفيذ الإدارة المتكاملة للموارد المائية، فعلى سبيل المثال، من بين الأمراض التي تنقلها المياه الإسهال المعدي حيث تنتشر العدوى عن طريق مياه الشرب أو الأغذية الملوثة، أو من شخص إلى آخر نتيجة لسوء النظافة الصحية. كذلك، يؤدي الإسهال الحاد إلى فقدان السوائل ويمكن أن يهدد الحياة، ولا سيما لدى الأطفال الصغار والأشخاص الذين يعانون من سوء التغذية أو من ضعف المناعة.

تطالب الدول الأفارقة العالم الغربي منذ فترة بالعدالة المناخية وآخرها ما كان في قمة التكيف المناخي في إفريقيا 2022 بهولندا، وحسب تقارير إقليمية فإن أفريقيا هي أيضا أقل مناطق العالم قدرة على التكيف مع تغير المناخ، ويقدر التقرير أنه منذ العام 1986 - 2015، خسرت أفريقيا ما بين 5٪ و15 ٪ من نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بسبب تغير المناخ، مع تواني المجتمع الدولي لدعم التغير المناخي بالقارة.

ومن متطلبات توظيف المياه الإبقاء على حيوية ودينامية الموارد وحمايتها من كل ما قد يؤدي إلى إتلافها أو التقليل من مفعولها نضوباً، غوراً، تلوثاً، ومن ثمَّ ضرورة إعادة تغذية المجاري المائية الناضبة مثل بحيرة تشاد وصولا إلى رفاهية الشعوب.

ـ المحور الثالث: آفاق الموارد المائية بالقارة الخضراء في عالم متغير:

تضاعف عدد سكان القارة منذ الاستقلال من 285 مليون نسمة ليصل إلى 1,2 مليار نسمة ما جعل إفريقيا أمام تحد ديمغرافي حقيقي، لكن لا تزال أمام القارة فرص لم يتم استغلالها، وتجدر الإشارة إلى أن نسبة 3% فحسب من مجموع الأراضي الزراعية في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى هي أراض مروية، ولا تُروى إلا نسبة 5% من هذه الأراضي بالمياه الجوفية.

ويتيح إنشاء منطقة التجارة الحرة وانطلاق أعمالها 2021 زيادة تحسين تدبير المياه بناء على أن غالب اقتصاديات إفريقيا قائمة على الزراعة ما يقتضي حسن استغلال لزيادة الغلات الزراعية لإدرار الأرباح وتنشيط الحركة التجارية بين الدول سعيا لتحقيق اكتفاء ذاتي قاري.

ولا غنى عن العمل الجماعي للتعاون بحثا عن حلول مشتركة لقضايا المياه، وتتمتع المغرب بأكبر محطة لتحلية مياه البحر بالطاقة الشمسية، بالإضافة إلى هذه التقنية الواعدة في المستقبل فإن ما تزخر به دول إفريقيا الوسطى والجنوبية يمثل مخزونا مائيا لمسايرة التطورات والتغيرات المناخية فيما يخص المياه، ويفضي التحام تلك الموارد والوسائل إلى تعزيز الدبلوماسية المائية للسلام بما يتفق مع تطلعات التنمية ومبادئ الاتحاد من التضامن الإفريقي.

لا تزال الدول الإفريقية تعاني نقصا في المعلومات في قطاع المياه، ما يستوجب الأخذ بزمام المبادرة للتغلب على هذا العائق وتجاوزه بتوفير بيانات وافية سواء عن طريق استجواب أو استبيان أو بحوث علمية تمكن من بناء رؤية كلية وشاملة حول السياسات المائية على الأمد القريب والبعيد.

ولتجاوز العقبة يلزم العمل على إيجاد العدد الكافي من العناصر البشرية ثم الوسائل على تنوعها، ولعل هذين الأمرين يتوقف عليهما تفعيل كثير من المؤسسات والهيئات الإفريقية لتؤتي ثمارها؛ ما يطلق عليه في الأدبيات الإدارية: تعزيز الكفاءات والقدرات وتعزيز قيم المواطنة والشفافية في تدبير الشأن العام.

ويفضي حسن استغلال المياه التغلب على مشاكل الشباب بما في ذلك الهجرة والبطالة من خلال استصلاح الأراضي الصالحة للزراعة وتوجيه اليد العاملة الشابة نحو المشاريع الزراعية خصوصا وأن كثيرا من المهاجرين الأفارقة يعملون في المزارع الأوربية سواء في إيطاليا أو إسبانيا وغيرها.

الخاتمة:

يعتبر الماء المورد الحيوي جوهريا لمستقبل إفريقيا في ظل الزيادة الديمغرافية ومقتضيات التنمية بأبعادها المعاصرة سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو البيئية وتكالب القوى على خيراتها، ومن ثم تتحول المياه إلى أن تكون مسألة سيادية متعلقة بتحقيق مطالب الأمن القومي.

ولا تختلف مقاربة المورد الاستراتيجي في هذه الورقة عن غيره من الموارد الأخرى، ما يضع الأفارقة غالبا في مأزق مع خيراتهم وثرواتهم المتعددة، ولعل حياة المواطنين " الظامئة " تكفي شاهدا على الحقيقة الماثلة أمام القاصي والداني.

على أنه من المداخل الواعدة لإفريقيا تجاه مواردها عامة تأهيل أبنائها علميا ومعرفيا وتكنلوجيا: إنتاجا وابتكارا وتخطيطا وطرح بدائل إفريقية قياما بالواجب واستفادة من الثروات؛ وهو مدخل ضروري وعمود أي تغيير أو إصلاح.

ويلحق بذلك تدريب الشباب الأفارقة على حسن استغلال الموارد من أي صنف كانت وعلى المواطنة والصالح العام، وهذا يتطلب تحسين التعليم العالي وبالأخص العلمي ورفع نسبة الملتحقين به، علما أن نسبة التعليم العالي لا ترقى إلى المستوى المطلوب.