تشهد الولايات المتحدة في 8 نوفمبر 2022 انعقاد الانتخابات النصفية Midterm Elections والتي يتم إجراؤها كل عامين وذلك لانتخاب كل أعضاء مجلس النواب وعددهم 435 نائب (يتم انتخابهم كل عامين) وثلث أعضاء مجلس الشيوخ وعددهم 35 نائب من إجمالي 100نائب (يتم انتخابهم كل ستة أعوام بمعدل الثلث كل عامين)، بالإضافة إلى 36 حاكم ولاية من إجمالي 50 حاكم، فضلاً عن عدد من المناصب المحلية. وتشمل الانتخابات كذلك عدداً من الاستفتاءات على قوانين محلية، ومنها قوانين خاصة بتقنين الإجهاض بعد أن قامت المحكمة العليا في يونيو 2022 بإلغاء قانون فيدرالي يلزم الولايات المختلفة بتقنين الإجهاض وتركت حرية الاختيار لكل ولاية.
وبشكلٍ عام، تعد الانتخابات النصفية نوعاً من الاستفتاء على أداء الرئيس وإدارته بعد عامين من توليه السلطة، وجرت العادة على أن يفقد حزب الرئيس أغلبيته النيابية في الانتخابات النصفية، وأن يحصل الحزب المعارض على الأغلبية. ويتمتع الحزب الديمقراطي حالياً بأغلبية محدودة جداً في مجلس الشيوخ، حيث يشغل 50 مقعد بينما يشغل الحزب الجمهوري 50 آخرين، مما يعطي نائبة الرئيس كامالا هاريس والتي تشغل - بحكم منصبها - منصب رئيس مجلس الشيوخ، الصوت الفاصل في أي تصويت لصالح الحزب الديمقراطي.
ويشغل الحزب الديمقراطي 221 مقعد في مجلس النواب في مقابل 212 لصالح الحزب الجمهوري. وفيما يخص حكام الولايات الـ36 الذين سوف يتم انتخابهم من أصل 50 حاكم، فإن 16منهم من الديمقراطيين و20 من الجمهوريين، كما ستعقد انتخابات على منصب سكرتير الولاية في عدد 27 ولاية من أصل 50 ولاية.
ويكتسب التنافس على هذا المنصب أهمية خاصة خلال انتخابات 2022 نظراً لكون سكرتير الولاية هو الموظف المسئول عن تنظيم الإجراءات الانتخابية على مستوى الولاية ولقيام الحزب الجمهوري في السنوات الأخيرة بتغيير الإجراءات الانتخابية على مستوى الولايات للحد من تأثير الكتلة الانتخابية الديمقراطية.
وتحظى الانتخابات النصفية القادمة بأهمية خاصة لأنها تعد مؤشراً مهماً على إمكانية عودة الرئيس السابق دونالد ترامب والتيار اليميني الشعبوي المسيطر حالياً على الحزب الجمهوري إلى السلطة في الانتخابات الرئاسية عام 2024، وهو ما يراه الديمقراطيون مصدر تهديد لاستقرار المنظومة الديمقراطية بأكملها نظراً لتبني هذا التيار لتوجهات معادية للتنوع العرقي والثقافي وللحريات الشخصية والجنسية ولقيام ترامب وأنصاره برفض نتائج الانتخابات الرئاسية السابقة في 2020 وترويجهم لسردية السرقة الكبرى للانتخابات The Big Steal ومحاولتهم الانقلاب على الانتخابات من خلال اقتحام أنصارهم لمبنى الكونجرس في 6 يناير 2021 في سابقة تعد الأولى من نوعها في التاريخ الأمريكي الحديث، وكذلك نظراً لتبني الحزب الجمهوري لبرنامج سياسي يسعى لإعادة ترسيم الدوائر الانتخابية لصالحه ولتغيير الإجراءات الانتخابية على مستوى الولايات للحد من تأثير الكتلة التصويتية الديمقراطية خاصة في أوساط الأقليات العرقية السوداء واللاتينية فيما يعرف بمحاولات تقييد الناخبين Voter Suppression.
والملفت أن الكثير من المرشحين الجمهوريين في الانتخابات الحالية هم من أنصار نظرية السرقة الكبرى، حيث شهدت الانتخابات الداخلية للحزب الجمهوري Primaries استبعاد المرشحين الجمهوريين ذوي التوجهات المعتدلة لصالح المرشحين الجمهوريين الراديكاليين الموالين لجبهة ترامب والمؤيدين لنظرية السرقة الكبرى التي يروج لها.
الولايات المتأرجحة
شهدت الولايات المتحدة في العقود الأخيرة، نظراً لاعتبارات تاريخية وديموغرافية، وفي ضوء إعادة ترسيم العديد من الدوائر الانتخابية وفقاً لاعتبارات حزبية Gerrymandering، ثباتاً كبيراً في التوجهات الانتخابية لكل ولاية، مما قلل بشكل كبير من عدد الولايات التنافسية وأدى إلى انقسام الخريطة الانتخابية في الولايات المتحدة إلى ولايات ديمقراطية، خاصة في المناطق الساحلية والشمالية الشرقية تعرف بالولايات الزرقاء وإلى ولايات جمهورية خاصة في المناطق الجنوبية والداخلية تعرف بالولايات الحمراء، وأصبح نجاح أو سقوط أي من الحزبين على المستوى الفيدرالي مرتبطاً بشكل كبير بنتائج الانتخابات في عدد محدود من الولايات المتأرجحة Swing States ويتراوح عددها بين 6 و10 ولايات. لذا تكتسب السباقات الانتخابية في هذه الولايات أهمية خاصة نظراً لأن نتائج الانتخابات في هذه الولايات تحدد الحزب والمرشح الفائز في الانتخابات.
وتعتمد نتيجة الانتخابات النصفية 2022 إلى حد كبير على السباقات الانتخابية في عدد محدود من الولايات وهي أريزونا وجورجيا ونيفادا ونيو هامبشير وويسكنسن ومشيجين وبنسلفانيا، حيث تحتد المنافسة بشكل كبير في هذه الولايات بين المرشحين الديمقراطيين والجمهوريين مما يصعب من إمكانية التنبؤ مسبقاً بالحزب أو المرشح الفائز.
القضايا الانتخابية ذات الأولوية
تتصاعد خلال الانتخابات النصفية حالة انقسام فيما يخص القضايا الانتخابية ذات الأولوية للناخبين، ففيما عدا القضايا الخاصة بالاقتصاد والتضخم، والتي تأتي في مقدمة أولويات الناخبين الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء، ينقسم أنصار الحزبين على أهمية باقي القضايا، حيث يرى أنصار الحزب الجمهوري أن قضايا مثل الحد من الهجرة واحتواء الجريمة في المدن الكبرى قضايا ذات أهمية قصوى، بينما يرى أنصار الحزب الديمقراطي أن قضايا مثل حماية الديمقراطية والرعاية الصحية وحرية الإجهاض وحماية سلامة العملية الانتخابية تحتل أهمية شديدة.
ويركز المرشحون الجمهوريون في حملاتهم الانتخابية بشكل مكثف على قضايا التضخم والركود وغلاء أسعار الوقود والسلع الغذائية وعلى ارتفاع مستويات الجريمة في المدن الكبرى وعلى ضرورة الحد من الهجرة. ومن ناحية أخرى يركز المرشحون الديمقراطيون على التهديد الذي يمثله الحزب الجمهوري بقيادة ترامب على الديمقراطية وعلى الحريات الشخصية والجنسية.
ويرى الكثير من المعلقين أن أولوية القضايا الاقتصادية لدى أغلبية الناخبين تضر بفرص الحزب الديمقراطي في الانتخابات القادمة، حيث أن قطاعاً كبيراً من الناخبين يلوم الرئيس وحزبه على ارتفاع الأسعار وتراجع معدلات النمو. كذلك فإن محاولات الحزب الديمقراطي تركيز اهتمام الناخبين على قضايا مثل حرية الإجهاض والخطر الذي يمثله ترامب وأنصاره على الديمقراطية قد يكون غير كافٍ لإقناع الناخبين المستقلين والمتأرجحين بالتصويت لصالح الحزب الديمقراطي في ضوء تراجع الأوضاع الاقتصادية في الفترة الأخيرة.
النتائج المحتملة
تؤثر العديد من العوامل على النتائج المتوقعة للانتخابات النصفية. فمن ناحية، أدت الأزمة الاقتصادية الحالية إلى تراجع شعبية الرئيس بايدن بشكل كبير، حيث انخفضت إلى 38٪ في أكتوبر 2022، مما يعزز من فرص حصول الحزب الجمهوري المعارض على الأغلبية في مجلسى الشيوخ والنواب، كما جرت العادة في معظم الانتخابات النصفية.
ومن ناحية أخرى، فإن استمرار هيمنة ترامب وأنصاره على الحزب الجمهوري وتبنيهم لمواقف معادية للتعددية العرقية والثقافية وللديمقراطية وللحريات الشخصية، خلق حالة من التعبئة الاستثنائية داخل الحزب الديمقراطي وبين الناخبين المستقلين والمتأرجحين، مما أدى إلى تدفق التبرعات للمرشحين الديمقراطيين (وإلى حد أقل للمرشحين الجمهوريين) بشكل غير مسبوق، ومما يعزز من إمكانية ارتفاع نسب المشاركة في الانتخابات النصفية القادمة فوق النسب المعتادة، على نحو قد يؤدي إلى احتفاظ الحزب الديمقراطي بالأغلبية داخل مجلس الشيوخ وإلى نجاح الكثير من المرشحين الديمقراطيين على مستوى الولايات المتأرجحة.
وتشير معظم الاستطلاعات إلى أنه بالرغم من تدني شعبية بايدن واستمرار الأزمة الاقتصادية، إلا أنه من المرجح أن ينجح الديمقراطيون في أن يحتفظوا بالأغلبية داخل مجلس الشيوخ، وأن ينجح مرشحوهم للمناصب المحلية في الكثير من الولايات المتأرجحة، بينما تشير معظم الاستطلاعات إلى ارتفاع احتمالات حصول مرشحي الحزب الجمهوري على الأغلبية داخل مجلس النواب.
التداعيات المتوقعة
إذا ما تحققت تنبؤات المحللين واستطلاعات الرأي فيما يخص النتائج المتوقعة للانتخابات، ونجح الديمقراطيون في الحفاظ على الأغلبية في مجلس الشيوخ بينما نجح الجمهوريون في الحصول على الأغلبية في مجلس النواب، فإن العامين القادمين سيشهدان حالة من الشلل السياسي، حيث لن يستطيع بايدن وحزبه تمرير أي قوانين أو موازنات بدون مساندة الحزب الجمهوري، وهو ما يصعب تحققه في ظل التوجهات الحالية للحزب الجمهوري، وسيتحول بذلك الرئيس بايدن إلى رئيس محدود الصلاحيات Lame Duck President حتى انعقاد الانتخابات النصفية والرئاسية القادمة في 2024.
ومن ناحية أخرى، سوف تمثل نتائج الانتخابات النصفية مؤشراً مهماً للانتخابات القادمة في 2024، فإذا نجح المرشحون المناصرون لترامب على المستوى الفيدرالي وعلى مستوى الولايات، في تحقيق مكاسب انتخابية مهمة، ستتزايد احتمالات نجاحهم في تحقيق مكاسب إضافية في 2024، وستتزايد فرص عودة ترامب أو أحد أعضاء تياره إلى الرئاسة في 2024. ومن ناحية أخرى، سوف يستغل أنصار ترامب أي نجاح يحققونه على مستوى حكومات الولايات لتمرير تشريعات محلية تضيق من الحريات الانتخابية والمدنية والشخصية بما يخدم برنامجهم السياسي وفرص نجاحهم في أي انتخابات قادمة.