• اخر تحديث : 2024-11-15 12:27
news-details
تقدير موقف

أثر انتخابات التجديد النصفي على الدعم الأمريكي لأوكرانيا


أعلن بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي العمل على تمرير قانون يرصد مساعدات عسكرية جديدة لأوكرانيا تصل قيمتها إلى 50 مليار دولار حتى يناير 2023. وفي المقابل، حذّر كيفين مكارثي، زعيم الجمهوريين بمجلس النواب الأمريكي، في منتصف أكتوبر 2022، من أن أعضاء حزبه لن يقدموا شيكاً على بياض لأوكرانيا، إذا استعادوا الأغلبية في مجلس النواب في انتخابات التجديد النصفي.

تراجع الإجماع الحزبي:

هناك عدة أسباب وراء تحوّل نغمة الحزب الجمهوري حالياً، ودعوته لإنهاء الدعم الأمريكي المفتوح لأوكرانيا، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:

1- كسب ثقة الناخب الأمريكي: تسري توقعات سلبية بأن الاقتصاد الأمريكي سوف يدخل في حالة ركود اقتصادي في الأشهر الـ 12 المقبلة، مع تخفيض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكي. ويأمل الجمهوريون في أن تكون قضية تقديم المساعدات الأمريكية إلى أوكرانيا بمنزلة "فرصة" تثبت خطأ سياسة الديمقراطيين مع قرب انتخابات التجديد النصفي المزمع انعقادها في 8 نوفمبر المقبل.

وعلى الرغم من تأييد الجمهوريين في الكونغرس أكثر من مرة لإقرار حزم المساعدات الأمريكية إلى أوكرانيا؛ والتي وصلت حتى الآن أكثر من 60 مليار دولار، فإن النغمة أصبحت مختلفة حالياً مع قرب انتخابات التجديد النصفي، حيث يدرك الجمهوريون أن الناخب الأمريكي لا يضع الحرب الأوكرانية على أجندة أولوياته، وذلك في ضوء زيادة أسعار المواد الغذائية بنسبة 13%، وتضاعف فواتير الطاقة، وكذلك تكلفة الخدمات العامة.

وبالتالي، يرغب الحزب الجمهوري في إقناع الناخب الأمريكي أن سياسة الديمقراطيين بقيادة بايدن بشأن دعم أوكرانيا ما هي إلا سياسة غير مدروسة، توظف أموال دافعي الضرائب في حرب طويلة الأمد بين روسيا وأوكرانيا، وربما ستكون سبباً في تعميق الركود الاقتصادي الأمريكي، والذي من المتوقع أن يؤثر بطريقة مباشرة على المواطن الأمريكي من خلال رفع معدلات البطالة في البلاد.

2- توحيد الحزب بمختلف أجنحته: لا شك أن تصريحات مكارثي بشأن عدم توقيع واشنطن شيكاً على بياض لأوكرانيا تأتي كمحاولة منه لاستمالة الجناح اليمني للحزب، والذي يُعد المعارض الرئيس لتقديم المساعدات لكييف، فضلاً عن توظيف ذلك لتوليد الدعم الكافي لتولي مكارثي رئاسة مجلس النواب، خلفاً لنانسي بيلوسي، إذ ما فاز الجمهوريون بأغلبية في مجلس النواب بعد انتخابات التجديد النصفي.

3- محاولة تهدئة التوترات مع روسيا: قال الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، إن التوافق مع روسيا أمر جيد وصحيح، لأنها تمتلك رؤوساً نووية حربية. وبالتالي، فإن ذلك سبب قوي للصداقة مع موسكو. ونظراً لأن ترامب يتمتع بشعبية واسعة في أواسط الجمهوريين، حتى أن بعض التقييمات تذهب إلى أنه سيفوز بترشيح الحزب الجمهوري لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة في 2024، فإنه ليس من المستغرب ظهور تصريحات الجمهوريين والتي تشكك في جدوى المساعدات التي تُقدم لأوكرانيا، وتؤكد أن مصير أوكرانيا ليس مرتبطاً بالمصالح الوطنية للولايات المتحدة.

ويرى المراقبون أن تصريحات رموز الجمهوريين المتتالية ما هي إلا بوادر تعكس التململ من كلفة الحرب، خاصة في ظل مخاوف الأمريكيين من تراجع الدعم الأوروبي لأوكرانيا مع قدوم الشتاء، حيث تشير التقديرات إلى أن الأوروبيين ربما سيخفضون دعمهم لأوكرانيا إذا ما تأثرت إمدادات الطاقة لديهم.

4- إعلاء المصلحة الأمريكية: بات الأمريكيون يفكرون في مصلحة واشنطن قبل كل شيء خاصة مع إطالة أمد الحرب الروسية الأوكرانية. وفي هذا الصدد، تعالت أصوات الجمهوريين المعارضة لاستمرار التمويل الأمريكي لأوكرانيا. فهناك اتجاه يعتقد أنه لا يمكن أن تقود واشنطن حلفاءها في الأزمة الأوكرانية في الوقت الذي تعاني فيه ضعفاً شديداً في الداخل، فالأولوية الآن هي تأمين الحدود، وإعادة أمريكا للوقوف على أقدامها من خلال معالجة تكاليف الطاقة والتضخم.

وهناك اتجاه آخر -يُمثله مايكل ماكول، العضو الجمهوري البارز في لجنة الشؤون الخارجية، ينتقد قيام الولايات المتحدة بدفع الفاتورة الأكبر من المساعدات المقدمة، مقارنة بالحلفاء الكبار الآخرين في حلف شمال الأطلسي مثل ألمانيا وفرنسا.

وبعيداً عن الحزب الجمهوري، تساءل الملياردير الأمريكي، إيلون ماسك، عن جدوى قيام شركته بتقديم خدمة الإنترنت بالمجان للقوات الأوكرانية إلى أجل غير مسمى، لافتاً أنظار البنتاغون نحو ضرورة البدء في دفع فاتورة تلك الخدمة. ولاقى هذا الأمر انتقادات شديدة من قبل الأوكرانيين، خاصة أنه اقترح خطة للسلام بين أوكرانيا وروسيا، تنطوي على إعادة إجراء الانتخابات "تحت إشراف الأمم المتحدة" في الأراضي التي ضمتها روسيا مؤخراً بشكل غير قانوني. وفي المقابل، يرى بعض المراقبين أنها تعكس غلبة الأصوات بشأن ضرورة إعادة تقييم تكلفة المساعدات المقدمة إلى أوكرانيا.

احتواء الانقسام الديمقراطي:

لاتزال الإدارة الأمريكية ترفض أي تراجع عن دعم أوكرانيا، بل وتميل إلى تصعيد الدعم العسكري لكييف، ولذلك تبنت إدارة بايدن المواقف التالية:

1- رفض مطالبات ديمقراطية مماثلة: أرسل 30 عضواً ديمقراطياً بمجلس النواب الأمريكي، بقيادة زعيمة التقدميين الديمقراطيين بمجلس النواب براميلا جايبال، في 25 أكتوبر 2022، رسالة للرئيس جو بايدن، تطالبه بتغيير استراتيجيته بشكل كبير بشأن حرب أوكرانيا، وتطالبه بالتفاوض المباشر مع روسيا.

وأعرب النواب عن اعتقادهم بأنه في مصلحة أوكرانيا والولايات المتحدة والعالم تجنب صراع طويل الأمد، كما أشار النواب في بيانهم إلى أنهم وكمشرعين مسؤولين عن إنفاق عشرات المليارات من دولارات دافعي الضرائب الأمريكيين في المساعدة العسكرية في الصراع، يعتقدون أن مثل هذا التورط في هذه الحرب يخلق أيضاً مسؤولية للولايات المتحدة لاستكشاف جميع السبل الممكنة بجدية، بما في ذلك المشاركة المباشرة مع روسيا لتقليل الضرر ودعم أوكرانيا في تحقيق تسوية سلمية.

ويلاحظ أن جايبال قامت، وفي اليوم نفسه، بسحب الرسالة، زاعمة أنها تم نشرها بسرعة ومن دون مراجعة، وهو ما يكشف عن حجم الضغوط التي تعرضت لها للتراجع عن موقفها، كما أن تبني الديمقراطيين التقدميين لموقف الجمهوريين نفسه يكشف عن وجود مخاوف لدى قطاع من الديمقراطيين من أن يمثل موقف الجمهوريين السابق أحد الأوراق الرابحة التي يستميل بها الناخب الأمريكي.

2- هجوم بايدن على الجمهوريين: انتقد الرئيس بايدن موقف الجمهوريين خلال جولة له في ولاية بنسلفانيا، واصفاً إياهم بأنهم "ليس لديهم أي فهم للسياسة الخارجية الأمريكية"، ومؤكداً أن هدف المساعدات يتجاوز أوكرانيا، ويهدف إلى حماية أوروبا الشرقية وحلف شمال الأطلسي.

وتعكس هذه التصريحات استمرار تأكيد بايدن أهمية تطوير العلاقات عبر الأطلسية، والتي كادت تنتهي في ظل رفع شعار "أمريكا أولاً" من قبل الرئيس السابق دونالد ترامب، غير أن تبني قطاع من الديمقراطيين موقف الجمهوريين نفسه يمثل إحراجاً كبيراً لبايدن، إذ إنه يظهر أن هناك مخاوف جدية باتت تتسرب لدى الحزبين من استمرار تكلفة الحرب المرتفعة لأوكرانيا.

3- خسارة انتخابات التجديد النصفي: يخشى الديمقراطيون من إضفاء الطابع الاقتصادي على مسألة دعم أوكرانيا عسكرياً، خاصة أن القضايا الاقتصادية تُعد أولوية للناخب الأمريكي، وبالتالي، فإن ربط تقديم المساعدات لأوكرانيا بارتفاع أسعار الغذاء والطاقة في الولايات المتحدة لن يكون في صالح إدارة بايدن الديمقراطية، التي فشلت في وضع حلول لمعالجة مستويات التضخم غير المسبوقة من الناحية الاقتصادية، ولم تف بوعودها بشأن هزيمة روسيا في أوكرانيا، وبالتالي يتساءل المواطن الأمريكي عن جدوى المساعدات الأمريكية المقدمة لكييف، خاصة في ظل فداحة التكلفة الاقتصادية لدعم أوكرانيا، وعدم تضرر الاقتصاد الروسي، كما توقعت إدارة بايدن في بداية الحرب.

وعلى الرغم من نجاح كييف في تحقيق انتصارات عسكرية واسعة في خاركيف، ومحدودة في خيرسون، فإن إعلان موسكو التعبئة الجزئية لنشر حوالي 300 ألف جندي في أوكرانيا، قد تنذر بتحول مجرى الحرب من جديد لصالح روسيا.

وعلى الرغم مما سبق، فقد يُعّول الديمقراطيون على بعض استطلاعات الرأي التي تؤكد أن الشعب الأمريكي مستعد لتحمل تكلفة الحرب في أوكرانيا، كما في استطلاع جامعة ميريلاند، والذي كشف، مطلع أكتوبر 2022، عن أن 62% من الجمهور الأمريكي مستعد لتحمل تكاليف طاقة مرتفعة لمساعدة أوكرانيا، منهم 78% من الديمقراطيين و44% من الجمهوريين.

تداعيات استراتيجية محتملة:

يلاحظ أن المواقف الجمهورية من الحرب الأوكرانية قد يكون لها تأثير محتمل على إقرار المساعدات الاقتصادية والعسكرية لأوكرانيا مستقبلاً، ولذلك اتجه الديمقراطيون للتحسب لذلك، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:

1- إسراع الديمقراطيين بإقرار مساعدات: أعرب الديمقراطيون عن قلقهم جراء تصريحات أعضاء الحزب الجمهوري بشأن تقليص الدعم المالي لأوكرانيا في حربها ضد روسيا، لدرجة أنه من المتوقع أن يبذل الديمقراطيون قصارى جهدهم خلال الأيام المقبلة لكي يتم تمرير قانون يرصد مساعدات عسكرية جديدة لأوكرانيا حتى يناير 2023، وذلك في ظل المخاوف من أن يقوم الكونغرس بعد انتخابات التجديد النصفي، إذا سيطر عليه الجمهوريون، بمراجعة، أو تقليص المساعدات المقدمة لأوكرانيا.

2- تهديد محتمل لأوكرانيا: تشكل المساعدات، الاقتصادية والعسكرية، شرياناً حيوياً لاستمرار عمل حكومة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسيكي، المدعومة من الغرب، ومواصلة قواتها العسكرية القتال ضد القوات الروسية، وبالتالي، فإن الفوز المحتمل للحزب الجمهوري في انتخابات التجديد النصفي المقبلة للكونجرس الأمريكي قد يكون سبباً لإضعاف الدعم العسكري الذي تقدمه واشنطن لكييف. وعلى هذا النحو سيكون كارثة للسلطات الأوكرانية، لأن قرار تقليص، أو وقف المساعدات الأمريكية لأوكرانيا سيعني الإضرار بقدرات قواتها، وهو ما سوف يصب حتماً في صالح روسيا.

3- إرباك حلفاء الولايات المتحدة: تعاني واشنطن تبايناً في السياسات بين الجمهوريين والديمقراطيين، وهو ما انعكس سلباً على علاقاتها بحلفائها، والذين بات بعضهم يدرك أن الاعتماد الكبير على واشنطن قد يعرض موقفهم للانكشاف. وفي حالة قيام الجمهوريين بتقليص المساعدات إلى أوكرانيا، فإن حلفاء واشنطن في أوروبا الشرقية، خاصة تلك التي تتبنى مواقف حادة من موسكو، مثل بولندا ودول البلطيق، قد تشعر بتعاظم التهديدات الروسية، خاصة إذا ما أخفقت واشنطن في تحقيق تعهدها بهزيمة روسيا في أوكرانيا، وقبلت بتسوية سلمية تعترف فيها ببعض المطالب الروسية في أوكرانيا.

وفي الختام، من المرجح في حال فوز الجمهوريين في الانتخابات القادمة، أن تتم مراجعة المساعدات المقدمة لأوكرانيا، وهو ما قد يؤدي إلى تدهور في العلاقات عبر ضفتي الأطلسي، حيث سينظر الأوروبيون إلى أن هذه الخطوات بمنزلة تمهيد لعودة شعار "أمريكا أولاً"، وربما بداية لحقبة ترامبية جديدة، مما سيخلق نوعاً من عدم الثقة بين الأوروبيين والأمريكيين، غير أنه في المقابل، قد يمهد الباب أمام التوصل إلى مفاوضات لتسوية الأزمة، وربما سيؤثر ذلك إيجابياً على كل دول العالم، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط، والتي تأثرت من تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية.